الحمد لله وعد المؤمنين العِزَّ والنصر والتمكين، أحمده سبحانه وأشكرهوأسأله الفوز يوم يقوم الناس لرب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحدهلا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسولهالمبعوث بالحق المبين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه القادةالميامين والغر المحجلين.
أما بعد : أيها الناس : أوصيكم ونفسي بتقوى الله فهي جماع الخير كله فاجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية بفعل الأوامر وترك النواهي: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ))
لِمَ الحزنُ والدمعُ الذي يتحدّرُ؟.. و قلبك من فرط الأسى يتفطّرُ
لِمَ اليأسُ والبؤسُ المقيمُ ألا ترى .. بأن وعود الله لا تتغيّرُ
إذا اكتبر الأعداءُ عدّاً وعُدّةً .. فلا تنس أن الله أعلى و أكبرُ
و ليس لما قد قدّر اللهُ دافعٌ .. فلستُ أُبالي بالعدا ما يدّبر
إليه زمام الخلق ِ و الأمرِ حكمةًُ .. و أمسي ويومي والقضاءُ المقدّرُ
رأيت فؤاد المؤمن الحي ثابتا.. يجلّله عزمٌ من الصبرِ أصبرُ
فلا بدّ من يوم اعتلاءٍ و صحوةٍ .. و أصنامهم من دوسها تتكسّرُ
ولا بد من يومٍ ترى كلَّ باطلٍ .. زهوقا ذليل الرأس، والحقُّ يظهرُ
وعد الله وهو الوعد الحق الذي وعد الله به عباده المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها بالنصر والتمكين والفرج بعد ضيق المخرج واليسر بعد اشتداد العسر فالمؤمن مع ربه تبارك وتعالى في ارتباط واتصال، يرى بين كل وقت وآخر قدرته وحكمته، وتحقق وعده،. فقد يلمح نصرَ ربه ويتيقن تحقق وعده فيزداد به ارتباطاً ويقيناً ومنه قرباً، وقد يبتعد نصر الله وتختفي من الكون علاماتُ تحقق وعده فيزداد به إيماناً ويقيناً، ويرى مواطن الخلل والضعف فيعالجها، ولسان حاله كما قال سبحانه عن أهل الإيمان: (( هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا )).
فمن الذي نجى نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم ومن معه بعد حصار شديد للمدينة المنورة من قبل أعداء الله أوليس القائل سبحانه وتعالى ((وَلَمَّارَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُوَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّاإِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ))
ومن الذي رد موسى لأمه أليس الله الذي وعد بذلك بقوله ((وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ))
فتخطر الخواطر في القلوب، وتأتيالواردات عليها وتتفاوت في قوتها وضعفها حين تشتد المحن على أهل الإيمان،وأهل الإيمان يرون في المحن وعد الله سبحانه وتعالى الذي لا يُخلف، وهو وعدلهم بأنهم يزدادون في المحن إيماناً وتسليماً، ويزدادون إيماناً بمزيد حبالله الذي يفيضه عليهم، وبمزيد التصديق بأمره سبحانه، والانقياد لحكمه،وبمزيد التصديق بسننه سبحانه وتعالى التي أخبر بها، ويزدادون رجاءً فيفضله، ويزدادون خوفاً منه، وتنقطع قلوبهم إلا من التوكل عليه سبحانهوتعالى، وعن الأسباب كلها إلا من التوكل عليه، لذا كان وعداً لهم بفضلهورحمته مع أنه فيما يبدو للناظرين أمر مؤلم ومخوف، وضرر يحيط بهم فيما ينظرالناظر، ولكنه وعد الله سبحانه ليرقيوا في منازل العبودية منزلة بعدمنزلة، ثم تكون لهم العاقبة، كما قال تعالى ((وَعَدَاللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِلَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْقَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْوَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لايُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُالْفَاسِقُونَ ))
عباد الله / وعد الله سبحانه وتعالى نجده فيالأمم، ونجده في الآفاق، ونجده في خواص أنفسنا، نجد وعد الله عز وجل لنابأنواع الإنعام، وأنواع الفضل والرحمة كلما أطعنا الله، ونجد أنواع الألموالشقاء والعنت، ونجد أنواع النكد، وإن كانت الدنيا كلها في أيدينا إذا عصيناالله عز وجل، مصداقاً لوعد الله سبحانه وتعالى في قوله تعالى(( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ))
فالمؤمنون حقاً – ياعباد الله - هم الذين يستحقون الوعود التي وعد الله تعالى بها،والتي منها النصر والتمكين والرفعة والعزة لهذا الدين وقد يتأخر هذا النصر أحياناً في تقدير البشر لأنهم يحسبون الأمور بغير حساب الله، ويقدرون الأحوال لا كما يقدرها الله، والله هو الحكيم الخبير، يصدق وعده في الوقت الذي يريده ويعلمه، وفق مشيئته وسنته، وقد تتكشف حكمة توقيته وتقديره للبشر، وقد لا تتكشف؛ ولكن إرادته هي الخير وتوقيته هو الصحيح، ووعده القاطع واقع عن يقين، يرتقبه الصابرون واثقين مطمئنين، فإن لم يكن النصر في الدنيا كان في الآخرة، كما قال تعالى: ((إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)) وقال الله تعالى: ((وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)) بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمدُ لله علَى إحسانِه، والشّكرُ له علَى توفيقه وامتِنانِه، وأشهَد أن لا إلهَ إلا الله وَحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشَأنه، وأشهَد أنّ نبيَّنا محمّدًا عبدُه ورَسوله، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحَابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد : عباد الله / لنتأمل في كتاب ربنا، وننظر ما هي الوعود التي وعد الله بها عباده المؤمنين ، فمن وعوده التي لايخلفها :
وَعَدَ الله تعالى لعباده المؤمنين بالنجاةِ في الدنيا والآخرة، فقال تعالى: (( ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ ))
ووعدهم بالأمن في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: (( الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)) ووعدهم كما أشرنا سابقاً بالنصر على الأعداء والتمكين لهم في الأرض ، قال تعالى ((فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ))وقال تعالى: (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )) ووعدهم بالرزق الكريم والمغفرة والجنة ، قال تعالى ((وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ )) اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إليناالكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم زينا بزينة الإيمان،واجعلنا هداةً مهتدين يارب العالمين ، ألا وصلوا وسلموا - رحمكم الله- على نبي الرحمة، كما أمركم الله بالصلاة والسلامعليه، فقال سبحانه وتعالى: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَىالنَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُواتَسْلِيماً)) اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارضاللهم عن خلفائه
الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر الصحابة والتابعين،ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم ارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين!
المفضلات