الحمدُ للهِ الّذي كان بِعبادِهِ خبيراً بصيراً ، وتباركَ الّذي جعلَ في السماءِ بروجاً وجَعَلَ فيِها سِراجاً وقمراً مُنيراً ، ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً ) وأشهدُ إن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أنّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، أرسلَهُ اللهُ بين يدي السّاعةِ بشيراً ونذيراً وداعياً إلى اللهِ بأذنِهِ وسراجاً منيراً ، فنشهدُ أنهُ بلغَ الرسالةَ وأدى الأمانةَ ، ونصحَ الأُمةَ ، وجاهدَ في اللهِ حقَّ جهادِهِ حتى أتاهُ اليقينُ ، تركنا على المحجةِ البيضاءِ ، ليلُها كنهارِها لا بزيغُ عنها إلا هالكٌ ، فصلواتُ ربي وسلامُهُ عليهِ وعلى إلِهِِ وصحبِهِ ومن سارَ على نهجِهِ إلى يومِ الدينِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) :أما بعد:أيُّها الإخوةُ في الله فإنَّ قيامَ الساعةِ يكونُ بزلزالِ الأرضِ وانتثارِ الكواكبِ وخسوفِ القمرِ وغيرِ ذلك من الآياتِ ، فكانَ من رحمةِ اللهِ تعالى وحكمتِهِ ، أن يُرسلَ بالآياتِ الدالةِ على قُربِ ذلكَ اليومِ، المذكِّرةِ بهِ ، من زلازلَ وكسوفٍ وخسوف ، وقد تجلَّتْ لنا آيةٌ من آياتِ اللهِ ، وإنَّها لحدثٌ عظيمٌ مُخيفٌ ، فما لنا لا نخشعُ؟! وما بالُ أقوامٍ إلى الدعاءِ والصلاةِ لا تفزعُ ؟! فهذا نبيُّ اللهِ eوهو أعلمُ الناسِ بربهِ ، وبأحكامِهِ وسنَّتِهِ وآياتِهِ، وأتقى العبادِ وأخشاهم للهِ ربِّ العِباد ، يَفزعُ عند آيةِ الكسوفِ ، حتَّى إنَّهُ من شدَّةِ الفزعِ والخوفِ ، خرجَ إلى المسجدِ للصلاةِ وهو يجرُّ درعًا لبعضِ أهلِه ، لانشغالِ بالهِ بالتوجهِ إلى اللهِ في تلكَ الحالِ ، حتَّى أدركَهُ بعضُ أهلِهِ بردائِهِ ، كما في حديثِ أسماءِ في الصحيحِ. حتى أتى المسجد ونودي بالصلاة جامعة، فصلى بهم صلاة طويلة، وسُمع وهو في سجوده يقول: { رَبِّ أَلَمْ تَعِدْنِى أَنْ لاَ تُعَذِّبَهُمْ وَأَنَا فِيهِمْ أَلَمْ تَعِدْنِى أَنْ لاَ تُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }وفي روايةٍ كما في البخاري من حديثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ النَّبِىَّ e صَلَّى صَلاَةَ الْكُسُوفِ ، فَقَالَ { دَنَتْ مِنِّى النَّارُ حَتَّى قُلْتُ أَىْ رَبِّ ، وَأَنَا مَعَهُمْ ؟ فَإِذَا امْرَأَةٌ - حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ - تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ قَالَ مَا شَأْنُ هَذِهِ قَالُوا حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا} ثم خطب الناس ووعظهم موعظة بليغة، { فَحَمِدَ اللَّهَ ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ { إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ، لاَ يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا ، وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا } ثُمَّ قَالَ { يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ، وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِىَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِىَ أَمَتُهُ ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا }وفي صحيحِ مسلم من حديثِ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ e يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ e فَقَالَ النَّاسُ إِنَّمَا انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ. فَقَامَ النَّبِىُّ e فَصَلَّى بِالنَّاسِ ، وخطبَ قائلاً{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَإِنَّهُمَا لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ - وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِمَوْتِ بَشَرٍ - فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِىَ مَا مِنْ شَىْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِى صَلاَتِى هَذِهِ لَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِى تَأَخَّرْتُ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِى مِنْ لَفْحِهَا وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَ الْمِحْجَنِ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِى النَّارِ كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ فَإِنْ فُطِنَ لَهُ قَالَ إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِى. وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ ، وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ الَّتِى رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا ، ثُمَّ جِىءَ بِالْجَنَّةِ وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِى تَقَدَّمْتُ ، حَتَّى قُمْتُ فِى مَقَامِى ، وَلَقَدْ مَدَدْتُ يَدِى وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتَنَاوَلَ مِنْ ثَمَرِهَا لِتَنْظُرُوا إِلَيْهِ ، ثُمَّ بَدَا لِى أَنْ لاَ أَفْعَلَ فَمَا مِنْ شَىْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِى صَلاَتِى هَذِهِ } فالواجبُ عندَ حدوثِ الكسوفِ أيُّها الأخوة ، هو الاشتغالُ عنه بالصلاةِ والذكرِ والدعاءِ والصدقةِ ، لأنَّ الكسوفَ آيةٌ من آيات الله تعالى ، يُخوفُ به العباد ، يقولُ سُبحانه ( وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً ) ليس بالأمر السهل ، الذي يتلقاهُ الناسُ بالدعةِ والراحة ، فَهوَ حدثٌ فظيع وخطْبٌ عظيم ، يُنذرُ الله تعالى به الْمُخَالِفين ، ويُخوفُ العاصين ، الذين ضربوا في المعاصي والآثام ، وأعرضوا عن طاعةِ الله وذكره ، لذا لا يكون استقبال الكسوف بضرب الطبول ، ولا بعزف القيان ، ولا نَشرُه على أنه ظاهرةٌ كونية فحسب ، ولا يستقبل بسعة البال وطول الرُّقاد ، إنما يستقبل بالتوبة إلى الله عز وجل ، والإقلاع عما قد يوجبُ غضبِهِ وعقَابِهِ ، وفي مسند الإمام أحمد من حديثِ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ [ إِنْ كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالْعَتَاقَةِ فِى صَلاَةِ الْخُسُوفِ ]يقولُ سبحانه (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ*أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ ) فالحذرُ أيُّها الأخوةُ ، الحذرُ الحذر من أن نكونَ ، كالذينَ قالَ اللهُ فيهِم ( وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً )نسألُ اللهَ العافيةَ والسلامه (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الحمد لله على إحسانه ، والشكرله على توفيقهِ وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحدهُ لا شريكَ لهُ ، تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ نبينا محمّداً عبده ورسولُه ، الدّاعي إلى رضوانه ، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه ، وسلّم تسليماً مزيداً ، أمّا بعد : أيها الأخوةُ في الله ، ما أكثرَ الإعراضَ والتقصيرَ في هذه الأزمانِ ، من كثيرٍ من المسلمين ، فكم مرَّ ببعضِ المسلمين من نكبات وويلات ، ورَزاياوابتلاءات ، ولا يزالون في غفلةٍ معرضين ، وبآياتِ اللهِ غيرَ معتبرين ، ثبت في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه {قَالَ إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالاً هِىَ أَدَقُّ فِى أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ ، إِنْ كُنَّا نَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ e الْمُوبِقَاتِ} من حكمةِ اللهِ جل وعَلا ، أن يبتلي الأمم والشعوب ، بشتى الوسائل والسبل ، لكي يتوبوا ويتعظوا ويَنَزجِروا،يقولُ سُبحانه (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) فَكم هُو مُؤسفٌ ، أن يَحصلَ الكسوفُ وأماراتُ العذابِ والبلاءِ ، وبعضُ النَّاسِ في غفلتِهِم مُعرضون ، وفي مَلذاتِهِم غَارقون ، ما أَهمَّهم أمرَ الكسوفِ ، ولا أخافَهُم ولا أرعبَهُم ، ولا زَجرهم عن المعاصي ، ولكن صدق الله (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً)..(كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) إنَّما طَبَع على قلوبِهم ، وأعمى أبصارَهم كسبُهم من المعاصي والآثام ، وبقاؤهم على الخطايا والأوزار ، فتَخلفٌ عن الصلاةِ ، وأكلٌ للمحرماتِ ، وإعراضٌ عن الآيات ، ولكنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقول (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) اللهم صلِّ وسلّمْ وباركْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمّدٍ ، صاحبِ الوجهِ الأنورِ ، والجبينِ الأزهرِ ، الشافعِ المُشَّفَعِ في المحشرِ ، وارضَ اللهم عن الخلفاءِ ، الأءمةِ الحنفاءِ، أبي بكرٍ وعمرَ ، وعثمانَ وعلي وعن سائِرِ أصحابِ نبيّكَ أجمعين ، وعن التابعين ، وتابعِيهم بِإحسانٍ إلى يومِ الدّينِ ، وعنّا معهم ، بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ ، يا أرحمَ الراحمين ، اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا وسعَ المغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللّهُم اجعلْ رزقَنَا رغداً ، ولا تُشمتْ بنا أحداً ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ ، اللهم أرحمْ موتانا ، وعافي مُبتلانا ، واقضِ الدينَ عن مدينِنا ، وردَّ ضالَنا إليكَ رداً جميلاً ، ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) عباد الله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر لله اكبر والله يعلم ماتصنعون
المفضلات