السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يطرح بعض المؤرخين المعاصرين من أبناء قبيلة شمر .. أو قل المهتمين بتاريخ قبيلة شمر من أبنائها
اطروحات متعجلة ومرتجلة مبنية على نص قرؤوه من هنا أو قصة سمعوها من هناك .. ينتج عنها تصور ذهني لمجد خاص بعائلته أو عشيرته أو الفخذ الذي ينتمي إليه أو البطن الذي يضمه من بطون قبيلة شمر ... ثم بداع ٍ من الجبلـّة وطبع بني آدم الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله أربع من خصال الجاهلية تبقى في أمتي إلى قيام الساعة وذكر منها ( الفخر بالأحساب ) ... يتحول هذا التصور الناشئ في ذهنه إلى عقيدة راسخة في نفسه .. ثم بدافع من التعنصر الخفي .. وإن هم أظهروا الحيادية أو تمسحوا بها . أو دعوا لها ... يأتون من الشواهد والدلائل والقصص والأشعار ما يوافق الذي وقر في نفوسهم سالفا ً .. وينفون من القصص والنصوص ما لا يوافق أهوائهم .. بل ولا يفسرون أو يفهمون من أي نص أو قصة إلا ما تمليه عليهم هذه الأهواء ... ثم وبقدرة قادر يعتبرون هذه الأطروحات والحكايا من المسلمات التاريخية فيوالون ويعادون عليها ...وينشرونها في منتديات الشبكة العنكبوتية .. ويصنفون الناس على أساسها إلى منا ومنهم.... بل يعتبرون أن من يحاول ان يبدي وجهة نظر أخرى أو يرجح راي أو احتمال آخر بانه معتدي على تاريخ قبيلة شمر .. ومفرق للجماعة .. وعدو للألفة .. وأنه مدسوس يسعى لهدم وحدة القبيلة .. ولربما وصل بهم الأمر أن يقولوا أنه عميل للقوى الإمبريالية والصهيونية العالمية .
لن أطيل في المقدمة .. ولكن سأتحدث عن واحدة من أغرب الحالات التي كنت اقرا عنها بين الفينة والفينة عندما أدخل منتديات قبيلة شمر..!!
أطروحة : الضياغم الجعفر
وبالإستقراء لأساس هذه الأطروحة التي ستكون محل الدراسة هنا
نجد أنها مبنية ( في ذهن صاحبها )على قاعدتين :ــ
الأولى : ـ أن الضيغمية هي فقط في سلالة شهوان بن منصور الضيغمي
الثانية :ـ أن الجعفر .. هم الوحيدون من سلالة شهوان بن منصور .
وعلى ما يبدو :ـ أن هذا الإفتراض مبني على اعتبار أن شهوان بن منصور هو أمير وسيد عموم الضياغم قديما ً ( في اليمن )... وأن الجعفر هم أمراء وسادة الضياغم حديثا ً ( في نجد )
والنتيجة النهائية للأطروحة : أن الجعفر فقط هم الضياغم
وأن اليحيى والربيعية هم من عبدة وليسوا من الضياغم
( وعبدة : هي الأصل الذي ينحدر منه الضياغم )
قلت : هذا الإستنتاج المبني على الربط بين الجذوع والفروع .. وتوارث السيادة والزعامة ربط منطقيي جدا ً ونتيجته صحيحة ولا غبار عليها .. لو سرت الأمور والأحداث بالسياق الطبيعي ... لكن يؤخذ عليه أن المسار التاريخي للأحداث لا يؤيده ولا يعضده .. فقد حدثت أحداث وتقلبات .. تجعل هذا الإفتراض يفقد نصيبه من الترجيح والتأييد عند النقد الموضوعي المبني على الجمع بين النصوص والروايات ....
