[align=justify]مخطئ من ظنّ بأن "حد الجود بذل الموجود" أو كما يقول شيابنا "الجود من الموجود" أو "الماجود" على روايتين ولا يهون "القيد الأمني والازدواجية" ! ، فالكرم ليس له نهاية ، وليس له حدّ أقصى ، وعلى قدر الكرام تأتي المكارم ، وأفضل الكرم ما كان من قلة ذات اليدّ ، والكرام تغوص كل سيئاتهم في بحر جودهم ولهذا قال الشافعي :
تخلّق بالسخاء فكل عيبٍ
يغطّيه كما قيل السخاءُ
وأكرم الناس وأسخاهم بلا منازع هو سيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم ، الذي كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر مع أنه كان يمر عليه الهلال تلو الهلال ولا يوقد في بيته نار ، ولله درّ أمير الشعراء حين مدحه فقال :
وإذا سخوت بلغت بالجود المدى
وفعلت ما لا تفعل الأنواءُ
وكما أن هناك من الناس من هم كرماء قد جاوزوا في الكرم حدوده وعبروا منافذه بجوازات كرم دبلوماسية غير خاضعة لتفتيش النوايا ، فإن هناك من القضايا ما تكون كريمة تتجاوز في الكرم المدى ، وتصبح لفرط كرمها حاتمية رغماً عنها ، ومن تلك القضايا بلا شك ، قضية البدون والتي استفاد من كرمها الكثيرون من غير أهلها طبعاً ، فهي تعطي للأبعدين عطاء من لا يخشى الفقر ، وتقول لأصحابها "منين يا حسرة" وفي الوقت الذي تدعو فيه المتكسبين إلى موائد المنفعة التي ملئت بما لذّ وطاب من الخيرات ، نجدها تقول لأصحابها مدّوا أرجلكم على قدر لحاف "أوراقكم الثبوتية" ، وهي قضية لا ترد يد "متكسب" أبداً ، وهي من إخوان الشياطين في هذا الباب ، لكنها في المقابل تقتر على أبنائها وتتحجج بأن عين "أصحاب القرار" بصيرة لكن "أيديهم" عن إيجاد الحل قصيرة ، ليستفيد أصحاب المصالح ، وهي قضية توقد نار الأسى في صدور أبنائها ، حتى يراها المتكسبون من بعيد فيتنادون بينهم أن قد أدركتم المبيت والعشاء ، بينما هي تطبخ لأصحابها الحصى في الماء لتوهمهم بعشاء "فرج" قريب ، حتى ينالهم التعب فينامون .
لا يشك كل متابع ومتتبع لقضية البدون في أن أحد أهم أسباب تعطيل حل القضية هي مدى الفائدة التي يستفيدها بعض المتنفذين من تعليق هذه القضية ، وأنها تمثل بالنسبة لهم مغارة علي بابا حيث لا يحتاجون سوى لكلمة السرّ وهي "اخضع يابدون" حتى تفتح لهم المغارة ليأخذوا من تلك الخيرات ما شاؤوا ، تاركين الأسى والحسرة في قلوب أصحاب المغارة .
إن مسألة التكسب على ظهر قضية البدون لم تكن وليدة اليوم أبداً ، بل هي قديمة بقدم هذه القضية ، وهي ليست متوقفة على أفراد متنفذين ، بل الحكومات المتعاقبة على إدارة البلد نفسها قد استفادت من بقاء هذه القضية معلقة حتى اليوم ، من أجل الحصول على المزيد من دلاء الحليب الذي يجنونه من بقرة البدون الحلوب ، ولولا بقاء القضية معلقة بلا حلّ ، لما وجدت الحكومة من بين مواطنيها من يقبل الدخول في الجيش والشرطة في الماضي خصوصاً مع قلة عدد المواطنين وعزوفهم عن هاتين الوظيفتين ، ولولا التأخر في حل قضية البدون لأصبحت المدارس الخاصة التي امتلأت بها البلاد اليوم ملاذاً للأشباح ولتحول ملاّكها إلى أي صنعة أخرى ، ولولا التأخر في حل قضية البدون لما وجد أصحاب الشركات الخاصة أيدٍ عاملة وطنية مخلصة وبأقل الرواتب ، ولولا تأخر حل هذه القضية لما استفاد أصحاب الشقق التي لا تساوي نصف المبالغ التي توضع لها كقيمة استئجارها ، ولولا تأخر حل هذه القضية لما وجد كثير من المتكسبين من أصحاب المنابر السياسية موضوعاً يتناولونه ثم يلعقون بعده أصابعهم وهم يقولون : " كثّر الله خيرك يابدون" ، وعلى هذا كله فقس لتشاهد حجم المنفعة التي يجنيها المتكسبون من جرّاء بقاء هذه القضية معلقة .
لله درّك يا قضية البدون ، أبعد هذا الكرم الحاتمي كلّه ، تنتظرين حلّا من أناس يجنون الخير كل الخير من جرّاء المماطلة في إيجاد حل ؟!
إنها إذاً لحياة طويلة ![/align]
المفضلات