بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ لله نحمدُه ،ونستعينُه ،ونستغفرُه ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلَّ له ومن يضْلل فلا هاديَ له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لاشريك له ، وأشهد أنّ محمداً عبدُه ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ... أمّا بعد: فاتَّقوا اللهَ - عبادَ الله - حَقَّ التّقوى، فتقوَى الله سَبيلُ الهُدَى، والإعراضُ عنها طريقُ الشّقا)) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّإِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون))
عباد الله /التعاطي مع الأحداث وأخذُ العِبَروالدروس يكون ذلك بعقل مُتّزن، وبهدوء وحذر، وفي ظل الأحداثالمتسارعة والتقلُّبات المتتابعة تكون الحكمةُ ضالَّةَ المؤمن، فليس التزلُّفحاميًا للدول، ولا التذمُّر مُصلحًا للأمم، والنقدُ وحده لا يُقدِّمُ مشروعًا،وردود الأفعال لا تبني رؤيةً راشِدة، واللبيب بالإشارة يفهم .
وبلادُنا بلاد الحرمين الشريفينتمتدُّ على هذه الأرض المباركةبصحرائها وسهولها وجبالهاوأوديتها وبحارها، فيها أول بيتٍ وُضِع للناس، وخُتِم بنبيها الرسالات، وتنزَّل آخرُكتابٍ في ديارها، خصوصيتُنا في موقعنا وفيما اختار الله لنا من مُتنزَّل وحيه،ومولدِ رسوله، ومبعثه ومُهاجَره، ومماته - عليه الصلاة والسلام -
بلادُنا قبلةً المسلمين تحتضِن شعائرَهم ومَشاعرهم، بلدُنا ليسمُرتبطًا بمشاعرنا وحدنا؛ بل مرتبطٌ به كلُّ مسلم، فأمنُنا أمنُهم، واستقرارُنااستقرارُهم ((جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًالِلنَّاسِ))
أرضُنا - بإذن الله - هي التي صنعتالتاريخ؛ بل أهم حدثٍ في تاريخ الدنيا، تغيَّرت به وجوه الأمم والممالك، ودولتُنافي تأريخها الحديث هي امتدادٌ لذلك التاريخ العظيم، والتزامٌ بتلك الرسالة الخالدة،وقيامٌ على الشريعة المُطهَّرة، واتباعٌ لنبينا محمد - صلى الله عليه وآلهوسلم -
عباد الله / لقد رفعت دولتُنا شِعارَ توحيد الله، والحكم لله، والأمة الواحدة،والأُخوَّة الإيمانية، والطاعة لولي الأمر، والبيعة على كتاب الله وسنة رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الإسلامُ نهجُها،والكتابُ والسنةُ دستورُها، الدينُ والحكمُ في دولتنا أخَوَان؛فارتفعت حين رفعت رايةَ الدين والتوحيد والوحدة، فحفِظَ الله - بفضله ومنَّته - علينا دينَنا، وجمّع فُرقتنا، وأغنانا من بعد عَيْلة، وآمَّنَنا منبعد خوف، وعلَّمَنا من بعدجهلٍ، وألبَسَنا لباسَ الصحة والعافية، ومن كل خيرٍوفضلٍ أمدَّنا وأعطانا.
إن دولتنا ظاهرةٌ عزيزة، استطاعت - بعون الله وتوفيقه - أن تُحقِّق الاستمرار التاريخي على خلاف توقُّعات كل الخُصوموتمنِّياتهم.
وتطبيقُ الإسلام عندنا ليس وظيفة،وليس مجرد نشاطٍ من النشاطات؛ بلهو الروح والحياة والغاية، وهو المُجسِّد للهوِيَّة، والمُحقِّق للولاء والانتماء،على حدّ قوله - عزَّ شأنُه -: ((قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِيلِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ))
مملكتُنا هي العروبة المُلتحمة بالإسلام، والإسلام المُحتفِيبالعروبة، دينُنا دينُ الدولة والدعوة والحوار والثواب والتفاعُل الإيجابي معالتجارب الإنسانية، وأخذُ العبرةِ ودروسِ التاريخ . ل
م يكن التقرُّب للحاكم على حسابالمحكوم، ولم تكن مُجاملةُ الناس على حساب الحقوالعدل.
