الحمدُ للهِ ما انتظمتْ بتدبيرِهِ الأمُورْ ، وتوالتْ بحكمتِهِ السّينينَ والشهورُ ، وسَبَّحتْ بسناءِ صُنعتِهِ أسرابُ الطُيورْ ، وسعَ المُقترفين بعفوِهِ وغُفرانِهْ ، وعمَّ المُفتقرين بفضلِهِ وإحسانِهْ ، أشهدُ أن لا إلهَ لنا غيرُهْ ، ولا ربَّ لنا سواهُ ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأعوانه ، وسلم تسليماً كثيراً : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) أمَّا بعدُ :أيُّها الأحبةُ في الله، فَإنَّ اللهَ يعلمُ ما تَختَلِسهُ العُيونُ من نظراتٍ ، وما يُضمره الإنسانُ في نفسِهِ ، من خيرٍ أو شر(يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر:19) فهل هذا منكم على بال ؟؟؟،يقولُ سُبحانه ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء) رجُلانِ مِنْ قُريشٍ يجلسانِ في جوفِ الليلِ، تحتَ جدارِ الكعبةِ، قد هدأتِ الجفونُ ونامتِ العيونُ، أرخى الليلُ سدولَهُ، واختلطَ ظلامُهُ، وغارتْ نجومُهُ، وشاعَ سكونُهُ.قاما يتذاكرانِ، ويُخطِطانِ ويُدبرانِ، وظنَّا أن الحيَّ القيومَ لا يعلمُ كثيراً مما يَعْمَلُونَ.استَخفَوا من النَّاسِ ولم يَستَخفُوا من اللهِ ، الذي يعلمُ ما يُبيتونَ مما لا يرضى من القولِ.تذاكرا مُصابَهم في بدرٍ ، فقال صفوانُ وهو أحدُهم: واللهِ ما في العيشِ بعد قتلى بدرٍ خيرٌ.فقالَ عميرٌ: صدقتَ واللهِ لولا دَينٌ عليَّ ليس له قَضاءٌ، وعيالٌ أخشى عليهمُ الضيعةَ لركبتُ إلى محمدٍ حتى أقتلَهُ.صلى اللهُ على نبيِّنا محمدٍ.فاغتنمَ صفوانُ ذلك الانفعالَ، وذلكَ التأثرَ وقال: عليَّ دينُكَ، وعيالُك عيالي لا يسعُني شيءٌ ويعجزُ عنهم.قالَ عميرٌ:إذاً فاكتُم شأني وشأنَكَ ، لا يعلمُ بذلك أحدٌ . قالَ صفوانُ: أفعلُ.فقامَ عميرٌ وشحذ سيفَهُ، وسمَّهُ، ثم انطلقَ به إلى المدينةِ.ووصلَ إلى هناكَ ، وعمرُ بنَ الخطابِ رضي اللهُ عنه، في نفرٍ من المسلمينَ.فَأناخَ عُميرٌ على بابِ مسجدِ رسولِ اللهِ r مُتوشحاً سيفَهُ.فقالَ عمرُ رضي الله عنه : عدوُ اللهِ!!!، واللهِ ما جاءَ إلاَّ لشرٍّ . ودخلَ عمرُ رضي الله عنه على رسولِ اللهِ r وأخبرَهُ بخبرِهِ.فقالَ النبيُّ r : أدخلْهُ عليَّ.فأخذَ عمرُ بحمائلِ سيفِ عُميرٍ ، وجعلَها له كالقلادةِ ، ثم دخلَ بهِ على النبيِّ r ،يَجرُّهُ بحمائِلِ سيفهِ ، فلما رآهُ r قالَ لعمرَ: أرسلْهُ يا عمرُ.ثم قالَ ما جاءَ بِكَ يا عُميرُ. وكان له أبنٌ أسيرٌ عندَ رسولِ r قالَ جئتُ لهذا الأسيرِ، فأحسنوا بهِ.قالَ r : فما بالُ السيفِ في عنقِكَ ؟ قالَ : قبحَها اللهُ من سيوفٍ وهل أغنتْ عنّا شيئاً.فقالَ r وقدَ جاءَهُ الوحيُ بما يضمرُهُ عُميرٌ، قال اصدقْني يا عميرٌ ما الَّذي جاءَ بكَ ؟ قال : ما جئتُ إلا لذاك . فقالَ r : بل قعدتَ مع صفوانَ في الحِجرِ في ليلةِ كذا، وقلتَ له: كذا، وقالَ لك: كذا وتعهدَ لكَ بِدَينِكَ وعيالِكَ، واللهُ حائلٌ بيني وبينَكُ.قالَ عميرٌ: أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهدُ أنكَ رسولُ اللهِ r .