فالمؤكد من تاريخ الضياغم القديم في اليمن .. أنه كانت بين آل شهوان آل راشد .. تنافس ومشاحنات وقتال .. أثناء وجودهم هناك .. وبالتالي فقد انقسم عموم الضياغم إلى قسمين ( قسم يناصر آل شهوان .. وقسم يناصر آل راشد ) يتصالحون حينا ً ويتقاتلون حينا ً آخر
ثم إن القبيلة رغم انقسامها الباطني ... إلا أنها كانت موحدة ظاهريا ً بزعامة وقيادة الأمير شهوان بن منصور
ثم حدث أن هاجرت وارتحلت كلها من اليمن .. بفرعيها المتناحرين ( يعني عربين يمشون سوا ).. بزعامة أمير الضياغم شهوان بن منصور ..حتى استقرت في حائل ... وسميرا تحديدا ً
مسيرهم كان واحدا ً.. لكن كل فرع يحتفض بخصوصيته وزعامته
فرع آل راشد وفرع آل شهوان والزعماء هم :ـ
الفرع الأول : شهوان بن منصور بن ضيغم بن منيف الضيغمي
الفرع الثاني :عمير بن راشد بن ضيغم بن راشد بن منيف الضيغمي
ويلتقي زعيمي الفرعان نسبا ً في منيف الضيغمي
وقيادة القبيلة العامة للأمير شهوان
هذا التقسيم الشكلي للقبيلة ... قبل وأثناء الهجرة
ملاحظة هامة على التاريخ القديم للضياغم ( المرحلة اليمنية )
لقد عددت ماجاء في كتاب طرفة الأصحاب من أسماء الفرع الأول آل شهوان وكانوا (26) شخص فقط ... والفرع الثاني آل راشد (106) رجل ولم أستثني أحدا ً .. حتى الذين في القبور ..!!
يعني مجموع القبيلة على هذا الإعتبار مايزيد على (132) شخص فقط .. يعني ما يجون عشر بيوت ... فهل يعقل هذا ؟؟؟؟؟
مع أنني افترضت أنهم جميعا ً أحياء ...وإلا لو اقتصرت على جيلين لذهب نصف هذا العدد ... فتأمل
من هذه الملاحظة نخرج بأن ... الفرع الأول هم عبارة عن عائلة تقود عشيرة من أبناء عمومتهم الضياغم ... والفرع الثاني كذلك عائلة تقود عشيرة وكلا العشيرتين يكونان قبيلة الضياغم
والرسولي في كتابه إنما إهتم بتعداد نسب العائلة الحاكمة لكل عشيرة فقط ... ولم يستعرض أسماء بقية العوائل من كل عشيرة
وهذا سائد في طريقة النسابة القدماء .. يسلسلون نسب القبيلة .. من رجل لرجل لرجل وهكذا .. وكأنه لا يولد لأي رجل في السلسلة إلا ابن واحد .. وهذا محال ... لكن النسابة يقصرونها على المشهورين والزعماء ويركزون على أنساب القبائل والعوائل ذات القوة والحضور
ولو كان الضياغم هم فقط ماذكرهم الرسولي في كتابه ... لما كانوا قبيلة مؤثرة و ذات شأن سواء ً في اليمن او نجد
وهذه الملاحظة أيضا ً .. تفسر وجود ضياغم في اليمن وشرقي الجزيرة العربية غير ضياغم شمر .. فلا يمكن حصر الضياغم بأبناء منيف .. فمن المؤكد انه له أخوان وأبناء عمومه كلهم ضياغم ..!!
وانظر إن شئت إلى تاريخ الدولة العباسية والأموية .. هل استقصت كتب التاريخ أسماء كل الأسرتين الحاكمتين .. أم اقتصرت على المشهورين فسجلت اسمائهم وأهملت غيرهم
حادثة غرق عرار ومن معه من الضياغم هي التي تحدد التقسيم الحديث للضياغم ( الجعفر & الربيعية & اليحيى )
فهذه الحادثة مفصلية في تاريخ الضياغم .. قال فيها الأمير الفارس عرار بن شهوان الضيغمي :ـ
سرى بارق يا بوربيعة لكنه ## من البعد يومي بالثيابالرهايف
اقمنا زمان ثم جانا زفيره ## يدرب الحصى منعاليات المشارف
ويجذب عش الطير من مستكنه ## ويفرق طرباتالحمام الولايف
وجانا يذب القصر قصر آل ضيغم ## الى القصر عنضلعين حدبا شظايف
لعل وادي العرضمادبهالحيا ## ولابنّيت فيه الخيامالنوايف
غدا بالصبايا والسبايا والقنا ## وبالدرق الحوتي وزين الكلايف
وغدى ببنات من بني آلضيغم ## رهاف الثنايا مدمجات العكايف
السؤال الذي يفرض نفسه .. : متى وأين ..؟؟؟ كانت حادثة غرق عرار ومن معه من الضياغم ...
