الحمدُ للهِ ( تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً*وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً) وأشهدُ إن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له (الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ .أرسلَهُ الله هادباً ومبشراً ونذيراً ،صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وأصحابِهِ ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الحسابِ وسلمَ تسليماً كثيراً. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) أمّا بعد أيها الأحبةُ في الله ، فَإنّ جُمعَتَكم هذهِ .. هي آخِرُ جُمُعَةٍ في هذا العَامِ الهِجريِّ ،وبعدَ أيَّامٍ قلائِل ، يطوا سِجلُّ هذا العام ، ويُختمُ عملُهُ ، ويبقَى شاهداً على الإنسانِ بِما أودعَهُ فيه ، والليلُ والنهارُ مستودعٌ للأعمالِ ، فما ذا أودعتَ في صفحاتِ كِتابِكَ ، في عامِك المنصرِمْ ، الَّذي سوف يُعرَضُ عليكَ يومَ القيامةِ ، يومَ يقولُ القائِلُ ( يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ، فإن كان ما قدّمتَ خيراً .. فـ( فِي جَنَّاتٍ ونهَر فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ) وإن كان شراً فحكمُهُ عندَ أعدلِ العادلِينَ سُبحانَهُ وبحمدِهِ ، ألا فاتقُوا اللهَ عبادَ اللهِ .. في عاجلِ أمرِكُم وآجلِهِ ، ولا تكونُوا غافِلينَ عمّا أمامَكُم ، ولا عن ما يُرادُ منكُم ، ولا ما أنتُم صائِرونَ إليه ، فالأيّامُ سريعةُ الانصِرامِ ، والأوقاتُ سُيوفٌ قاطعةٌ ، والمنايا سِهامٌ ، فليتفكرْ الإنسانُ في دُنوِّ أجلِهِ ، لأنّ هذه الأيّامَ والليالي ، تأخذُ من عُمُرِك ، قالَ الحسنُ رحمَهُ اللهُ : إنّما أنت أيّامٌ مجمُوعةٌ كلما مضى يومٌ مضى بعضُك ، وقال : ابنَ آدمَ ، إنّما أنت بين مطيتين يُوضعانك ، يُوضعُك النهارُ إلى الليلِ ،والليلُ إلى النّهارِ ، حتى يسلِّمانِك إلى الآخِرةِ ، فمن أعظمُ منك خطَراً ، فلا إلهَ إلا اللهُ ، أيّامٌ تمُرُ ، وأعوامٌ تَتَكرَرُ ، فهذا مُقبِلٌ وهذا مُدبرٌ ، وهذا صحيحٌ وهذا سقيمٌ
إنّـا لَنـفرحُ بـالأيّـامِ نقـطعُهـا
وكُلُّ يـومٍ يـُقرِّبُنـا مـن الأجـلِ
لَقَد ذَهبَ هذا العامُ بِما فيه ، من الحسناتِ والسيئاتِ ، يقولُ المولى جلّ وعلا (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) فيا مَن أمضيتَ عامَكَ المنصرِمَ ، بالغفلةِ والسُباتِ ،وارتكابِ الصغائِر والكبائِر . أستفق !! أما آنَ لكَ أن تستفيق ، كم فقدنا في هذا العامِ من أُناسٍ كانوا معنا ؟ هجَمَ عليهِم هادِمُ اللَّذاتِ ، ومُفرقُ الجَماعاتِ ، خرجوا من الدُّنيا بلى دُنيا ، خرجوا خُروجاً ، ينبه الغافلينَ ، ويحثُّ الطائِعينَ ، فمنهم من هجمَ عليه الموتُ ، وهُوَ نائِمٌ عن الصلاةِ المكتوبةِ ، ومنهم من قُبِضَ وهو سكرانٌ ، ومنهم من فاضتْ روحُهُ وهو يُزني .. فإنا للهِ وإنا إليه راجِعونَ ، ومن النَّاسِ من قُبضَ وهو يُلبي ، والآخرُ قُبِضَ وهو ساجِدٌ في السَّحرِ ، فهذه أحوالٌ تُنبِّهُ الغافِلينَ ، (و يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ) سوفَ يأتي اليومُ ، الَّذي يرى فيه كُلٌ مِنَّا بضاعتَهُ (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) َفَإلى متى أيُّها الأحبة ،ونحنُ في سكرةِ الدُّنيا ؟ متى تستيِقظُ ضمائِرُنا ؟ وتَتَنوَّرُ بصائِرُنا ؟ لقد زَجَرَنا القرآنُ بِمواعِظِهِ وآياتِهِ ، اسمعْ يا رَعاكَ اللهُ ، استَمِعْ إلى كلامِ ربكَ جلَّ في عُلاه، زَوَاجِرٌ ومواعِظٌ تَخلعُ القلوبَ، يقولُ المولى جلَّ وعلا (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ. لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ )ويقولُ سُبحانَه (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ)ويقولُ جلَّ في عُلاه (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ*ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) ألاَ فاعتبروا بِسُرعةِ مُرورِ الليَّالي والأيَّامِ ، وفَكِّروا في دُنياكُم _ وسُرعةِ زوالِها_ واستَعدُّوا للآخِرةِ وأهوالِها …فَكُلُّ شهرٍ يستهلُّهُ الإِنسانُ ، فأِنَّه يُدنِيهِ من أَجَلِهِ ويُقرِّبُهُ من آخِرَتِهِ .. وخيرُكم .. من طالَ عُمُرُهُ وحَسُنَ عَملُهُ .. وشَرُّكُم من طالَ عُمُرهُ وَسَاءَ عَملُهُ . إنّهَ ما بينَ أن يُثَابَ الإِنسان ُ.. على الطَّاعةِ والإِحسَانِ أو يُعَاقَبَ على الإِساءةِ والعِصيَانِ إلاّ أن يُقَال فُلانٌ قد مَاتَ ! ومَا أقربَ الحَياةَ مِنَ الممَاتِ ، وكُلُّ ما هوَُا آتٍ آت، ولكنَّنا في ثيابِ الغفلةِ رافِلون ، وعمَّا يُرادُ بِنا غافِلون..
