الحمد لله مقدر الأيام والشهور، ومصرف الأعوام والدهور، أحمده سبحانه وأشكره على سوابغ نعمه التي تقرّ بالشكر فلا تبور، وأستمنحه جل في عليائه التوفيق في كل الأمور، فهو سبحانه المُؤمل لكشف كل كرب وجبر كل مكسور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الغفور الشكور، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، بعثه الله بالهدى والنور، فأشرقت شمس الحق في كل الربوع والدور، وزكت النفوس العليلة فغدت في سعادة وسرور، ورضوان وحبور، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ليوث الوغى والقدور، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم البعث والنشور، وسلم تسليمًا كثيرًا.أما بعد:
فيا أيها الناس.. أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلانية واعلموا أن تقوى الله سبب لنيل السعادة في الدنيا والآخرة.
عباد الله:
قد استقبلتم عامًا جديدًا فاسألوا الله أن يجعله عام خير وبركة، وأن يعلي فيه كلمته وينصر فيه جنده المدافعين عن محارمه وحوزته ويرزقهم الإخلاص في كل ما يقولون ويفعلون.
عباد الله:
إنكم في شهر المحرم، نهاكم الله فيه أن تظلموا أنفسكم، حرمه الله وعظمه وجعل صيامه أفضل الصيام بعد صيام رمضان، وخص اليوم العاشر فيه بالتشريف والتفضيل، أنجى الله فيه نبيه موسى ومن آمن معه وأهلك فيه عدوهم فرعون ومن اتبعه.
ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل)[1].
وعن علي - رضي الله عنه - قال: سأل رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا عنده فقال: يا رسول الله أي شهر تأمرني أن أصوم بعد رمضان، فقال: (إن كنت صائمًا بعد رمضان فصم المحرم فإنه شهر الله فيه يوم تاب الله فيه على قوم، ويتوب الله فيه على قوم)[2].
وأما العاشر منه فهو اليوم الذي أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة فوجد اليهود يصومونه فقال - صلى الله عليه وسلم -: (ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يوم نجى الله فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه فصامه موسى شكرًا لله فنحن نصومه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه)[3]. وذلك أن موسى لما خرج من مصر ومعه من آمن به من بني إسرائيل ليلة اتبعهم فرعون بغيًا وعدوانًا يريد القضاء عليهم ويصدهم عن دين الله، فلما رآه القوم قالوا: يا موسى إنا لمدركون، قال موسى: كلا إن معي ربي سيهدين، فألجأهم فرعون وجنوده إلى البحر فأوحى الله تعالى إلى موسى أن أضرب بعصاك البحر فضرب موسى البحر بعصاه فتقطع اثنتي عشرة قطعة وكان فيه اثنا عشر طريقًا سهلًا يابسًا لا وحلًا ولا حزنًا فسلكه موسى ومن معه فتبعه فرعون وجنوده فلما أن نجى موسى ومن معه وتكامل فيه فرعون وجنوده أمره الله فانطبق عليهم فعاد بحرًا متلاطم الأمواج في لمح البصر أو أدنى فلما رأى عدو الله فرعون أنه غارق لا محالة قال: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل. فقيل له الآن حين لا ينفعك إيمانك لأنك لم تؤمن إلا لما أيقنت بالهلاك: ﴿ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [يونس: 91].
هيهات قد أغلق الباب وحيل بينك وبين الإيمان.
وصيام اليوم العاشر من هذا الشهر ورد في فضله أنه يكفر السنة التي قبله فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (صيام يوم عاشوراء أتحسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)[4].
ولما كان اليهود المكذبون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصومون هذا اليوم لهذا القصد الذي هو شكر الله أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمخالفتهم، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (صوموا يوم عاشوراء خالفوا اليهود صوموا يومًا قبله أو يومًا بعده)[5]. وفي رواية (صوموا يومًا قبله ويومًا بعده).
اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم
الحمد لله مقدِّر الأزمانِ والآجال، ومبدِع الكون على غير سابق مثال، جلّ ثناؤه يعجز عن وصفِه بليغ البيان والمقال، أحمده تعالى وأشكره وهو أهلٌ للشكر على كلّ حال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعَال، وأشهد أن نبينا محمدًا أزكى الخليقة محتِدًا وأكرمهم في الشمائل والخصال، صلى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، المخصوصين بالرضا وأفضل الخلال، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل.
عباد الله:
إن الله تعالى يحب من عباده إذا أنعم عليهم نعمة أن يشكروه عليها وفي هذا الحديث دليل على أن دين الأنبياء واحد وهدفهم واحد وهو التوحيد في العبادة والقصد؛ حيث إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رأى اليهود يصومونه سألهم عن ذلك فقالوا صامه موسى شكرًا لله فنحن نصومه فصام - صلى الله عليه وسلم - وأمر بصيامه اتباعًا لموسى وشكرًا لله تعالى على نعمته عليه ومن معه حيث نجاهم وأهلك عدوهم....
عِبَادَ اللهِ : صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى رَسِولِ اللهِ , فَإِنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرَاً , اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّد , اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَحَبَّتَهُ واتِّبَاعَهُ ظَاهِراً وَبَاطِناً , اللَّهُمَّ احْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ وَأَسْقِنَا مِنْ حَوْضِهِ , وَأَدْخِلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ وَاجْمَعْنَا بِهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَوَالِدِينَا وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ . اللَّهُمَّ أَعَزَّ الإِسْلامَ وَالْمُسْلِمِينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ . اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَا حَيُّ يَا قَيُّوم . اللَّهُمَّ وَحِّدْ صُفُوفَهُم وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُم عَلَى الْقُرْآنِ والسُّنَّةِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ . اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَاحْفَظْهُم مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ , اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِم للْحَقِّ واهْدِهِم صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيم .
رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا . رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ . رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار
عِبَادَ اللهِ : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُون .
فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
المفضلات