بـسـمـ الله الـرحـمـنـ الـرحـيـمـ
*******
*****
****
***
**
*
هـذه قـصـة مُـضـحِـكـة
ولـكـن فـيـهـا عِـبَـر ومـواعِـظ
لا شـك أن كـل قـارئ يـسـتـنـبـط مـنـهـا عِـبْـرة أو مـوعـظـة
تـخـتـلـف عـمَّـا يـسـتـنـبـطـه غـيـره
فـكـل قـارئ وفـهـمـه لـمـا بـيـن هـذه الأسـطـر
()()()()()()()()()()()()()()()()
كـان الـمـهـدي والـيـا عـلـى الـري مـن قـبـل أبـيـه الـمـنـصـور الـخـلـيـفـة الـعـبـاسـي
وكـان الـمـنـصـور قـد أمـر الـشـرقـي بـن الـقـطـامـي ( شـاعـر وافـر الأدب عـالـمـا بـالـنـسـب )
أن يـلازم الـمـهـدي حـيـن خـلـفـه بـالـري ، وأمـره أن يـأخـذه بـحـفـظ أيـام الـعـرب
ومـكـارم الأخـلاق ودراسـة الأخـبـار ، وقـراءة الأشـعـار
وذات لـيـلـة قـال الـمـهـدي : يـا شـرقـي أرِح قـلـبـي بـشـيء يُـلـهـيـه
قـال الـشـرقـي : نـعـم أصـلـح الله الأمـيـر
ذكـروا أن مـلـك مـن مـلـوك الـحـيـرة كـان لـه نـديـمـان ، قـد نـزلا مـن قـلـبـه مـنـزلـة مـكـيـنـة
وكـانـا لا يـفـارقـانـه فـي لـهـوه ومـنـامـه ويـقـظـتـه ، وكـان لا يـقـطـع أمـرا مـن دونـهـمـا
ولا يـصـدر إلا عـن رأيـهـمـا فـغـبَـر بـذلـك زمـنـا طـويـلا
فـبـيـنـمـا هـو ذات لـيـلـة فـي شـربـه ولـهـوه
إذ أكـثـر مـن الـشـراب فـأزال عـقـلـه فـدعـا بـسـيـفـه
وانـتـضـاه وشـد عـلـيـهـمـا فـقـتـلـهـمـا بـغـيـر وعـي
ثـم ذهـب إلـى فـراشـه فـغـلـبـتـه عـيـنـاه فـنـام ، فـلـمـا أصـبـح سـأل عـنـهـمـا
فـأخـبـروه بـمـا كـان مـنـه
فـأكـبَّ عـلـى الأرض ، عـاضًّـا لـهـا تـأسـفـا عـلـيـهـمـا وجـزعـا لـفـراقـهـمـا
ثـم حـلـف لا يـشـرب شـرابـا يـزعـج عـقـلـه مـا عـاش
وواراهـمـا وبـنـى عـلـى قـبـريـهـمـا بـنـائـيـن ، وسـمَّـاهُـمـا الـغَـرِيَّـيْـن
وسَـنَّ ألاَّ يـمُـرَّ بـهـمـا أحـد مـن الـمـلـك فـمـن دونـه إلا سـجـد لـهـمـا
وكـان إذا سـنَّ الـمـلـك سُـنَّـة تـوارثـوهـا وأحـيـوا ذكـرهـا ، ولـم يـمـيـتـوهـا
وجـعـلـوهـا عـلـيـهـم حـكـمـا واجـبـا وفـرضـا لازمـا وأوصـى بـهـا الآبـاء أعـقـابـهـم
فـصـار ذلـك سُـنـة لازمـة كـالـفـريـضـة والـشـريـعـة
فـمـات هـذا الـمـلـك ، وتـعـاقـب مـن بـعـده مـلـوك الـحـيـرة
ومـضـى عـلـى ذلـك الأمـر دهـرا طـويـلا ، لا يـمـر أحـد مـن صـغـيـر ولا كـبـيـر إلا سـجـد لـهـمـا
وحُـكِـمَ فـيـمـن أبَـى أن يـسـجـد لـهـمـا بـالـقـتـل
بـعـد أن يُـحـكـم لـه بـخـصـلـتـيـن يُـجـاب إلـيـهـمـا كـائـنـا مـا كـان
فـمـر يـومـا قـصَّـار ( خـيـاط ) يـحـمـل عـلـى ظـهـره ثـيـاب وفـيـهـا مِـدقـتـه
وهـي مـن الـخـشـب يـدق بـهـا الـثـيـاب
فـلـم يـسـجـد عـنـد الـغـريـيـن
فـقـال الـمـوكـلـون بـالـغـريـيـن : اسـجـد
فـأبـى أن يـفـعـل
فـقـالـوا لـه : إنـك مـقـتـول إن لـم تـفـعـل
فـأبـى أن يـفـعـل
فـرفـعـوه إلـى الـمـلـك وأخـبـروه بـقـصـتـه
قـال الـمـلـك : مـا مـنـعـك أن تـسـجـد ؟
قـال الـقـصَّـار : سـجـدت ولـكـنـهـم كـذبـوا عـلـيَّ
فـقـال الـمـلـك : الـبـاطـل قـلـت فـاحـتـكـم فـي خـصـلـتـيـن
فـأنـت مُـجـاب إلـيـهـمـا وإنـي قـاتـلـك !
