العدوانية ليست من مميزات السياسة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي.
والتسرع ليس من عاداتها .
سياستها تقوم عادة على عدم اخراج الازمات الى العلن. وتفادي مفردات الادانة والاتهام.
والسعي الى احتواء الخلافات في الغرف المغلقة.
والاسراف في اعتماد الصمت والصبر وعدم اغلاق الابواب. لا شيء يغري دول المجلس بالبحث عن ذريعة لتصعيد الخلاف مع ايران.
ولا يغيب عن بال هذه الدول ان الخلاف مع طهران يرتب انعكاسات سلبية على الاستقرار
في هذه المنطقة الحساسة. ويمكن القول ان هذه الدول بذلت جهودا متواصلة لمنع توتر علني
على رغم مآخذها على لغة ايران في مخاطبتها في بعض الاحيان وبعض الممارسات غير الودية
على اراضيها احيانا اخرى. وحين تضطر دولة مثل الكويت الى الاعلان عن «شبكات ايرانية»
على اراضيها واذاعة الاحكام واتخاذ اجراءات فهذا يعني وجود مشكلة فعلية.
الامر نفسه حين تتهم البحرين ايران بالتدخل في شؤونها الداخلية.
اننا امام ازمة بالغة الجدية. تتهم دول المجلس ايران «بتهديد امنها الوطني وبث الفرقة والفتنة الطائفية بين مواطنيها وانتهاك مبادئ حسن الجوار والقوانين الدولية وميثاق الامم المتحدة ومنظمة المؤتمر الاسلامي». وهي اتهامات ليست بسيطة لأن دول المجلس تعتبر انها تتحرك دفاعا عن سيادتها ووحدة شعوبها وسلامة اراضيها. واضح ان دول المجلس كانت تراقب في الاعوام الاخيرة ما تعتبره محاولة من جانب ايران
لتنصيب نفسها مرجعية دينية وسياسية للشيعة العرب. وادت المجريات العراقية واللبنانية الى تعزيز هذا النوع من المخاوف. فقد اظهرت التجربة استحالة تشكيل حكومة في بغداد لا تحظى بجواز مرور ايراني.
الامر نفسه يصدق بالنسبة الى تشكيل الحكومة في لبنان. وكان من الصعب على دول مجلس التعاون التسليم لايران بمثل هذا الحق في المنامة او الكويت حتى ولو كانت للاقليات الشيعية مطالب محقة. في هذا السياق يمكن فهم تدخل قوات «درع الجزيرة» في البحرين بناء على طلب سلطاتها. انه رسالة تؤكد ترابط المصائر بين دول المجلس ورفضها ان تشكل بعض المطالب فرصة لتسلل ايران الى النسيج الوطني هنا او هناك وتحولها لاعبا يملك اوراقا داخل هذه الدول للتأثير على سياساتها وقراراتها في الداخل والخارج. وتشيرالرسالة ايضا الى ان دول المجلس مستعدة للذهاب الى ابعد مدى لابقاء ايران خارج المعادلات الداخلية.في مواجهة هذه الاتهامات لجأت السلطات الايرانية الى سلسلة ردود غير مقنعة جاء بعضها على لسان الرئيس احمدي نجاد. اتهم الرئيس الايراني دول المجلس بالخضوع للضغوط الاميركية معتبرا ان واشنطن كانت وراء تدخل قوات «درع الجزيرة» في البحرين. ويعرف كل من تابع هذه التطورات ان واشنطن لم تكن على علم بقرار التدخل وانها لم تكن في موقع الترحيب به اصلا. كشف الجدل حول الاحداث في البحرين الارتباك الذي تعيشه السياسة الايرانية حاليا.
عبثا تحاول ايران الايحاء ان الانتفاضات التي تشهدها المنطقة تستوحي الثورة الايرانية.
والمتابع لهذه الثورات او الانتفاضات يدرك انها تنبثق من قاموس آخر هو اقرب الى قاموس
«الحركة الخضراء» التي تحرمها السلطات الايرانية من حق التظاهر.
وعبثا تحاول تصوير كل اعتراض على سياساتها بأنه جزء من مؤامرة دبرها «الشيطان الاكبر».
تخطئ ايران اذا اصرت على التعامل مع اتهامات مجلس التعاون لها بالاسلوب الذي اعتمدته في
العقود الثلاثة الماضية. وتخطئ ايضا اذا اساءت تقدير الثقل الذي تمثله دول المجلس عربيا
واسلاميا ودوليا. حري بها ان تلتفت الى كون قطر ملتزمة تماما بقرارات المجلس في هذه الازمة
وهي شريكة في صوغها. وتخطئ اذا لم تلتفت الى موقف سورية من احداث البحرين.
وتخطئ بالتأكيد اذا لم تطرح على نفسها سؤالا عما يجعل الدور التركي في حرائق المنطقة مقبولا او مطلوبا. ففي الوقت الذي كان احمدي نجاد يرد على ازمة جدية بكلام غير مقنع كان رجب طيب
اردوغان يزور عاصمة اقليم كردستان بعد بغداد وبعد لقاء مع آية الله علي السيستاني.
اكثر من ذلك فان بعض المتابعين يرون ان تمسك ايران بنهجها الحالي سيدفع دولة مثل سورية
الى الشعور بان التحالف مع طهران قد يتحول عبئا عليها في حين ان الاستماع الى تركيا يساعد
على السباحة والنجاة. ان الادوار الكبيرة تبنى بالاقناع لا بالاخضاع. لهذا تبدو ايران محتاجة الى
المراجعة واعادة القراءة واعتماد سياسة دخول البلدان من ابوابها الشرعية وعلى قاعدة الاحترام
المتبادل والمصالح. يمكن لايران في هذا السياق الاستعانة بخبير في شؤون الاقليم وشجونه اسمه
احمد داود اوغلو الذي دخل امس وللمرة السادسة والاربعين مكتب الرئيس بشار الاسد.
كتبه / غسان شربل
صحيفة الحياة
ولكم التحية
المفضلات