فالأبيات المذكورة أعلاه .. تحدد أن الوادي الذي غرقوا فيه هو وادي العرض ... وهناك مكانان في جزيرة العرب يعرفان باسم وادي العرض الأول في نجران ولا زال يعرف بهذا الإسم ....الثاني في نجد .. واسمه اليوم وادي حنيفة ( العرض قديما ً ) ... هذا يجرنا إلى افتراضين :ــ
أـ لو كان الغرق في وادي العرض الذي بنجران .. فهذا يعني أن حادثة الغرق كانت قبل هجرة الضياغم ... وهذا يتنافى مع المشهور من تاريخ الضياغم ...... وعليه فهذا الإفتراض مستحيل
ب ـ لو كانت حادثت الغرق .. في وادي العرض (وادي حنيفة) بنجد ... ربما يستقيم السياق ... لكن هناك إشكالية .. وهي أن وادي حنيفة ليس بمسار رحلة الضياغم ... ثم إن التسمية لوادي حنيفة ... بوادي العرض ... أقدم من هجرة الضياغم بكثير
والذي يتفق مع الروايات التاريخية .. فيما اراه وأرجحه .. ان حادثة الغرق كانت بأحد أودية حائل بعد استقرار الضياغم فيها
فهجرة الضياغم كانت بقيادة الأمير شهوان بن ضيغم وقصيدته في ذلك مشهورة .. وحادثة الغرق في زمان الأمير عرار بن شهوان.. ولم يقل أحد أن عرار عاد بعد الهجرة إلى اليمن ونواحي نجران ..!!!
وربما يكون البيت الذي فيه ذكر وادي العرض من باب تداخل القصائد المتشابهة .. أو أن أحد أودية حائل يحمل هذا الإسم
المرحلة الثانية من تارخ الضياغم :ـ بعد الإستقرار في حائل
تسلم قيادة الفرع الأول عرار بن شهوان .. وذلك بعد موت أو كبر وضعف وعجز أبيه شهوان.. حيث أن الشقيق الأكبر له ( فارس ) انفصل من قبل بجزء من الضياغم وهاجر للمنطقه بين ايران والعراق وساد تلك البلاد ( سيأتي ذكره .. عند أخذه بالثأر لأخيه الأصغر محمد )
وأصبحت قيادة فرعي القبيلة كالتالي :ـ
الفرع الأول : عـرار بن شهوان بن منصور بن ضيغم بن منيف الضيغمي
الفرع الثانيـ : عمير بن راشـــد بن ضيغــم بن راشـد بن منيف الضيغمي
والفرعان يجتمعان كما أسلفت في جد واحد هو منيف
حادثة الغرق
الفرع الأول من الضياغم بقيادة عرار بن شهوان .. عائلته وعشيرته .. المنحدرين من ضيغم بن منيف .. ومن يلف بهم من الضياغم من العوائل الأخرى ... كانوا يقيمون في أحد أودية حائل ( كما رجحت ) وقد حذرهم الصلبي الذي كان معهم لما رأى الدواب تنقل أفراخها خارج مجرى الوادي .. لكنهم لم يكترثوا للتحذير لأمر قدره الله .. وجاهم السيل (درو ) أي من مكان بعيد دون أن يروا برق او يسمعوا رعد .. وكان في الليل وسمع عرار الصياح أعلى النزل .. وعلم انه السيل وأنه لن ينجو إلا إن كان على ظهر مشهور .. حصانه المشهور
وكان الأمر مباغت وسريع فلم يتمكن من مساعدة أحد حتى والديه .. وفطنت زوجته عميرة لما فطن له عرار .. فتمسكت بذيل الحصان .. وبينما كان عرار يصارع الأمواج على حافة الوادي لمح زوجته خلفه ممسكة بذيل الحصان فجرد السيف وقطع ذيل الحصان لئلا يقال أنقذ زوجته وترك أمه ... الهلاك الذي حصل لقوم عرار كان شاملا ً ومدمرا ً وسريعا ً وفتاكا ً .. فلم يبق مالا ً ولا عيالا ً ولا سكنا ً
