[align=justify]وقد كنتُ صبارا على القِرن في الوغى
وعن شتميَ ابن العمّ والجار وانيا
مالك بن الريب
كثيراً ما يتكرر في الأفلام والمسلسلات العربية القديمة مشهد أهل القرية المظلومين والمضطهدين ، لاسيما كبار السن منهم والذين يرون ألا حيلة لهم ولا وسيلة لدفع الظلم الواقع عليهم سوى الرضا بالواقع ، وهم يذهبون إلى كبير القرية الذي دأب على ظلمهم والتلذذ باضطهادهم ويطربه مشاهدة دموعهم تنسكب الواحدة تلو الأخرى ويكيل عبارات السباب والشتم لهم وهم يستجدون عطفه ويركعون له ويحاولون تقبيل قدمه وهو يبعدهم حتى لا يتسخ ثوبه ، وكل ذلك على مرأى ومسمع من أبطال القرية الذين غالباً ما يكونون من الشباب المتعلم الواعي ، والذين لا يعجبهم ذلك المنظر ويرى ذلك في وجوههم ويعرف من خلال نظراتهم ويحاولون ثني أهل القرية عن محاولة استجداء تعاطف الغير معهم .
أتذكر هذا المشهد جيدا كلما سمعت عن بعض الشباب من البدون والذين لازالوا يحاولون استجداء تعاطف الآخرين من نواب ومرشحين وكتاب ومثقفين وشيوخ دين للوقوف مع قضيته فيقابلون بالسخرية أحياناً وبالشروط المذلة أحياناً أخرى ناهيك عن الوعود الكاذبة من بعض المتكسبين من هذه القضية لاسيما في هذه الظروف الراهنة التي نمر بها من استعداد للانتخابات البرلمانية ، ولكن في المقابل نجد هذا المشهد لايعجب البعض الآخر من الشباب الحر الذي يأبون أن يحنوا رؤوسهم إلا لمن خلقهم والذين عرفوا أن حل القضية يجب أن يكون "بيدي لا بيد عمرو" وأنه "لن يحك ظهرك مثل ظفرك" وأن المسألة برمتها قد تجاوزت مرحلة استجداء التعاطف للوقوف مع قضية حقة ستكون هي الرابحة في النهاية لامحالة وأن الخاسر الحقيقي هو من تخلف عن ركب التأييد والنصرة لمطالب البدون وأنه سيخسر نفسه أولاً وهو يراها تخالف المبادئ التي كان يطلقها ويخسر من حوله ممن كان يحسن الظن به وهو يرى شعاراته الزائفة تتهافت أمام قضية حقة كشفت اللثام عن وجه قبيح حاول ستره بمكياج الكذب .
نصرة القضية - أي قضية - لا تكون عبر استجداء التعاطف واستدرار الرحمة وسكب الدموع ، بل تكون بالعمل الدؤوب والمضي قدماً من أجل تحقيق نصر مؤزر ، والكلام هنا لا يتوقف عند حدود الاعتصامات كما يظن البعض ويتوهم ، بل يجب على الجميع كل من موقعه المساهمة في نصرة قضيته ، فالشاعر والكاتب والمثقف لديهم أسلحة لا يستهان بها ، ومستخدمي شبكة الانترنت ومواقع اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي أيضاً لديهم الكثير كي يقدمونه لنصرة قضيتهم ، بل حتى في المجالس العامة أنت لديك فرصة لنصرة قضيتك عبر تسليط الأضواء عليها وجعلها مدارا للنقاش والحوار ، كذلك يجب لزاما الاكتفاء بالمواقف العامة المؤيدة وعدم الخوض في التفاصيل الدقيقة التي غالباً ما تزعزع الصفوف وتخفت الأصوات المطالبة بحقها .
بهذا وغيره يشعر الإنسان أنه قد قدّم شيئا ولو يسيراً لمن لهم عليه حق النصرة ، وساهم ولو بجزء بسيط في محاولة كسب قضيته قبل أن تُحل القضية دون مشاركته وحينها سيعلم بأن التاريخ لا يرحم المتخاذلين .
منصور الغايب[/align]
المفضلات