عباد الله /إن المملكة العربية السعودية بلادَالحرمين الشريفين هي بلادُنا ودارُنا وبيتُنا ومُستقرُّنا، الولاءُ لها بعد ولاءالدين، الولاءُ للوطن فوقَ كلِّ ولاءٍ وانتماء، وأمنُه واستقرارُه مُقدَّمٌ على كلتطلُّعات وفوق كلِّ مُطالَبات، سواءً في ذلك الحاكم والمحكوم، وعند التقلُّباتوالشدائد هذا هو أول وأولَى ما يجب النظرُ فيه والتطلُّع إليه، والمحافظةُ عليه،والاستمساكُ به.
فمهما اختلفنا ومهما تعدَّدت مطالبُنا وتنوَّعَت رغباتُنا وآمالنُاالمشروعة فيجبُ أن نكون على يقظةٍ تامة من أمرنا.
فكم من مُتربِّصٍ يريد تفتيتَ بلادِناوتمزيقَ شملِنا وهدمَ وحدتِنا وانهيارَ كِيانِنا، والسعيدُ من وُعِظَبغيره.
الأمنُ والوحدةُ الوطنية وتماسُك المجتمع وحماية المُقدَّسات هي أعلىوأغلى ما نملك بعد عزِّ الإسلام وحفظ الدين،وهذا الأمن - بفضل الله وعونه - شارك فيصُنعه آباؤنا وأجدادُنا وسهر عليه رجالُ أمننا بكل قطاعاته وفي مُختلف رُتَبه، ومن كل أبناء الوطن، إنهم يحفَظون أمنَناومُقدَّساتنا وسعادتنا وأحوالنا وأموالَنا وأنفسناوأهلينا.
والساعةُ للصادقين المُخلصين، والانتماء الوطني هو الأغلى، وتيارُالحق والكرامة هو الأقوى في عدالةٍ ساعدة، وحريةٍ مُنضبِطة، وشعورٍ جماعي بالحِفاظعلى الوطن والممتلكات والمُكتسبات، والالتفاف حول الولاية الشرعية، وكل فتنةٍ أومسلكٍ أو دعوةٍ تُهدِّد الوطن ووحدته والمجتمعَ وعيشَه يقفُ أمامَها الجميعُبالمرصاد صفًّا واحدًا في كتيبةٍ واحدةٍ مُتراصَّة في وجه كل مُتربِّصٍ، ومُواجهةكلّ صائل، ودحْر كل عادٍ كائن من كان!((وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْيَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ* الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِيالْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِوَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُالْأُمُورِ))
بارَك الله لي وَلكُم في القرآنِ العَظيم، ونفعني الله وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذّكر الحَكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفِر اللهَ لي ولَكم ولجميعِ المسلِمين من كلّ ذنب فاستغفِروه، إنّه هو الغفور الرّحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله علَى إحسانِه، والشّكرُ له علَى توفيقه وامتِنانِه، وأشهَد أن لا إلهَ إلا الله وَحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشَأنه، وأشهَد أنّ نبيَّنا محمّدًا عبدُه ورَسوله، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحَابه.
أمّا بعد: أيّها المسلمون / وإذا كانت محبَّةُ الأرض والوطن سُلُوكًا فطريًّا، فكيف تكونُ المحبَّةُ وذلك الولاءُ حينما يكون ذلك الوطن هو مَهْبِطُ الوحي، ومنبع الرسالة؟! منه انطلقَت الدعوة المحمديَّة، وعبْر بوَّابته دخَل الناس في دِين الله أفواجًا.
