الخطبة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العليم الخبير ، السميع البصير ،}أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه ، }لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، }غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ{وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا }وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ{ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
تقوى الله U وصية الله لعباده ، الأولين والآخرين ، }وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ{ فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين
عباد الله :روى البخاري في صحيحه ، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ )) .
هذا الحديث العظيم – عباد الله - أصل في التربية ، وقانون لتحديد مسار الأبناء ذكورا وإناثا ، تظهر فيه أهمية البيئة المحيطة في الأبناء ، وضرورة الاعتناء بها وبهم منذ لحظة خروجهم من أرحام أمهاتهم ، ووجودهم بهذه الدنيا ، فهذا الحديث العظيم ، يبين الدور الفعال للآباء في تكوين عقيدة أبنائهم ، وإن كان الأبوان ـ عباد الله ـ يؤثران في أبنائهم ، إلى درجة أن يجعلاهم يهودا أو نصارى أو مجوس ، فتأثيرهم في جعله مجرما خبيثا منحرفا فاسقا ، من باب أولى .
وهذا الأمر ـ أيها الأخوة ـ نعيشه واقعا ، لا يحتاج لمزيد من الإقناع ، تأمل في أي أبن ، تجده نسخة من أبويه إلا ماندر ، وصدق ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ )) ، فالبهيمة تولد جمعاء ، أي كاملة لا نقص فيها ، ولكن مالكها يقطع أذنها فتكون جدعاء . والجدعاء مقطوعة الأذن .
وثم ـ أيها الأخوة ـ ملوث آخر ، لا يقل أهمية عن دور الآباء ، ألا وهو البيئة المحيطة بأبنائنا ، وهوالمجتمع ـ أيها الأخوة ـ فللمجتمع دور فعال ـ أيضا ـ في التأثير على فلذات أكبادنا ، وإن كان المجتمع يؤثر في الرجال ، فإن تأثيره في الصغار أشد تأملوا ـ أيها الأخوة ـ حالنا في رمضان ، الذي مر قبل أسابيع ، حينما كان أفراد المجتمع يستشعرون ، أهمية العبادة ، ويلتمسون ما يقربهم من الله ، المساجد عامرة ، والمصاحف مشرعة ، والمساكين صار ينظر إليهم ويعطف عليهم ، انضباط في المواعيد ، مراقبة للتصرفات ، محاسبة للنفس ، مسارعة للخيرات ، لا نعرف الفتور ولا الكسل ، ولكن انظروا حالنا اليوم ، فللمجتمع تأثيره !
امرأة زنت في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ضاقت عليها الأرض بما رحبت ، حتى أتت إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي تقول : (( طَهِّرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَهَا : اذْهَبِي حَتَّى تَضَعِي حَمْلَكِ ))ـ كما في الحديث الذي رواه مسلم ، فتضعه وتأتي به ، ثم يقول لها حتى تفطميه ، ثم تأتي به وبيده قطعة من خبز ، فيقيم عليها الحد ـ صلى الله عليه وسلم ، ويقول : (( لقد تابت توبة لو وزعت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم )) فترة طويلة وهي تعاني من ألم جريمتها ، لأن مجتمعها مجتمع طاهر ، مجتمع محافظ على أمر الله عز وجل .
فللمجتمع دور فعال في سلامة الفطر أو تلويثها ، وصدق الله القائل}وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا {
فللمجتمع تأثيره ـ أيها الأخوة ـ فليحذر الذين تعميهم الثقة الزائدة بمن حول أبنائهم ، فكم من الذين يعانون من انحراف أبنائهم بسبب أقرب الناس إليهم ، فتلويث الفطر ، أمر يجب الحذر منه ، والعمل على سلامة الأبناء بالبعد عنه ، ولن يكون ذلك إلا بالاهتمام البالغ ، والحرص الشديد ، من قبل الآباء ، ومراقبة أبنائهم ، وإيجاد بيئة سليمة صالحة ، اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب ، فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمدلله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريكله تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
عباد الله :ومن ملوثات الفطر ، التي تؤثر في تربية الأبناء ، بعض المدارس ، فللمدارس دور فعال ـ لا يقل أهمية عن دور الآباء والمجتمع ـ في تحديد ورسم مسار الأبناء ، فالأبناء يتربون ويتعلمون من معلميهم ومن زملائهم ، فإذا عمل الآباء والمجتمع على تلويث فطرة الأبناء ، وقصرت المدارس في واجبها ، فقُل على الأبناء السلام .
فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ في تربية أبنائنا ، ولنحرص على ضبط تعاملنا معهم بضوابط الشرع ، الذي هو الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، كما قال تعالى : }فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ {
اسأل الله لي ولكم علما نافعا ، وعملا خالصا ، وسلامة دائمة ، إنه سميع مجيب .
هذا وصلوا وسلموا على من أمر الله بالصلاة والسلام عليه فقال : }إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً{
المفضلات