شروط لا إله إلا الله
شرح شروط لا إله إلا الله للشيخ
حمود بن عقلاء الشعيبي
رحمه الله تعالى
«لا إله إلا الله» لها شروط، لا يصح إيمان صاحبها إلا بها وقبل الدخول في بيان شروط هذه الكلمة
لا بد أن نذكر قاعدة مهمة؛ وهي أنه لا بد لمن أراد الدخول في الإسلام أن يقر لفظًا بشهادة التوحيد.
ومن أبى ـ مع القدرة ـ أن يقر بالشهادة لا يكون مسلمًا معصوم الدم بالإسلام.
كما في الحديث الصحيح عن سعيد بن المسيب، عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاةُ جاءه
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «يا عم قل لا إله إلا الله، كلمة أحاجّ لك بها عند الله».
فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟
فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فأعاد.
فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله.فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما والله لأستغفرنَّ لك ما لم أنه عنك»، فأنزل الله تعالى:
﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِي وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَينَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ [التوبة:113]،
وأنزل الله تعالى في أبي طالب:
﴿ إنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يهْدِي مَن يشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [القصص:56](17) .
وقال صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقِّ الإسلام وحسابهم على الله»(18) .
قال النووي ـ رحمه الله ـ: «فيه أن الإيمان شرطه الإقرار بالشهادتين مع اعتقادهما واعتقاد جميع ما أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم»
(19) .
وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «الشهادتان إذا لم يتكلم بهما مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين، وهو كافر باطنًا وظاهرًا عند سلف الأمة وأئمتها وجماهير علمائها»
(20) .
الشرط الأول
العلم بمعناها نفيا وإثباتًا
فالعلم بالتوحيد شرط لصحته؛ قال الله عز وجل:
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ ﴾ [محمد:19].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة»(21) .
ومفهوم الحديث أن من مات وهو لا يعلم التوحيد لا يدخل الجنة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرسل أحدًا من أصحابه إلى بلدٍ يأمره بأن يدعو أهلها أولاً إلى التوحيد قبل أن يدعوهم إلى أي شيءٍ آخر، كما في حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذًا إلى اليمن قال له: «إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ـ وفي رواية: إلى أن يوحدوا الله ـ فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلواتٍ في كل يومٍ وليلة...»(22) .
وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «الكفر يكون بتكذيب الرسول فيما أخبر، أو الامتناع عن المتابعة مع العلم بصدقه، مثل كفر فرعون واليهود ونحوهم»(23) .
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: «فالله الله يا إخواني تمسكوا بأصل دينكم، وأوّله وأسه ورأسه، شهادة أن لا إله إلا الله، واعرفوا معناها وأحبوها، وأحبوا أهلها، واجعلوهم إخوانكم، ولو كانوا بعيدين منكم نسبًا»(24) .
وقال سيد قطب ـ رحمه الله ـ: «كل من ينطق بالشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، لا يقال له: إنه شهد إلا أن يؤدي مدلول هذه الشهادة ومقتضاها، ومدلولها هو ألا يتخذ إلا الله إلهًا، ومن ثمّ لا يتلقى الشريعة إلا من الله.
ولن يكون الإسلام إذن هو النطق بالشهادتين دون أن يتبع شهادة أن لا إله إلا الله معناها وحقيقتها؛ وهي توحيد الألوهية وتوحيد القوامة، ثم توحيد العبودية وتوحيد الاتجاه...
هذا هو الإسلام كما يريده الله، ولا عبرة بالإسلام كما تريده أهواء البشرية في جيل منكود من أجيال الناس، ولا كما تصوره رغائب أعدائه المتربصين به وعملائهم هنا وهناك:
﴿ وَمَن يبْتَغِ غَيرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَن يقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران:85]»(25) .
ولكن في زماننا هذا أصبح العلم بهذه الشهادة العظيمة علمًا نظريا، ولم تعد منهج حياة، وركيزة عمل، بل لم تلامس هذه الكلمة شغاف قلوبهم.
