بسم الله الرحمن الرحيـــــــم
الخطبةالأولى
الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، من تمسك بدينه وقاه، ومن أعرض عن ذكره أغواه، مجيب دعوة المضطر إذا دعاه، من أقبل إليه صادقاً تلقاه، ومن لاذ بحماه حماه، ومن توكل عليه كفاه، وأشكره سبحانه على جميع نعمه وآلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله حده لا شريك له، الإله الحق ولا معبود لنا سواه، أمر بالاعتصام بحبله، والتمسك بدينه والاقتداء بهداه، وأكرمه وأدناه، وحفظه وحماه،اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن نصره ووالاه واقتفى أثره واتبع هداه . أما بعد:
فيا أيها الناس اتقوا الله حق تقواه وسارعوا إلى مغفرته ورضاه، واعلموا أنه لا ينال ما عنده من السعادة إلا باتباع أمره والتمسك بهداه، والوقوف عند حدوده، والحذر مما يسخطه ويأباه ، يقول الله جل وعلا: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)) الاعتصام هو التمسك، والحبل هو السبب الذي يتوصل به إلى المطلوب. وحبل الله هو: القرآن. وقيل: الرسول. وقيل: الإسلام. والكل حق. وفي الحديث: "هو حبل الله المتين".
وقوله جَمِيعاً)، أمرٌ من الله بالاجتماع على الدين وعلى هذا القرآن جميعاً؛ فإن بالاجتماع على الحق تحصل وتدرأ المفاسد وينقمع العدو.
ثم نهى سبحانه عن التفرق بين أهل الإسلام بقوله: (وَلا تَفَرَّقُوا)؛ وذلك لأن التفرق سبب الفشل، ومنه يدخل العدو، وتضعف الجهود بسبب التفرق والخلاف.
ثم أمرهم بتذكر نعمته عليهم بالاجتماع على هذا الدين، والتآلف عليه وببعثة هذا النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه، بعد ما كانوا أعداء متباغضين متناحرين فقال( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً )) ، أي إخواناً في الإسلام، ومتحابين في الله، فأكبر النعم نعمة الإسلام والاجتماع عليه وعدم التفرق ، وفي الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله لا يجمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومن شذ شذّ في النار" ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثاً، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا. ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال".
عباد الله / حثّتْ الشريعة الإسلامية الغراء على ضرورةالاعتصام بكتاب الله تعالى وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وضرورة اجتماع الكلمةخصوصاً في حال الاضطرابات ووقوع الفوضى، بل ورد الأمور إلى الله تعالى ورسوله - صلى الله عليهوسلم- وإلى أولي الأمر من العلماء الربانيين الثقات؛ قال تعالى: ((وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا )) فالأحداث المتلاحقة تفرض علىالمسلمين ردها إلى حكم الله تعالى وحكم رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والذي لن يُتوصل إليه ويُدرَككنهه إلا من خلال استنباطه من قِبَل علماء الأمة الربانيين الذين أخذ الله عليهمعهدًا وميثاقًا ليبينوا دين الله تعالى للناس؛ قال الله -عز وجل-: ((وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُلِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ))
فهذه مهمة العلماء الملقاة على عواتقهم أنيبينوا للناس حكم الله تعالى وحكم رسوله، فهم الموقعون عن الله تعالى في أحكامهوحلاله وحرامه، وحينما تدلهم الخطوب لا يجد المؤمن سبيلاً سوى أن يعتصم بكتاب ربهويلزم جماعة المسلمين ووحدة الصف؛ لنكون جميعًا يدًا واحدة مع ولاة أمرنا وعلمائنا في مواجهةهذه الظروف المتأزمة التي تعصف بالناس، ولا نتيح الفرصة لمغرض أو حاقد ليبث سمومالفرقة والخلاف بيننا ليشتت جهودنا ويكسر شوكتنا ويفرق صفنا.
إن الاجتماع على قلب رجل واحد في الأزماتوالوقوف خلف ولاة أمورنا وعلمائنا ومصلحينا الكبار ضرورة شرعية، لا سيما عندما وقوع الفتن واختلاف الناس، فهناك الكثيرون من المتربصين بالبلاد من الأعداء والحساد ، ولا محيدلمواجهتهم بعد الاعتماد على الله تعالى ثم الارتباط والثقة في ولاة أمرنا وعلمائنا والوقوف معهم في خندقواحد لصد أية محاولة لزعزعة أمن البلاد واستقرارها.
إن الدعوة إلى التظاهر في هذه الأوقات العصيبة،مع ما فيها من أيادٍ خفية عابثة تستهدف أمن البلاد وتحقيق مصالح مذهبية على حسابالوضع المستقر للبلاد فيها ما فيها من أضرار ومساوئ، وأضر ما فيها حالة الانقسامالتي تحاول بثّها في مواطني بلادنا ما بين مؤيد ومعارض، رغم الموقف الواضح والمشرف الذياتخذه الغيورون على هذا البلد من العلماء والدعاة والمصلحين الشرفاء والشباب الأوفياء من مقاطعةالتظاهرات والحث على عدم الخروج فيها أو معاونة الداعين إليها بأي شكل من الأشكال،فضلاً عن تصريحات المسؤولين في الدولة بعدم سماحهم بالخروج فيها، كل ذلك من شأنه أنيؤكد أن المصلحة تكمن في عدم الاستجابة لمثل هذه الدعوات، مع السير في المقابل فيالطرق الشرعية من النصح للولاة والمسؤولين، ومن خلال المكاتبات والمهاتفات وتقديمالعرائض وشفاعة العلماء والمسؤولين بتقديم مطالب الإصلاح وغير ذلك.
