[align=justify]أنام ملء عيوني عن شواردها

ويسهر الخلق جرّاها ويختصمُ

المتنبي

بمثل ذلك البيت وأشباهه يحق لنايف بن عبدالعزيز رحمه الله أن يتمثل ويستشهد ، فقد أغمض جفنيه رحمه الله وصار إلى جوار ربه الذي يعلم خافية الأعين وما تخفي الصدور ، وانتقل من دار الدنيا إلى أول منازل الآخرة ليقابل ربّا حرم الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرّما .

ولي العهد السعودي الذي وافته المنية يوم أمس له مناقب جمّة لا تحصى ، ومواقف عظيمة لا تنسى ، ومآثر كريمة ستبقى بعده تروى ، قهر أعتى موجة للإرهاب في المنطقة حين ضرب بيد من حديد ، وتصدى لأقوى هجمة شرسة لو وجّهت تجاه أي دولة أخرى من دول المنطقة لدمرتها ، ولكن الله حين أراد لها أن تموت في مهدها جعلها تتجه في بدايتها صوب بلاد الحرمين لتجد أمامها باباً موصداً بإحكام اسمه نايف ، باباً تسلّح بالقرآن والسنة والذب عنهما ، وتقوى بصحبة العلماء وطلبة العلم والذب عنهم ، فكان خير معين لأهل الخير على المضي قدماً في نشر الخير .

توفي نايف بن عبدالعزيز فرأينا الفرح الظاهر في عيون ، والفرح المشوب بمكرٍ في عيون أخرى ، ورأينا الحزن الواضح في عيون ، والحزن المتصنع المتكلف في عيون أخرى ، وكل ذاك إنباء وإخبار عمّا حاك في الصدور ، ولله در من قال : ما أضمر إنسانٌ شيئاً إلا وأظهره الله على فلتات لسانه وجوارحه ، فما أكثر فلتات الألسن وسقطات الجوارح ليلة البارحة ، ولله درّ نايف بن عبدالعزيز كشفهم حيّا وميّتا .

بعض الناس قد لا تكون ممن سبر حاله في حياته ، وقد لا تكون ممن يحمل له حبّا كبيراً له في قلبك ، ولكنك ما إن ترى فرح البعض بموته ممن تعرف طريقهم ومسلكهم واعتقادهم ومنهجهم ، إلا وتتيقن بأن هذا الشخص الذي قد مات يكون على نقيض منهج هؤلاء ومسلكهم ، وعلى غير معتقدهم ومنهجهم ، وهذا ما أجده عاجل بشرى المؤمن لأمثال هذا .

من وجهة نظري فإنني أقسم الناس حيال وفاة نايف بن عبدالعزيز رحمه الله إلى قسمين كل قسم يتفرع من قسمان :

القسم الأول : من حزن لوفاة نايف بن عبدالعزيز رحمه الله وهم قسمان ، فالأول منهما هم المتدينون من أهل الاستقامة وهؤلاء سبب حزنهم لأنهم يرون الرجل كان خير معين لهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة أعداء الفضيلة والذب عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وهؤلاء غالبيتهم من أصحاب المعتقد السليم والمنهج الصحيح ، والثاني منهما هم عوام الناس ممن عايشوا سيرة هذا الرجل ويرونه السبب الأعظم بعد الله عز وجل في استتباب الأمن والقضاء على الإرهاب والعيش بسلام ، وهذان القسمان بدا عليهما الحزن الواضح لوفاة نايف بن عبدالعزيز رحمه الله ، مما جعل بعضهم يغلو فيه جاهلاً أو ناسياً عبر إطلاق بعض الأوصاف أو الشهادة له بالجنة وهذا أمر منافٍ لتعاليم ديننا الحنيف .

القسم الثاني : من فرح لوفاة نايف بن عبدالعزيز وأقام المسيرات وتبادل التهاني ولمّح إلى شرعية سجود الشكر في مثل هذه المواضع ، وهم قسمان أيضاً ، فالأول منهما هم المتدينون من أصحاب المناهج المنحرفة والمعتقدات الضالة ممن اصطلح على تسميتهم في المملكة بالفئة الباغية ممن لا يرقبون في المسلمين إلا ولا ذمّة ، وممن يقاتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان وهؤلاء سبب فرحهم لما يعلمونه من أن نايف بن عبدالعزيز كان العقبة الكؤود في طريقهم نحو هدفهم وقطع السبيل دونهم ودون مبتغاهم ، والثاني منهما هم أعداء الفضيلة ودعاة الرذيلة ممن يزعجهم منظر الحجاب والنقاب ، ويؤذيهم منظر المآذن والقباب ، يدّعون حرية الرأي ويضيقون ذرعاً بكل رأي طيب ، يدّعون احترام الآخرين وهم أقل الناس احتراماً لدينهم ، بل إن بعضهم تطاول على ربه عز وجل وعلى نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهؤلاء سبب حزنهم أنهم يرون نايف بن عبدالعزيز اليد الطولى التي كانت تضرب بها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي تدمر كل مخططات أولئك القوم مستندة إلى الدعم اللا محدود من نايف بن عبدالعزيز .

ولاشك أن بين ذانك القسمين تقبع أقسام تحكم بعاطفة أو تحكم بجهل وهؤلاء لا اعتبار لحكمهم إذ أن أي حكم لا يرتكز على أرض صلبة فهو عرضة للتغير في أي وقت كان .

توفي نايف بن عبدالعزيز وهو لا يعلم كلامنا اليوم ولا يسمع حديثنا ، وهو أحوج ما يكون اليوم إلى الدعاء ولا شئ سواه ، توفي نايف بن عبدالعزيز وما علم بحال من بكى بعده ، ولا بحال من فرح بعده ، توفي نايف بن عبدالعزيز فظنّ البعض بأنه آخر خرزة في مسبحة الرجال المنافحين عن الحق والخير وما علموا بأنه إن زال جبل (نايف) فهناك الآلاف من الجبال (النايفات) ، توفي نايف وأغمض عينيه وسيعرف مصيره في أول ليلة له في قبره ، وترك لنا السهر اختصاماً في حاله ، فكفوا يرحمكم الله ، ورحم الله نايف بن عبدالعزيز .



منصور الغايب[/align]