سبق حائل ــ فواز مشاي الشملاني :
قال تعالى : (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ {17} وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ {18} وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ {19} وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ {20} فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ {21} لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ {22}[ الغاشية ] .
في هذه الآيات الكريمة يخص الله سبحانه وتعالى ـ الإبل من بين مخلوقاته الحية، ويجعل النظر إلى كيفية خلقها أسبق من التأمل في كيفية رفع السموات ونصب الجبال وتسطيح الأرض، ويدعو إلى أن يكون النظر والتأمل في هذه المخلوقات مدخلاً إلى الإيمان الخالص بقدرة الخالق وبديع صنعه.
في هذه الآية الكريمة يحضنا الخالق العليم بأسرار خلقه حضاً جميلاً رفيقاً، على التفكير والتأمل في خلق الإبل( أو الجمال )، باعتباره خلقاً دالاً على عظمة الخالق ـ سبحانه وتعالى ـ وكمال قدرته وحسن تدبيره . وسوف نرى أن ما كشفه العلم حديثاً عن بعض الحقائق المذهلة في خلق الإبل يدل على سبق القرآن الكريم في الإشارة إلى هذا المخلق المعجز الذي يدل يدل على عظمة خالقه سبحانه وتعالى كما يدل أن القرآن الكريم هو الكتاب المعجز الذي نزل من عند الله تعالى على قلب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .
و في حين تنظم عندنا مسابقات مزايين الإبل تعمد استراليا الى مطاردتها وقتلها - وتشجيع الناس على فعل ذلك - .. فالحقيقة التي يجهلها معظمنا هي أن استراليا - وليس السعودية أو دول الخليج - من يضم أكبر عدد من الجمال السائبة في العالم . فرغم أن استراليا ليست موطنا أصليا للإبل إلا أن عددها اقترب اليوم من "المليون" ويتوقع تضاعفه كل ثماني سنوات!!
ووجود الإبل في استراليا بدأ قبل مائة عام (وتحديدا في تسعينيات القرن التاسع عشر) حين استورد أحد تجار داروين الإبل من السعودية (ومن الأحساء تحديدا) لأغراض النقل في الصحراء . غير أن شق خطوط المواصلات وانجاز خط القطار العظيم - من الغرب للشرق - جعل أصحابها يستغنون عنها ويتركونها في الصحراء .. ويبدو أن البيئة الاسترالية ناسبت جمالنا الأصيلة فلم تتوقف من يومها عن التناسل بحرية وراحة بال ..
وقد ساهمت المساحة الشاسعة للصحراء الاسترالية - وعدم احتوائها على تجمعات سكنية مهمة - في التغاضي عن هذه المشكلة طوال المائة عام الماضية .. ولكن أعداد الإبل السائبة ارتفعت في السنوات الأخيرة لدرجة اقترابها من المدن والبلدات واعتدائها على المزارع ومناطق الرعي الخاصة. وما زاد من حدة المشكلة أن الاستراليين (بعكسنا) لا يستسيغون لحومها وألبانها ولا يرون فيها غير مخلوقات برية مؤذية .. وبمعزل عن الحكومة شكل المزارعون وتجار الماشية فرق إبادة متخصصة تعمد لمطاردتها بالهليكوبتر واطلاق الرصاص عليها من الأعلى .. ورغم أن الحكومة لم تتدخل بشكل رسمي حتى الآن إلا أن أصواتاً في البرلمان بدأت تنادي بتكليف قوات الجيش بالقضاء عليها (أو إعادة تصديرها للسعودية) !!
وفي الحقيقة ؛ تكاثر الإبل في استراليا يقودنا للحديث عن ظاهرة إحيائية وجيولوجية فريدة تميز هذه الدولة عن غيرها .. فبسبب مساحتها الشاسعة وأراضيها العذراء - وانعزالها عن بقية العالم منذ ملايين السنين - يمكن لأي حيوان مستورد أن يتناسل فيها بلا حدود أو ضوابط .. وتكاثر الإبل فيها ليس إلا وجهاً واحداً لمشكلة عامة تكررت مع الأرانب والثعالب والثيران والضفادع والأفاعي والطيور ..
ففي البيئة الأصلية للحيوان توجد ضوابط طبيعية تمنعه من التكاثر بمعدل يطغى على الأجناس الأخرى . ولكن حين ينتقل إلى بيئة جديدة ومفتوحة كاستراليا (لا يوجد فيها أعداء طبيعيون) تتكاثر المخلوقات المستوردة بشكل مهول .. فقبل قرنين مثلا جلب أحد المهاجرين الأوائل عشرة ثعالب من انجلترا (لممارسة رياضة صيد الثعالب في استراليا ) فتجاوز عددها اليوم عشرة ملايين . كما تكاثرت ثيران البيسون - بعد استيرادها من أمريكا بغرض تدجينها - لدرجة جعلت السلطات تنظم "مسابقات كابوي" لاصطيادها بالجيوب وطائرات الهليكوبتر .. أما الأرانب فتعد مشكلة قومية تتضاءل أمامها كافة المشاكل ؛ فقبل خمسة وأربعين عاما أحضر مزارع يدعى توماس أوستتر 24أرنبا من بريطانيا أطلق منها 13فقط للتكاثر . ومن المعروف أن الأرانب تتفوق على الفئران في سرعة تناسلها (حيث يمكن لزوج واحد التكاثر إلى 60.000أرنب خلال ثلاثة مواسم فقط) . واليوم يتجاوز عددها المليار أرنب - في حين لايتجاوز عدد السكان 20مليون نسمة - الأمر الذي يهدد بتحويل استراليا إلى مستعمرة "أرنبية" لا تصلح لعيش البشر !!
- على أي حال أعود للجمال وأذكر (النشامى) بمسؤوليتنا التاريخية والأدبية تجاهها ..
فطالما لم يستسغ الأستراليون لحومها وألبانها .. وطالما وصلت بهم الحال للتخلص منها بطلقة مسدس؛ أتساءل عن الجدوى الاقتصادية من إعادتها للسعودية مقابل تكاليف الشحن.
المفضلات