الحمدُ للهِ ،قدَّمَمن شاءَ بفضلِهِ ، وأخرَّ من شاءَ بعدلِهِ ، هو المبدءُ المعيدُ ، الفَعَّالُلمايُريدُ ، جلَّ عن أتخاذِ الصاحبةِ والولدِ ، ولم يكنْ له كفواً أحدٌ ، أشهدُ أنلا إلهَ إلا هوَ ، وحدَهُ ولا شريكَ له ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلىاللهُ عليه ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلم تسليماً كثيراً : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًاوَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّاللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوااللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْلَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاًعَظِيماً ) أمَّا بعد : أيُّها الأحبةُ في اللهِ :مَالُ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ، نِعمةٌ منهُ جلَّ وعلا ، زرعَ حُبَّها في نّفوسِكم ، وقد ذَكرَ ذلك جلَّ وعلا في ثنايا قُرءانِهِ ، وبيّنَ عزَّ وجلَّ مصاعِبَ امتِحانِهِ ،فقالَ جلَّ من قائلٍ سُبحانِه (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ) والمالُ في الدُّنْيَا نَعِيْمٌ ، وليس لكَ من مالِكَ إلاَّ ما أكلتَ فأفنيتَ ، أو لبستَفأبليتَ ، وفِي الآخِرَةِ ، سُؤالٌ ومَوْقِفٌ طَوِيْلٌ ، تُسألُ عن كلِّ ما جمعتَ وأوعيت ، ورصدتَ وحويتَ ، يقولالمُصطفىeكما عندَ الطبراني من حديثِ مُعاذِ بن جبلٍ رضي اللهُ عنه { لاَ تَزُولُقَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أربَعِ خِصَال [وذكرَ منها] وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُوَفِيمَا أَنْفَقَهُ } فَأَنفقُهُ فيما يَعود عليكَ بالنَّفعِ في الْحَالِ والمآلِ ، واحرِصْ على فعلِ الخيراتِ بهِ ، ونفعِ ذوي القُرباتِ ، وإغاثةِ أهلِ الحاجاتِ ، يُبَارَكْ اللهُ لكَ بهِ ، ويَكُونُ منأسبابِ صلاحِ قَلبِكَ ، وأعمَالِكَ وأحوالِك ، إن أنفقَتَ مِنهُ أُجِرَتَ عليهِ ، وإنتمتَّعَتَ به بُورِكَ لكَ فيهِ ، وإن تصدَّقَتَ به قُبِلَ مِنكَ وضُوعِفَ لك ، وإنْتَرَكَتهُ لوارثِكَ ، كان خيراً لك ، فنعمَ المالُ الصالِحُ ، للرجلِ الصالحِ ، وذلكفضلُ اللهِ يؤتيهِ من يشاءُ ، فإذا دعاكَ داعِ الإِنفاقِ ، ووقَفَ المُحتاجُأمَامَك مِن إِملاقٍ ، فقُلْ هذا مالُ اللهِ إليكَ ، وتَشكُرُ اللهَ على مَاأَنعَمَ عليَكَ ، بصلاحِ المالِ ، وصَلاحِكَ في المالِ ، فَيُزادُ فيعُمُرِكَ ، ويُمدُّ في أَجَلِكَ ، حتّى إذا أكلَ الدّودُ لحمَكَ ، ونَخَرَ عظمَكَ ، لمتَزَلْ صحائِفُ الخَيرِ تُنَمَّى ، وحَسَنَاتُ البِرِ تُزادُ ولا تُنسى ، حتّى إذاصِرتَ جُثّةً هامِدةً ، وجِيفَةً خامدةً ، لم يَزَلْ خَيُرُكَ يَمتَدُّ إلى فَقِيرٍمِسكِينٍ ، أو طِفلٍ يَتِيمٍ ، أو أرمَلَةٍ ليس لها مُعينٌ ، فإذا أردتَّ ذلككُلَّهُ ، إذا أردتَ الباقيةَ ، فَعلَيكَ بصدقةٍ جاريةٍ ، لِيَكْتُبَ اللهُ لكَ بها، عُمراً آخرَ في الطاعةِ ، وتُزادَ خيراً وسعادةً ،ففي صحيحِ مُسلِمٍ ، من حديثِحُذيفةَ رضي اللهُ عنهُ ، أن رسولَ اللهِeقال: { أُتِيَ الَّلهُبِعَبْدٍ ، مِنْ عِبَادِهِ أتَاهُ الَّلهُ مَالاً فَقَالَ لَهُ : مَاذَا عَمِلتَفِي الدُّنْيَا ؟ قَالَ : وَلا يَكْتُمُونَ الَّلهَ حَديثاً ، قَالَ: يَا رَبِّآتَيْتَني مَالَكَ ، فَكُنْتُ أَبَايِعُ النَّاسَ ، وَكَانَ مِنْ خُلُقِيالْجَوَازُ ، فَكُنْتُ أَتَيَسَّرُ عَلَى الْمُوسِرِ ، وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ ،فَقَالَ الَّلهُ : أنَا أَحَقُّ بِذَا مِنْكَ ، تَجَاوَزُوا عَنُ عَبُدِي } أيها الأحبةُ في اللهِ ، يجدُرُ بِنا ، أَنْ نَعرِفَ أحوالَ الصَّحابةِوقَائِدِهمeمَعَ المالِ ، لِنَتَشَبَّهَ بِهم ، إِنْالتَّشبُّهَ بالكرامِ فلاحُ ، لأنّهم رضي اللهُ عنهم أخرجوا المالَ من قُلُوبِهم ،وخَرجُوا من الدُّنيا بِلا دُنيا ، فهذا سيّدُ ولدِ آدمَ ، رسولُاللهِ eتقولُ عائشةَ اُمُّ المؤمنين رضي الله عنها { اشتدَّ عليهِالوجعُ ، وعنده سَبعةُ دنانيرَ أو تسعةٌ ، فقالَe { يا عائشةُ ما فعلتْ تلك الذهبُ ؟ فَقلتُ : هي عندي ، قال : تَصَدَّقي بها ،قالتْ : فَشُغِلتُ به ، ثم قالَ : يا عائشةُ ما فعلتْ تلك الذهبُ ؟ فقلتْ : هي عندي، فقال : ائتيني بها ، قالتْ : فجئتُ بها ، فوضعَها في كفِّهِ ثم قالَ : ما ظَنُّمُحَمدٍ ، أن لو لقيَ اللهَ وهذه عندَهُ ، ما ظنُّ مُحمدٍ ، أن لو لقي اللهَ وهذهعندَهُ } أخرجه ابنُ حبَّانَ . توفي رسولُ اللهe، وليس في بيتِهِ دينارٌ ولا دِرهمٌ ولا مَتَاعٌ ، أمَّا سلمانُ الفارسيُفقد بكى في مَرضِهِ ، ظنَّاً منه أنه تجاوزَ وتعدَّى عهدَ رسولِ اللهِeإليهِم { يَكْفِي أَحَدَكُمْ مِثْلُ زَادِالرَّاكِبِ } رواه ابنُ ماجه ، فَلَمَّا بَحَثُوا بَعدَ وَفَاتِهِ ، وإِذَا هُوَ لميتركْ إلاَّ بِضعةً وعشرين درهماً ، من نَفَقَةٍ كانتْ عِندَهُ ، فالصحابةُ رضياللهُ عنهم ، سَخّروا المالَ ، عُنصُرَ قُوَةٍ وبناءٍ لأُمَّتِهِم ، ونُصرةٍلِرَسُولِهم ، وخِدمةٍ لدينِهم ، أولُهم أبو بكرٍ رضيَ الله عنه ، صدَّقَ رسولَاللهِeحين كُذِّبَ ، وأعطاهُ مالَهُ حين مُنِعَ ،وَاشتَري ضُعفاءَ المسلمينَ وأَعتَقَهُم... ، وعثمانُ رضي الله عنه ، يُجهِّزُ جيشاًبأكمَلِهِ ، في غَزوَةٍ من الغَزواتِ ، ويقولُ فيهe { مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ }رواه الترمذي . فالصحابةُ ، سخروا المالَ عُنصُراً من عناصرِ التكافُلِ الإجتماعي ، يَرى أنلأخيِهِ حقاًّ في مالِهِ ، لا يَظنُّ بشيءٍ منه ، كيف يَهنأُ لهُ بالٌ ، وَهُوَيَرى الجائعين والمساكينَ والمُحتاجين ، فعثمانُ رضي الله عنه ، يشتري بِئرَ رُومَه ، ويجعَلُهاحُسبَةً للنَّاسِ ، ويُصيبُ النَّاسَ قَحْطٌ ، أ يّامَ أبي بكرٍالصديق رضي الله عنه، ويَتَوقّعُ النّاسُ الهلاكَ ، فَجَاءتْ عِيرٌ من الشامِ ، لعثمانَ رضي الله عنه ،ألفُ بعيرٍ مسوقةً بُراً وزيتاً وزبيباً ، فَرَفَضَ أن يَبيعَهَا للتُجَّارِ ، فجعلَها صدقةً على المسَاكِينِ وفُقراءِ المسلمين ، لقد سطَّرَ الصحابةُ رِضُوانُ اللهِعليهِم ، مواقفَ خالدةً ، قالُوا فيها : إذا تعارضَ الدٍِّينُ والمالُ ، قُدِّمالدِّينُ دُونَ نَظَرٍ لأي اعتِبارٍ ، بَلْ قَدْ يَتنازلُ أحدُهم عن مالِهِ كُلِّهِ، فِرَاراً بدينِهِ ،فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين ...
