رواية خيالية وليست واقعية
/
السلام عليك ورحمة الله وبركاته . .
.
.
يشغلني في إمامة مسجدي ، صوت صبيّ نشاز ، ينشز عن تأمين الجماعة خلفي .. تارةً يطيله وتارةً يتفرد به ، ويخفت - إشعاله لي - في المغرب والعشاء ويزداد في صلاة الفجر . مع مرور الأيام أصبح الصوت يدنو منّي إلى أن اصبح في روضة المسجد وبالتحديد خلفي . بعد كل صلاة ..أترقّب أن تقع عينه بعينيّ لكي اطلب منه القدوم نحوي والإفصاح عن استيائي من تصرفه ، ولكن نظره لا يقع على نظري بل متسمّر بلاقط مكبّر مسجدي .
هذي حالي معه إلى أن عانق بصري بصره في إحدى صلوات الفجر ، فأومأت برأسي ليدنوا مني ، فلبّى إشارتي وجلس أمامي مستندا على احد ركبتيه . قلت له: يا بنيّ ما أسمك ؟ قل لي : أحمد ، قلت : يا أحمد إنك تخالف تأمين الجماعة وتتفرد أحايين كثيره به لوحدك بصوت صداه يرتد باركان مسجدنا هذا ، فهل تفعل ذالك متعمداً أم عن غير قصد ؟
قال لي ، بل متعمداً ، رفعت نظري له وعلامات الاستغراب تملأ وجهي ، فنظرت إليه وإلاّ محاجر عينيه يملؤها الدّمع.. وحشرجتٌ بجوفه لم يستطع أن يكمل حديثه لي ، انصرف مني هاربا .. تركني غارقا ببقعة من الاستغراب ضفافها قلّة حيلتي ومياهها تنضح بعلامات الاستفهام؟
أصبحت أتربص بأحمد في كل صلاة فلم أجده ، واصبح ما يشغلني سابقا هو مطلبي فأختفى لأيام وأيام ، إلى أن فاتتني تكبيرة الإحرام بصلاة فجر ذات يوم ، ولحقتُ بباقي المصلين ، نظرت على يساري لكي اصطف مع المصلين فإذا اللذي بجانبي هو ذاك الغلام شاغلي ومشغلي ومطلبي .
انقضت الصلاة فأراد النهوض ، مددت يدي اليسرى واضعا إياها على ركبته إشارة مني له بعدم النهوض ، عندما انتهيت من تسبيحي ودعائي لخالقي ، دنوت منه وقلت لماذا لم تعد تصلي معنا ؟ قال : أنني اصلي معكم كل صلاة ماعدا الظهر والعصر فإنني بالمدرسة ، قلت : اعرف صلاتك بصوت تأمينك خلفي ولم اسمعه وعلى ذلك قلت انك لم تعد تصلي معي.
قال: لم تعد لي برفع صوتي حاجة ، قلت ولما أصلحك الله !! هل لأنك شعرت أننا منزعجين مما تقوم به ؟ قال لي : لا وربي .
عدّلت جلستي وأصبحت مواجها له ، قلت أمرك غريب ، واجاباتك لي غير متوقعه أصلحك لك . ما قصتك ؟
قال : تسمعني ولا تقاطعني ، قلت له هذا حق لك .. ولك هذا . قال :
أمّي تجهزني للذهاب للمسجد قبل كل صلاة ، وبالمنزل تقرأ لي سيرة رسولنا صلى الله عليه وسلم ، وتجلس معي لأحفظ جزء عمّ وتقرأ لي تفسير اياته .. عندما احضر للمسجد وأرى أن رجال حارتي يصلون جميعا ، ارفع صوتي مناديا آمين ، كلّما دنوت من لاقط مكبر صوت مسجدنا وأشعرت براحة اكبر كلّما ارتفع صوتي أكثر .. وأكثر
قلت : لم تجب على سؤالي حفظك الله يابنيّ ، لِما ؟
قال : لكي يسمع أبي صوتي . .
فأبي لا يصلي . .!!
امتلأت محاجر عينيه بالدّمع و أمتلأت محاجر عيني معه وأختنقتْ أنفاسي وارتوت لحيتي ، ثم تابع حديثه والحشرجة تلازم صوته قال : يا إمامنا عندما هربت من عندك خنقت عبرتي أنفاسي فلم استطع الحديث ، أما الآن فاستطيع الحديث .
نظرت إليه .. وبالكاد أراه من دموع عينيّ ، ثم تابع حديثه وقال : دخلتُ منزلي وأنا امسح الدموع من وجهي واخفي أثارها بشماغي لكي لا تشاهدها أمي، وجدت أمي تقابلي بعيون دامعه وأنفاس سريعه ، قلت : أمّي ؟ قالت : لله ما أخذ وله ما أعطى ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم تدعي ادعيه لا احفظها ، أعدت لها النداء : أمي . قالت: أن والدك انتقل إلى جوار ربّه ، شهقتُ واحسس أن نفسي توقف ، اتبعت قولها لي ، يابنيّ أن المسلم إذا ابتلاه الله يصبر ويحتسب.
قلت يا أمي كان حلمي أن يصلي معي بالمسجد ، قالت : يابنيّ ليلة البارحة أباك يعاني من آلام بصدره ونومه كان متقطعا ولقد استيقظ آخر استيقاظه له وقال لي ، كأني اسمع صوت ابني أحمد ، قلت له: نعم ، قال اين هو . قلت له مع جماعه المسجد .
قام والدك وتوضأ ، وكنت أراقبه ، ثم صلى الفجر وبسجدته الأخيرة ، لم يرفع رأسه ، أمضى وقتا طويلا ثم دنوت منه وناديته فلم يُجب ندائي ، وحاولت رفع رأسه فسقط على جنبه . تحسسته ولم أجد له نسما ولا نبضا.
.
ناداني أحمد . . يا إمامنا !! فلم اسمعه وكررها عليّ فانتبهت له . وأنا أجاهد نفسي بتخفيف حِدّة بكائي ولم استطع . . شعرت به وهو يضع يده على كتفي ويقبّل رأسي ويقول لي : أن أمّي كانت تدعو له بالهداية وبحسن الخاتمة في كل أوقاتها ، وأنا أدعو لوالدي بالهداية وحسن الخاتمة بين تحية المسجد والإقامة وفي دبر كل صلاة.
وقابل ربه وهو ساجدا يصلي ، احسب أن خاتمة حسنه والله حسيبه .
وغادر من عندي .. فلم استطع حتى النهوض لتقديم العزاء له
/
أخي أظفر بذات الدين تربت يداك.
أختي أنتِ ربّة المنزل متى ما صلح عملك ، صلح أفراد منزلك ، إن كان ربّ المنزل يغفل عن طاعة ربّه .. فلا تضعيه عذرا لكي تتقاعسي معه ، ولتكن أم أحمد مثلا حسنا للزوجة المؤمنة العابدة الداعية إلى طريق الهدى .
أحسن الله خاتمتنا جميعا
* * *
محاولتي الأولى في الكتابة بالقسم الإسلامي ، إذا كان هناك ملاحظة فتدوينها هنا تفيدني وقد تفيد غيري
اخوكم
ابو سلطان
حرر في 14 محرم 1432هـ
المفضلات