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: «فـ(لا إله إلا الله): لا تنفع إلا من عرف مدلولها نفيا وإثباتًا، واعتقد ذلك، وقَبِلَه وعَمِلَ به، وأما من قالها عن غير علم واعتقاد وعمل فقد تقدم كلام العلماء أن هذا جهلٌ صِرفٌ، فهو حجة عليه، بلا ريب»(26).
الشرط الثاني
اليقين المنافي للشك
فهو شرطٌ من شروط شهادة التوحيد، قال الله تعالى:
﴿ أَلَمْ يأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يعْلَمُهُمْ إلاَّ اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَينَاتِ فَرَدُّوا أَيدِيهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إلَيهِ مُرِيبٍ (9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ [إبراهيم:9، 10]، فهم كفروا لأنهم شكوا في صحة دعوة الرسل لهم.
وقال تعالى:
﴿ إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحجرات:15].
وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة»(27) .
مفهوم الحديث أن من لقي الله تعالى بشهادتي التوحيد شاكًّا فيهما لا يدخل الجنة ولا يكون من أهلها.
الشرط الثالث
القبول المنافي للرد
فمن علم بمعنى شهادة ألا إله إلا الله وأيقن بمدلولها ولكنه يردها إما كبرًا أو حسدًا، فقد شابه علماء أهل الكتاب، قال تعالى:
﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا تَبَينَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ [البقرة:109].
ولقد عرف المشركون من قبل معنى ما كان يدعوهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنهم استكبروا عن قبوله قال تعالى:
﴿ إنَّهُمْ كَانُوا إذَا قِيلَ لَهُمْ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ يسْتَكْبِرُونَ (35) وَيقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ ﴾ [الصافات:36،35].
الشرط الرابع
الانقياد والتسليم لها ظاهرًا وباطنًا
قال تعالى: ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يؤْمِنُونَ حَتَّى يحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ ثُمَّ لا يجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيتَ وَيسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء:65].
فلا يكفي لتحقيق الإيمان أن تحتكم إلى الشرع إلا إذا رضيت به وانتفى الحرج: ﴿ ثُمَّ لا يجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيتَ ﴾ ، ثم لا يكفي ذلك بل لا بد من التسليم ظاهرًا وباطنًا الذي يتنافى معه أدنى اعتراض ﴿ وَيسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ .
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في تفسير هذه الآية: «فكل من خرج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته، فقد أقسم الله بنفسه المقدسة أنه لا يؤمن حتى يرضى بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع ما يشجر بينهم من أمور الدين والدنيا، وحتى لا يبقى في قلوبهم حرج من حكمه، ودلائل القرآن على هذا الأصل كثيرة»(28) .
وقال سيد قطب ـ رحمه الله ـ: « ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يؤْمِنُونَ ﴾ ومرة أخرى نجدنا أمام شرط الإيمان وحدّ الإسلام، يقرره الله سبحانه بنفسه ويقسم عليه بذاته، فلا يبقى بعد ذلك قول لقائل في تحديد شرط الإيمان وحد الإسلام ولا تأويل لمؤول، اللهم إلا مماحكة لا تستحق الاحترام، وإذا كان يكفي لإثبات الإسلام أن يتحاكم الناس إلى شريعة الله وحكم رسوله... فإنه لا يكفي في الإيمان هذا ما لم يصحبه الرضا النفسي، والقبول القلبي، وإسلام القلب والجنان».
وقال تعالى: ﴿ يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَينَ يدَي اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِي وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2) إنَّ الَّذِينَ يغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [الحجرات:1ـ3].
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ:
«فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سببًا لحبوط أعمالهم فكيف تقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياستهم ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه؟ أليس هذا أولى أن يكون مُحبطًا لأعمالهم؟»(29) .
وقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يكُونَ لَهُمُ الْخِيرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا ﴾ [الأحزاب:36].
مسألة : ما الفرق بين الانقياد والقبول؟
لعل الفرق بين الانقياد والقبول أن الانقياد خاص بالأفعال، وأما القبول فخاص بالأقوال، ويلزم منهما جميعًا الاتباع.
