[align=justify]ونهجو ذا الزمان بكلّ عيبٍ

ولو نطق الزمانُ بنا هجانا



يُحكى أن والياً في زمن جحا غضب من جحا غضباً شديداً ، فجعله بين خيارين لا ثالث لهما ، إمّا أن يعلّم "حمار" الوالي - أجلّكم الله – القراءة والكتابة ، وإما أن يقتله ، ونظراً لأن الخيار الثاني أسهل بكثير من الخيار الأول ولا شكّ ، ونظراً لأن جحا اكتشف بأنّ الوالي "ما بإذنه ماي" ويريد قتله ولا شكّ ، ونظراً لأنه تيقن بأن رأسه سيعلن البراءة من جسده وأن سيّاف الوالي في انتظار إشارة من أصغر أصابع الوالي لكي يقوم بقطع رأس جحا وتركيب "راس قدو" بدلا عنه ، فقد لجأ جحا مكرهاً لا بطلاً إلى قاعدة "الزمن كفيل بحلّ المشكلة" ، فطلب من الوالي أن يمهله خمسين عاماً – وهذه من كيسي – فوافق الوالي ظانّاً أنه أوقع بجحا! ، عوتب جحا بعد ذلك من المقربين منه وراحوا يكيلون له اللوم ، ويخبرونه بأنه أوقع نفسه في ورطة لا مخرج له منها وأن الوالي سيقطع رزقه وعنقه في آن ، لكن جواب جحا الواثق من نفسه جاء سريعا ليقطع عليهم عناء مزيد من اللوم والعتب ، فقال لهم : " بعد خمسين سنة من الآن ، إما أن يموت الوالي أو أموت أنا أو يموت الحمار " !!

لله درّك يا جحا أتعبت من بعدك بدهائك !! ، ووضعت قاعدة يسير عليها كثيرٌ من "الجحاويين" بعدك ، نحن وإن كنّا نلتمس العذر لجحا ذاك الزمان ، فقد ابتلاه الله بما لا طاقة له به ، لكننا بالتأكيد لا نلتمس العذر لكل "جحا" في زماننا يظن أن الزمن وحده كفيل بحل كثير من المشاكل التي عصفت وتعصف بنا ، والتي لو تعاملنا معها في حينها ولم نؤجل حلها ونرميه على ظهر الزمن ، لما لحقتنا تبعاتها حتى هذه اللحظة ، ولما وجد بيننا متضررين يعانون الأمرين ويقاسون كل ظلم وبين .

الأزمنة وإن طالت لا تحل المشاكل ، والدهور المتلاحقة لا تزيد الجروح العميقة إلا تلوثاً وتسمماً ، والتحجج بحجة "الزمن كفيل بحل المشكلة" لا يتحجج بها سوى العاجزون عن إيجاد الحلول ، أو الذين لا يرغبون في حل المشكلة أصلاً ويريدون رميها على من سيأتي بعدهم ، فيتحملون مكرهين لا باختيارهم تبعات ما أهمله سلفهم ، والطامة الكبرى إذا قاموا هم أيضاً بنفس الفعلة وجعلوا الحل ملقىً على ظهر الزمن ، ليقاسي من تبعات المشكلة من سيأتي بعدهم ، وهكذا جيل بعد جيل ، والمشكلة تكبر وتزداد ، ومن يتعلق مصيرهم بحل تلك المشكلة لا حل لهم سوى الحوقلة .

لذلك فأنا أنصح كل "الجحاويين" في زماننا برفع أيديهم عن أي مشكلة تعاني منها البلد ، وأن يتركوا لولاة الأمر – وفقهم الله - حريّة حل كل المشاكل العالقة منذ عقود ، وفتح كل الملفات التي غطّتها أتربة الإهمال والنسيان ، بعيداً عن نصائحهم التي لا يرجون بها وجه الله ولا شك ، فها هي خمسون عاما قد انقضت ، ولا زال جحا يحاول تعليم الحمار القراءة والكتابة وينتظر موت الوالي أو موته أو موت "الحمار" ، وقانا الله وإياكم شرّ "الجحاويين" .



[/align]