الحمدُ للهِ المبدئِ المعيدِ ، الفَعَّالِ لما يريدُ ، ذي العرشِ المجيدِ ، والبطشِ الشديدِ ، أشهد أن لا إلهَ إلا هو وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ المبعوثِ بالقرآنِ المجيدِ ، صلى اللهُ وسلم عليه ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الوعيدِ ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ ) وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً):أما بعد: أيها الأخوةُ في الله ، فأَنَّ هَذِهِ الأَحْدَاثَ الدَّامِيَةَ ، التِي تَجْرِي يَوْمِيًّا عَلَى أرضِ الشَّام ، قَدَرٌ مَكْتُوبٌ ، والمؤمنُ مهما تفاقمَ الشرُّ ، وتراقى الخطرُ والضرّ ، فإنه يَعلمُ أن ما قُضِيَ كائنٌ ، وما قُدِّر واجب ، وما سُطِّر مُنتظَر، ومهما يشأِ الله يَكُن ، وما يَحكُمُ به اللهُ يحقّ ، لا رافعَ لما وضع، ولا واضعَ لما رفع ، ولا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع ، وما شاء ربُّنا صنع ، فلا جزع ولا هلع ، وإنما صبرٌ ومصابرة وفأل ، (وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) فالدهرُ طعمان حلوٌ ومرّ، والأيام طرفان ، عُسرٌ ويُسر، وكلَّ شدّةٍ إلى رخاءٍ ، وكلَّ غمرة فإلى انجلاء ، وإنَّ بعدَ الكَدرِ صفوًا ، وبعد المطرِ صَحوًا ، والشمسُ تغيبُ ثم تُشرِق ، والروضُ يَذبُلُ ثُمَّ يُورِق، ولِلهِ أيامٌ تَنتصرُ من الباغي ، وتَنتقمُ من العاثي، وَنَصرُ اللهِ للمؤمنينَ المُستضعفين ، حقيقةٌ من حقائقِ الوجودِ ، وسُنةٌ باقيةٌ من سُنَنِ اللهِ ، وقد يُؤخِّرُ اللهُ النَّصرَ لحكمةٍ يريدُها سُبحانه ، وإِلاَّ لو شاءَ اللهُ ، لكما قالَ سُبحانه( ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ) لا تَعلَمُ يا أخي ،متى وكيفَ يَتحققُ النصرُ، فَجنُودُ اللهِ التي ينصرُ بها أولياءَهُ كُثُر، ففي غزوةِ بني النَّضيرِ ،كان الرُّعْبُ جُندِياً من جُنودِ اللهِ ، وفي غَزوةِ بدرٍ ، كانت الملائكةُ والنُّعاسُ والمطرُ والحصى من جنودِ اللهِ ، وكانت الريحُ والعنكبوتُ وغيرُ ذلك من جنودِ اللهِ ، وصَدَقَ اللهُ : ( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِىَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ ) ومن عرف الله في الرخاء عرفه في الشدائد، وصرف عنه المكائد، وحفظه وهو نائمٌ وقائم ، وصاحٍ وراقد ، فسبحان من يَسمعُ أنينَ المضطهدِ المهموم ، ويَسمعُ نداءَ المكروبِ المغموم ، فيَرفَعُ للمظلومِ مكاناً ،ويقولُ لدعوَتي المظلوم { وعزَّتي وجلالي لأنصرنَّك ولو بعدَ حين } في مُسندِ ابن ماجةَ من حديثِ جابرٍ رضي اللهُ عنه ، قَالَ لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ e مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ قَالَ عليهِ الصلاةُ والسلام { أَلاَ تُحَدِّثُونِى بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ} قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ ، مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ ، تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَ ، ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا ، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ ، الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ[أي يا ظالم] سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِىَّ وَجَمَعَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ ، وَتَكَلَّمَتِ الأَيْدِى وَالأَرْجُلُ ، بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِى وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e { صَدَقَتْ صَدَقَتْ كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لاَ يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ }سَوْفَ تَعْلَمُ يَابشَّار إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِىَّ وَجَمَعَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَتَكَلَّمَتِ الأَيْدِى وَالأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ سَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِكَ وَأَمْرُ من ظلمتَ وسفكتَ دِمائِهم ، يقولُ عليهِ الصلاةُ والسلام {لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ } أيها الناس، إنه ليس شيءٌ أسرعُ في خرابِ الأرضِ ، ولا أفسدُ لضمائرِ الخلقِ ، من الظلمِ والعدوانِ ، ولا يكونُ العمرانُ حيث يَظهرُ الطُغيان ، وإن الظالمَ الجائرَ سيظلُّ مُحاطاً بكلِّ مشاعرِ الكراهيةِ والعداءِ والحقدِ والبغضاءِ، لا يَعيشُ في أمان، ولا يَنعَمُ بسلام، حياتُه في قلق، وعيشه في أخطارٍ وأرق؛ لأنَّ الظُلمَ جالبُ الإحن ، ومسبِّبُ المحن ، والجَورُ مسلبةٌ للنعم ، ومَجلبةٌ للنقم، وقد قيل: الأمنُ أهنأ عيش، والعدل أقوى جيش.وتَحقيقُ العدلِ ، ونبذَ الظُلمِ والْجَورِ، مدرأةٌ لغائلةِ كلِّ محذور، وضمانةٌ لدفع سائر الشرور من غير بذل مَؤنةٍ واستمداد معونة.......
بارك اللهُ لي ولكم في القرءان العظيم
الحمدُ للهِ الذي خلقَ فسوى، والذي قدرَ فهدى، أحمدُهُ سبحانه وأشكرُهُ في السرِّ والنجوى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ، العليُّ الأعلى ، وأشهدُ أن سيدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وإخوانِهِ صلاةً دائمةً إلى يومِ الدينِ : أمَّا بعدُ : أيها الأحبةُ في الله ، فَإنَّ كلَّ أمرٍ على الله يسير، وكلّ شيء إليه فقير، والأمور إليه تصير، وهو السميع البصير، لا تخفى عليهِ خافيةٌ في الأرضِ ولا في السماءِ، ( وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِى ظُلُمَـٰتِ ٱلأرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ )فَلا يخفى عليه ما وقع على أهل الشَّامِ من الظلم الكثير ، والجور الكبير، وإنَّهُ على نصرهم لقدير ، في الأجواءِ القاتمةِ في تاريخِ الأمةِ ، تحتاجُ إلى وميضٍ من نورٍ ، وبشارةِ أملٍ ، تُبَشِرُ بمستقبلٍ مُشرقٍ ، وهذا مَنهجُ القرآنِ ، فحين كان يُعاني رسولُ اللهِ e قلةَ العددِ وضعفَ الشأنِ ،وخُذلانَ العشيرةِ ،قصَّ اللهُ على رسولِهِ e قصةَ يوسفَ ، نزلتْ هذه السورةُ في جوِّ مكةَ الثقيلِ ، ليُبشَّرَ رسولَ اللهِ e بمستقبلِهِ العظيمِ المشرقِ الزاهرِ، فكأن قصةَ يوسفَ قِصتُهُ.فأبشِروا يا أهل الشامِ بالوعدِ الحقِّ ، وهو نصرُ المؤمنين وتمكينُهم ، فقد كان النبيُّ e يبشّرُ العُصبةَ المؤمنةَ بالنصرِ والتمكينِ ، وهم تحتَ وطأةِ التعذيبِ ويقولُ: { إن اللهَ زوى لي الأرضَ فرأيتُ مشارقَها ومغاربَها، وإن أمتي سيبلغُ ملكُها ما زُوي لي منها} أخرجَهُ مسلمٌ ـ عباد الله صلوا ـ على رسول الله، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً ).اللهم صل وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد ، صاحب الوجه الأنور ، والجبين الأزهر ، الشافع المُشَّفَعُ في المحشر ، وارضَ اللهم عن الخلفاء ، الأءمةِ الحنفاء، أبي بكرٍ وعمر ، وعثمان وعلي وعن سائِرِ أصحابِ نبيّك أجمعين ، وعن التابعين ، وتابعيهم بِإحسانٍ إلى يومِ الدّين ، وعنّا معهم ، بمنك وفضلك ورحمتك ، يا أرحم الراحمين ، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، واحمِ حوزة الدين ، واجعل هذا البلد رخاءً سخاءً ، وسائر بلاد المسلمين يا ربَّ العالمين ، اللهُم انصرإخوننا المسلمين المستضعفينَ المقهورين في سوريا ، واكشف كربتَهُم ، واَحقِنَ دماءَهم ، واَحمي أموالَهُم وأَعراضَهُم، وثبتَهُم في هذهِ المحنةِ ، اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ حُفَاةٌ فَاحْمِلْهُمُ ، عُرَاةٌ فَاكْسُهُمُ ، جِيَاعٌ فَأَشْبِعْهُمْ ، مُستطعفين فانصرهم ، إنك على ذلك قدير ، وبالإجابة جدير يارب العالمين ، اللهم إنَّ جند بشار طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد ، هتكوا الأعراض ، وسفكوا دماء الأبرياء . اللهم عليك بهم فإنَّهُم لا يُعجزونك ، اللهم أرنا بهم عجائب قدرتك وفُجائت نقمتك وإليمِ عقابك وعذابك إنك على ذلك قدير وبالإجابةِ جدير يارب العالمين ، اللهُمَّ آمِنًّا في دورنا ، وأصلح أءمتنا وولاة أُمورنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك ، واتبع رضاك ، برحمتك يا أرحم الرحمين ، اللهم عليك باليهود والصليبيين الحاقدين ، اللهم عليك بهم فإنّهم لا يُعجزونك ، اللهم زلزل الأرض من تحتهم ، وصُبَّ عليهم العذاب من فوقهم ، واقذف الرعب في قلوبهم ، واجعلهم عبرةً للمُعتَبرين ، اللهم أرنا فيهم يوماً كيومِ عادٍ وثمود ،اللهُمَّ مُنزلُ الكتاب ،سريعُ الحساب ،ومُجري السّحاب اهزمُهُم وزَلزِلْهُم ، اللهم احصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تُغادر منهم أحدا ، إنك على ذالك قدير وبالإجابة جدير ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنيين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) عباد الله ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) فاذكروا الله العظيم الجليل يذكرْكم ، واشكروهُ على نعمه يزدْكم ولذكر الله أكبر والله والله يعلم ما تصنعون
المفضلات