[align=justify]لا يسلم الشرف الرّفيع من الأذى
حتى يُراق على جوانبه الدّمُ
لا شئ يأتي بلا ثمن ، والأشياء المجانية التي تأتي بلا عناء أو تعب لاقيمة لها إما لدى المعطي أو في نفس الآخذ لأنه لم يبذل من أجل الحصول عليها أي شئ ولم يقدم لها ثمنها لذلك وإن بدت في عيون البعض ذات قيمة مادية فإنها تبقى بلا قيمة معنوية كما أنها لا تسلم من التفريط فيها غالبا ويقول المثل الانجليزي ( ما يأتي سهلا يذهب سهلا .... easy come .. easy go ، وأثمان الأشياء تختلف من مكان لآخر ومن زمن لآخر ومن شخص لآخر أيضا فما يكون ثمنه يسيرا في مكان قد لايكون كذلك في مكان آخر وعلى هذا فقِس ، لذلك يجب على كل من أراد الحصول على شئ أن يلقي نظرة على تسعيرة الحياة ليرى ثمن ما يطلبه وما يريد الحصول عليه قارنا ذلك بالمكان والزمان الذي يعيش فيه حتى يقدم مهر ما طلبه فيناله .
الجنّة هي أغلى السلع جاء في الحديث : ( ألا إن سلعة الله غالية ....... ألا إن سلعة الله الجنّة ) وسبب غلائها في ارتفاع الثمن المقدم للحصول عليها وهو أن تجعل حياتك كلها لله تعطي لله تمنع لله تحب لله تبغض لله ترضى لله تسخط لله ، فالعيش في سبيل الله أعظم حتى من الموت في سبيل الله كما قال العلامة ابن باز رحمه الله .
الكرامة أيضا لها ثمن ، وثمنها غال جدا أيضا ، استغلاه بعضهم وأبوا أن يدفعوه فعاشوا حياتهم في ذل ومهونة ، واسترخصه آخرون وقدموا للكرامة ما بوسعهم فنالوها وإن وسدوا التراب وأصبحت سيرهم تسير معنا :
قد مات قوم وما ماتت مآثرهم
وعاش قوم وهم في الناس أمواتُ
وعاها البوعزيزي جيدا وعلم أن ثمنها "روحه" وهي أثمن ما يملك حينها ويأتي بعدها ربما عربة الخضار التي كانت تعيله وأسرته ، فاحترق - غفر الله له - لينير في الظلام شمعة جعلت "التوانسة" يقرؤون في تسعيرة الحياة بوضوح مقدار ثمن الكرامة فهبوا لتقديمه وقاموا قومة رجل واحد حتى صاح صائحهم فجرا : بن علي هرب .. المجرم هرب ... الحرية لتونس ... اصحوا ياتوانسة ... بن علي هرب .
وعاها أبناء أرض الكنانة جيدا وعبروا عنها بلهجتهم العامية بقولهم : مافيش حاجة تجي بالساهل ، فجندوا الملايين من أجل الظفر بالكرامة لهم ولمن ناله ظلم زعيمهم من جيرانهم ورددوا عبارتهم الشهيرة : ارحل .... مقرونة بالعديد من الجمل الظريفة عاكسين خفة دم المصريين في أحلك الظروف فكان لهم ما أرادوا لما قدموا الثمن المطلوب .
وعاها أهل اليمن ذوو القلوب الطيبة فرددوا بصوت واحد : باترحل يعني باترحل .... وجيشوا كل طاقاتهم من أجل كرامتهم فرحل عنهم ظالمهم بجسد محترق علّه يكون لمن بعده آية .
وعاها أهل الشام وهاهم يقدمون لها كل ما يستطيعون وإنني على ثقة بأنهم متى ما قدموا الثمن الموجود في تسعيرة الحياة فسيحصلون على مبتغاهم إن عاجلا أم آجلا فمن زرع حصد ومن سار على الدرب وصل ... ولو بعد حين .
آخرون يجب أن يعوا أن للكرامة ثمن يجب أن يقدموه حتى يحصلوا عليها ، وحتى يعرفوا ذلك الثمن يجب عليهم أن يقرؤوا تسعيرتها جيدا فقد لايكون ثمنها مقالات تكتب ، ولا ندوات تلقى ، ولا صورا تقلب ، فقد يكون الثمن أكبر من ذلك ... من يدري ؟!
وأخيرا فإن الساعي لكرامته لا يعدم إحدى الحسنيين في هذه الحياة الدنيا ، فإما أن ينال مطلوبه ، وإما أن ينام قرير العين في قبر قد يكون أوسع من قصور الطغاة :
بكى صاحبي لمّا رأى القبر دونه
وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا
فقلت له لا تبكِ عيناك إنما
نحاول ملكاً أن نموت فنعذرا[/align]
المفضلات