باركَ اللهُ لي ولكم في القرانِ العظيمِ
ونفعني وإياكُم بهدي سيدِ المُرسلين وتابَ عليَّ وعليكم إنهُ هو التوابُ الرحيمُ : أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ والمسلماتِ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه يغفرْ لكم إنه هو الغفورُ الرحيمُ ..
الحمد لله على إحسانِه، والشّكر له على توفيقه وامتنانِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهَد أن محمداً عبدُه ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً مزيداً.أمّا بعد : أيها الأحبةُ في اللهِ :ها هوَ العامُ يستعدُّ للرحيل ، وإنَّما أنتَ أيَّامٌ ، كُلما ذَهَبَ يَومٌ ذَهبَ بعضُكَ ، سيرحلُ هذا العامُ بِما يَحويه ، فَهل يُمكِن ردُّ شيءٍ مِمَّا فيه ؟ أو إصلاَحُهُ أو تلافيه ؟ كلاَّ وربِّ الكعبةِ ، ليسَ إلى هذا من سبيلٍ ، إلاَّ بالتَّوبةِ الصَّادِقةِ ، المقرُونةِ بالنَّدمِ على ما سلَفَ وكان ، والرُّجوعِ إلى طاعَةِ الملِكِ الدَّيَّانِ...فيا عبادَ اللهِ ما مضى من الدُنيا وإن طالتْ أوقاتُهُ ، فقد ذَهَبتْ لذاتُه ، وبقيتْ تَبِعَاتُهُ ، يقولُ تعالى ( أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ) ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام ، كما عِنْدَ مُسلمٍ {اللهم اجعل الحياةَ زيادةً لي من كُلَّ خيرٍ ، والموتَ راحةً لي من كُلِ شرٍّ } فالمُؤمنُ لا يَزدَادُ بطولِ عُمُرِهِ إلا خيراً ، ومن كان كذلك فالحياةُ خيرٌ لهُ من الموتِ ، .. ويقولُ عليه الصلاةُ والسلامُ كما عند الترمذي من حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه مرفوعاً {مَا مِنْ مَيِّتٍ مَاتَ إلاَّ نَدِمَ ، إِنْ كانَ مُحْسِناً نَدِمَ ألاَّ يكونَ ازدادَ ، وإن كانَ مُسيئاً نَدِمَ ألاَّ يكونَ استعتبَ } عبادَ اللهِ صلَّوا على المعصوم r فإنَّه يقول كما عندَ الإمامِ أحمدَ في المُسندِ ، من حديثِ أبي طلحةَ الأنصاري رضي اللهُ عنه ، { أتاني آتٍ من ربي عزّ وجلّ فقالَ من صلى عليكَ من أُمتِك صلاةً كتبَ اللهُ لهُ بها عشرَ حسناتٍ ، ومحا عنه عشرَ سيئاتٍ وَرَفعَ لهُ عشرَ درجاتٍ ، وردَّ عليه مِثلَها} اللهم صلِ وسلَّمْ وأنعمْ وأكرمْ ، وزدْ وباركْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ وارضَ اللهم عن الخلفاءِ الأئمةِ الحُنفاءِ ، أبي بكرٍ وعُمرَ وعُثمانَ وعلي وعن سائرِ أصحابِ نبيك أجمعين وعن التابعينَ وتابعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ وعنا معهم بِمنِك وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الرحمين ، اللهم أعزَ الإسلامَ والمسلمينَ ، وأذلَّ الشركَ والمشركين ودمرْ أعداءَ الدينِ ، من اليهودِ والنصارى وجميعِ الكفرةِ والمُلحدين ، اللهم اكتبْ لأهلِ هذا الدينِ عزاً ونصراً واجعلْ لمن عاداهُ ذلةً ومهانةً وقهراً ، اللهم ثَبتْنا على نهجِ الاستقامةِ ، وأعذْنا من موجباتِ الحسرةِ والندامةِ يومَ القيامةِ ، وخفَّفْ عنَاّ ثُقلَ الأوزارِ وارزقنا عيشةَ الأبرارِ، وانظمْنا في سلكِ حزبِك المُفلحين ، وأتممْ علينا نعَمَتَك الوافيةَ ، وارزُقْنا الإخلاصَ ، في أعمالِنا والصَّدقَ في أقوالِنا ، وعُدْ علينا بإصلاحِ قُلُوبِنا وذُرِّيَتِنَا ، واغفرْ لنا ولوالدِينا ولجميعِ المسلمين ، برحمتِك يا أرحمَ الرحمين (ربنا آتنا في الدُنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقنا عذابَ النارِ ) عبادَ اللهِ إن اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القربى وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغي يعظُكم لعلكم تذكرون فاذكروا اللهَ العظيمَ يذكرْكم واشكروه على نعمِهِ يزدْكم ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون .
الخطبة يصوت الشيخ...
[RAMS]http://abosami.com/pro/YYY.mp3[/RAMS]
المفضلات