[align=justify]لا عدا الشرُّ من بغى لكما الشرَّ
وخصَّ الفسادُ أهلَ الفسادِ
المتنبي
في مسرحية (غربة) وقف المختار المتسلط الظالم المستغل لأبناء (الضيعة) والذي يعمد على إغراقهم في الجهل والفقر والبطالة لأنه يؤمن بمقولة روزفلت : (إن الجهل والبطالة هما الركائز الأساسية التي تبنى عليها الأنظمة الديكتاتورية) ، وقف يوجه خطاباً إلى شعبه المسكين والذي جاء إليه يشكو من الفيضان الذي يدمر محاصيلهم الزراعية في كل عام مع مطالبتهم المستمرة للمختار بأن يضع سدّا يحمي المحاصيل ، فما كان من المختار الظالم إلا أن أجاب بجواب يخجل منه إبليس حين قال لكبيرهم : ( لا لا ، لا تكفر يا إبني ،هذا طوفان جاي من عند الله ، كيف بدّي أحط بوجهه سدّ ؟! ) ، فما كان من كبيرهم إلا أن استغفر وتاب .
بمثل هذه العقليات ربما تدار الأمور في بعض البلدان وقاعدة (اللي يجي من الله حيّاه الله) هي السائدة ، وكلمة (خيرة) أصبحت ذريعة يتذرع بها المقصرون بدلاً من أن تكون كلمة للتصبير واحتساب الأجر بعد جهد وعمل مضنٍ لم يسعف للوصول إلى المراد لحكمة اقتضاها الله ، ويبدو أنه من المعيب أن نعالج الفساد الإداري والمالي المتفشي لأنه شئ كتبه الله علينا ، بل يجب علينا أن نكيف أنفسنا مع هذا الفساد ونتأقلم معه حتى يأتينا زمان نستغرب فيه وجودَ المصلحين .
كما أننا يجب أن ننظر إلى نصف الكأس المملوء – زعموا – حتى لو كان قد ملئ سمّا زعافاً ، فبهذه الطريقة نكون إيجابيين – يخزي العين – ولا ننتبه لحجم الفساد الذي يغطي عين الشمس ، فيجب أن نحمد الله أن وهبنا مجلس قبيضة لنميز الخبيث من الطيب ولنعلم أن اليد العليا خير من اليد السفلى وفي كلٍّ شرّ ، ونحمد الله أن مستشفياتنا هجرتها ملائكة الرحمة لتستقر فيها ملائكة الموت حتى نعيش لدنيانا وكأننا نموت غداً ! ، ونحمد الله أن نوابنا دائما يريدون الخير ولكنهم لا يبلغونه فنعذرهم ونصفق لهم وننسى وعودهم ، لنتأكد من صحة مقولة (كم من مريد للخير لم يبلغه) ، ونحمد الله أن نصف الشعب مديون لنأخذ من أموالنا صدقة فنردها إلى فقرائنا حتى نتعلم كيف يكون دهنّا في مكبتنا ، ونحمد الله على غلاء الأسعار المصاحب لارتفاع الرواتب لنعلم ماذا قصد الأولون بقولهم (خوذ من كيسه وعايده) ، ونحمد الله على وجود (بدون) يعانون ويقاسون ويستظلون بظل الأشجار من شدة الحر وهم يبحثون عن قوت يومهم عند الدوارات وجدران المدارس في بلد المليار (برميل) لنعلم أن الله عز وجل خلق وفرق وأن العين لا تعلو على الحاجب وأن الله رفع بعضنا فوق بعض درجات ليتخذ بعضنا بعضاً أرباباً ، فبهذه الطريقة تصبح البلد في أعيننا يانعة مخضرّة ، ويتحول هذا الغبار إلى أمطار ، وتلك الكثبان التي تغزو الشوارع إلى ثلوج يتلاعب بها الأطفال ، ويصبح الفساد من حولنا تبصرة وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، ونكثر من قول : (ياالله لا تغيّر علينا) ، ونقتنع فعلاً بأن هذا الطوفان جاي من عند الله .. فكيف بدنا نحط في وجهه سدّ .. كما قال المختار لا فضّ فوه .[/align]