الحمدُ للهِ أبداً سرمداً ، ولا نشركُ معه أحداً تباركَ فرداً صمداً، لم يتخذْ صاحبةً ولا ولداً، ولا شريكَ له ولا عَضُداً ، أشهدُ أن لا إلهَ لنا غَيرُهْ ، ولا رَبَّ لنا سِواهُ ، ولا نعبدُ إلاَّ إياهُ ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وسلم تسليماً كثيراً : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) أمَّا بعدُ : أيّها الأحبةُ في الله، فإنَّ الذنوبَ ،لها شُؤمٌ عظيمٌ ، وخَطبٌ جَسيمٌ ،يقولُ سُبحانه(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) حينَ يغفَلُ النّاسُ عن ربِّهم ، وتظهرُ المنكراتُ، وتَعمُّ المحرماتُ ، تُمسِكُ السماءُ قطرَها ، بأمرِ ربِّها ؛ وتَنقُصُ الأرزاقُ ، ليعودَ الناسُ لربِهم ، وليتذكَّروا حاجتَهم إليهِ ، وقد أخبرَ سبحانَه ، أنّ ما يحلُّ بالبشرِ إنما هو من أنفسِهم ، يقولُ سُبحانَه (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ)ويقولُ جلَّ في عُلاه (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى:30]. قال مجاهدٌ : "إنَّ البهائمَ لتلعَنُ عصاةَ بَني آدمَ ، إذا اشتدَّتِ السَّنةُ وأمسكَ المطرُ، وتقولُ: هذا بشؤمِ معصيةِ ابنِ آدمَ ، وفي الحديثِ عَن أبي هريرةَ yأنّه قالَ: [إنَّ الحبارَى لتموتُ في وكرِها من ظُلمِ الظالمِ]ألا فاتّقوا اللهَ تعالى فإنَّ شؤمَ المعاصي وبيلٌ ، فالشركُ مِن أعظمِ أبوابِ الفّقرِ واندثارِ الخيراتِ ، ومحقِ البركاتِ ، يليهِ سَفكُ الدَّمِ الحرامِ ، كما في آيةِ الفرقانِ: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) [الفرقان:68].وقد استعاذَ النبيُّ e باللهِ أن يدركَ أصحابُهُ ، زمانَ ظهورِ الفاحشةِ ، والإعلانِ بها ونقصِ المكيالِ والموازينِ ، ومنعِ الزكاةِ ، كما في حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضي الله عنه قالَ: أقبَلَ علينا رسولُ اللهِ e فقالَ: { يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ ، لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِى قَوْمٍ قَطُّ ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ، إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ ، وَالأَوْجَاعُ الَّتِى لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِى أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا. وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ، إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ ، وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ . وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ ، إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا ، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ ، إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِى أَيْدِيهِمْ ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ، إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ } { وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ } لك أن تتخيّلَ حجمَ الزكواتِ والنفقاتِ الواجبةِ ، الممنوعةِ من أهلِها ، لتدركَ معها حجمَ الخطرِ والعقوبةِ التي عَرَّضُوا النَّاسَ لها ، وسُنّةُ اللهِ في العصاةِ لا تتخلِّف، (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ *ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) فيا أخوةَ الإسلامِ والعقيدةِ ، إنَّ اللهَ لا يبدِّلُ أَمنَ الأُمَمِ قلَقًا ، ولا رَخاءَها شِدّةً ، ولا عافيتَها سَقامًا ، لأَنَّهُ راغبٌ أن يُذيقَ النَّاسَ المتاعبَ ، ويرميهم بالآلام ،[كلا] إنّه بَرٌّ بعبادِهِ، يُغدِقُ عَليهم فَضلَهُ وَسِترَهُ، ويُحيطُهم بحفظِهِ ، ويُصبِّحُهم ويُمَسّيهم برزقِهِ ونِعَمِه ، ولكنَّ الناسَ يأخذونَ ، ولا يُحسِنونَ الشكرَ، ويَتنعَمُونَ بالنِّعَمِ ، ولا يُقدِّرونَ ولِيَّها ، ومُسديها سبحانه. وما المصائبُ التي أحاطَتْ بالأمّةِ ، إلاّ سِياطٌ تَسوقُها إلى العودةِ لباريها ، والبراءةِ من الذنوبِ ومخازيها ، والتَّنادي بالرجوعِ إلى اللهِ ، بالتزامِ أمرِهِ ، واجتنابِ نهيِهِ ، وإقامِ الصلاةِ ، وإيتاءِ الزكاةِ وحربِ الرِّبا ، ونبذِ الظّلمِ ، وإيقافِ وسائلِ الرّذيلةِ ودُعاتِها والأمرِ بالمعروفِ ، والنهيِ عن المنكرِ؛ لتسلَمَ سفينةُ المجتمَعِ وتُرَمَّمَ خروقُها ، وتُسَدَّ ثقوبُها ، يقول المولى جلَّ في عُلاه (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) فيا عبادَ الله : أكثِروا من الاستغفارِ ، فَبِهِي تُستَجلَبُ رحمةُ الله ، وقد قال نوحٌ عليهِ السلامُ لقومِهِ : ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا *وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) أيُّها الأحبةُ في الله ، لما كانتْ قلوبُ سلفِ هذه الأمةِ ، تَمتلئُ باليقينِ ، والثقةِ بما عندَ ربِّ العالمين ، ما كان الغيثُ ، لِيتأخرَ حتى وقتِ انصرافِهم من المصلى ، فَهُم يُدركونَ أن اللهَ جل وعلا ، ما كان لِيخذُلَ عبداً ، تلبسَ بلباسِ الذُّلِ لمولاهُ ، واعترفَ بخطئِهِ ، وأقرَّ بذنبِهِ ، فََيَرُدَهُ خائباً لم يَستَجبْ له ، لقد كان الصَّالِحُون من آبائِنا وأجدادِنا ، يخرُجونَ للاستسقاءِ ، تائبينَ منيبينَ راجينَ، فكان لا يَخلُفُهم المطرُ غالبًا ، ولَرُبَّمَا نزلَ عليهِم وهُم في مُصلاَّهُم ، ولقد كانوا مع فَقرِهم ، وقلَّةِ ذاتِ اليدِ عِندَهم ، أكثرَ بركةً منَّا ،وأوسعَ عافيةً ، وذلك بسببِ قُربِهم من اللهِ ، وقلّةِ مَعَاصِيهِم ، وشُيوعِ العدلِ بينهم ، والفرارِ من الظُّلمِ ، فرارَ الصَّحيحِ من الأجربِ، فلذلك حصلَ لهم ما حصَلَ ، من سَعَةٍ في الدِّينِ ، وبركةٍ في الرزقِ، أََمَا وَقد خَرجتُم تستغيثونَ ،وتستَسقون، فأظهِروا الحاجةَ والافتقارَ، واعقِدوا العزمَ والإصرارَ ، على اجتنابِ المآثِمِ والأوزارِ، فاللهُ تعالى أمرَ بالدُّعاءِ ، ووعَدَ بالإجابةِ ، وهو غنيٌّ كريمٌ سبحانه: فاستغفِروا وادعوا، وأبشِروا وأمِّلوا، وارفعوا أكفَّ الضّراعةِ إلى اللهِ مُبتَهلِينَ. لا إلهَ إلاّ اللهُ يفعلُ ما يرِيدُ ، لا إلهَ إلا اللهُ الوليُّ الحميدُ، لا إلهَ إلا اللهُ غِياثُ المستغيثينَ وراحِمِ المستضعفينَ، نستغفِرُ اللهَ، نستغفِرُ اللهَ، نستغفِرُ اللهَ الذي لا إلهَ إلاّ هو الحيُّ القيومُ ونتوبُ إليهِ.،لئن لم يَرحمْنا ربُّنا ويغفِرْ لنا لنكوننّ من الخاسرين، ربّنا ظلَمنا أنفسَنا ، وإن لم تغفِرْ لنا وترحمْنا لنكوننّ من الخاسرين، اللّهمّ اغفرْ لنا ما قدّمنا وما أخَّرْنا، وما أسررنا وأعلنّا، وما أنت أعلمُ به منا، أنتَ المقدِّمُ وأنتَ المؤخِّرُ لا إله إلا أنتَ. نستغفرُ اللهَ، نستغفرُ اللهَ، نستغفِرُ اللهَ.اللّهمّ أنتَ اللهُ لا إله إلا أنتَ، أنتَ الغنيُّ ونحنُ الفقراءُ، أنزلْ علينا الغيثَ ولا تجعلْنا من القانطينَ، اللهمّ أغِثْنا، اللهم أغِثْنا، اللهم أغثْنا، غيثا مُغيثاً ، هنيئًا مَريئًا ، سحًّا غَدَقًا ، طبَقًا عامًّا مجلِّلاً ، دائمًا نافعًا غيرَ ضارٍ ، عاجلاً غيرَ آجلٍ ، اللّهمّ تحيي به البلادَ ، وتسقِي به العبادَ ، وتجعلْه بلاغًا للحاضِرِ والبادِ، اللهم اسقِ عبادَك وبهائمَك ، وأحيِ بلدَك الميتَ ، اللهمّ سقيا رحمةٍ، اللهم سقيا رحمةٍ، اللهمّ سقيا رحمةٍ، لا سقيا عذابٍ ، ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ، اللهم أنبِتْ لنا الزرعَ ، وأدِرَّ لنا الضّرعَ وأنزِلْ علينا من بركاتِكَ ، اللهم أنزلْ علينا الغيثَ ، واجعلْ ما أنزلتَهُ قوّةً لنا على طاعتِكَ وبلاغًا إلى حين. اللّهمّ أسقِنا الغيثَ ، واكشِفْ ما بالمسلمينَ من بلايا يا أرحمَ الراحمينَ.(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(البقرة: من الآية201) اللّهمّ صلِّ وسلِّم وزد وبارك على عبدِك ورسولك محمّد وعلى آلِه وصحبه أجمعين.عبادَ اللهِ، اقتَدوا بسنّةِ النبيِّ e، فقد كان يقلِبُ رداءَهُ حين يستسقي، وتفاؤلاً بقَلبِ حالِ الشّدّةِ إلى الرخاءِ والقحطِ إلى الغيثِ، وادعوا اللهَ وأنتم موقنونَ بالإجابةِ.ربَّنا تقبّلْ منا إنك أنت السميعُ العليمُ، وتبْ علينا إنك أنت التوابُ الرحيم، سبحان ربِّك ربِّ العزة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.
المفضلات