بسمـ الله الرحمنـ الرحيمـ
الـتـفـكــّـر لـلـمـسـلـمـ عـبـــادة
قـال الله تـعـالـى :
{ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ... يونس : 101 } .
سـبـحـان الله الـخـلاق الـعـلـيـم الـذي أظـهـر عـجـائـب صُـنـعِـه فـي خـَـلـقـه
فـدَلّ عـلـى عـظـمـتـه بـديـع خـَـلـقـه ، فـأمـرنـا عـلـى الـتـفـكـّـر بـعِـبـَـره وآيـاتـه
الـسـعـادة لـمـن تـدبّـر
والـسـلامـة لـمـن تـفـكـّـر
والـفـوز لـمـن نـظـر وتـبَـصّـر
والـنـجـاة لـمـن نـظـر لـلـعِـبـَـر فـاسـتـعـبـر واعـتـبـر
لـيـس الـتـفـكـر بـالـنـظـر إلـى مـا فـي الـسـمـاء والأرض بـالـبـصـر
وإنـمـا الـتـفـكـر بـالـبـصـيـرة فـي قـدرة الـخـالـق
الـتـفـكـر يـكـون فـي أمـريـن
... الأول ... يـتـعـلـق بـالـعـبـد نـفـسـه
... والـثـانـي ... بـالـمـعـبـود جَـلّ جـلالـه
أمّـا مـا يـتـعـلـق بـالـعـبـد ، فـيـنـبـغـي عـلـيـه أن يـتـفـكــّـر :
هـل هـو عـلـى مـعـصـيـة أم عـلـى طـاعـة ؟
فـإن رأى مـن نـفـسـه مـعـصـيـة أو زلـّـة
فـعـلـيـه أن يـبـادر بـتـداركـهـا بـالـتـوبـة والاسـتـغـفـار
ثـم يـتـفـكـر فـي جـوارحـه وأعـضـاءه ، فـيـنـقـلـهـا مـن الـمـعـاصـي إلـى الـطـاعـات
فـيـجـعـل شـغـل عـيـنـيـه الـعِـبـرة ، وشـغـل لـسـانـه ذكـر الله
وشـغـل قـلـبـه الـخـوف والـخـشـيـة مـن الله
وكـذلـك سـائـر الأعـضـاء
ثـم يـنـتـقـل إلـى الـطـاعـات
فـيـقـوم بـالـواجـب ويَـجـبـُـرَ مـا انـكـسـر ووهَـى مـنـهـا
ثـم يـتـفـكـر بـطـلـب زيـادة الـربـح
فـيـبـادر بـانـتـهـاز الـوقـت بـالـنـوافـل
ويـنـتـبـه إلـى قـصـر الـعـمـر فـيـحـذر أن يـقـول غـدًا
{ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ... الـزمـر : 56 } .
ثـم يـتـفـكـر فـي خـصـالـه الـبـاطـنـة
كـالـكِـبـْـر والـعُـجْـب والـخـيـلاء والـبـخـل والـحـسـد
فـيـقـمـعـهـا بـسـوط الـخـوف والـخـشـيـة مـن انـتـقـام الـقـهـار الـجـبـار سـبـحـانـه
ويُـنـمّـي ويَـرعَـى الـخـصـال الـحـمـيـدة
كـالـصـدق والإخـلاص والـمـعـروف والـصـبـر والـحـمـد والـشـكـر
وغـيـرهـا مـن الـخـصـال الـحـمـيـدة
فـيـزور الآخـرة كـل يـوم بـقـلـبـه ويـشـاهـد الـمـوت بـذهـنـه
ويـتـوسّـد وسـادتـه فـي قـبـره بـفـكـره
فـإن ذلـك كـائـن لا مـحـالـة
فـاخـتـار لـنـفـسـك يـا عـبـد الله
مـا تـحـب أن يـنـفـعـك أو يـضـرك أيـام حـيـاتـك
واخـتـاري لـنـفـسـك يـا أمـة الله
مـا تـحـبـيـن أن يـنـفـعـك أو يـضـرك أيـام حـيـاتـك
أمـا مـا يـتـعـلـق بـالـمـعـبـود سـبـحـانـه :
فـلـقـد مـنـعـنـا نـبـيـّـنـا صـلـى الله عـلـيـه وسـلـم ومـنـعـنـا الـشـرع
مـن الـتـفـكـر فـي ذات الله عَـزّ وجَـلّ وصـفـاتـه
فـقـال صلى الله عـلـيـه وسـلـم :
(( تـفـكـروا فـي خـلـق الله ولا تـتـفـكـروا فـي الله ، فـإنـكـم لـن تـقـدِروا قـدره ))
ولـيـس لـنـا إلا الـتـفـكـر فـي آثـار الله الـتـي تـدل عـلـى الله سـبـحـانـه
أعـجـب آثـار الله فـي خـلـقـه الإنـسـان ! !