هذا أمرٌ لم يحضُرْهُ إلاَّ أنا وصفوانُ، واللهِ إني لأعلمُ أنه ما أتاكَ بهِ الآنَ إلاَّ اللهُ، فالحمدُ للهِ الذي ساقني هذا المساقَ، والحمدُ للهِ الذي هداني للإسلامِ ، سمعتُم أيُّها الأحبةُ في الله هذه المؤامرةَ ، التي حُيكت تحتَ جِدارِ الكعبةِ، في ظُلمةِ الليلِ ، لا يَعلمُ بها أحدٌ ، حتى رسولِ اللهِ r ، لأنه لا يعلمُ الغيبَ. حُبكتْ المؤامرةُ سراً.فَمَنْ الَّذي أعْلَنَها؟ مَنْ الَّذي سَمِعَهما؟ وهُما يُخطِطَانِ ويُدبرانِ ويَمْكُرانِ ، عندَ بابِ الكعبةِ.إنَّهُ الَّذي (لا يخفى عليهِ شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ) إنَّهُ الَّذي ( يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) إنَّهُ الَّذي (يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ) كم تآمرَ المتآمرونَ في ظلامِ الليلِ، مُتناسينَ أنَّ الَّذي (لا يخفى عليهِ شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ) يَسمَعُ ويرى،) يَسمَعُ ما يَقُولونَ ، ويُبطلُ كَيدَهم ، فيُصبحوا على ما أسروا في أنفسِهم نادمينَ..يقولُ جلَّ في عُلاه (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ) [المجادلة:7].وصدق الأولُ إذ يقول ،
إذا ما خَلَوْتَ الدَّهْرَ يوماً فلا تَقُلْ ... خَلَوْتُ، ولكنْ قُلْ عليَّ رَقِيبُ
ولا تَحْسَبَنَّ الله يَغْفُلُ ساعَةً ... ولا أَنَّ ما تُخْفِي عليه يَغِيبُ
أما واللهِ لو استشعرنا رقابةَ اللهِ لنا ، لصلُحَ الحالُ، واستقامتْ الأمورُ ، إذ كيف نعصيه وهو المنعم الخالق! وكيف نعصيه وهو الرَّازقُ الواهب ؟ وكيف نعصيه وقد نَهانا ؟ وكيف نعصيه وقد كسَانا وآوانا؟! نسألُهُ جلَّ وعلا أن يرزقَنا خشيتَهُ في الغيبِ والشهادةِ ، وبارك الله لي ولكم في القرءان العظيم
ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمَعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنب وخطيئة فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله على إحسانه ، والشكرله على توفيقهِ وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحدهُ لا شريكَ لهُ ، تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ نبينا محمّداً عبده ورسولُه ، الدّاعي إلى رضوانه ، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه ، وسلّم تسليماً مزيداً : أمَّا بعدُ :أيُّها الأحبةُ في الله ، إلى كُلِّ مَنْ يُغلقُ عليهِ أبوابَ استراحتهِ وبيتهِ ، أو يذهبَ إلى أيِّ مَكَانٍ بعيدٍ عن أَعيُن النّاس،و يَملأُ ليلَهُ ، ويُضَيَّعُ وقتَهُ ، بمعاصي اللهِ ، حتى في ثُلثِ اليلِ الآخرِ ، أينَ اللهُ ؟ أينَ اللهُ ؟ ما أنتَ واللهِ إلا أَحدُ رَجُلَين : إن كُنتَ ظننتَ أن اللهَ لا يَراكَ فقد كَفْرتَ . وإن كُنتَ تعلمُ أنه يراكَ ، فَلِمَ تَجتَرئْ عليهِ، وتجعلْهُ أهونَ الناظرينَ إليكَ ؟ شابٌ وفَتاةٌ ، اجتمعا على معصيةِ اللهِ بستارِ الحب، وبعدَ أن تَعدَّدت لقاءَاتُهُما ،وتَخوّفا من النَّاس ، ولم يَخافا من رب النَّاس؛ اتفقا أن يتقابلا بعيداً عن أعينِ الناس ، فأرادَ الشَّابُ أن يُطمئَنهَا ، فقال لها والعياذُ بالله : سأآخذك إلى مكانٍ لا يرانا فيه الناس؟...