توجه عرار بن شهوان ..على أثرها .. إلى أبناء عمومته آل راشد .. عمير بن راشد ومن معه .. وكان مظهره يدل على مخبره
فلما وصل إليهم وسلم ... بادر عمير بقوله : قل والله أنك ماقلت :ـ
علجن لجامهن الخيل ثم تفـلنـّـه ### على أفامهن أمر من الخزاة
فالتفت عمير إلى الجالسين وقال : هل قلت أنا ذلك ؟؟ قالوا : لا
فقال عمير : أما في نفسي فقد قلت ذلك .. لكن لساني لم ينطق به
ومعنى هذا البيت .. انك ياعرار ما جيتنا من شوي .. ما جئتنا إلا بعد معركة ضارية من قوم ٍ اشداء .. ووقعت عليكم وقعة شديدة .. لدرجة أن خيلكم علجن الجمتهن من حر وطول المعركة ثم تفلنه .. لأنه على أفامهن أمر من الخزاة ( أكرمكم الله ).... فأنت لم تأتينا إلا مضطرا ً
وكما هو معروف من القصة ... فإن عمير سأله عن ذيل حصانه فقال : لم أكن لأنقذ زوجتي وأترك أمي ... زوجته هي أخت عمير
فقال عمير : أبشر بأخته حديثة
فزوجه إياها .. وكانت صغيرة جاهلة وبها غفلة ... فلما كانت تذهب للماشطة .. وكانت عجوز حاقدة على عرار لأنه قتل أبنائها في أحد الغزوات ... فقد تعمدت تأخيرها ذات يوم على غير عادتها .. فخافت البنت وقالت ماذا اقول لعرار إذا رجعت إليه فقالت قولي له إن سألك :ـ
تـقـول حـديـثـة اللــيــالـي مــغــره # والأيام خمص مابهن عشار
كــم حـصـانطوعــه آل راشـــــد # مع المعاطي ما يريد هجار
ومن عاش بالزهدا وهو عارف بها # تراه حمار ومن وراه حمار
فقالتها له .. ومن حماقتها أنها كانت تظن الأبيات هذه عذر لها
فقام عرار مغضبا ً ... وركب حصانه وخرج ... فرآه عمير وهو في مجلسه ... فقال للحضور هذه ساعة ما يخرج فيها عرار ... الحقوه قبل أن يفعل بنفسه شيء ... فلحقه بعض الحاضرين فلما أدركوه وضع ذباب السيف على صدره ورمى نفسه عليه فمات
وهذا يعني عمليا ً ... انتهاء الفرع الأول من الضياغم .. وانقراضهم فلم يبق من الفرع الأول في نجد منهم أحد ... لامن سلالة عرار ولا محمد ولا بقية عوائل هذا الفرع
الناجون الوحيدون هم سلالة فارس .. ومن سار وهاجر معه إلى العراق وبلاد العجم .. ونحن لا يعنينا في هذا البحث إلا ضياغم نجد
ولقائل أن يقول ... ان عرار لم يكن الناجي الوحيد من الغرق .. لكن رواة القصة يركزون على أبرز الأحداث وأبرز الشخصيات فقط
قلت : هذا كلام معقول ... ولكن كما قلت سابقا ً .. أن هذا يعني عمليا ً ... واكرر عمليا ً ... انتهاء الفرع الأول ... فحتى لو افترضنا نجاة بعض الأفراد ولنقل خمسة عشرة عشرين أو أكثر ... فإن عرار عندما قرر أن ينضم إلى ابناء عمومته ( الفرع الثاني ) كان يعلم ... ان العدد الناجي معه لم يكن ليشكل قبيلة مستقلة أو حتى نزل مستقل
فانضمامه إلى الفرع الثاني ... يعني عمليا ً .. نهاية الفرع الأول ... وإن كان هناك بعض الناجين فقد ذابوا في الفرع الثاني
الخلاصة :ـ أن ضياغم نجد ( حائل ) هم آل راشد فقط
مما يؤكد هذا الإستنتاج
