القهوة في اللغة العربية قد تكون[1] مشتقة أو مأخوذة من كلمــة ( ألقاه ) وهي الجاه وتعني سرعة الإجابة في الأكل ـ عن ابن سيده ـ ومنه الحديث أن رجلاً من أهل اليمن قال للنبي صلى الله عليه وسلّم ( أنا أهل قاه فإذا كان قاه أحدنا دعا من يعينه فعملوا له فأطعمهم وسقاهم من شراب يقال له المزر فقال أله نشوة قال نعم قال فلا تشربوه ) قال أبو عبيده ألقاه سرعة الإجابة وحسن المعاونة يعني أن بعضهم يعاون بعضاً وأصله الطاعة ، ألقاه الرفيه من العيش يقال إنه لفي عيش قاه أي رفيه والقاهي الرجل المخصب والقوهة بضم القاف هي اللبن إذا تغير قليلاً وفيه حلاوة الحلب نقله الجوهري ورواه الليث بالفاء وهو تصحيف وقال أبو عمر والقوهة اللبن الذي يلقى عليه من سقاء رائب شيء ويروب قال جندل والحرز والقوهة والسريقاء والقوهي ثياب بيض وهي كلمة فارسية وقوهستان بضم القاف اسم مكان والقوهي بيض القانع . وأنشد ابن بري لنصيب :ـ
سودت فلمْ أملك سوادي وتحته .. قميص من القوهي بيض بنائقه
وأنشد أبو علي الحباب التميمي لغزاً في الهدْهدْ فقال :ـ
ولابس حـلّـــة قوهيـــة .. يسـحب منها فضل أردان
أربعــة أحرف وهي إن .. حققتهـــــا بالـعدّ حرفــان
ويتقاوهان معناها يصرخان فيتعارفان كأنهما يصيحان بصوت هو إمارة بينهما
وتعرّف القهوة بمعنى[2] الخمر سميت بذلك لأنها تقهي شاربها عن الطعام أي تذهب بشهوته وفي التهذيب أي تشبعه قال أبو الطمحان يذكر نساء :ـ
فأصبحن قدْ أقهين عني كما أبتْ .. حياض الإِمداّن الهجان القوا مح
والقاهي بمعنى الحديد الفؤاد المستطار قال الراجز :ـ
راحت كما راح أبو رئال .. قاهي الفؤاد دائب الإجفال
أماّ في لهجتنا العامية ( القهوة ) تعني المكان المخصص لجلوس الرجال وتأتي أيضاً بمعنى المشروبات من البن والشاي التي يتناولها أهل البيت القديم وقد يكون أصل تلك التسمية مشتق من اللغة العربية الفصحى بدليل ما اتجه إليه الدينوري في تعريف ألقاه أنف الذكر والمقارب لاسم القهوة وهو بمثابة اجتماع بين فئات لعمل شيء معا وتناول الشراب أو الطعام . والقهوة أكبر مكان في البيت القديم إذْ يصلْ في الغالب طولها عشرة أمتار وبعرض عشرة مثلها . يتخلل بعضها (أميله ) وهي جمع ميل والميل عامود من الحجر المبني بمادة الجص بشكل مدور يصل سمكه سمك جذع النخلة تقريباً يرتكز عليه خشب الأسقف . ويصل ارتفاع سقف القهوة أحياناً إلى خمسة أمتار ويكون غالباً أطول أسقف البيت . وتكون حوائط القهوة عادة مغطاة بمادة الجص الأبيض وبها أخلّه وهي جمع ( خلال )[3] وهو عصا خشبية تثبت بالحائط بطول عشرين سنتمتر وبارتفاع الرجل عندما يقف عن الأرض ويأتي مبروم بسمك الإصبعين ويستخدم في تعليق وسائل الإنارة في القهوة ـ كالتريك ـ والذي هو مشعل من القاز ويعمل بواسطة ضغط القاز بالهواء عبر فتيلة من القماش تبتل بالقاز فيشعل بالنار ويستمر مشتعلاً إلى أن ينفذ الهواء المضغوط أو ( السراج )[4] وهو وسيلة إنارة أخرى شبيهة بالتريك يستخدم في إشعاله القاز دون ضغط بالهواء مما يكسبه ضوء أقل من ضوء التريك.