الشرط الخامس
الصدق فيها المنافي للكذب
وهو أن يقولها صادقًا من قلبه، قال تعالى:
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يقُولُ آمَنًّا بِاللَّهِ وَبِالْيوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يخْدَعُونَ إلاَّ أََنفُسَهُمْ وَمَا يشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُُمْ عَذَابٌ أََلِيمٌ بِمَا كَانُوا يكْذِبُونَ ﴾ [البقرة:8 ـ 10].
وفي «الصحيحين» من حديث معاذ قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ما من أحدٍ يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله صدقًا من قلبه إلا حرمه الله على النار»(30) .
الشرط السادس
الإخلاص المنافي للشرك
وهي النية الصالحة النقية من شوائب الشرك والرياء قال تعالى:
﴿ قُلْ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحَى إلَي أَنَّمَا إلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف:110].
فالإخلاص شرط لصحة العبادة.
وقال أهل التفسير في قوله تعالى: ﴿ لِيبْلُوَكُمْ أَيكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ [تبارك:2] أي: أصوبه وأخلصه.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه أو نفسه»(31) .
الشرط السابع
المحبة المنافية للكراهية
وصفة هذه المحبة أن يكون الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أحب إليه مما سواهما، وأن يكون الله تعالى وحده هو المحبوب لذاته، وما سواه فهو محبوب له وفيه، لا يحب مع الله أحدا.
قال الله تعالى:
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أََندَادًا يحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أََشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إذْ يرَوْنَ الْعَذَابَ أََنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأََنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ﴾ [البقرة:165].
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «لا يجوز أن يحب شيء من الموجودات لذاته إلا هو سبحانه وبحمده، فكل محبوب في العالَم إنما يجوز أن يحب لغيره لا لذاته، والرب تعالى هو الذي يجب أن يحب لنفسه، وهذا من معاني إلهيته: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ [الأنبياء:22]، فإن محبة الشيء لذاته شرك فلا يحب لذاته إلا الله، فإن ذلك من خصائص إلهيته فلا يستحق ذلك إلا الله وحده، وكل محبوب سواه لم يحب لأجله فمحبته فاسدة»(32) .
وقال تعالى:
﴿ قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإن تَوَلَّوْا فَإنَّ اللَّهَ لا يحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران:32،31].
وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «فكل من ادعى أنه يحب الله ولم يتبع الرسول فقد كذب، وليست محبته لله وحده، بل إن كان يحبه فهي محبة شرك، فإنما يتبع ما يهواه، كدعوى اليهود والنصارى محبة الله، فإنهم لو أخلصوا له المحبة لم يحبوا إلا ما أحب فكانوا يتبعون الرسول، فلما أحبوا ما أبغض الله مع دعواهم حبه كانت محبتهم من جنس محبة المشركين»(33) .
وقال تعالى:
﴿ قُلْ إن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إلَيكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يأْتِي اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة:24].
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: «دل على أن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي حب الله ورسوله وطاعة أمره، ولا يكفي ذلك في العبودية حتى يكون الله ورسوله أحب إلى العبد مما سواهما؛ فلا يكون عنده شيء أحب إليه من الله ورسوله، ومتى كان عنده شيء أحب إليه منهما فهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله لصاحبه ألبتة، ولا يهديه الله، قال الله تعالى:
﴿ قُلْ إن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إلَيكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يأْتِي اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ .
فكل من قدم طاعة أحد من هؤلاء على طاعة الله ورسوله، أو قول أحد منهم على قول الله ورسوله، أو مرضاة أحد منهم على مرضاة الله ورسوله، أو خوف أحد منهم ورجاءه والتوكل عليه على خوف الله ورجائه والتوكل عليه، أو معاملة أحدهم على معاملة الله، فهو ممن ليس الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وإن قاله بلسانه فهو كذب منه، وإخبار بخلاف ما هو عليه.
وكذلك من قدم حكم أحدٍ على حكم الله ورسوله، فذلك المقدَّم عنده أحب إليه من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم»(34) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني دخل النار»(35) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين»، وفي رواية: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين».
قال أبو سليمان الخطابي ـ رحمه الله ـ في شرحه للحديث: «فمعناه لا تصدق في حبي حتى تفني في طاعتي نفسك، وتؤثر رضاي على هواك وإن كان فيه هلاكك»(36) .
وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: «فالله تعالى إنما خلق الخلق لعبادته الجامعة لكمال محبته، مع الخضوع له والانقياد لأمره»(37) .
الشرط الثامن
الكفر بالطاغوت
من شروط صحة التوحيد الكفر بالطاغوت، إذ لا إيمان إلا بعد الكفر بالطاغوت ظاهرًا وباطنًا، قال تعالى:
﴿ فَمَن يكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة:256].
وقال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل:36].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله»(38) .
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: «فمن عبد الله ليلاً ونهارًا، ثم دعا نبيا أو وليا عند قبره، فقد اتخذ إلهين اثنين ولم يشهد أن لا إله إلا الله، لأن الإله هو المدعو، كما يفعل المشركون عند قبر الزبير أو عبد القادر أو غيرهم، ومن ذبح لله ألف ضحيةٍ ثم ذبح لنبي أو غيره فقد جعل إلهين اثنين: ﴿ قُلْ إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْياي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام:162]»(39) .
الشرط التاسع
الموت عليها
ثم بعد كل ذلك لا بد له من أن يموت عليها لكي ينتفع بها، فإن مات على ضدها من الشرك والكفر لم ينفعه شيء، فمن خُتم له بالتوحيد ومات عليه فهو من أهل الجنة، ومن خُتم له بالشرك ومات عليه فهو من أهل النار.
قال تعالى: ﴿ وَمَن يرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون ﴾ [البقرة:217].
وقال تعالى: ﴿ إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أََجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لا يخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ ينظَرُونَ ﴾ [البقرة:162،161].
فعلق الله سبحانه وتعالى عذابهم في النار وخلودهم فيها بالموت على الكفر المناقض للتوحيد.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة».
وقال صلى الله عليه وسلم: «فوالذي نفسي بيده إنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها».
قال النووي ـ رحمه الله ـ: «فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد ولو عمل من المعاصي ما عمل، كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر ولو عمل من أعمال البر ما عمل، هذا مختصر جامع لمذهب أهل الحق في هذه المسألة».
نسأل الله تعالى الثبات في الدنيا والآخرة، ونسأله حسن الخاتمة إنه تعالى سميع قريب مجيب.
____________________________
(17) أخرجه البخاري برقم (1360)، (3884)، (4772)، ومسلم برقم (24).
(18) أخرجه مسلم برقم (21)، وأحمد في «المسند» (2/345، 432).
(19) شرح مسلم (1/212).
(20) «مجموع الفتاوى» (7/690).
(21) رواه مسلم: كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا (1/55) حديث رقم (43).
(22) «صحيح البخاري مع الفتح» كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد على الفقراء (3/357) برقم (1469)، و«صحيح مسلم مع شرح النووي» كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام (1/130) برقم (29).
(23) «درء تعارض العقل والنقل» (1/242).
(24) «مجموعة التوحيد» (ص386).
(25) «في ظلال القرآن» (3/421).
(26) «فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد» (1/128).
(27) رواه مسلم: كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا (1/55ـ57) حديث رقم (27).
(28) «مجموع الفتاوى» (28/471).
(29) «إعلام الموقعين» (1/51).
(30) رواه البخاري: كتاب العلم، باب من خص بالعلم قومًا دون قوم (1/226)، ورواه مـسـلــم: كـتـاب الإيمــان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قـطـعـًا (1/61) رقم الحديث (32).
(31) رواه البخاري: كتاب العلم، باب القراءة على المحدث (1/148، 149)، ورواه مسلم: كتاب الإيمان، باب السؤال عن أركان الإسلام (1/42،41).
(32) «مجموع الفتاوى» (10/267).
(33) «مجموع الفتاوى» (8/306).
(34) «مدارج السالكين» (1/100).
(35) رواه البخاري: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (13/249).
(36) «شرح صحيح مسلم» (2/15).
(37) «مدارج السالكين» (1/99).
(38) «صحيح مسلم مع شرح النووي» كتاب الإيمان باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله (1/325) برقم (37).
(39) «الرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص166).
المفضلات