انتهاء وتوقف النزاعات بين الضياغم .... فالنزاع والإقتتال .. من سمات وخصائص هذه القبيلة .. منذ أن كانت في اليمن .. وحتى في الطريق أثناء هجرتهم كانوا في نزاع .. كما حصل من عرار عندما أغرى بآل راشد سلطان مارد وصارت مقتلة بين السلطان وآل راشد .. وحتى بعد استقرارهم في حائل بسميرا فقد استنجد عرار وأبيه بفارس نتيجة الصراعات بين الفريقين ... وجاء فارس من شرق العراق غازيا ً على آل راشد بسميرا .... فتاريخ الضياغم دموي عنيف وشقـاق
ثم فجأة وبلا مقدمات يتوقف هذا النزاع والتطاحن وبلا سبب ؟؟؟؟ هذا غير ممكن
الدليل : أن الأوس والخزرح .. حالة مشابهة للضياغم .. كانو قسمين كبيرين من قبيلة واحدة تسكن المدينة المنورة . وكان النزاعات والإقتتال بينهم أمر طبيعي وسائد ... حتى هاجر إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم .. وأصبحوا يعرفون بالأنصار .. وألف بين قلوبهم وآخى بينهم
قال تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وكما قال الرسول للأنصار في خطبته الشهيرة بعد فتح مكة (يا معشر الأنصار ألم آتكم ضلالا فهداكم الله ، وعالة فأغناكم الله ، وأعداء فألف الله بين قلوبكم ؟ ؟ ؟ قالوا : بلى ! .......... إلى آخر الخطبة )
فالأوس والخزرج رغم تاريخهم الدموي .. إلا أنه قد أصبح لديهم أسباب كثيرة للتوحد فرسول الله بين اظهرهم .. ودين جديد قد أشغلهم عن الإقتتال .. وحروب خارجية وحدتهم .. وقبل ذلك ( الله ألف بين قلوبهم )بنص القرآن .. ومع كل هذا ... فلم يسلم الأوس والخزرج من الحزازات والنزاعات والإقتتال بينهم والشواهد على ذلك كثيرة
فقد أنزل الله قوله (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ ........... الآية (9) فقد ذكر سعيد بن جبير أن الأوس والخزرج كان بينهما قتال بالسعف والنعال فأنزل الله تعالى هذه الآية فأمر بالصلح بينهما.... وكذلك ماجرى بينهما في السقيفة .. وحادثة الإفك.. إلى غير ذلك من الأحداث.. فهي دلائل على أن نار الأحقاد لا تنطفئ
فإذا كان الأوس والخزرج على جلالة قدرهما جرى بينهما ماجرى ... مع توفر دواعي الإئتلاف .. فكيف بآل شهوان وآل راشد ؟؟؟؟
إذن .. السبب الحقيقي لتوقف النزاعات والإقتتال .. هو غرق وزوال أحد طرفي النزاع في السيل الكبير الذي دهمهم فأباد خضرائهم
ولأول مرة يتوحد الضياغم ويسودهم الوئام والإئتلاف بزعامة عمير بن راشد الضيغمي ... في تاريخ الضياغم القديم والحديث
فآخر ما حفظ لنا التاريخ من نزاعات الضياغم هي معركة سميرا
وهذا يعني أن ( آل جعفر وآل ربيع وآل يحيى ) كلهم من آل راشد من الضياغم
وهو مايتفق مع مايتناقله الأحفاد عن الأجداد
أن الجعفر يركز نسبهم بعمير .. وأن الربيعية يركز نسبهم بعقيل
ولأن ( عمير وعقيل ) أخوان يقولون أن الربيعية أقرب للجعفر من اليحيى
أما اليحيى .. فيركز نسبهم بابن عم (عمير وعقيل) وهو يحيى بن أحمد بن راشد بن ضيغم بن راشد آل منيف الضيغمي
وبذلك تكون مدونة النسب الضيغمي لضياغم نجد كما يلي :ـ
1ـ آل جعفر ............ عمير بن راشد بن ضيغم بن راشد بن منيف
2ـ آل ربيعية .......... عقيل بن راشد بن ضيغم بن راشد بن منيف
3ـ آل يحيى .......... يحيى بن أحمد بن ضيغم بن راشد بن منيف
