خطبة جمعة
يوم الغد
إن شاء الله
بعنوان
نعمة الغيث وخطر السيول رقم 2
كتبها / عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ الذي أثارَ السحابَ وأرسلَه ، وساقَ الغيثَ وأنزلَه ، أحمدُه عددَ ما هطلَ علينا من سحابٍ ، وعددَ ما ابتلَّتْ السهولُ والهضابُ ، حمداً يليقُ بجلالِه ، وينبغي لعظمتِهِ وكمالِهِ ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ الغنيُّ عناّ ، وأشهدُ أنّ محمداً عبدُه ورسولُه المبعوثُ رحمةً للعالمين فدعاَ العالمينَ إنساً وجناَّ ، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا اللهم إنا نحمدُكَ ونثني عليكَ ، ونعبُدُك ونتوكلُ عليكَ ، لا ملجأَ منكَ إلا إليكَ ، خضعَتْ لكَ رقابَناَ ، وذلتْ لكَ أعناقَناَ ، ما تراكمتِ الكروبُ إلا كشفْتَها، ولا حلت الجدوبُ إلا رفعتَها، أطعمتَ وأسقيتَ ، وكفيتَ وآويتَ، وأغنيتَ وأقنيتَ ، نعمُك لا تُحصى، وإحسانُك لا يُستقصى، قَصَدتْك النفوسُ بحوائجِها فقضيتَها ، وسألتك الخلائقُ فأعطيتَها ، نحمدُك على نعمةِ الغيثِ حمداً يليقُ بكريمِ وجهِكَ وعظيمِ سلطانِك ، سبحانك وبحمدِك ، لا ربَّ لنا سواكَ ، ولا نعبدُ إلا إياكَ.
أيها المسلمونَ : ، إتقوا اللهَ في أنفسِكُمْ ، إياكم والمعاصي أيها المسلمون : فإنها تفسدُ الديارَ العامرةَ ، وتسلبُ النعمَ الباطنةَ والظاهرةَ ، إنَّ هذا الزمانَ ، لهو زمانُ الهرجِ والفتنِ ، تلطختْ فيه القلوبُ بالأدرانِ ، وتلوثت فيه الجوارحُ بالإثمِ والعدوانِ ، وكثرت المصائب في الشعوب والبلدان ، ذنوبٌ ومعاصي ، أثقلتِ الدانيَ والقاصي ، إلا من رحمَ ربُّ الناسِ ، إلى اللهِ المشتكى أيها الناسُ ، كما ترونَ وتسمعونَ ، قنواتٌ فضائيةٌ ، ووسائلُ إعلاميةٌ ، وشبكاتٌ معلوماتيةٌ ، واتصالاتٌ سلكيةٌ ولاسلكيةٌ ، جلبت الغرائبَ والمصائبَ ، وخلخلت العفةَ والحشمةَ ، وعصفت بالخُلقِ والحياءِ ، وهل جنينا مما ساءَ مِنْ غُثاءِ الفضاءِ ، إلا الجرائمَ والفسوقَ ، والشذوذَ والانحرافَ ، فصِرناَ كما لا يخفى على سليمِ ألبابِكُمْ ، إلى ظُلمٍ بينَ العبادِ قد انتشرَ، وشر في فسيح الأرض قد ظهرَ ، وأكْلٍ لحقوقِ البشرِ ، هل نحن أيها المسلمون : أهل لقطرةٍ من السماءِ تنزل ، وسحابة تهمي بهتانها وتهمل ، يتملقُ الناسُ إلى الغيثِ ، وفيهِم أناسٌ على الغشِ مقيمون ، وعلى الكذبِ مصرونَ ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد برئَ من الغشِ والكذبِ؟! كيف نمدُ أكفَناَ إلى اللهِ ، وقد امتدت إلى الحرامِ والمعصيةِ ، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى عليه وسلم : ( ذكرَ الرجلَ يطيلُ السفرَ أشعثَ أغبرَ يمدُ يديه إلى السماءِ : يا ربِّ يا ربِّ ، ومطعمُهُ حرامٌ ، ومشربُهُ حرامٌ ، وملبسُهُ حرامٌ ، وغُذِّيَ بالحرامِ ، فأنَّى يُستجابُ له ) ألا وإنَّ المكاسبَ الخبيثةَ تستدرجُ صاحبَها حتى تمحقَهُ محقًا، وتنزعُ البركةَ منهُ نزعًا ، فلولا الذنوبُ وآثارُها، والمظالمُ وأوضارُها ، لصبت السماءُ ، واخضرت البيداء ، وزادت النعماء ، ولكنها صدت بحجبكم ، وقلت بسببكم ، أيها الأحبةُ المسلمونَ : هذا الغيثُ الذي رزقتمُوهُ ، وهذا الخيرُ الذي أدركتمُوهُ ، إبتلاءٌِ من ربِّكم وخالقِكم ، ليبلوَكم أتشكرونَ أم تكفرونَ ، لأن اللهَ سبحانه وتعالى قد علمَ قلةَ من يشكرُ وكثرةَ من يكفرُ فقال سبحانه ( وقليل من عبادي الشكور ) فاحمدوا اللهَ إحمدوا الله ، الذي ساق لكم ثقالَ السحابِ ، وأسبغَ عليكم زُلالَ الشرابِ ، وأروى لكمُ السهولَ والهضابَ ، وأسالَ لكم الأوديةَ والشعابَ ، فسالتْ أوديةٌ بقدَرِها ، واحتملَ السيلُ زبداً رابياً ، فاجعلوا ما رزقَكُمُ اللهُ عوناً لكم على طاعَتِه ، ولا تجعلوا نِعمَ اللهِ سبلاً لنقمتِه , وخيراتِه مطايا لمعصيته ، الغيثُ ياعبادَ اللهِ ، رحمةً من أرحمِ الراحمين ، وكرماً من أكرم الأكرمين ، ألا يستحيي من الله ، قوم للزكاةِ مانعينَ ، وللخيراتِ موعينَ ، وعن مساكينِهم معرضينَ ، وبالأوامرِ مقصرينَ ، وللنواهي فاعلينَ ، وكأنهم بعقوبةِ ربِّهمْ غيرُ مبالينَ ، وبعظيمِ نقمتِه غيرُ مكترثينَ ، ألا وإنَّ من صفاتِ الخائفِ من عقوبةِ ربِّهِ ، الراجي لرحمةِ خالقِهِ ، الذي يحومُ حولَ التوبةِ ، ويكتنف ظلال الأوبة ، أنَّهُ إذا ألَمَّ بذنبٍ استترَ ، وإذا قارفَ معصيةً استغفرَ ، وشرُّ أهلِ البلاءِ المجاهرونَ ، قال عليه الصلاة والسلام : ((كلُّ أمتي معافى إلا المجاهرونَ)) فكم من صاحب كبيرة من الكبائر ، وذنب من الذنوب ، كان تستره عن خلق الله ، سببا في عون الله له ، وإقلاعه عن ذنبه ، فاشكروا فضلَ اللهِ ، واذكروا إذ أنتمْ محرومونَ ، قد قلتْ أمطارُكُمْ ، وغارتْ آبارُكم ، وأقفرت ديارُكم ، وهلكت زروعُكم وأشجارُكم ، فرحمَكُم ذو الرحمةِ الواسعةِ ، تداركَكُم برحمتِه ، وأشفقَ عليكم بمنتِه ، فللهِ الحمدُ والثناءُ ، وعليه التكلانُ والرجاءُ ، ومنه الفضلُ والعطاءُ ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الثانية
الحمدُ للهِ الذي سمكَ السماءَ ، وأنزلَ منها الماءَ ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ خيرَ الرسلِ وأفضلَ الأنبياءِ ، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون : هذه الأمطارُ والسيولُ نعمةٌ عظيمةٌ ، فلا تجعلوا مواسمَ الخيرِ عليكم مصائباَ ، كثيرٌ من الناسِ هداهم اللهُ ، إذا نزلَ الغيثُ ، وسالت الأوديةُ تجشمَ بنفسِه وأهلِه بطونَ الأوديةِ ، ومسالكَ الشعابِ ، فعرضَ نفسَه وأسرتَه للخطرِ ، قال تعالى ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) وقال سبحانه ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) ذريتكم ُ ، النساءُ والأبناءُ ، أمانةٌ في أعناقِكُم ، فلا تجعلوهُمْ عرضةً للمهالكِ ، ولا تتهوروا بهم في المزالقِ والمسالكِ ، قد رأيتم ما حلَّ بغيركم من المدائن ، كشفَ اللهُ ضُرَّ المسلمين ، ورحمَ اللهُ الميتين ، قد رأيتم كيف فعلَ السيلُ العرمُ بالناسِ والسياراتِ ، شيءٌ تنصدع له القلوب ، وتنشَدِهُ منه العقولُ ، شيءٌ يجسدُ خطورةَ السيولِ ، وجسامةَ الفيضانات ،
أيها الأحبة المسلمون : ويا أيها الشبابُ خاصةً : إذا تلبدتِ السماءُ برحمةِ اللهِ ، فلا تدخلوا بسياراتِكم الأوديةَ ، ولا تغرنكُم سياراتُكم ذواتُ القوةِ والمتانةِ والدفع الرباعي والفلاني والعلاني ، فإنَّ القوةَ للهِ جميعاً ، قد رأيتم شاحناتٍ يلعبُ بها السيلُ ، هذه قوة لا سبيل للانسان في إقحام نفسه فيها ،
أيها الناسُ : كونوا عونا للجهاتِ الأمنيةِ ، والدفاعِ المدنيِ ، باتقائكم مصادرِ الخطرِ ، فإن الجهاتِ الأمنيةَ بشرٌ لهم طاقاتٌ و إمكاناتٌ ، والوقايةُ خيرٌ من العلاجِ ، فاتقوا اللهَ أيها الناس في أنفسِكم واتقوا اللهَ في أسرِكم وذراريكم ، فكلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيتِه ،
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحابته أجمعين ، صلوا على نبيكم أيها المسلمون ، واذكروا نعمة الله وأنتم تشكرون ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ،،،،،
المفضلات