فعلينا تجاه هذا الوطن – عباد الله – حقوق وواجبات من أهمها : المحافظة على تديُّن المجتمع وصَلاحه، ونشْر الخير بين أبنائه، ومقارعة الفساد، وتجفيف منابعه قدْر الإمكان، فبلدنا قام على الإسلام، ويُحكَم فيه بالإسلام، وأنظار الملايين من المسلمين تتَّجه نحو دِين وتديُّنِ بلادنا، فالحرص على صَفاء الإسلام ونقائه مسؤوليَّة مشتركة بين الجميع؛ حكَّامًا ومحكومين، عُلَماء ومعلِّمين، دُعاة ومربِّين.
ومن واجبنا تجاه وطننا ترسيخُ القِيَم الاجتماعيَّة؛ حتى يعيشَ ذلكم الوطن لحمةً واحدةً، مُتعاوِنين مُتَآلِفين، يُعطَف فيه على الصغير، ويُوقَّر فيه ذو الشَّيبة، وتُسَدُّ فيه الفاقة، يُواسَى فيه المكلوم، ويُناصَحُ المُخطِئ، ويُسعى لقَضاء حاجات المحتاجين؛ حتى يكونَ المجتمع بعد بذلك كالبُنيان يَشُدُّ بعضه بعضًا.
ومن حُقوق الوطن على أهله: الإخلاص في العمل، والصدق في أداء أمانة الوظيفة، والانضباط بالقوانين والأنظمة التي فيها المصلحة والمنفعة العامَّة، مع السمع والطاعة بالمعروف لِمَن ولي أمر البلد، ما لم يُؤمَر العبد بمعصية، فإنْ أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة، وإنما اعتزالٌ ومُناصَحة، مع الحِرص على جمْع الكلمة ولُزُوم الجماعة.
عباد الله / وأجرَمُ الناس في حقِّ وطنهم، وأخوَنُهم لبلدهم أولئك الذين يَأكُلون من نِعَمِ البلد وخيراته، ويَرفُلون في أمْنه وأمانه، ثم يبذلون وَلاءهم خارج أوطانهم لنزعات طائفية، فهؤلاء الواجب الحذرُ والتحذيرُ منهم، فلُحمة طائفتهم أقوى عندهم من رَوابِط وطنيَّتهم، ووقائع الأحداث في بلادنا وفي البلاد المجاورة أقرَبُ شاهدٍ وأوضَحُ مثالٍ، والسعيد مَن وُعِظَ بغيره!
ألا وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة نبيكممحمدٍ رسول الله، فقد أمركم بذلك ربُّكم في محكم تنزيله، فقال - عزَّ شأنُه، ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِوَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا))
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدكورسولك نبينا محمد الحبيب المُصطفى، والنبي المُجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين،وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر،وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يومالدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرمالأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين،اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واخذل الطغاة والملاحدةوسائر أعداء الملَّة والدين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهمآمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافكواتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامنا ووليَّ أمرنابتوفيقك، وأعِزَّه بطاعتك، وأعلِ به كلمتك، واجعله نُصرةً للإسلام والمسلمين، واجمعبه كلمة المسلمين على الحق والهدى يا رب العالمين .
اللهم من أرادنا وأراد دينناوديارَنا وأمنَنا وأمتنا وولاة أمرنا وعلماءنا واجتماع كلمتنا بسوءٍ؛ اللهم فأشغِلهبنفسه، واجعل كيدَه في نحره، واجعل تدبيرَه تدميرًا عليه يا ربالعالمين.
اللهم عليك باليهود الغاصبين المحتلين، اللهم عليك باليهود الغاصبينالمحتلين فإنهم لا يُعجزونك، اللهم أنزِل بهم بأسك الذي لا يُردُّ عن القومالمجرمين، اللهم إنا ندرأُ بك في نحورهم، ونعوذ بك منشرورهم.
((رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةًوَقِنَا عَذَابَ النَّارِ))
عباد الله/ ((إِنَّاللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَىعَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْتَذَكَّرُونَ ))
فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكرالله أكبر، والله يعلم ما تصنعون .
المفضلات