حوارات / 'ربيع إلكتروني' ساحق ماحق

'الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وأولئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ' (الزمر 18).
أعتقد أن ما يطلق عليه البعض 'الربيع العربي' تمخض جانب كبير منه في ربيع إلكتروني خادِجٌ تم فيه استعمال وسائل التواصل الاجتماعي لتحريك الجماهير وحشدها, بل أدى الربيع الاكتروني العربي إلى تغيير حكومات وبث مزيد من القلق في محيط الشرق الأوسط! ولكن ما هو غريب حقاً في هذا السياق الثورجي الشرق أوسطي: كيف يهدد نشاط إلكتروني وبرمجيات جامدة أمن دول ومجتمعات انشغلت لوقت قريب بالشعارات الرنانة والخطابات النارية حول القدرة الإسطورية للأمة على التصدي لأعدائها المتخيلين وصمود الجبهة الوطنية في وجه 'العابثين بأمن الوطن'! وبالطبع لا نعني في مقارنتنا هذه بعض الاستعمال الإرهابي والإجرامي لوسائل التواصل الاجتماعي. ولكن نعني بشكل خاص ما يحمله الربيع الإلكتروني من 'تهديد' ساحق ماحق لطرق تفكير تقليدية للغاية وجامدة عفى عليها الزمن وفضح وهنها ثقافات محلية تبدو مفككة لم تستطع مقاومة ضغطة زر و أثير إلكتروني لا طعم له ولا ولا رائحة !
أعتقد أيضاً أن الربيع الالكتروني الشرق الأوسطي والذي بدأ منذ فترة, كشف ضعف هياكل اجتماعية مصطنعة استندت بطبيعتها المتناقضة الى شعارات رنانة رافقتها عادة تصرفات وسلوكيات وأفعال ومواقف تناقض مثالية تلك الشعارات والخطابات الرنانة! فما هو فاضح وماحق حول الربيع الالكتروني الحالي هو كشفه لتعنت شرق أوسطي تاريخي في قبول التغيرات الطبيعية ورفض بعض أيقوناته المتخشبة للمرونة الاجتماعية. فأتى 'تويتر' و'فيس بوك' وطردت بعنف عصافير التخلف الثقافي وكشفت النقاب عن وجه الاستبداد الحقيقي: الرغبة الصارمة في وأد الحرية الشخصية وتشويه الحياة الإنسانية الطبيعية ومنع الفرد الحر من عيش حياة كريمة وآمنة ومتكاملة.
الربيع الالكتروني الذي يحدث الآن لا يخجل من كشف ستر بعض أيقونات ثقافية واجتماعية جامدة تمقت التغيير الإيجابي وترفض بشدة التخلي عن مميزاتها الشخصانية والأنانية. فلا يبدو سيتردد كثير من 'توتيريون' ولا 'فيس بوكيون'-إذا أردتم- الإشارة لمواقع الخلل من دون مواربة ودون ترقيع أو تبرير للتخلف الراسخ, بل لا يبدو الربيع الالكتروني يحترم خصوصيات ثقافية متضخمة نُسِخت وتم استخدامها لآلاف المرات لتبرير التفرقة بين المواطنين وغياب العدالة الاجتماعية وقهر الروح الإنسانية الحرة, فعندما يُكسر حاجز الخوف والرهبة عبر الأثير الالكتروني, فانتظر فوران تنور الحنق الغبي والغيض المتراكم والحسرات الشخصانية المتكدسة, وربما بروز رغبات جنونية في إحقاق الحق ولو بالباطل!.

د.خالدعايدالجنفاوي.