باركالله لي ولكم في القرآن العظيم،
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقهِ وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحدهُ لا شريكَلهُ ، تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ نبينا محمّداً عبده ورسولُه ، الدّاعي إلى رضوانه، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه ، وسلّم تسليماً مزيداً :أمَّا بعدُ :أيها الأحبةُ في الله ، فإن المالَ الذي في أيدينا كما ذكرتُ لكم من على هذا المنبر ، في خُطبٍ مضت ، المالُ الذي في أيدينا على قسمينِ : قسمٌ لنا ، وهوالذي نُقَدِّمُهُ للآخرةِ ، ونَدَّخِرُهُ عندَ اللهِ عز وجل ، وقسمٌ عِندَنا ، وهو أمانةٌينتظرُ أصحابُهُ ، تسليمُهُ إليهم بعدَ الموتِ ، وهُم الورثةُ وأصحابُ الحقوقِ ، وكممن مسكينٍ جَمَعَ الملايينَ ، وكَدَّ وكَدَحَ في جمعِها ،ولم يُوقِفْ شَيئاً مِنهَافي حياتِهِ ، ولَمَّا تُوفيَ رَفَضَ أبناءُهُ بناءَ مسجدٍ واحدٍ لهُ ، من هذهالملايينَ! فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ وقدِموا لأنفسِكم خيراً تجدوهُ عندَ اللهِ (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْمِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداًوَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) اللهم أحينا علىالتوحيدِ سعداءَ، وأمتْنا على التوحيدِ شهداءَ.(رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَابَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَالْوَهَّابُ) (آل عمران:8) عبادَ اللهِ صلّوا على الهادي البشيرِ ، والمصطفىالنذيرِ الذي يقولُe{حيثما كنتمفصلوا عليَّ فإنَّ صلاتَكم تبلغني }و يقولُ { من صلى علي صلاةً صلى اللهُ عليه بهاعشراً } اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ،وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَوعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهمبإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَالراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِوالنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ،ومن كره الإسلام والمسلمين ،اللهُمَّ ا نصرْ عبادَك المجاهدينَ في كُلِّ مكانٍ ياربَّ العلمين ، اللهم سددْ رميَهم ، ووحدْ صفَّهم ، واجمعْ على الحقِّ كلمتَهم ، ياربَّ العالمين ، اللهم ارحمْ عبادَك المستضعفينَ المستهدفينَ ، في الشَّامِ وفي فلسطينَ ، وفي كُلِّ مكانٍ يارب العالمين ، اللهم ارحمْ الأطفالَ الرُضعْ والشيوخَ الرُكعْ والثكالى ، اللهم إنهم حفاةٌ فاحملْهم ، اللهم إنهم عراةٌ فاكسْهُم اللهم إنهم جياعٌ فأشبعْهم ، اللهم عليك ببشار وجنودِهِ الأشرار ، اللهُم أرنا بهم عجائبَ قدرتِك ، وفجاءةَ نقمتِك ، وأليمَ عذابِك ، اللهم اقذفْ الرعبَ في قلوبِهم . وجمدِ الدماءَ في عروقِهم ،وشلَّ أطرافَهم وجعلْ بأسَهم بينهم ، واجعلْهم عبرةً للمُعتَبرين ، إنك على ذلكَ قديرٌ ، وبالإجابةِ جديرٌ ، ياربَّ العلمين ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا وسعَالمغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، فيالدُنيا والآخرةِ ، اللّهُم اجعلْ رزقَنَا رغداً ، ولا تُشمتْ بنا أحداً ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.ياربالعالمين ، اللهم احفظْ بلادَنا وولاةَ أمرِنا وعلماءَنا ودُعاتَنا ، اللهم وحِّدْكلمتَنا وقوي شوكتَنا ياربَّ العالمينَ ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلماتوالمؤمنيين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم ربنا ( آتِنَا فِيالدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِوَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
المفضلات