ليس ممكناً التعاطي مع العقيد القذافي وآخِرِ خطبه سياسياً. الرجل وخطابه عَصِيَّان على أي منهج معروف للتحليل أو النقد السياسي، لأسباب كثيرة، أهمها أنه يصنِّف نفسه خارجَ الطبيعة البشرية، هو «المجد»، هو «ملك الملوك»، هو قائد شعوب آسيا وأميركا الجنوبية، فضلاً عن الشعوب العربية والإفريقية. ملك مظلوم، لأنه لم يجد رعية في مستواه، شعبه «جرذان»، و «كلاب ضالَّة»، ومجموعات من «متعاطي المخدرات». هو ابن القبيلة الأشرف في ليبيا، وابن الشهيد المناضل. كلفه القدر التضحية من أجل خلاص البشرية، لكنها لا تريد الخلاص. جورج بوش كان يفكر بالطريقة ذاتها وأُطلق عليه لقب الغبي الكذاب.
القذافي ليس فاشياً وليس نازياً، لأن لهاتين المدرستين فلسفتهما، حتى وإنِ اختلفْتَ معهما أو عاديتَهما. موسوليني وهتلر كانا قوميَّيْن متطرفَيْن، عنصريَّيْن يكرهان الشعوب الأخرى غير الإيطالية والجرمانية، قسَّما الشعوب إلى أعراق متقدمة وأخرى متخلِّفة. ستالين كان دموياً لكنه بنى الاتحاد السوفياتي، فهم الماركسية بطريقته وطبقها بالقوة.
أما القذافي، فهو الوحيد المتقدم. متقدم على شعبه. انسحب من الجامعة العربية ولم ينسحب، لأن العرب «متخلِّفون». دخل في الاتحاد المغاربي ولم يدخل. أنشأ الاتحاد الإفريقي بأموال مواطنيه، ونصَّبَ نفسه زعيماً على هذا الاتحاد الذي لا وظيفة له، وليس له وجود إلا عندما يلتقي زعماؤه الزعيم الأوحد الذي قاتل الولايات المتحدة والحلف الأطلسي وانتصر على الإمبريالية، ولم يترك ثورة ضد الطغيان إلا دعمها. الثائر الدائم. الساكن في خيمة «مودرن». نصير المرأة ومحررها، والمؤمن بقدراتها العقلية والجسدية، والذي أوكل أمر حمايته الشخصية إلى الفتيات. هذا الرجل لشدة تَعَقُّله تصالح مع الإمبريالية بعد أن هزمها. دفع ثمن المصالحة بلايين الدولارات من أمواله الخاصة. لم يعد مهتمّاً إلا بالسلام، لكن شعبه خانه فقتل منه مَن قتل، وشرَّد مَن شرد. توقع التقسيم. حرَّض على الحرب الأهلية. اعتصم بالقبيلة. أخاف الغرب من سيطرة «القاعدة»، كي يقول إنه يحارب الإرهاب. برر المجازر التي يرتكبها، مستشهداً بمثيلاتها في التاريخ. سلوكه استدعى الإمبريالية بكل مؤسساتها كي تتدخل لإنقاذ النفط، وليذهب الشعب إلى الجحيم.
منذ «الكتاب الأخضر»، الذي يمثل خلاصة الجهل بالدين والسياسة والاجتماع، ومنذ اكتشافه أن «المرأة تحيض والرجل لا يحيض»، وأن «المرأة تلد والرجل لا يلد»، وطرحه شعار «من تحزّب خان»، منذ ذلك الوقت المبكر نسبياً، والقذافي مصاب بالميغالومانيا (جنون العظمة)، وفي حاجة إلى فرويد آخر كي يفهم عُقَدَه.
ل مصطفى زين
المفضلات