تستري يا أختي هداك الله .. تذكري يوم تدفني لوحدك وقد خالفتي إلهك "
كلمات عادية دارجة يتلقاها الجميع وتتفاوت ردود أفعالهم تجاهها ولكنها حتما لن تصل إلى ماوصلت إليه في أحد أسواق الرياض .. حينما كانت هذه الكلمات شرارة ولّعت الموقف ..
التفتت إليه صارخة :" وش دخل أمك .. أنا بكيفي وأنت خلك بحالك !!"
ولّى الرجل .. وقد أدّى ما عليه .. واستوعب الرسالة الصّارخة من الفتاة الحرة الجريئة القويّة الثائرة البطلة .. صفات ستُسبغ عليها من تلك الفئات التي تعرف تولّع النيران ثم لا تستطيع أو لا تريد إخمادها ..
انصرف وتشاغل بالتسوّق .. بينما اشتغل الشيطان الرجيم في عقل المرأة وبدأ يحبك قصة الثأر ويتقن فصولها : ليه تخلينه .. هزأك .. فشلك قدام الله وخلقه .. مطوع وشايف حاله .. واستمر التأجيج على نحوٍ مما يصنع كذبة السخافة الغلمانية ..
لاحقته "غزالة الخارجية" وهي تُركِضُ خيلها تجاهه : ليه تطالع في الحريم يامطوّع .. أنت جاي تتسوق والا جاي تتفرج .. ليه ما تنشغل بحالك .. وش دخلكم فينا .. أنتم وأنتم وو ..
لحظات الصمت والتغافل التي اكتنفت الرجل كانت كفيلة لاستجلاب مزيد من "الهياط" الأنثوي الذي لا يتجاوز لعلعة صوتية بدون أن تتم ترقيته إلى نشاط حركي .. ضجيجٌ يملأ المكان وحين البحث عن مصدره ستصل إلى شكمان حُفّت أطرافه بأحمر الشفاه تتدحرج داخله حية .. ويصدر كلاما فارغا ..
اجتمع الناس كالعادة .. وانتدب الفضول جيوشَه نحو شفير الضوضاء .. والناس هنا لا يحتاجون ضوضاء للاحتشاد فمجرد عطاس كفيل لا ستقطاب أمة من الناس يتفرجون .. ربما لرتابة الحياة لدينا دورٌ في البحث عن أي شيء يقطع تلك الرتابة لتبدأ عملية التوافد على كل شيء يخرج أو لا يخرج عن "المألوف" ..
انخفضت المبيعات بالسوق بشكل مفاجئ .. الكل سكت ولا صوت إلا صوت المعركة .. حتى الاتصالات السعودية أحسّت تلك اللحظة بانخفاض معدل الاتصالات .. الكل يريد أن يتفرج على المشهد غير المتكرر والمواجهة بين التطاول والتغافل .. والمكالمات ملحوق عليها .. حتى رجل الأمن لم يفوّت متعة التفرج .. فهو لا يستطيع قمع الثورة فلا أقل من أن يكون شاهد إثبات ولبنة في عملية "التلاحم الجسدي" ..
صمْتُ الرجل حقق الكارثة .. فبعد أن استنفد صمته المخزونَ التربوي لدى السوقيّة المتسوقة .. لجأت إلى العنف الأنثوي .. فبصقت في وجهه .. هنا تحرك المارد وثار بركان الصبر .. فصفعها صفعة رنّت منها أذن الواقف بجانبها .. ونشبت إحدى أصابعه في صابرها .. انتقل على إثرها كحل العين اليمنى بقدرة قادر إلى العين اليسرى .. بينما انتقل كحل اليسرى بدوره إلى الأذن الوسطى .. يقال والعهدة على الراوي أن ساهر رصد عليه مخالفة في تلك اللحظة لتجاوز يده للسرعة المحددة .. !! ..
بهتت المرأة وكأن زرّاً ما في خدّها قد تمّ ضغطه .. فصمتتْ مذهولة .. وهدأ الضجيج .. بينما همسات هنا وهناك أخذت بترديد : "تستاهلين يا وسيعة الوجه" .. لكن بعض الأصوات أخذت باستهجان الصفعة التي دوّت في الأرجاء .. بينما قام بعض الموجودين بسحب الرجل من عمق الهرج والمرج إلى خارج السوق ليغادر بسلام ..
في الحقيقة أنا ضد ضرب المرأة مهما بلغت وقاحتها .. فمن الصعوبة أن تجاري المرأة حتى ولو حاولوا أن يجعلوها ندّاً للرجل في كل شيء .. لكن الطبيعة والجبلّة تمنع قيام شيء من هذه المساواة بين مخلوقين غير متكافئين .. وإن استحال التكافؤ الجسدي فاستحالة النفسي والعقلي من باب أولى ..
لكن ما أود الإشارة إليه هنا أن الطرح الليبرالي بالقنوات المتاحة له من مرئي ومسموع ومقروء هو من جرّ هذه المرأة وغيرها إلى هذه المواقف وشبهها إثر التحشيد والتجييش الذي يمارس ضد التيار الديني - الذي يمثل أغلب الشعب السعودي - دون أن تحسب عواقبه .. تصبح من خلاله المرأة كبرميل ديناميت متأهبٌ للانفجار .. فتُجرّ إلى مقارعة ليست متكافئة ..
إذا كان الرجال قد ولّوا الأدبار حينما يدعون إلى النزال الفكري والمواجهة مع الإسلاميين - كما صنع بليد جريرة الجزيرة حينما ولى هارباً وله ضراط لا يلوي على شيء - فالجنس اللطيف بالهروب أولى .. لأن التيار الديني يتحرك من مبدأ .. ولا تهمه على الأغلب المكتسبات الشخصية والانجازات الوقتية .. فما يفعله ليس بحثاً وإثباتاً لذاته إنما بحثا عن عفو الله ومرضاته ..
نصيحة لوجه الله للنساء اللاتي يأبين إلا المخالفة العلنية .. حينما تتلقين النصيحة من أي شخص كان .. فاقبليها .. ثم أنتي بعد ذلك بالخيار .. لأن من يوجه لك النصح لا يريد لك النجاة فحسب .. بل قبل ذلك يريد لنفسه السلامة من وبال السكوت عن الخطيئة .. ولا يهمه بعد ذلك إن استجبت أو استكبرت ..
المفضلات