فأصبح أمير عموم آل راشد الضياغم ... هو عمير بن راشد ولذلك بقيت زعامة القبيلة في أحفاده آل جعفر
أمر آخر .. يؤكد هذا التقسيم ... وهو توزيع الأملاك على جنبات وادي الديرع ... فبعد أن استولى الضياغم على الجبل وملكوه نزلوا على ضفاف وادي الديرع ( الديعجان سابقا ً ) سمي بذلك لأن مياهه تدعج أي تسيل طيلة السنة ... فنزل أعلى الوادي الجعفر .. ومن تحتهم الربيعية ويقابلهم أملاك آل يحيى .. ولن أدخل في متاهة موقع الدغيرات من النسب هل هم في اليحيى أم الربيعية أم الجعفر ؟؟ فهذا موضوع آخر
ومما يؤكد ذلك ... ماحققه الدكتور علي شواخ الشعيبي في كتابه القشعم في سلسلة الشيخ ثويني بن قشعم ... حيث أرجع نسب القشاعم إلى آل راشد بن منيف الضيغمي ... والمشهور عندنا في حدري البلاد أن الجشعم من الجعفر .. حيث لا يزال هناك بقية منهم
والفيصل في ضيغمية آل راشد ... قول فارس بن شهوان الضيغمي لما غزار آل راشد في سميرا من قصيدته التي مطلعها
يقول العـبيدي والعـبيدي فارس = أنا جاهل والحر تمضي جهـايله
جهالة شجاع داج في ديرةالعدا = بسيف يشل الراس من عظم زايله
إلى أن قال
جينا فريق نازلين بسميرا = من صلب ضيغم كلهم من سلا يله
ساعهوصلناهم شبينا نار حربهم = بضلعٍ ريعانه من الدم سايله
جادو بني عمي وجادورفاقتي = على سربه بالكون بانت فعايله
لآمنهم ردوا علينا وســبّلوا = صـارت علينا كـسرةمن دبايله
والله لولا كثرٍ بأعداد خيلينا = ما ينثني من قومي إلا قلايله
لكنأذيال الدهم دهم آل راشد = هماليل صيف صادقات مخايله
إيلا قلت أخذنا بوشهم زادهوشهم = مال غشى البرقا وخيل تهايله
وإلا قلت أخذنا ضعنهم زاد طعنهم = وعمير يثنيعند تالي رحايله
يقودهم بالحرب صبياً مجرب = عقيــــل بن راشد كبار فعايله
والقصيدة اطول من ذلك
متفرقات :ـ
1ـ يزعم الهواجر أن عرار بن شهوان الضيغمي ... له ولد اسمه سالم .. وهم يرجعون نسبهم إليه
قلت : هذا الزعم مردود ... فهجرة الضياغم مشهورة معروفة .. ومستقرها محدد ( في حائل ) .. فلو كان لعرار ذرية فإنهم حتما ً سيكونون فيها ... وهذا لايعني عدم ضيغمية الهواجر ... فالضياغم لهم بقية في اليمن .. ولعل هناك صلة مباشرة بين الهواجر وبينهم ..
2ـ قريب منه .. من يرجع نسب الجعفر إلى محمد بن شهوان الأخ الشقيق لعرار ...
قلت هذا التخريج ضعيف ... فمحمد وعرار وذريتهما .. في فريق واحد .. والغرق شملهم جميعا ً .... ولم يذكر أن محمد استقل عن عرار وقومه
المشهور فقط : استقلال فارس وهجرته لبلاد العجم
3ـ من المؤرخين .. من يزعم أن هجرة الضياغم كانت بعد انهدام سد مأرب في اليمن ... ونسي أن أشعار الضياغم باللغة العامية .. وسد مارب انهدم قبل الإسلام بقرون كثيرة
4ـ ومنهم .. من يزعم ان للضياغم هجرتين لحائل ... الأولى قديمة ثم عادوا لليمن .. والثانية الحديثة وهي المشهورة بقيادة شهوان .. وهذا الرأي عجيب غريب
قلت : هذه الأقاويل والتخريجات ... هي للتأكيد على طائية عبدة ( الضياغم) وليست نتيجة للبحث العلمي المتجرد فالتحيز فيها واضح ...!!
