[align=justify]سيدي القاضي ... ربما اختلط عليك الأمر ، أو أن الصورة لم تصلك على حقيقتها ، أو أنك توهمت أن هؤلاء الشباب الذين يقفون في قفص "الكرامة" أمامك يريدون إيقاع السوء بالبلد ، والإضرار بمصالحه ، والخروج على القانون ، وانتهاك حرمة البيوت ، وإزعاج السلطات ! ، كلا ياسيدي القاضي فكل ذلك غير صحيح ، فهم لم يرتكبوا جرماً سوى أنهم طالبوا بحقهم المسلوب منذ خمسة عقود ، أرادوا العيش بكرامة ، حاولوا إيصال رسالتهم بكل رقي واحترام ، أطلقوا حمائم أحلامهم في سماء البلاد ليخبروكم بأنهم لا زالوا يحلمون بأحلام وردية رغم كل تلك الكوابيس التي مرّت بهم في حياتهم ، قالوا لكم بصوت عالٍ "سوف نبقى هنا" ليخبروكم بأن الأرض أرضهم والمكان مكانهم حتى لو لم يمتلكوا بذلك صكّ ملكية ، نثروا لكم الورود ليخبروكم بأنهم يسعون جاهدين لزراعة الورود على جنبات طريق الوطن نحو العلياء ، تبرعوا بدمائهم الزكية ليذكروكم بأن دماء آبائهم وأجدادهم الطاهرة هي التي روت هذه الأرض الطيبة لتنبت لكم أجيالا ريحها طيب وطعمها طيب ، رفعوا صور صاحب السمو أمير البلاد وسمو ولي العهد ليجددوا ولاء لا يشابهه ولاء فهو ولاء لا يتأثر بمبدأ الأخذ والعطاء ، والبرّ والجفاء ، ولا يرتبط بأوراق وثبوتيات شخصية ، رفعوا أعلام الكويت ليخبروكم بأنها وطنهم الذي لم تستطع دبابات العدو أن تنتزع حبه من قلوبهم في أحلك الظروف ، رددوا النشيد الوطني ليخبروكم بأنه من السهل أن تحفظ الكلمات لكن من الصعب أن تشعر بها وأنت ترددها ، هذا هو جرمهم يا سيدي القاضي ، فاقضِ ما أنت قاضٍ .
سيدي القاضي ... لو كلفت نفسك عناء النظر في أعينهم لأخبرتك الخبر ، ولو استعنت بطبيب قلب ليقرأ لك ما تقوله نبضات قلوبهم لأخبرتك الخبر ، ولو استعنت بمختبر لتحليل كريات دمائهم لأخبرتك الخبر ، هم ثلة لا تختلف عن إخوانهم الذين افترشوا ساحة الإرادة وساحة قصر العدل ودخلوا بيت الأمة ، فكلهم شباب امتطوا العزة في زمن الضعف والخور ، وركبوا أمواج الكرامة حين اكتفى غيرهم بالوقوف على الشواطئ خوفاً ، وبادروا بأنفسهم لمّا رأوا الأمر لا يحتمل مزيد انتظار ، وأن الخوف من صعود الجبال يؤدي بهم إلى المكث بين حفر الامتهان ما بقوا ، هذا هو جرمهم يا سيدي القاضي ، فاقض ما أنت قاض .
سيدي القاضي ... لو سمحت لصمتهم أن يتحدّث لعرفت أنهم يقولون وهم صامتون "تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنّا سارقين" ، ولعلمت أنهم خير من يطبق قول الشاعر : بلادي وإن جارت عليّ عزيزة ، فحب كويتهم في قلوبهم لا يوصف ، ولتيقنت أن جرمهم الوحيد أنهم "بدون" مواطنة ، "بدون" عيش كريم ، "بدون" احترام لإنسانيتهم ، لكنهم ليسوا "بدون" وطن ، هذا هو جرمهم الوحيد يا سيدي القاضي ، "فاقضِ ما أنت قاضٍ إنما تقضي هذه الحياة الدنيا" .
قبل الختام :
إذا جار الأمير وحاجباه = وقاضي الأرض أجحف في القضاءِ
فويل ثم ويل ثم ويل = لقاضي الأرض من قاضي السماءِ
(.....)
منصور الغايب[/align]
المفضلات