(ثم تبرأ منه لسانه)وقال لها : لآخُذَنَّكِ إلى مكانٍ اللهُ لا يرانا فيه !!!فَسَمِعَه جبارُ السموات والأرض!!فلما كانا بما هُما فيهِ ، مِما نهاهما الله عنه ، فإذا بمداهمة.... ، مُداهَمةً ليس لأخذ الأجساد، ولكن مداهمة تأخذ الأرواح.أخذ الله روحه، وأوقف قَلبَهُ ، وشلَّ جَوارِحَه، فَخَرَّ الشَّاب مَيتاً...ولاحولَ ولا قُوةَ إلاَّ بالله ،يقولُ سبحانه (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ*أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ ) ويَحَك يا نفس ، ألم تَستَشعري عظمةَ ربُّك؟؟ ويَحك يا نفس ! ألم تُرهقك الذنوب والمعاصي؟؟ويحك!!أن لم تتوبي إلى بارئك؟
يا نفسُ توبي فإِن الموتَ قد حانا ... واعصِ الهوى فالهوى مازال فَتَّانافي كل يوم لنا مَيْتٌ نشيعهُ ... ننسى بمصرعهِ آثارَ مَوْتانايا نفسُ مالي وللأموالِ أكنزُها ؟ ... خَلْفي وأخرجُ من دنيايَ عريانااللهم اهدْنا ويسرْ الهدى لنا اللهُم يا منْ لا يُعاجلُ بالعقوبهْ ، ألهمْنا حُسنَ التُوبةِ إليكْ ، وجميلَ التوكلِ عليكْ ، وعظيمَ الزُلفى لديكْ ، نحن بكَ وإليكْ ، تباركتْ ربَّنا وتعاليتْ ، فيا أهلَ المغفرةِ إغفرْ لنا ، ويا أهلَ التقوى إستعملْنا في طاعتكْ ، ويا مُقلبَ القلوبِ ثبتْ قلوبَنا على دينِكْ ، عباد الله صلّوا رحمني اللهُ وإيَّاكم ، على الهادي البشيرِ ، والسراجِ المنيرِ ، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبيرُ ، فقال سبحانه قولاً كريما ( إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيْ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) وقد قال عليه الصلاةُ والسلامُ { حيثما كنتم فصلوا عليَّ فإنَّ صلاتَكم تبلغني }وقال{ من صلى علي صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشراً } اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ أعفوا عنَّا ، ويا وسعَ المغفرةِ إغفر لنا ، ويا قريبَ الرّحمةِ ،أرحمنا برحمتك الواسعه ، التي وسعت كل شيء ،ويا مقلّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ ، اللهم اجعلْ بَلدَنا هذا آمناً مطمئناً ، وسائرَ بلادِ المسلمينَ ، اللهم أيدْ إمامَنا بتأيدِكَ ، وانصرْ بهِ دينَكَ ، ووفقْهُ إلى هُدَاكَ ، واجعلْ عمَلَهُ في رضاكَ ، وارزقْهُ اللهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ ، التي تدلُهُ على الخيرِ ، وتعينه عليه، اللهم أرحمْ موتانا ، وعافي مُبتلانا ، واقضِ الدينَ عن مدينِنا ، وردَّ ضالَنا إليكَ رداً جميلاً ، ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ، عبادَ اللهِ إن اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذا القربى وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغي يعظُكم لعلكم تذكرونَ ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ )ما بالُنا نتعامى عن مَصارِعنا ؟ ... ننسى بغفلِتنا من ليس يَنْسانا
للاستماع :
[RAMS]http://www.shmmr.net/talal/mooRe1.mp3[/RAMS]
للحفظ :
( اضغط هنا )
المفضلات