الحمدُ للهِ ،قدَّمَ من شاءَ بفضلِهِ ، وأخرَّ من شاءَ بعدلِهِ ، هو الكريمُ الوهابُ ، هازمُ الأحزابِ ، ومنشئُ السحابِ ، ومنزلُ الكتابِ ، ومسببُ الأسبابِ ، وخَالِقُ النَّاسِ مِن تُرابٍ ، هو المبدءُ المعيدُ ، الفَعَّالُ لمايُريدُ ، جلَّ عن أتخاذِ الصاحبةِ والولدِ ، ولم يكنْ له كفواً أحدٌ ، أشهدُ شهادةَ حقٍ ، لايشوبها شكٌ ، أنَّهُ لا إلهَ إلا هوَ ، وحدَهُ ولا شريكَ له ، ( لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليه ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلم تسليماً كثيراً : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) :أما بعد:أيُّها الإخوةُ في اللهِ، جاءَ في صحيحِ مسلمٍ عن أُسَيْرِ بنِ جابرٍ رضي الله عنه : قالَ: كانَ عمرُ بنُ الخطابِ إذا أتاهُ أَمْدَادُ أهلِ اليمنِ سَأَلَهُمْ: أَفِيْكُمْ أُوَيْسُ بنُ عامرٍ؟ وكانَ رضي الله عنه ، لا يجدُ على ذلكَ السؤالِ جواباً لأن المسؤولَ عنه غَيرُ معروفٍ في أهلِ اليمنِ، فلم يكنْ بذي جاهٍ ولا مالٍ ولا رياسةٍ، فقد طلبَهُ رضي الله عنه ، في حياةِ رسولِ اللهِ r فلم يَقِدرْ عليهِ، وطلبَهُ في عهدِ أبي بكرٍ رضي الله عنه ، فلم يقدرْ عليهِ، واستمرَ حتى مضى شطرٌ من إمارتِهِ رضي الله عنه ، وقد مكثَ رضي الله عنه ، يسألُ الناسَ عن أويسِ القرني عشرَ سنين لم يَكلَّ ولم يَملَّ فيها.وفي الحجِ سنةَ ثلاثٍ وعشرينً وكان عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه ، في الحجيجِ في أواخرِ خلافتِهِ رضي الله عنه ، وقبيلَ استشهادِهِ بأيامٍ، ولا يزالُ شُغْلُهُ الشاغلُ البحثَ عن ذلكَ الرجلِ من رعيتِهِ ، يريدُ مقابلتَهُ. فلما أعيتْهُ الحيلُ ، ولم يجدْ المطلوبَ ، صعدَ عمرُ رضي الله عنه ، جبلَ أبا قُبَيسٍ في جمعٍ من الحجيجِ ، وأطلَّ على الحجيجِ، ونادى بأعلى صوتِهِ: يا أهلَ اليمنِ، أَفِيْكُمْ أُويسٌ مِن ْمُرَادٍ؟ فقامَ شيخٌ من قَرَنٍ فقالَ: يا أميرَ المؤمنينَ، إِنَّكَ قَد أكثرتَ السؤالَ عن أُويسٍ هَذَا، وما فِيْنَا أَحدٌ اسمُهُ أُويسٌ ، إِلاَّ ابنُ أخٍ لي يُقَالُ لَهُ: أُويسٌ، فأنا عمُّهُ ، إِنَّكَ تَسألُ عن رَجُلٍ وَضِيعَ الشَّأنِ، ليسَ مِثلُكَ يَسألُ عنهُ يا أميرَ المؤمنينَ ، وهو حقيرٌ بينَ أَظْهُرِنا، خَامِلُ الذِّكرِ، وأقلُّ مالاً، وأوهنُ أمراً من أن يُرفعَ إليكَ ذِكرُهُ. قال: يا شيخْ، وأينَ ابنُ أخيكَ هذا الَّذي تَزْعُمُ؟ أَهُوَ مَعَنَا بالحرمِ؟ قالَ الشيخُ: نَعَمْ يا أميرَ المؤمنينَ، هو مَعَنَا في الحرمِ غَيرَ أَنَّهُ في أَرَاكِ عَرفةَ يَرعى إِبلاً لنا.فَركبَ عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه ، على حِمَارٍ لهُ، وخرجَ من مكةَ، وأسرعَ إلى أراكِ عرفةَ، ثم جعلَ يتخللُ الشجرَ ويطلبُهُ، فإذا برجلٍ في طِمْرَينٍ مِنْ صوفٍ أبيضٍ ، قَدْ صَفَّ قَدَميهِ يُصلي إلى الشجرةِ ، وقد رمى بِبَصرِهِ إلى مَوضِعِ سُجودِهِ، وأَلقَى يَديهِ على صَدرِهِ ، والإبلُ حولَهُ تَرعى. فَلمَّا سمعَ أويسٌ حسَّهُ أوجزَ في صلاتِهِ ثم تشهدَ وسلمَ ، وتَقَدمَا إليهِ فَسَّلما عليهِ وردَّ عليهِما التحيةَ بأحسنَ مِنْها، فقالَ عمرُ رضي الله عنه ،: مَن أنتَ؟ قال: راعي إبلٍ وأَجيرٌ للقومِ، فقالَ عمرُ: ليس عن الرِّعايةِ أسألُكَ ، ولا عن الإجارةِ، إنما أسألُك عن اسمِكَ، فمن أنتَ يرحمُكَ اللهُ؟ فقالَ: أنا عبدُ اللهِ وابنُ أمتِهِ، فقالا: قد علمْنا أَنَّ كلَّ من في السمواتِ والأرضِ عبيدُ اللهِ، وإني أقسمُ عليكَ إِلاَّ أخبرتَني باسمِكَ الذي سمتْكَ به أمُّك، قالَ: يا هذا، ما تُريدُ مني؟ أَنا أُويسُ بنُ عبدِ اللهِ، فقالَ عمرُ رضي الله عنه ،: اللهُ أكبرُ، يجبُ أن توضحَ عن شقِّكَ الأيسرِ، قال: وما حاجتُكَ إلى ذلك؟ فقال لهُ: إن رسولَ اللهِ r وصفَكَ وقد وجدتُ الصفةَ كما أخبرني، غَيرَ أَنَّهُ r أعلمَنا أن بشقِّكَ الأيسرِ لمعةٍ بيضاءٍ كمقدارِ الدينارِ أو الدرهمِ، وأنا أُحِبُّ أن أنظرَ إلى ذلك، فأوضحَ له ذلك عن شقِّهِ الأيسرِ.فلمَّا نظرَ عمرُ رضي الله عنه ، إلى اللمعةِ البيضاءِ ابتدرَ إليهِ وقالَ: يا أويسٌ، إنَّ رسولَ اللهِ r أَمْرَنا أن نُقْرِئَكَ منه السلامَ، وأَمَرَنا أن نسألَكَ أن تستغفرَ لي، فاستغفرْ لي فقد أَخبرَنا بأنكَ سيدُ التابعينَ، وأَنَّك تَشفَعُ يَومَ القيامةِ في عددِ ربيعةَ ومُضرَ. فبكى أويسٌ بكاءً شديداً، ثم قالَ: عسى أن يكونَ ذلك غيري، فقالَ: إنَّا قَدْ تَيَقَنّا أَنَّك هُو، فادعُ اللهَ لي ـ رحمك الله ـ بدعوةٍ وأنتَ محسنٌ. فقالَ أويسُ: مَا أَخُصُّ باستغفارِ نفسي، ولاَ أحدٌ من ولدِ آدمَ ، ولكن مَنْ أَنتَ يَرحَمُكَ اللهُ؟ فإني قد أخَبرتُكَ وشَهَرْتُ لك أَمري، ولم أُحبَّ أن يَعلمَ بمكاني أحدٌ من الناسِ، فقالَ: أنا عمرُ بنُ الخطابِ ، فوثبَ أويسٌ فَرِحَاً مُستَبشراً ، فعانقَهُ وسلَّمَ عليهِ ورَحَّبَ به ، قال أويسٌ: ومِثلي يَستغفرُ لمثلِكَ؟! فقالَ: نعم، فاستغفرَ لهُ.