جاءت الثورة الفرنسية بشراستها لتعلن للبشرية عن النتيجة التاريخية الحتمية والطبيعية لأنظمة الحكم التي لا تطور من أساليبها السياسية مع شعوبها وتقف على احتياجاتهم وتلبي متطلباتهم المعيشية لتمنحهم حياة سخية ذات رخاء ورفاهة، وجاءت لتضع أيضا نهاية حازمة وحاسمة لما يعرف بالملكيات المطلقة والحكم المستبد القائم على تداخل السلطات، والسيطرة على المؤسسات الدينية، والرقابة المشددة على الاقتصاد وكثرة الضرائب والقيود الجمركية، وفرض إجراءات إدارية معقدة، وفي الوقت ذاته لا تمنح الفرص المتكافئة للمواطنين أو أي تقديرات مادية أو معنوية أو مزايا من دولهم ينعمون بها، إضافة الى منع الحريات بما فيها حرية التعبير.. فهذه هي الأسباب الحقيقية لاندلاع الثورة الفرنسية بنظري، وليس كما يختزلها البعض في إلغاء طبقة الأعيان والأغنياء والألقاب والامتيازات الممنوحة لهم، فالطبقة البرجوازية عادت في ما بعد.. وعادت أقوى من السابق بفرنسا.
ومن البديهي أن تختلف أساليب الحكم وتتطور تبعا لاختلاف الحكام ومدى نزاهتهم وعدالتهم واحترامهم لمواطنيهم ودولهم.. وصدق نيتهم في هذا الشأن. وهذه المقالة أهديها لكل السياسيين والحكام والشعوب بالعالم، الذين يجب ألا يتعجلوا التغيير وألا يتباطأوا فيه أيضا، ويجب أن يمنحوا أنفسهم ومواطنيهم الفرص الملائمة للتعايش المتقارب والسلمي، ويجب أن يستفيدوا من معطيات العصر الذي صرنا نعيش فيه، وأن يدركوا وتيرة الزمن الحالي واختلافاته عن الأزمنة الماضية، فالدستور مهم.. لأنه يحدد مسؤوليات المواطن وحقوقه وواجباته تجاه الدولة، ويضع صلاحيات وآليات عمل سلطات الدولة وهياكلها، ويضع ثوابت علاقة الحاكم بالمحكوم بدقة لأجيال وأجيال بشكل موثق ومكتوب. ومصداقية أي دستور وشرعيته تنبعان من مدى احترام الحكام لقوانينه والتزامهم بمواده تجاه بلدهم ومستقبله، فما الفائدة من دستور يبرر للحاكم اكتساب أراض بالحروب، أو يحكر السلطة لفئة من الناس دون غيرهم لأنها أكثرية ويحرم الأقلية من تداولها، ولا يدعم الثقة بمواطنيه لمجرد أنهم مواطنون ينتمون إليه؟ وما أهمية دستور لا يحافظ على تماسك الشعب بل ويعرضه للتصنيفات الطائفية المذهبية أو القبلية العشائرية أو العرقية الإثنية، أو يبرر استحواذ الفئة الحاكمة على أراضي الدولة أو يبقي تلك الأراضي صحراء جرداء من دون التمتع بها واستغلالها، أو لا يحدد بشكل دائم العدد ومسميات اللجان البرلمانية بمجلس الأمة أو الشعب وطبيعة عملها، أو لا يشمل مواد قانونية تحدد فترة رئاسة المجلس التي بعدها يجدد المجلس رئاسته لضمان تداول سلطة تلك الرئاسة البرلمانية بين أعضائه النيابيين المنتخَبين.
ديناالطراح.
المفضلات