ولعلي أعود لمناقشته في مناسبة أخرى
وقلت : هذه الأراء الغريبة ... تنشأ من قيام أحد الأشخاص بقراءة كتب التاريخ القديمة بدون تدبر ولا تمحيص .. وبدوافع لاتخفى على الفطين يخرج بآراء يريد أن يفرضها على الواقع شاء أم أبى ..!!!!!
كمثالنا هذا : هناك من قرا في كتاب طرفة الأصحاب لابن رسول أن منيف له ابنان الأول راشد والثاني ضيغم .... فظن أن ضيغم هو أول إسم في سلسلة نسب الضياغم وأن الضياغم يرجعون إلى هذا الجد ثم بنى عليه بقية تصوراته
ومثله .. كما لو قرأ شخص عن الملك الراحل ( سعود بن عبد العزيز رحمه الله ) وظن أن آل سعود يرجعون إليه ... فأخرج آل فيصل وآل خالد وآل فهد وبقية أحفاد الملك عبد العزيز .. بناءً على هذا التصور الخاطئ .. والصحيح أن الملك سعود رحمه الله قبله أكثر من سعود في سلسلة نسب آل سعود إلى أن تصل إلى سعود الكبير ... فكذلك ضيغم بن منيف جد شهوان هناك أكثر من ضيغم قبله
خاتمة
هناك فجوة في التاريخ .. تقدر بنحوثلاثة قرون .. بين استقرار الضياغم بسميرا شرق حائل نهاية القرن السابع ... وبين أول حكومة معروفة لشمر ... إمارة آل علي ... لايمكن التكهن بها ولا بأحداثها وبرجالاتها ... إلا النزر اليسير ... من طريق الرواة لا من طريق الكتابة والتدوين .. لأننا وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( نحن أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب )
ولك أن تتصور ... أن حكم آل علي الذي دام أكثر من مئتي سنة ... يعني ضعف مدة حكم آل رشيد أو أكثر ... ومع ذلك لا نملك من تاريخهم ما نسود به صفحتين اثنتين ... فأغلبه نسي واندثر
كذلك حكم الرشيد القريب منا جدا ً .. لم يدون ... وإن وصلنا منه الكثير .. إلا أنه ليس بالشكل الكافي والضافي .. فالوثائق والمكاتبات والصور غير موجودة ... فمحمد العبدالله الرشيد لا يوجد صورة واحدة له مع أن التصوير قبله بكثير .. ولقد صور بعض الرحالة معاصريه وصوروا حائل أثناء حكمه ... كذلك الجنازة لا يوجد إلا صورة وحيدة مشكوك فيها ...
ومن المعلوم والمستقر .. أن نسب الضياغم الحديث .. قد تبلور خلال هذه الفجوة التاريخية ... وليس لأحد من المؤرخين أو النسابة أن يقول فيه ... إلا بمقولة الإمام الشافعي رحمه الله ( هذا رأيي صواب يحتمل الخطأ .. ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب )
ومن قال بغير ذلك .. فقد رجم بالغيب من مكان ٍ بعيد
قلت : هذا رأيي وما انتهى إليه علمي .. وما كنت لأخوض في هذا الموضوع .. لولا أنني قرأت في المنتديات من الآراء الشاذة التي لا تستند إلا على ألأهواء .. وحب التعالم .. وادعاء الأعلمية بتاريخ شمر .. وادعاء المرجعية لتاريخ شمر ..والله المستعان
وأحب أن أختم ... بهذه
تذاكر الصحابة يوما ً نسب قريش فكانوا يعدون بين عدنان وإسماعيل عليه السلام ستة جدود فقط .. فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن بينهما ثلاثون ظهرا ً ... فعلم الأنساب الغير مدون يبنى على الظنون والأسماء البارزة وتختصر الأسماء الغير مشهورة ويسقطونها من القائمة
هذا .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحابته أجمعين
المفضلات