الحمدُ للهِ ،قدَّمَ من شاءَ بفضلِهِ ، وأخرَّ من شاءَ بعدلِهِ ، هو المبدءُ المعيدُ ، الفَعَّالُ لمايُريدُ ، جلَّ عن أتخاذِ الصاحبةِ والولدِ ، ولم يكنْ له كفواً أحدٌ ، أشهدُ أن لا إلهَ إلا هوَ ، وحدَهُ ولا شريكَ له ، ( لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليه ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلم تسليماً كثيراً :: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ) : أما بعدُ أيها الأحبةُ في الله: فإنَّ للوقفِ في الإسلامِ شأنٌ عظيم ، ومكانةٌ سامية ، ولا أدل على ذلك ، من اعتناء الدين به وبيان أحكامه ؛ والوقفُ: هو تحبيسُ الأصلِ وتسبيلُ المنفعةِ، وهو صدقةٌ جاريةٌ يقفُها المرءُ ويسبّلُها في حياتِهِ لوجُوهِ الخيرِ والبرِ، فَيَستَمِّرُ أجرُها مادامتْ باقيةً . وأفضلُ أنواعِ الصدقاتِ وأنفعُها ، ماكان مضمونُالبقاءِ ،وأولُ وقفٍ في الإسلامِ هو مَسجِدُ قُباءَ ، قالَ ابنُ كثيرٍ رحمه اللهُ: [ لبثَ رسولُ اللهِr في بني عمروِ بنِ عوفٍ بضعَعشرةَ ليلةً ، وأسسَ المسجدَ الذي أُسِسَ على التقوى وصلى فيهِ، ثم انتقلَ إلى منازلَ بنيالنَّجارِ من الأنصارِ ] ولكن ـ وللأسف ـ يوجد من المسلمين اليوم ، من لايدرك أهمية الوقف ، ولا يستشعر عظم شأنه ، ولذلك وجد من المسلمين ، من يجمع الأموال الطائلة ، ويفني حياته باللهث خلف المال ، إلى درجة العبودية له ، ولكنه يموت ويترك ما جمع لورثته ، الذي قد يكون من بينهم من يفرح بموته ، ويسر بوفاته وتركه لأمواله ، ليتمتع بهذه الأموال ، التي صار له غنمها وعلى والده غرمها ، ولن تزولا قدما عبد يوم القيامة ، حتى يسأل عن ماله ، من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، كما قال النبي r .نعم يجهل بعض المسلمين منفعة الوقف ، ولم يبلغ بعضهم درجة من اليقين ، على ما يترتب علي الوقف من الأجر العظيم ، ولهذا قل الواقفون ، وندرت أوقاف المسلمين ، والوقف من أعظم القرب ، التي يتقرب بها إلى الله U ، يقول النبي e{إذا ماتَ ابنُ آدمَ انقطعَعملُهُ إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ ، أو علمٍ ينتفعُ به ، أو ولدٍ صالحٍ يدعو لهُ}رواه مسلم ، ويقولُ بأبي هو وأُمي { إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ أَوْ بَيْتًا لاِبْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِى صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ } رواه ابنُ ماجَه وحسنَهُ الألباني ، ولمَّا عَلِمَ سلفُ هذه الأمةِ هذا الخيرَ ، تَسابقوا إليه ، وتنافسوا فيهِ ، فكانالوقفُمن أعمالِهمالتي سارعوا إليها ، فقد كانَ لأبي بكرٍدورٌ بمكةَ فأوقفَها على أولادِهِ، وعمرُأصابَ أرضاً بخيبرَ فأتىالنبيَّ يستأمرُهُفيها فقالَ: يا رسولَ اللهِ إني أصبتُ أرضاً بخيبرَ لم أُصبْ مالاً قط هو أنفسُ عندي منها. فقالَ: { إن شئتَ حبستَ أصلَها وتصدقتَ بها}فتصدقَ بهاعمرُ فيالفقراءِ، وفي ذي القربى، وفي الرقابِ، وفي سبيلِ اللهِ، وابنِ السبيلِ والضيفِ.. [رواهمسلم] وقد أوقفَ عثمانُ بنُ عفانَأملاكَهُ بخيبرَ على أولادِهِ، كما سبّلَ بئرَ رومةَ لوجهِ اللهِتعالى. وأوقفَ عليُّ بنِ أبي طالبٍعيوناً من الماءِ في يَنبعَ . كما أوقفَ ضيعتينِ لهُ هُناك ، وقال أنسُ بنُ مالكٍ: كان أبو طلحةَ أكثرَ أنصاريٍ بالمدينةِ نخلاً. وكان أحبُّأموالِهِ إليهِ بيرُحاءَ، وكانتْ مستقبلةً المسجدَ، وكان النبيُّr يدخلُها ليشربَ من ماءٍ فيهاطيبٍ ، فلما نزلَ قولُ اللهِ تبارك وتعالى ( لَنتَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ) قال أبو طلحةَ: يا رسولَ اللهِ إنَّ اللهَ يقولُ (لَنتَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ) آل عمران:92]. وإن أحبَّ أموالي إليّ بيرُحاءُ ، وإنها صدقةٌ للهِ أرجو برَّها وذخرَها عندَ اللهِ ، فضعْها يا رسولَ اللهِ حيثُأراكَ اللهُ ، فقالَ رسولُ اللهِr}بخٍ ذلكَ مالٌ رابحٌ ، ذلكَمالٌ رابحٌ، وقد سمعتُ ما قلتَ، وإني أرى أن تجعلَها في الأقربينَ} فقالَأبو طلحةَ: أفعلْ ذلكَ يا رسولَ اللهِ، فقسمَها أبو طلحةَ في أقاربِهِ وبني عمِّهِ ، رواه البخاريُ ومسلمٌ ، والوقفُ يا عبادَ اللهِ أنواعٌ ، مِنْهَا الوقفُبإنشاءِالمساجدِ ورعايتِها ، والقيامِ بشئونِها ومنها الوقفُعلى توزيعِ الكسوةِ للفقراءِ والأراملِ والمحتاجينَ ، وإطعامُ الجائعينَ ، ومنها الوقفُ على المكتباتِالعامةِ كإنشائِها وإيقافِ الكتبِ الشرعيةِ بها.َ، وإنشاءُ المراكزِ الطبيةِ؛ خاصةً ما دعتْ إليهِ الحاجةُ في هذه الأزمنةِ: كمصحاتِ الأمراضِ النفسيةِ، وعلاجِ أمراضِ الكِلى والأورامِ الخبيثةِ، وإنشاءِ المستشفياتِ والمستوصفاتِ ، وتعبيدُ الطرقِ وشقِّها وإنشاءُوحفرُ الآبارِ ، وإجراءُ الماءِ ، ومنها الوقفُعلى نشرِ دعوةِالتوحيدِ وتبليغِ الإسلامِ ، وذلك بطبعِ الكتبِ والأشرطةِ وتوزيعِها ، وبناءُ مراكزِ الأيتامِ ، ورعايتِهم والعنايةِ بهم ، ومنها الوقفُعلى جمعياتِتحفيظِ القرآنِ الكريمِ ، التي نفعَ اللهُ بها أبناءَ وبنات المسلمينَ ، ومنها الوقفُعلى تفريجِالكربِ. فكم من مسلمٍ لا ينامُ الليلَ من الهمومِ والغمومِ والديونِ التي لحقتْهُ ، قالَr {ومن فرجَ عن مسلمٍ كربةً فرجَ اللهُ عنه بها كربةً من كُرَبِ يومِالقيامةِ.. } [متفق عليه ، ومنها الوقفُعلى فكِّالرقابِ، وإعتاقِ المسجونينَ الغارمينَ.......