قـف أمـام الـمـرآة وانـظـر لـجـسـمـك مـن الـخـارج
مـن قـمـة رأسـك إلـى أخـمـص قـدمـيـك
وتـفـكـر فـي بـديـع خـلـق الله لـك
فـكـيـف لـو رأيـت عـجـائـب صـنـع الله داخـل جـسـمـك
بـل الأعـجـب كـيـف كـنـت أيـهـا الإنـسـان قـبـل أن يـخـلـقـك الله ويـصـوّرك ويـركـّـبـك
... كـنـت نـقـطـة مـاء فـي دم الـحـيـض ...
فـسـبـحـان مـن صـوّرك فـي أي صـورة مـا شـاء ركــّــبــك
إذا تـفـكـرت فـي نــفــســك ... كـفـى
وإذا نـظـرت فـي خـَـلـْـقِــك ... شـفـى
فـإذا انـتـهـيـت مـن رؤيـة عـجـائـب الله فـي خِـلـقـتـك
ارفـع بـصـرك لـلـسـمـاء وانـظـر بـبـصـيـرتـك إلـى عـجـائـب الـسـمـوات
وأول مـا سـتـلـمـح الـشـمـس فـتـراهـا فـي كـل يـوم فـي مـنـزل
فـإذا انـخـفـضـت بـرد الـهـواء وجـاء الـشـتـاء
وإذا ارتـفـعـت قـوي الـحـر وجـاء الـصـيـف
فـإذا كـانـت بـيـن الـمـنـزلـتـيـن اعـتـدل الـطـقـس
ثـم اخـفـض بـصـرك وانـظـر إلـى الأرض بـبـصـيـرتـك كـيـف سـخـرهـا الله لـك
جـعـلـهـا الله فـجـاجًـا تـسـيـر فـي مـنـاكـبـهـا وتـأكـل مـنـهـا مـن رزق الله
تـراهـا مـجـدبـة قـاحـلـة
ثـم إذا نـزل الـقـطـر شـربـت فـارتـوت ، ونـزل الـمـاء إلـى عـروق الـشـجـر تـحـت الـتـراب
ثـم يـصـعـد إلـى فـروع الـشـجـر وأوراقـهـا
فـإذا هـي أثـمـرت وأنـبـتـت مـن كـل زوج بـهـيـج
اكـتـسَـت بـأزهـى الألـوان مـن الـحُـلـل عـلـى مـخـتـلـف الأشـكـال والـطـعـم والـرائـحـة
وانـظـر بـبـصـيـرتـك إلـى الأرض الـسـبـخـة
كـيـف يـخـرج مـنـهـا الـمـلـح ، فـيـكـون رزقـا للإنـسـان !
وانـظـر إلـى بـاطـن الأرض كـيـف جـعـل الله فـيـه كـنـوز وخـزائـن رزقـا لـخـلـقـه
وانـظـر بـبـصـيـرتـك إلـى الـحـيـوانـات
مـنـهـا مـن يـزحـف عـلـى بـطـنـه ، ومـنـهـا مـن يـمـشـي عـلـى اثـنـيـن مـن الأرجـل
ومـنـهـا مـن يـمـشـي عـلـى أربـع أرجـل ومـنـهـا مـن يـطـيـر بـجـنـاحـيـه ...
أمـم أمـثـالـنـا تـُـسَـبّـح لـخـالـقـهـا ولـكـنـنـا لا نـفـقـه تـسـبـيـحـهـم
فـسـبـحـان الله خـالـق الـنـور
وانـظـر بـبـصـيـرتـك إلـى الأرض
كـيـف جـعـل الله لـهـا غـلاف مـن الـهـواء
لـتـسـتـنـشـق مـنـه الأرواح وتـسْـبـح فـي تـيـاره الـكـائـنـات
وانـظـر بـبـصـيـرتـك إلـى الأنـهـاروالـبـحـار
والـمـحـيـطات الـواسـعـة كـيـف سـخـرهـا الله ...
الـفـلـك تـسـيـر فـيـه وجـعـل فـيـهـا الـكـائـنـات طـعـام لـخـلـقـه
وجـعـل فـيـهـا حِـلـيـة لـبـنـي آدم يـلـبـسـونـهـا
******************************
******************************
عـجـبـًـا لـك ... يـا ابـن آدم
لـو رأيـت رسْـمًـا جـمـيـلا ً لأصـابـتـك الـدهـشـة مـن حـكـمـة وبـراعـة الـرسـام
وأنـت تـرى فـيـك وفـي الـكـون مـن حـولـك قـدرة الـصـانـع ولا تـعـرف الـصـانـع
يـا ابـن آدمـ
إن لـم تـعـرف الـصـانـع بـتـلـك الـصـنـعـة
فـتـعـجَّـب كـيـف عـمِـيَـتْ بـصـيـرتـك مـع رؤيـة بـصـرك
المفضلات