محمّد رجب السامرّائي/ أبوظبي
يتبادل النّاس في كل مكان التهاني ويرسلون التبريكات عند مقدم شهر رمضان المبارك، وفي المناسبات الخاصة والعامة. ولمّا حلّ شهر الصيام علينا ضيفاً مُحملاً بالبركات والخيرات الوفيرة، والهداية الحقّة ورفع التهاني بحلوله بين الجهات الرسمية والشعبية ما يزال جارياً إلى يومنا هذا. ونجد أدبنا العربي قد حفل بالعديد من قصائد التهنئة أي - رسم التهنئات-وفي مقطوعات نثرية بليغة.
ومن القطع النثرية . فقد هنأ الأدباء والكُتّاب بقطع نثرية جميلة مرسلة حلول غُرة شهر رمضان الكريم، فكتب الإمام جعفر الصادق عليه السلام قائلاً: \" الصوم جُنَّة من آفات الدنيا، وحجابٌ من عذاب الآخرة، فإذا صمت فإنّه بصومك كفُّ النفس عن الشهوات وقطع الهمة عن خطوات الشياطين\".
وكتب الإمام الحسن البصري -رحمه الله- عن شهر الصيام قائلاً:\" إنّ الله تعالى قد جعل رمضان مضماراً لخلقه، يَسْتَبِقُونَ فيه بطاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا فالعجب للضاحك اللاّعب في اليوم الذي فاز فيعه المسارعون، وخابَ فيه الباطلون، فالله الله عباد الله اجتهدوا أن تكونوا من السابقين ولا تكونوا من الخائبين، في شهر شرَّفَهُ ربّ العالمين…..
أمّا الصاحب بن عبّاد فأرسل قطعة نثرية يهنئ فيها أحد الأمراء بمقدم شهر الطاعة والغفران جاء فيها:\" كتابي أطال الله بقاء الأمير، غُرّة شهر رمضان، جعل الله أيامه غرّاء، وأعوامه زهراء، وأوقاته إسعاداً، وساعاته أعياداً، وأتاه في هذا الشهر الكريم مورده ومأتاه أفضل ما قسم فيه لمن تقبل أعماله فبلغه آماله…\".
ومن القطع النثرية ما كتبه أبو الحسن سعد مُهنئاً أحد الأصدقاء بحلول شهر الصيام قائلاً: \" جمع الله لمولاي في هذا الشهر الشريف، شروط آماله، وأحكام أماليه، في حاضر أمره وعاقبته، وعاجل دنياه وأخرته، وأبقاه لأمثاله بقاء لا يتناهى أمده في ظل عيش يرضاه ويحمده\". وله أيضاً في تهنئة أحد الولاة بقوله: \" عرف الله مولانا بركة هذا الشهر الشريف وأيامه، وأعانك على صيامه وقيامه، ووصل لكَ ما يزيد من فضله وإكرامه، وتابع لكَ المزيد من مَنائِحِه، وإنعامِهِ، وختم لكَ بالسعادة العظمى بعد الانتقال في الجّاهِ والرّياسةِ إلى أبعد المدى، وفي الخير والثروة إلى أقصى المُنى\".
ونقرأ من الأدب العربي الحديث تهاني لعدد من الأدباء، ومنهم لصاحب وحيّ القلم الأديب مصطفى صادق الرافعي الذي قال: \" شهرٌ هو أيامه قلبية في الزمن، متى أشرفت على الدنيا قال الزمن لأهله: هذه أيام من أنفسكم لا من أيامي، ومن طبيعتكم لا من طبيعتي، فيقبل العالم كله على حالة نفسية بالغة السمو، يتعهد فيها النفس برياضتها على معالي الأمور ومكارم الأخلاق، ويفهم الحياة على وجه آخر غير وجهها الكالح، ويراها كأنما أجيعت من طعامها اليومي كما جاع هو\".
كما عبّر الأديب عباس محمود العقاد عن شهر رمضان شهر الإرادة قائلاً: \"رمضان شهر الإرادة.. أدبه أدب الإرادة، وليست الإرادة بالشيء اليسير في الدين وما الخلق إلاّ تبعات وتكاليف، وعماد التبعات والتكاليف جميعا إنها تُنَاطُ بمريد ومن ملك الإرادة فزمام الخلق جميعاً في يديه\".
لقد بعث الشعراء قصائد شعرية تضمنت تهانيهم بحلول أيام الصيام، ومن إضمامة الشعر الفواحة أبيات الشاعر ابن حمديس الصقلي الذي هنأ بها الأمير أبا الحسن علي ابن يحيى بحلول شهر رمضان:
واقتَضَى الشَّهرُ من مَعَالِيكَ صُنْعَاً
مُعْلِياً مِنْهُ هِمّةً باهتِمَامِ
وهنأ الصقلي قدوم الشهر الفضيل بقوله أيضاً:
صُمْتَ للهِ صَوْمَ خَرْقٍ هُمَامٍ
مُفِطِّر الكَفايا بالعَطايا الجِسَامِ
أطلعَ اللهُ للصِيامِ هِلالاً
ولنـا مِنْ عُلاَكَ بَـدْرَ تَمَامِ
وهنأ بحلول رمضان بأبيات شعرية عبد الصمد بن بابك للصاحب بن عباد فكتب إليه:
كَساكَ الصّومُ أعمارَ اللَّيالي
وأعقبكَ الغنيمةَ في المَآبِ
ولا زالتْ سُعُودُكَ في خُلُوْدٍ
تَبَارِي بالمَدى يومَ الحِسَابِ
وكتب الشاعر ابن دراج القسطلي مهنئاً :
ويُهَنِيْكَ شهرٌ عند ذِي العَرشِ شَاهِدٌ
بأنّكَ بَرٌّ للصِّيامِ وُصَولُ
فَوَفَّيتَ اجْرَ الصّابرينَ ولا عَدَا
مَسَاعيكَ فَوزٌ عَاجِلٍ وقَبُولُ
أما تميم بن المعز فقال في تهنئته بالشهر الكريم:
ليُهنِئكَ أنِّ الصَوْمَ فَرْضٌ مُؤْكَدٌ
مِنَ اللهِ مَفْرُوْضٌ على كُلِ مُسْلمِ
وانّكَ مَفْرُوْضُ المَحَبَةِ مِثْلُهُ
علينا بِحَقٍ قُلْتَ لا بالتَّوَهُــمِ
كما وبعث أحد الشعراء الأبيات التالية مُهنئاً صديقه بحلول شهر رمضان:
شَهْرُ الصِّيام جرى باليُمْنِ طَائِرُهُ
ودَامَ قَصْرُكَ مَرْفُوعاً مَجَالِسُهُ
عَليكَ مَاجِدُ بَادِيْهِ وحَاضِرِهِ
لِزَائِرِيْهِ وَمَنْصُوْبَاً مَوَائِـدُهُ
المفضلات