فأين نحن الآن من الجيل المكافح في تلك البيوت القديمة والذين يسهرون الليالي على ضوء السراج أو التريك للدراسة والمذاكرة الدائمة والدءوبة تحت وطأة الظلام ورنين الحشرات .
ويستخدم الخلال أيضاً في تعليق المشالح وغيرها من الأغراض الأخرى . وتحتوي حوائط القهوة أيضاً على ( الرف )[5] وهو بمثابة حافظ لبعض الكتب والأوراق ويأتي على هيئة حفرة مربعة بالحيط بعمق عشرين سنتمتر وبطول يصل إلى سبعين سنتمتر وبارتفاع يصل إلى خمسين سنتمتر وهو بمتناول يد الرجل الواقف ويوجد بحوافه نقوش مزخرفه محفورة بمادة الجص المطلي بها حائط القهوة وتحتوي حوائط القهوة على ( المراكي )[6] وهي عبارة عن مربعات صغيرة تبنى في الأرض وتغطى بالجص ملاصقة للحيطان وتستخدم للارتكاز عليها من قبل الجالسين بالقهوة ، وللقهوة عادة ( طياق )[7] وهي في أعلى المبنى وبمثابة نوافذ تطل على سطوح المباني الداخلية للبيت القديم وتغطى بالشبك لمنع دخول الطيور كالسجايا والعصافير إلى داخل القهوة وتحتوي على أبواب صغيرة من الخشب لقفل تلك الطاق وقت الشتاء عند اشتداد البرد ويفتح بدل منها ما يسمى (السوامه ) وهي فتحة في سقف القهوة تكون فوق مكان إشعال النار ليخرج من خلالها الدخان ولها غطاء يتحكّم في قفله وفتحه بواسطة حبل ويستخدم في قفل السوامة أثناء سقوط المطر .
وأهم جزء في القهوة هو ( الكمار )[8] ذلك الإبداع الفني الفريد من نوعه ويعمل بواسطة أناس مختصين وهو عبارة عن شكل زخرفي يأتي في أحد زوايا القهوة الداخلية ومكوّن من رفوف منقوشة تأتي بطول متر ونصف تقريباً وبارتفاع وعمق يصلان إلى أربعين سنتمتر وتلك الرفوف تكون فوق بعضها بارتفاع من الأرض يصل إلى ثلاثة أمتار ويعمل من الجص الأبيض ويوضع في تلك الرفوف أطقم من الأباريق والدلال وبالمناسبة فإن طقم الدلال يتكون في العادة من خمس حبات الكبيرة منها تسمى المطباخة وهي التي يطبخ بها البن ثم المبهارة وهي من أصغر ما في الطقم ويوضع بها البن من المطباخة ثم يضاف إليه الهيل ويغلى قبل تقديمه للضيف وتلك الطريقة تسمى تبهير القهوة كمن يقول في العامية ( بهّر القهوة يأفلان بمعنى أضف عليها الهيل لتقديمها للضيف ) وللشعر النبطي (الشعبي ) نصيب في ذكر الدلال وتعتبر بمثابة رمز للكرم .
فيقول الشاعر دغيّم الظلماوي الشلاقي الشمري[9] :ـ
يا كليب شب النار يا كليب شبّـــه .. عـليك شبه والحطب لــك يجـابــيْ
وعليّ أنا يا كليب هيلـه وحبّـــــــه .. وعليـك تقليـط الدلال العــذابـــــــيْ
وأدغث لها يا كليب من سمر حبّـه .. وشبّه ليـا منه غفي كل هابـــــــيْ
أبي ليا شبيتـها ثــم قبــّـــــــــــــه .. تجذب لنـا ربع سرات غيابــــــــــــيْ
بنسرية يـا كليب صلف مهبّـــــــــه .. مـت كتفين وسوقهم بالعقابــــــــيْ
سرات بليـل وناطـحين مهبـّــــــــه .. ليا نس نس النسري تقل سـم داب
وللشاعر زيد الخشيم الخالدي راعي قفار هذه الأبيات :ـ
قـم قلّط الدلــه على بكر صافــــــــي .. شــامية طرّف لها الجمر تطر يــــــف
وأحمس من البن الخضر كف كـافـي .. من سوق صنعا جاذبينه على الكيف
حماسها قرم من الغــوش شـافـــي .. دايم يجغفها على النـار تجغيـــــــــف
أحمس وعجّل حمسـته يالســنافي .. وكبّه ونسفها على النـجر تنسيــــف
ودقّـه بنجـر يسمعه كل غـافــــــــي .. نزيز حسه يدعي الـجار والضيـــــــــف
أصفه وصفّــه عن سيريب المصافي .. عن قولة من شف بالكأس يا حيـــــف
وإبهارها من يمـة الهنـــد لأفـــــــي .. مـع مركب حاد يه زجر العواصيــــــــف
وللشاعر مبارك بن عبيكة الرمالي الشمري راعي قنا هذه الأبيات :ـ
يا ضاق صدري جبت ضفة جذامير .. وشبيت نارٍ مثــل نــار الحرابـــــــــــة
ثم احترفت وجبــت عوج المناقير .. يصلن على جمـر عقـاب التهـابـــــــه
يا جو مع الخل الشمـالي دعـاثير .. والهيـس عن ضيف المساء صك بابه
اقلّط الدلــه ومـير البــواكيــــــــــر .. والـرزق عند الـلي ينشّي السحابـة
إن سأنعت نحط رأس مع المـيـــر .. وان عاضبت يسد قـول هــلا بـــــــه
عوج المناقير : الدلال ، الخل : اسم للطريق الذي يتخلل النفود فقط مير البواكير : يعني التمر ، نحط رأس مع المير : يعني نحط ذبيحة مع التمر .
وللشاعر خضير الصعيليك الأسلمي الشمري هذه الأبيات :ـ
دنيت محماسي وكفى خذا ميل .. بـرية من سوق صنـعا مقـــــره
يا ما حلا صبّه برقط الفنـاجيـــــل .. مـن دلةٍ مثل البريسم تـجـــره
يـاخذت من بكره ثلاثة فناجيـــــل .. راح العماس وعيمتك راح شره
وأشهر أطقم الدلال (القريشيات ) وهي من عمل شخص يذكرْ أن موطنه قرية القصر جنوب حائل وهي مصنعة من النحاس وتأتي قطعة واحدة لا يستخدم اللحام ولونها في الغالب أصفر مذهّب ويصل حالياً سعر الطقم لندرته إلى عشرين ألف ريال أو يزيد وهناك أطقم أخرى منها ما يسمى (أرسلان) لونها في الغالب أصفر ومنها (البغداديات ) ويأتي لونها أبيض فضي وتتراوح قيمة الطقم الواحد ما بين أربعة إلى ثمانية آلاف ريال . ونعــود في الحــديث عن الكمار حيث يوجـــد أسفلـــه ما يسمى ( الو جار )[10] وهو موقد النار ويشتمل على ماكينة النار وهي ماكينة هواء تساعـــد على إشــعال النـــار وبأحد جوانب الكمار يوجــد ( القصير ) وهو عبارة عن رفوف يغطيها باب صغير مزخرف بالألوان بطول واحد متر وعرض نصف متر وبه قفل ويوضع بداخله الشاي والبن والسكر والهيل والعود والزعفران وبعض اللوازم الأخرى مثل البيز وهو عبارة عن قطعة من القماش بداخلها حشوه من القطن يمسك بواسطته الدله والإبريق عندما يريد أخذها من على النار لتقديم القهوة أو الشاي للضيف ولوقاية يد المضيف من حرارة يد الدله أو الإبريق.وخلف الجالس للعمل عند الكمار يوجد شق طويـل يصل طولـه إلى واحـد متر داخـل الحيط يوضع بـه .
( المحماسه )[11] واليد الخاصة بها وهي أداة تستخدم في حمس البن على النار ومصنوعة من الحديد ولونها يميل إلى السواد وهي عبارة عن حوض دائري قطره حوالي عشرين سنتمتر له ماسك طويل مزخرف واليد الخاصة بها عبارة عن سيخ حديد له رأس صغير مدور أو مثلث بحجم البيضة يقلّب به البن داخل حوض المحماسه على النار كي لا يحترق إلى أن يحمر .