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم،
ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمَعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنب وخطيئة فاستغفِروه، فقد فاز المستغفِرون
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقهِ وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحدهُ لا شريكَ لهُ ، تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ نبينا محمّداً عبده ورسولُه ، الدّاعي إلى رضوانه ، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه ، وسلّم تسليماً مزيداً :أما بعدُ :أيُّها الأحةُ في الله ،كم من مسكينٍ جَمَعَ الملايينَ وكَدَّ وكَدَحَ في جمعِها، ولم يُوقِفْ شَيئاً مِنهَا في حياتِهِولما تُوفي رَفَضَ أبناءُهُ بناءَ مسجدٍ واحدٍ لهُ من هذه الملايينَ! وكَمْ مِنْ مُدَرسةٍ ، يأتيها مُرتَبٌجيدٌ كلَّ شهرٍ ، ولها سنواتٌ طويلةٌ تعملُ ولم توقفْ لنفسِها شيئاً! بل جُلُّ أموالِها في الطعامِ والشرابِ والفساتينِ والحُلي!. فاتقوا الله عبادَ الله وقدِموا لأنفسكم خيراً تجدوه عند الله ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) فيا من خلقَكَ اللهُ للعبادةِ ، وابتلاكَ بالمالِ.. ولا تزالُ تسيرُ في هذه الحياةِ ،سَيأتيَكَهادمُ اللذاتِ ، شئتَ أم أبيتَ ، عاجلاً أم آجلاً. إما في سنِّ الشبابِ ، أو عندَ الهرمِوالشيخوخةِ.. وكلُّها أيَّامٌ قليلةٌ ، وترحلُ من فوقِ الأرضِ إلى تحتِ الأرضِ. فَمِنْ أَينَ لكَبالحسناتِ تَجري عليكَ ؟!فأللهَ أللهَ بالأوقافِ ، التي تَدفعُ إليكَ الحسناتِ ، في وقتٍ أنتَ أحوجُ ماتكونُ فيهِ للحسنات.. عليكَ بِدُريهماتٍ قليلةٍ ، اجعلْها لك ذخراً ، يومَ يتبرأُ منكَ الصغير والكبير والقريب والبعيد ،(يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً) اللهم أحينا على التوحيدِ سعداءَ، وأمتْنا على التوحيدِ شهداءَ.(رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (آل عمران:8) عبادَ اللهِ صلّوا على الهادي البشيرِ ، والمصطفى النذيرِ الذي يقولُ r { حيثما كنتم فصلوا عليَّ فإنَّ صلاتَكم تبلغني }وقال{ من صلى علي صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشراً } اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا وسعَ المغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.يارب العالمين ،وانصر عبادك المُجاهدين في سبيلك في كُلِّ مكان ، فوقَ كُلِّ أرض وتحتَ كُلِّ سماء ، اللهم أنتَ اللهُ لا إلهَ إلا أنتَ ، أنتَ الغنيُّ ونحنُ الفقراءُ ، أنزلْ علينا الغيثَ ولا تجعلْنا من القانطينَ.اللهم أغثْنا، اللهم أغثْنا ، اللهم أغثْنا،اللهم أغثْ قلوبَنا بالإيمانِ واليقينِ، وبلادَنا بالخيراتِ والأمطارِ يا ربَّ العالمين.اللهم إنا نستغفرُكَ إنك كنتَ غفَّاراً، فأرسلْ السماءَ علينا مدرارا، اللهم أغثْنا غيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً سحًّا غدقاً طبقا عاماً واسعاً مجللا، نافعاً غيرَ ضارٍ، عاجلا غيرَ آجلٍ، اللهم سقيا رحمةٍ لا سقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ.اللهم اسقِ عبادَك وبهائمَك، وانشرْ رحمتَك، وأحيي بلدَك الميتَ، اللهم أغثْنا غيثاً مباركا، تُحيي بهِ البلادَ، وتسقي به العبادَ، وتجعلْه بلاغاً للحاضرِ والبادِ.اللهم أنزلْ علينا الغيثَ، واجعلْ ما أنزلتَه عوناً لنا على طاعتِك وبلاغاً إلى حين.اللهم أنبتْ لنا الزرعَ، وأدرَّ الضرعَ، وأسقْنا من بركاتِكَ، وأنزلْ علينا من بركاتِ السماءِ، وأخرجْ لنا من بركاتِ الأرضِ ، اللهم ارحمْ الشيوخَ الرُّكعْ ، والأطفالَ الرضعْ والبهائمَ الرُّتعْ ، اللهم سقيا رحمةٍ ، لا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ ، اللهم احفظْ بلادَنا وولاةَ أمرِنا وعلماءَنا ودُعاتَنا ، اللهم وحِّدْ كلمتَنا وقوي شوكتَنا ياربَّ العالمينَ ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنيين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
المفضلات