إننا جميعًا معترفون بأن هناك تقصيرًا لدى بعضالمسؤولين وأخطاء عند البعض الآخر، وكلنا نسعى إلى دفع هذا التقصير ورفع هذه الأخطاء عنالمواطنين البسطاء ودفع الحقوق إلى أصحابها، ولكن الطريقة التي يسعى البعض لسلكها قد تعرض البلاد والعباد لخطر عظيم، فربما اعتلى الموجة من لا خلاق لهم منالروافض الذين لا يألون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، وغيرهم من أعداء الدين والملةوالبلاد، لذا فإننا نربأ ببلادنا أن تكون مرتعًا للمخربين أو أصحاب الأهواء، ولن تكون بإذن الله .
فبلادنا رزقنا الله - ولله الحمد - التوحيد الخالص الذي نور الله به كلِّ أفقٍ وبقعة فيها ،فازدهرت الأرض به بعد قحْط ، وارتوت به بعد ظمأٍ وهلكة ، وأنقذ الله به عباده من ظلمات الجهل والشرك والتذلل لغيره سبحانه0
وكان ذلك على يد الإمام المجاهد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، يعاونه على ذلك
ويشد أزره الإمام محمد بن سعود رحمه الله تعالى ...
فلن ينقطع بنا الدرب ، ولا يفوتنا الركب ، ولا تنهار بنا القوى ، ولا تيبس لدينا أوراق الهدى مادمنا متمسكين بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
بلادنا أنصار دعوة إلى السنة والعقيدة الصحيحة والنهج السلفي الواضح ولو علا صوت الباطل ، ومهما ظهرت نواقيس العداء .
بلادنا خرج منها علماء ربانيين، ودعاة صادقين أناروا طريق السالكين ، وأرشدوا كل التائهين، وهدوا كل الحائرين، وتميز في صفنا علماء جهابذة في العلوم الطبيعية
والعلوم التقنية وفي العلوم الأخرى فنقول للناعقين ((قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ )) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ......
هذا وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير .....
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ الواحدِ الأحدِ الذي لم يلدْ ولم يولدْ ولم يكنْ له كفوًا أحد، وأشهدُ أن لا إله إلا الله خالقُ السمواتِ والأرضينِ بلا مدد، ورافع السماء بلا عمدٍ القائلُ في كتابِهِ العظيم: ((إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ))، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسوله خيرُ من صلى وصام وعبد، القائلُ: ((لا ترجعوا بعدي كفارًا يضربُ بعضُكم رقابَ بعضٍ))، صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ، وسلمَ تسليمًا كثيرًا. أما بعد :
عباد الله / نحنُ في هذه البلاد ننعمُ بأمرين عظيمين تحققتْ بها مقومات الجماعة لا يوجد لهما نظير في العالم اليوم، لن يدخل علينا خلل إلاَّ بالإخلالِ بهما: فولايةٌ شرعيةٌ سلفيةٌ مرتبطةٌ بولايةٍ شرعيةٍ علميةٍ قائمةٍ على منهاج النبوة، يقول مؤسس هذه البلاد الملكُ عبدُ العزيزِ -رحمه اللهُ- في يومِ حجِ سنةِ إحدى وخمسينَ وثلاثمائةٍ بعدَ الألفِ (1351هـ): "أننا سلفيون محافظون على دينِنا، نتبع كتابَ الله وسنة رسوله، وليس بيننا وبين المسلمين إلا كتابُ الله وسنةُ رسولِه".
فهذِه من أعظم مفاخر هذه البلاد أن حكامَها يتشرفون بانتمائِهم لمنهج السلف الصالح، ويعلن أولهم وآخرهم تمسكَهم بالدعوة الإصلاحية التي جددتْ منهجَ السلفِ الصالحِ في العصورِ المتأخرة.
عباد الله/ إن الخروج على الجماعة والإخلالَ بالسلم الاجتماعي هو أصلُ كل بلاء وقع في تاريخ المسلمين؛ لذا حذر منها صلى الله عليه وسلم أشدَّ التحذير في المجتمع المسلم حتَّى أمر صلى الله عليه وسلم بقتل وإعدامِ كلِّ من يحاول الإخلال به ولو كان مسلمًا، كما روى مسلمٌ عنْ عَرْفَجَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ))، وفي رواية السننِ: ((فَمَنْ رَأَيْتُمُوهُ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ، أَوْ يُرِيدُ يُفَرِّقُ أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كَائِنًا مَنْ كَانَ فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ يَرْكُضُ)).
فيجبُ علينا عباد الله أن لا نساومَ على بلادنا التي قامتْ على التوحيدِ والسنةِ مهما ظهرَ من الأخطاءِ، ففي أعناقنا بيعة يجب الوفاء بها طاعة لله ورسوله، يدُنا بيد ولاة أمرنا في هذه الفتنة هم منا ونحن منهم، سلمُنا سلمُهم وحربُنا حربهم، فنحن نناصحُ وهم يقبلونَ، ونحن نخطئُ وهم يحلمون. هكذا سارت سفينة البلاد على مدار قرونٍ مضتْ.
حفظ الله بلادنا وجنودنا وشعبنا من كلِّ سوءٍ ومكروه، وجنبنا الفتن ما ظهر وما بطن...
المفضلات