الحمدُ للهِ ، قدَّمَ من شاءَ بفضلِهِ ، وأخرَّ من شاءَ بعدلِهِ ، هو الكريمُ الوهابُ ، هازمُ الأحزابِ ، ومنشئُ السحابِ ، ومنزلُ الكتابِ ، ومسببُ الأسبابِ ، وخَالِقُ النَّاسِ مِن تُرابٍ ، هو المبدءُ المعيدُ ، الفَعَّالُ لمايُريدُ ، جلَّ عن أتخاذِ الصاحبةِ والولدِ ، ولم يكنْ له كفواً أحدٌ ، أشهدُ أَن لا إلهَ إلا هوَ ، وحدَهُ ولا شريكَ له ، ( لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليه ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلم تسليماً كثيراً : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) ( يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ،يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) أما بعد أيُها الأخوةُ في اللهِ ، ، لاحتْ بشائرُ الرضى ، وأزلفتْ أيامُ الهدى ، وأقبلتْ ليالي التُّقى ، القلوبُ فرحةٌ ، والأنفسُ مشتاقةٌ ، والعزائمُ متوقِّدةٌ ، والأذهانُ متوثِّبةٌ ، والأفئدةُ متطلِّعَةٌ ، شوقاً لرؤيتِهِ ، وحبّاً لطلعتِهِ ، وتيمناً بمقدمِهِ ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرآنُ هُدَىً لِلنَّاسِ وَبَيْنَاتٍ مِّن الْهُدَى وَالْفُرْقَان ) موسمُ الطاعةِ ، وميدانُ العبادةِ ، ومجالُ الصدقةِ ، وشهرُ التوبةِ ، أقبلَ في مدةٍ يسيرةٍ ، وفترةٍ وَجيزةٍ ، وسُرعةٍ غريبةٍ ، وسوف تنصرمُ أيامُهُ وتنقضي ساعاتُهُ ، وتسارعُ أوقاتُهُ ، على مَنْ أدرَكَهُ وصامَهُ ، فَيُفَاجؤُ به وقد بقي قليلُهُ ، وأزفَ رحيلُهُ ، روى الإمامُ أحمدُ والنسائيُ ، عن أبي هريرةَy، قال : كانَ رسولُ اللهِ r ، يبشرُ أصحابَهُ بقدومِ شهرِ رمضانَ فيقولُ : { جاءَكم شهرُ رمضانَ ، شهرٌ مباركٌ ، كتبَ اللهُ عليكم صيامَهُ ، فيه تُفتحُ أبوابُ الجنةِ ، وتغلقُ فيه أبوابُ الجحيمِ ، وتُغلُّ فيه الشياطينُ ، وفيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهرٍ ، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ } قال بعضُ العلماءِ هذا الحديثُ أصلٌ في تهنئةِ الناسِ بعضِهم بعضاً ، بشهرِ رمضانَ ، وكيف لا يُبَشَّرُ المؤمنُ بشهرٍ ، يفتحُ اللهُ فيه أبوابَ الجنةِ ، وكيف لا يُبَشَّرُ المذنبُ ، بشهرٍ ، يُغلِقُ اللهُ فيه أبوابَ النارِ ؟ وكيف لا يُبَشَّر العاقلُ ، بوقتٍ يُغَلُّ فيه الشيطانُ ؟ وفي الحديثِ ، { لو يعلمُ الناسُ ما في رمضانَ ، لتمنَّتْ أمتي أن يكونَ رمضانُ السنةَ كلَّها } شهرُ رمضانَ ، شهرٌ كريمٌ ، أعزَّ اللهُ من بين شهورِ العامِ شأنَهُ ، وجعلَهُ شهرَ الصومِ ، الَّذي نسبَهُ لنفسِهِ ، فقالَ تعالى في الحديثِ القدسي : {كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلاَّ الصومَ فإنه لي وأنا أُجزي به } شهرٌ أفردَهُ اللهُ بالشرفِ العظيمِ ، حين ذكرَهُ باسمِهِ ، دونَ سائرِ الشهورِ ،في قَولِهِ تعالى : ( شَهْرُ رَمضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآَن هدىً للنَّاسِ وَبِيِّنَتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الْشَّهرَ فَلْيَصمُه)شهرٌ هو نفحةٌ من نفحاتِ اللهِ ، هانحن الآن على أبوابِهِ ، لا تفصلُنا عنه ، إلا أيامٌ معدودةٌ ،تمرُّ مرَّ البرقِ ، وتنقضي انقضاءَ الحلمِ ، فَمَنْ مِنَّا فَكَرَ في الاستعدادِ له ، والتهئِِ لاستقبالِهِ ؟ لنكنْ جَميعاً من الذين استعدوا لرمضانَ ، وعقدوا النيةَ ، على الصِّيامِ والقيامِ ، وإطعامِ الطعامِ ، وتفطيرِ الصِّيامِ ، وتفقدِ الأيتامِ والأراملِ والمساكينَ ، فَمُجتمعُ المسلمينَ اليومَ ، لا يخلو من صاحبِ حاجةٍ لا يجدُ من يؤمِّنُ لهُ حاجتَهُ ، فهذا يتيمٌ لا رحيمَ يرعاهُ ، وهذه أرملةٌ لا عائلَ لها ، وهذا مسكينٌ ليس عندهُ ما يسدَّ حاجتَهُ ، وهذا فقيرٌ يستحي أن يسألَ الناسَ شيئاً ، أو أن يقفَ في أبوابِهم ، ولذلك لابُدَّ من قضاءِ الحاجاتِ ،في شعبانَ وفي رمضانَ ، وفي كُلِّ آن ، فقد كان سلف الأمة ، كما قال أنس y[ كان المسلمونَ ، إذا دخلَ شعبانُ ، انكبواعلى المصاحفِ فقرءُوها ، وأخرجوا زكاةَ أموالِهم تقويةً للضعيفِ والمسكينِ ، على صيامِ رمضانَ ] وفي رمضان ، نفتحُ مَساجدَنا وبُيوتَنا لِتفطيرِ الصائميَنَ ، لِنفوزَ مع الفائزينَ ، يومَ نلقى ربَّ العالمين ، ولعلَّ بَعضِنا ، قد وعدَ نفسَهُ قبلَ أعوامٍ ومواسمٍ ، وأمَّلَ وسوَّفَ وقصَّرَ ،فَاحذر إن أدركتَ رمضان في هذا العام ، أن يكونَ كسابِقِهِ .
يا ذا الذي ما كفاهُ الذنبُ في رجبٍ
حتى عصا ربَّه في شهرِ شعبانِ
لقد أضلَّكَ شهرُ الصـومِ بعدهمـا
فلا تُصيِّرْهُ أيضاً شهرَ عصيانِ
كم كنتَ تعرفُ ممن صامَ في سلفٍ
من بينِ أهلٍ وجيرانٍ وإخوانِ
أفناهمُ الموتُ واستبقاكَ بعدهموا
حيًّا فما أقربَ القاصِ من الدانِ
يقولُ عليهِ الصلاةُ والسلام ، كما في صحيحِ مسلمٍ ،من حديثِ أبي هريرةَ y، قال : قال رسولُ اللهِ r { إذا كان أولُ ليلةٍ من رمضانَ صُفِّدَت الشياطينُ ، ومردةُ الجنِّ ، وغُلِّقَتْ أبوابُ النيرانِ ، فلم يُفتحْ منها بابٌ ، وفُتحتْ أبوابُ الجنةِ ، فلم يُغلقْ منها بابٌ ، وينادي منادٍ يا باغيَ الخيرِ أقبلْ ، ويا باغيَ الشرِّ أقصرْ ، ولله عُتَقاءُ من النارِ ، وذلك كلَّ ليلةٍ }جعلني اللهُ وإيَّاكم من صيَّام هذا الشهر وقُوَّامه
بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم منكلِّ ذنب ، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله على إحسانه ، والشكرله على توفيقهِ وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحدهُ لا شريكَ لهُ ، تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ نبينا محمّداً عبده ورسولُه ، الدّاعي إلى رضوانه ، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه ، وسلّم تسليماً مزيداً : أما بعد أيها الأخوةُ في الله ،أشغلوا قلوبَكم وألسنتَكم بحمدِ اللهِ وشكرِه في رمضان ، وعمِّروا مساجدَ اللهِ بحضورِ الصلواتِ فيها ، والاجتماعِ لتعظيمِ اللهِ وذكرِهِ ، ونوِّروا بُيوتَكم بتلاوةِ القرآنِ ، وعُقُولِكُم بتدبُّر نهيهِ وأمرِهِ ، وزينوا بواطنَكم بحُبِ بعضِكم بعضاً ، فإن المتشاحنين والمتباغضين ، لا يُرفعُ لهم عملٌ ، يقولُ عليه الصلاةُ والسلامُ ، في الحديثِ الذي رواه مسلمٌ ، من حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه ، { تُعرضُ أعمالُ الناسِ في كلِّ جمعةٍ مرَّتين يومَ الاثنينِ ، ويومَ الخميسِ ، فيُغفرُ لكلِّ عبدٍ مؤمنٍ ، إلاَّ عبداً بينهُ وبين أخيه شحناءُ ، فيُقال : اتركوا هاذينِ حتى يفيئا } واستقبلوا رمضانَ بالتوبةِ الصادقةِ ، ولا تَقنطُوا من رحمةِ اللهِ ، مهما كان عندكُم من الذنوبِ والمعاصي ، فإن اللهَ عز وجلَّ ، يغفرُ الذنوبَ جميعا ، يقولُ : سُبحانه (قُل يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم ُ) ويعلنُها ربُّنا محبةً للتائبينَ والمنيبينَ والمستغفرينَ فيقولُ عز وجل : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) فاستقبلْ هذا الشهرَ بالإقبالِ على اللهِ ، وداومْ على التوبةِ والاستقامةِ في بقيةِ عمرِكَ ، لعل اللهَ أن يختمَ لك بالسعادةِ ، ولعلك تُكتبُ في هذا الشهرِ ، من جملةِ العتقاءِ من النارِ ،
واندبْ زماناً سلفا. .سوّدتَ فيه الصُحُفا
ولم تزلْ معتكفاً.. على القبيحِ الشَّنِعِ
كم ليلةٍ أودعتَها. .مآثماً أبدعتَها
لشهوةٍ أطعتَها.. في مرقدٍ ومضجعِ
فالبسْ شعارَ الندمِ.. واسكبْ شآبيبَ الدّمِ
قبلَ زوالِ القدمِ. .وقبلَ سوءِ المصرعِ
شهرُ رمضانَ ! شهرٌ عظَّمَهُ اللهُ فعظِّموه ، وضيفٌ كريمٌ سينزلُ بكم فأكرموه ، عباد الله صلّوا على المعصوم ، عليه أفضل الصلاة وأتمُّ التسليم ، فإنّه يقولُ بأبي هو وأمي من صلَّ عليَّا صلاةً واحدةً صلى الله عليه بها عشراً ، اللهم صلى وسلم وأنعم وأكرم وزد وبارك ، على عبدك ورسولك محمد ، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار ، ما تعاقب الليل والنهار ، أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين ، وعن التابعين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنك وفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين .اللهم أعز الإسلام المسلمين ، ودمر أعداء الدين من اليهود والنصارى ، وجميع الكفرة الملحدين ، اللهم يا عظيم العفو ، ويا وسع المغفرة ، ويا قريب الرحمة ، ويا ذا الجلال والإكرام ، هب لنا العافية ، في الدُنيا والآخرة ، اللهم اجعل رزقنا رغدا ، ولا تُشْمِت بنا أحداً ، اللهم إنا نسألك ، بعزك الذي لا يرام ، وملكك الذي لا يضام ، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك ، أن تكفينا شر ما أهمنا ، وما لا نهتَمَّ به ، وأن تعيذنا من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، وأن تبلغنا رمضان ، وأن تجعلنا من الذين يصومونه ويقومنه ، أيماناً واحتساباً ، اللهم رغبنا فيما يبقى ، وزهدنا فيما يفنى وهب لنا اليقين ، الذي لا تسكن النفوس إلا إليه ، ولا يُعوَّلُ في الدين إلا عليه ، اللهم اجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً ، وسائر بلاد المسلمين ، اللهم أيد أمامنا بتأيدك ، وانصر به دينك ، ووفقه إلى هداك ، واجعل عمُلُه في رضاك ، ورزقه اللهم البطانة الصالحة الناصحة ، التي تدله على الخير ، اللهم أرحم موتانا ، وعافي مبتلانا ، واقضي الدين عن مديننا ، ورد ضالنا إليك رداً جميلاً ، ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
المفضلات