وللقهوة أو مجلس الرجال كما يسمى الآن حرمته إذ لا يتصدر أصحاب البيت بالجلوس به بل يلجئون إلى الجلوس في حوافه الجانبية التي قرب مخرجه احتراما للضيوف . كما أنه يحتوي على أحسن ما يملك صاحب البيت القديم من سجاد وفرش وعادة تجد في مثل تلك القهاوي تواريخ إنشائها ويصل قدم بعضها إلى ما يزيد على مائة عام وتجدها متماسكة وبأحسن ما يكون من حال رغم أنها مبنية من الطين ومسقوفة بالخشب .
http://www.alnabri.net/hailpics/hous-15.jpg
http://www.alnabri.net/hailpics/hous-16.jpg
http://www.alnabri.net/hailpics/hous-17.jpg
http://www.alnabri.net/hailpics/hous-19.jpg
http://www.alnabri.net/hailpics/hous-20.jpg
http://www.alnabri.net/hailpics/hous-21.jpg
http://www.alnabri.net/hailpics/hous-24.jpg
http://www.alnabri.net/hailpics/hous-25.jpg
http://www.alnabri.net/hailpics/hous-22.jpg
دلال قريشيات دقة راعي القصر
[1] تاج العروس ج9 ص : 407 .
[2] لسان العرب ج11 ص : 337 .
[3] الخلال : جمعه أخله وهو العود الذي يتخلل به وما خلّ به الثوب أيضاً ، والجمع الأخلّة بمعنى الخشبات الصغار اللواتي يخل بها ما بين شقاق البيت ، والخلال عود يجعل في لسان الفصيل لئلا يرضع ولا يقدر على المصّ قال امرؤ القيس :ـ فكرّ إليه بمبراته كما خلّ ظهر اللسان المجرّ .
خلّ الكساء بمعنى جمع أطرافه بخلال . لسان العرب ج4 ص : 200 .
[4] السراج : جمع سرج وهو إناء يجعل فيه زيت أو نحوه فيصعد في فتيلة ويتحلل إلى مواد في طرفها عندما تمسه النار فيستضاء به . المنجد في اللغة والإعلام ص : 329 .
[5] الرّف : رفاّ البيت يحمل له رفاّ ، والرّف جمع رفوف ورفاف وهو خشبه أو نحوها تشدّ إلى الحائط فتوضع عليها طرائف البيت . المنجد في اللغة والإعلام ص : 270 .
[6] المراكي : المراكي والمرتكي بمعنى الدائم الثابت . القاموس المحيط ص : 1161 .
وأعتقد أن لهجتنا العامية قد اشتقت هذا الاسم من لغتنا العربية لكون المراكي تأتي على هيئة كتلة طينية مثبته في أرض القهوة في أماكن معينة ومطلية بالجص وتبقى في موقعها دائمة وثابتة ثم استحدثت المراكي المصنوعة من الخشب والتي في الغالب إذا وضعت في موقع من القهوة لا تحرّك فتبقى ثابتة إلاّ في النادر عند تنظيف القهوة وإعادة فرشها .
[7] طياق : الطاق جمع طاقات وطيقان بمعنى ما عطف من الأبنية أي جعل كالقوس من قنطرة ونافذة وما أشبه ذلك ( فارسية ) والطاقة بمعنى النافذة في حائط المنزل ( عامية ) . المنجد في اللغة والإعلام ص : 476 .
[8] الكمار : الكمر اسم لكل بناء فيه العقد كبناء الجسور والقناطير ( فارسية ) . المنجد في اللغة والإعلام ص : 698 .
وأعتقد بأن تسميته بهذا الاسم [ كمار ] في لهجتنا العامية أتت من أصلها العربي لكون بنائه فيه العقد والصعوبة لكثرة النقوش فيه والدّقة في تركيبه وتكوينه .
[9] هذه الأبيات النبطيّة جمعها لي مشكوراً الأخ/ عيادة فلاج المصيول .
[10] الو جار : الو جار جحر الضبع وغيرها وجمعه أو جرة ووجر وهو الو جاء الجرف الذي حفره السيل بالوادي . قاموس المحيط ص : 442 .
وتسميته في عاميتنا بالوجار أعتقد لكونه في الغالب يحفر في الأرض على هيئة حفرة كالجرف الذي حفره السيل العادي والذي في الغالب لا يزيد عمقه عن عمق الو جار .
[11] المحماسة : حمس اللحم بمعنى قلاه وحمس فلان بمعنى أغضبه ، والحميسه بمعنى القليّة والحميس بمعنى التنور والشديد ، والتحميس بمعنى أن يؤخذ شيء فيوضع على النار قليلاً . قامـوس المحيط ص : 485 .
وأعتقد بأن تسمية المحماسة في لهجتنا العامية اشتقت من أصلها في اللغة العربية وهي أداة حمس البن
لكم التحية
المفضلات