فقالَ عمرُ رضي الله عنه ،: مكانَكَ حتى أَدخُلَ مكةَ ، فآتيكَ بنفقةٍ من عَطَائي ، وفَضْلِ كِسوةٍ مِن ثِيابي، فإني أراكَ رثَّ الحالِ، هذا المكانُ الميعادُ بيني وبينَكَ غدا. فقالَ: يا أميرَ المؤمنينَ، لا ميعادَ بيني وبينَكَ، ما أصنعُ بالنفقةِ؟ وما أصنعُ بالكسوةِ؟ أما ترى عليَّ إزاراً من صوفٍ ورداءً من صوفٍ؟! متى أراني أَخلِفُهما؟! أما ترى نعليَّ مخصوفتينِ؟! متى تُراني أُبليهما؟! ومعي أربعةُ دراهمٍ أخذتُ من رعايتي متى تُراني آكلَها؟! يا أميرَ المؤمنينَ، إِنَّ بينَ يدي عقبةٍ لا يقطعُها إلاَّ كلُّ مُخفٍّ مَهزولٍ، فأخفِ ـ يرحمُك الله ـ يا أبا حفصٍ، إن الدنيا غرارةٌ غدارةٌ، زائلةٌ فانيةٌ، فمن أمسى وهمتُهُ فيها اليومَ ، مدَّ عنقَهُ إلى غدٍ، ومن مدَّ عنقَهُ إلى غدٍ ، أعلقَ قلبَهُ بالجمعةِ، ومن أعلقَ قلبَهُ بالجمعةِ لم ييأسْ من الشهرِ، ويوشكُ أن يطلبَ السنةَ، وأجلُهُ أقربُ إليه من أملِهِ، ومن رفضَ هذه الدنيا أدركَ ما يريدُ غداً من مجاورةِ الجبارِ.فلما سمعَ عمرُ رضي الله عنه ، كلامَهُ ضربَ بدرتِهِ الأرضَ، ثم نادى بأعلى صوتِهِ: ألا ليتَ عمرُ لم تلدْهُ أمُّهُ، ليتَها عاقرٌ لم تعالجْ حملِها، ألا من يأخذُها بما فيها ولها. فقالَ له عمرُ رضي الله عنه ،: أين تريدُ؟ قالَ: الكوفةَ، قالَ: ألا أكتبُ لكَ إلى عاملِها؟ قالَ: أكونُ في غبراءِ الناسِ أحبُّ إلي.قالَ: فلما كانَ من العامِ المقبلِ حجَّ رجلٌ من أشرافِهم، فوافقَ عمرَ رضي الله عنه ، فسألَهُ عن أويسٍ، قال: تركتْهُ رثَّ البيتِ قليلَ المتاعِ ، فَقَالَ لَهُ عُمر رضي الله عنه: سَمعتُ رسولَ اللهِ r يقولُ: {يأتي عَليكم أُويسُ بنُ عامرٍ مع أَمْدَادِ أهلِ اليمنِ من مُرَادٍ ثم مِنْ قَرَنٍَ، كان بِهِ بَرَصٌ فَبَرِأَ مِنهُ إلاَّ مَوضِعَ دِرهمٍ، لَهُ والدةٌ هو بها برٌّ، لو أَقْسَمَ على اللهِ لأبرَهُ، فإن استطعتَ أن يستغفرَ لكَ فافعلْ}، فأتى الرَّجُلُ أويساً فقالَ: استغفرْ لي، قالَ:أُويس ، أَنتَ أحدثُ عهداً بسفرٍ صالحٍ فاستغفرْ لي، قال: استغفرْ لي، قال: أنتَ أحدثُ عهداً بسفرٍ صالحٍ فاستغفرْ لي، قال أُويس : لقيتَ عمرَ؟ قالَ: نَعَمْ، فاستغفرْ لهُ ، فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ فانطلقَ على وجهِهِ.
بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، قلت ما سمعتم ، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم . ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه فقد فاز المستغفرون
الحمد للهِ على إحسانِهِ ، والشكرُ لهُ على توفيقِهِ وامتنانِهِ ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ ، وحدهُ لا شريكَ لهُ ، تعظيماً لشانِهِ ، وأشهدُ أنَّ نبينا محمّداً عبدُهُ ورسولُه ، الدّاعيَ إلى رضوانِهِ ، صلّى الله عليه وعلى آلِهِ وأصحابِه وأعوانِهِ ، وسلّم تسليماً مزيداً:أيُّها الأحبةُ في اللهِ، لقد نالَ أُوَيسٌ القَرَني هذه المنزلةَ العظيمةَ ، بَسَبِبِ برِّهِ لأمِّهِ،فَكيفَ حالُكم معَ أُمهاتِكُم ، أخبرَ النبيُّ r بِنَعْتِهِ وَوصفِهِ وَخَبَرِهِ، وحثَّ الفاروقَ المبُشَّرَ بالجنةِ أن يطلُبَ منه أن يستغفرَ لهُ إنْ هُوَ أدركَهٌ. وَعُمرٌ رضي الله عنه ، أَفضَلُ مِن أُوَيسٍ القَرَني بلا خلافٍ، ويطلبُ من أُوَيسِ القَرَني أن يستغفرَ له! فرضي اللهُ عن عمرَ، ورضي اللهُ عن أُوَيسٍ، وما أعظمَ برَّ الوالدين ! يهديك اللهُ به سواءَ السّبيل ، ويَستجيبُ لِدُعائِكَ ويُصلحُ لك ذُريّتَك ، ويُمَتِعُكَ متاعاً حَسَنَاً بأذنه ، ويُسددُك في أقوالِك وأفعالِكَ ، ويَرضَى عَنكَ ، ويُمِدُكَ بعونٍ منه ، ويرزقك قَبَولاً في الناس ،عباد الله صَلّوا وسلِّموا على الهادي البشير ، والسراج المنير ، الَّذي ماترك خيراً إلاَّ ودلنا عليه ، ولا شراً إلاَّ وحذرنا منه بأبي هو وأُمّي ، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا)، وقال r : {من صلى عليَّ مرة صلى الله عليه بها عشرًا}. اللهم صلِ وسلَّمْ وأنعمْ وأكرمْ ، وزدْ وباركْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ وارضَ اللهم عن الخلفاءِ الأئمةِ الحُنفاءِ ، أبي بكرٍ وعُمرَ وعُثمانَ وعلي وعن سائرِ أصحابِ نبيك أجمعين وعن التابعينَ وتابعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ وعنا معهم بِمنِك وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الرحمين ، اللهم أعزَ الإسلامَ والمسلمينَ ، وأذلَّ الشركَ والمشركين ودمرْ أعداءَ الدينِ ، من اليهودِ والنصارى وجميعِ الكفرةِ والمُلحدين ، اللهم اكتبْ لأهلِ هذا الدينِ عزاً ونصراً واجعلْ لمن عاداهُ ذلةً ومهانةً وقهراً ، اللهم ثَبتْنا على نهجِ الاستقامةِ ، وأعذْنا من موجباتِ الحسرةِ والندامةِ يومَ القيامةِ ، وخفَّفْ عنَاّ ثُقلَ الأوزارِ وارزقنا عيشةَ الأبرارِ، وانظمْنا في سلكِ حزبِك المُفلحين ، وأتممْ علينا نعَمَتَك الوافيةَ ، وارزُقْنا الإخلاصَ ، في أعمالِنا والصَّدقَ في أقوالِنا ، وعُدْ علينا بإصلاحِ قُلُوبِنا وذُرِّيَتِنَا ، واغفرْ لنا ولوالدِينا ولجميعِ المسلمين ، برحمتِك يا أرحمَ الرحمين (ربنا آتنا في الدُنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقنا عذابَ النارِ ) عبادَ اللهِ إن اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القربى وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغي يعظُكم لعلكم تذكرون فاذكروا اللهَ العظيمَ يذكرْكم واشكروه على نعمِهِ يزدْكم ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون .
المفضلات