قـال الـقـصَّـار : لابـد مـن قـتـلـي بـقـول هـؤلاء ؟
قـال الـمـلـك : لابـد مـن ذلـك
فـقـال الـقـصَّـار : فـإنـي أحـتـكـم أن أضـرب رقـبـة الـمـلـك بـمـدقـتـي هـذه !
قـال لـه الـمـلـك : يـا جـاهـل لـو حـكـمـت أن أُجـريَ عـلـى مـن تُـخْـلِّـف وراءك
مـا يـعـيـنـهـم كـان أصـلـح لـهـم
قـال الـقـصَّـار : مـا أحـكـم إلا بـضـربـة لـرقـبـة الـمـلـك !
فـقـال الـمـلـك لـوزرائـه : مـا تـرون فـيـمـا حـكـم بـه هـذا الـجـاهـل ؟
قـالـوا : نـرى أن هـذه سُـنَّـة ، وأنـت أعـلـم بـمـا فـي نـقـض الـسـنـن مـن الـعـار والـشـنـار
وإنـك إن نـقـضـت سُـنـة نـقـضـت أخـرى
ثـم يـكـون ذلـك لـمـن بـعـدك كـمـا كـان لـك فـتـبـطـل الـسـنـن
قـال الـمـلـك : فـارغـبـوا إلـى الـقـصَّـار أن يـحـكـم بـمـا شـاء ويـعـفـيـنـي مـن هـذه
فـإنـي أجـيـبـه إلـى مـا شـاء وإن بـلـغ حـكـمـه شـطـر مُـلـكـي
فـرغـبـوا بـذلـك إلـى الـقـصَّـار
قـال الـقـصَّـار : مـا أحـكـم إلا بـضـربـة فـي عـنـق الـمـلـك !
فـلـمـا رأى الـمـلـك ذلـك ومـا عـزم عـلـيـه الـقـصَّـار ، قـعـد مـقـعـدا عـامـا
وأُحـضِـر الـقـصَّـار فـأخـرج مِـدقَّــتـه
وضـرب بـهـا عـنـق الـمـلـك ضـربـة سـقـط مـنـهـا الـمـلـك مـغـشـيـا عـلـيـه
فـشـكـى الـمـلـك مـن هـذه الـضـربـة سـنـة كـامـلـة
لا يـهـنـأ بـنـوم أو بـأكـل أو بـشـرب مـن شـدة الألـم
فـلـمـا تـعـافـى وشُـفِـيَ مـنـهـا ، سـأل عـن الـقـصَّـار
فـقـيـل لـه : أنـه مـحـبـوس
فـأمـر بـإحـضـاره ،،،، فـحـضـر
قـال لـه الـمـلـك : بـقـيـت لـك خـصـلـة فـاحـكـم بـهـا
فـإنـي قـاتـلـك لا مـحـالـة فـقـد مـرت بـي سـنـة
لا أهـنـأ بـنـوم ، ولا بـأكـل ولا بـشـرب
فـقـتـلـك قـضـاء لـهـذه الـسـنـة الـتـي أنـت بـقـيـتَ فـيـهـا حـيـًّا
قـال الـقـصَّـار : فـإذا كـان لابـد مـن قـتـلـي
فـإنـي أحـكـم أن أضـرب الـجـانـب الآخـر مـن رقـبـة الـمـلـك
فـلـمـا سـمـع الـمـلـك ذلـك جـزع واضـطـرب
وقـال : ذهـبـت والله نـفـسـي إذن
ثـم قـال لـلـقـصَّـار : ويـلـك دع عـنـك مـا لا يـنـفـعـك
فـإنـه لـم يـنـفـعـك مـنـه مـا مـضـى
واحـكـم بـغـيـره وأنـفـذه لـك كـائـنـا مـا كـان
قـال الـقـصَّـار : مـا أرى حـقـي إلا ضـربـة أخـرى !
قـال الـمـلـك لـوزرائـه : مـا تـرون ؟
قـالـوا : هـذا حـقـه !
قـال الـمـلـك : ويـلـكـم ! إن ضـرب الـجـانـب الآخـر ، مـا تـهـنـيـت بـنـوم ولا بـأكـل
ومـا شـربـت الـمـاء الـبـارد أبـدا ، لأنـي أعـلـم مـا قـد نـالـنـي
قـالـوا : فـمـا عـنـدنـا حـيـلـة لـك !
فـلـمـا رأى الـمـلـك مـا قـد أشـرف عـلـيـه
قـال لـلـقـصَّـار : أخـبـرنـي ، ألـم أكـن قـد سـمـعـتـك تـقـول يـوم أتـى بـك الـمـوكـلـون
بـالـغـريـيـن إنـك قـد سـجـدت ، وإنـهـم كـذبـوا عـلـيـك ؟
قـال الـقـصَّـار : قـد كـنـت قـلـت ذلـك فـلـم أُصَـدَّق !
قـال الـمـلـك : فـكـنـتَ سـجـدتَ ؟
قـال الـقـصَّـار : نـعـم !
قـال الـمـلـك : أشـهـد أنـك صـادق ، وأنـهـم كـذبـوا عـلـيـك ، اذهـب فـأنـت حُـر
وأمـر الـمـلـك بـهـدم الـغـريـيـن ، وتـسـويـتـهـمـا بـالأرض
فـضـحـك الـمـهـدي حـتـى فـحَّـص بـرجـلـيـه مـن شـدة الـضـحـك
*
**
***
****
*****
******
المفضلات