الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ........
أيها الناس/ أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) فتقوى الله عونٌ ونُصرةٌ، وعلمٌ وحكمةٌ, وخروجٌ من الغم والمحنة، وتكفيرٌ للذنوب ونجاةٌ في الآخرة.
عباد الله/ لقد جعل الله فاتحة العام الهجري شهرًا عظيمًا مباركًا هو شهرُ اللهِ المحرم، أحدُ الأشهر الحُرُم التي قال الله فيها: ((إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)) وقال صلى الله عليه وسلم : ((السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ)) رواه البخاري من حديثِ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضلَ الإكثار من صيام النافلة فيه، فقد روى أبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ)) رواه مسلم.
ومن الأزمنة ـ يا عباد الله ـ التي خصّها الشرعُ الحكيم بمزيد فضلٍ في شهر الله المحرم يوم عاشورا، والذي يتعلق بهذا اليوم أمورٌ يحسنُ التنبيهُ لها في هذه الخُطبةِ إن شاء الله تعالى، فمنها:
أولاً: الفضل الوارد في صيام يوم عاشورا: فعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلاّ هَذَا الْيَوْمَ: يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وعن أبي قتادةَ رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن صيام يومِ عاشورا فقال: ((أحتسبُ على اللهِ أن يكفرَ السنةَ التي قبله)) رواه مسلم. وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يومٍ واحد تكفيرَ ذنوبِ سنةٍ كاملة، والله ذو الفضل العظيم.
ثانيًا: الحكمة من صيام هذا اليوم: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: ((مَا هَذَا؟)) قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: ((فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ))، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. رواه البخاري ومسلم.
ثالثا: حُكْمُ صيام يوم عاشورا: اتفق العلماءُ أو جمهورُهم على أن صيامَه من المستحبات وليس من الواجبات؛ لما روت عائشةُ رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صامه وأمر بصيامِهِ، فلمَّا افتُرِضَ رمضان كان هو الفريضة، وتُرِكَ عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركهُ. رواه البخاري.
رابعًا: مراتبُ صيامِهِ: ذكر ابن القيمِ رحمه الله في زادِ المَعاد أن صيامَ عاشوراء على ثلاثِ مراتب:
المرتبةُ الأولى: صوم ُ التاسعِ والعاشرِ والحادي عشر؛ وهذا أكملها.
المرتبةُ الثانيةُ: صومُ التاسعِ والعاشرِ، وذلك مخالفةً لأهل الكتابِ في صيامِهِ، فقد روى ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِع))، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . رواه مسلم.
المرتبةُ الثالثةُ: صومُ العاشرِ وحدَهُ.
خامسًا: اختلاف الطوائف في نظرتِهِم ليومِ عاشوراء: فمنهم من يُعَظّمَهُ ويجعله عيدًا، يلبسون فيه أجمل الثيابِ، ومنهم من يتخِذُ ذلك اليوم مأتمًا وحزنا؛ لكونِ الحسينِ بنِ عليٍّ رضي الله عنهما قُتِل فيه، فيجعلونه مأتما وعويلا ونياحة ولطما للصدور وضربا بالسيوف على الرؤوس وإسالة للدماء ووضعا للسلاسل في الأعناق، ومنهم من يفرحُ بذلك اليوم شماتةً بقتل الحسينِ رضي الله عنه، وكل ذلك قد ضلَّ وأضلَّ عن سواءِ السبيل. وهدى الله أهلَ الإسلامِ للحقِّ، فصاموا ذلك اليوم اقتداء بنبيهِم صلى الله عليه وسلم ، ولم يصحَبُوا ذلك بنوعٍ من المحدثاتِ التي ما أنزلَ اللهُ بها من سلطانٍ.
فاحتسبوا ـ عباد الله ـ في صيام عاشوراء رجاء أن تشملكم رحمةُ الله ومغفرتُه، وجدّدوا لله تعالى التوبة في كل حين.
اللهم تب علينا واعف عنا وتجاوز عن خطيئاتنا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحْسانهِ، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فاعلموا ـ يا عباد الله ـ أنَّ هناك أحاديثَ تُروى في يوم عاشوراء لا صحّة فيها ولا أصل لها، فمن ذلك ما ذُكر أنَّ في يوم عاشوراء كانت توبةُ آدم، واستواءُ سفينةُ نوحٍ على الجودي، وردّ يوسف على يعقوبَ عليهما السلام, وفداءُ إسماعيل بالكبش، وكسوفُ شمسِ يومِ عاشوراء لمقتلِ الحسينِ رضي الله عنه، وظهورُ لون الدم في الأشجارِ والأحجار، وحديثُ: ((من وسَّع على أهلِهِ يومَ عاشوراء وسَّع اللهُ عليهِ سائر السنة))، وحديثُ: ((من اغتسل يومَ عاشوراء لم يمرض ذلك العام)) إلى غير ذلك من الأحاديث والأخبار المكذوبة التي يستحي المسلم من ذكرها.
نسأل الله أن يجعلنا من أهل سنة نبيه الكريم، وأن يحيينا على الإسلام ويميتنا على الإيمان، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، ونسأله أن يُعينَنا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يتقبل منا ويجعلنا من المتقين.
ألا وصلوا وسلموا ـ رحمكم الله ـ على النبي الكريم كما أمركم بذلك المولى العزيزُ الرحيم، فقال تعالى قولاً كريما: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ يٰأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا))
المفضلات