الحمدُ للهِ الذي أحكمَ، بحكمتِهِ ، ما فطرَ وما بنى وقربَّ من خلقِهِ برحمتِهِ ، من تقربَ ودنا ، ورضيَبالشكرِ من بريتِهِ ، لنعمِهِ ثمناً ، أمرَنا بخدمتِهِ لا لحاجتِهِ ، بل لنا ،يغفرُ الخطايا ، لمن أساءَ وجنا ، أحمدُهُ مُسِراً للحمدِ ومُعلِناً ، وأشهدُ أن لاإله إلاَّ هو، يجزلُ العطايا لمن كان محسِناً ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ،إمامَ الهدى ، صلى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ الأمناءِ ، وسلَّم تسليماًكثيراً : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَاتَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوارَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَاوَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِيتَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًاسَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْيُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً): أما بعد : أيهاالأحبةُ في اللهِ: قالَ الفضيلُ بنُ عياضٍ رحمه الله لرجلٍ : كم أتتْ عليكَ ؟أي كم مضى من عُمرِكَ ؟ قالَ : ستونَ سنةً ، قال : فأنتَ منذُ ستينَ سنةً تسيرُ إلى ربِّكَ يوشكُ أن تبلغَ ، فقال الرجلُ : إنا للهِ وإنا إليهِ راجعونَ ، فقالَ الفضيلُ : أتعرفُ تفسيرَهُ تقولُ : أنا لله عبدٌ وإليهِ راجعٌ ، فمَنْ علمَ أنه للهِ عبدٌ ، وأنهُ إليهِ راجعٌ ، فليعلمْ أنه موقوفٌ ، ومن علمَ أنه موقوفٌ ، فليعلمْ أنه مسؤولٌ ، ومن علمَ أنه مسؤولٌ ، فليعدَّ للسؤالِ جواباً ، فقالَ الرجلُ : فما الحيلةُ ؟ قال يسيرةٌ ، قالَ : ما هيَ ؟ قال : تُحسِنُ فيما بقي يُغفَرُ لك ما مضى فإنّك إنْ أسأتَ فيما بقي ، أُخِذْتَ بما مضى وبما بقي،وفي الحديث كما ، في مسندِ أبي يعلى من حديثِ أنسٍ رضي اللهُ عنه ، قالَ : قالَ رسولُ اللهِ e { عمرُ أمتي ما بينَ الستينَ إلى السبعينَ وأقلُّهم الذين يبلغونَ ثمانين } وفي البخاري من حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه ، عن النبيِّ e قالَ { أعذرَ اللهُ إلى امرئٍ أخَّرَ أجلَهُ حتى بلغَّهُ ستينَ سنةً } فمذُ متى ونحنُ نسيرُ إلى اللهِ ؟ يوشكُ أن نبلغَ ، فماذا أعددْنا للقاءِ اللهِ عز وجل ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً ) في الصحيحينِ ، من حديثِ عَديِ بنِ حاتمٍ رضي اللهُ عنهُ :يقولُ عليه الصلاةُ والسلامُ {كلٌ مِنكُم سيُكلِّمُهُ اللهُ ليس بينَهُ وبينَ اللهِ تُرجمانٌ ، فينظرُ عن يمِينِهِ فلا يرى إلاَّ ما قدّمَ ثُم ينظرُ عن شمالِهِ فلا يرى إلاَّ ما قدَّمَ ثُم ينظُرُ تلقاءَ وجهِهِ فلا يرى إلاَّ النَّارَ ، فاتقوا النَّارَ ، ولوا بِشقِ تمرةٍ } ويقولُ e { لا ينعقدُ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يسألَ عن أربعٍ عن عمرِهِ فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ ، وعن مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيما وضعَهُ ، وعن علمِهِ ماذا عملَ فيهِ } كلُّ شيءٍ يُسألُ عنه الإنسانُ، في الحديثِ عن أبي هريرةَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ e : { إن أولَ ما يُسألُ عنهُ العبدُ يومَ القيامةِ من النعيمِ أن يقالَ لهُ: ألم نُصحَّ لكَ جسمَكَ؟ ونرويكَ من الماءِ الباردِ } [الترمذي] ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ) ،العمرُ نُسألُ عنه مرتينَ ،فهلْ استعددْنا للإجابةِ ، مَنْ علمَ أنه مسئولٌ ، فليعدَّ للسؤالِ جواباً ، وللجوابِ صواباً ، لا يغرنَّكم الشيطانُ بأمانيهِ ، فإنه كما قالَ تعالى ( يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً ) ولا يلهينَّكم طُوّلُ الأملِ ، فإن كُلَّ شهرٍ ، بل كلَّ يومٍ يستهلُّهُ الإِنسانُ فأِنَّه يُدنِيهِ من أَجَلِهِ ويُقرِّبُهُ من آخرَتِهِ { وخيرُكم من طالَ عُمُرُهُ وحَسُنَ عَملُهُ ، وشَرُّكُم من طالَ عُمُرهُ وَسَاءَ عَملُهُ } إنّهَ ما بينَ أن يُثَابَ الإِنسانُ على الطَّاعةِ والإِحسَانِ ، أو يُعَاقَبَ على الإِساءةِ والعِصيَانِ إلاّ أن يُقَال ، فُلانٌ قد مَاتَ ! ومَا أقربَ الحَياةَ مِنَ الممَاتِ، وكُلُّ ما هوَُا آتٍ آتْ. فنحنُ
نسِـيرُ إلى الآجـالِ في كُـلِّ لحظـَةٍ
وأيَّــامُنـا تُطـوى وهُـنَّ مَـراحِلُ
وَلم أرَ مِثـلَ المــوتِ حقـاً كأنَّـهُ
إِذا مـا تَـخطَّتـهُ الأمـاني بـاطِـلُ
ومـا أقبحُ التفريطَ في زمـنِ الصـّبا
فكيـفَ بـِهِ والشيـبُ للرأسِ شامِـلُ
تـَرحّلْ من الدُنيـا بـِزادٍ من التُقـى
فعُمرُكَ أيـّامٌ وهنَّ قـلائِــِلُ
أيها الأحبة ،إتقوا الله في عاجلِ أمرِكُم وآجلِهِ ، ولا تكونُوا غافِلينَ عمّا أمامَكُم ، ولا عن ما يُرادُ منكُم ، ولا ما أنتُم صائِرونَ إليه ، فالأيّامُ سريعةُ الانصِرامِ ، والأوقاتُ سُيوفٌ قاطعةٌ ، والمنايا سِهامٌ ، فليتفكرْ الإنسانُ في دُنوِّ أجلِهِ ، لأنّ هذه الأيّامَ والليالي ، تأخذُ من عُمُرِك ،وكما قالَ الحسنُ رحمَهُ اللهُ : إنّما أنت أيّامٌ مجمُوعةٌ ،كلما مضى يومٌ مضى بعضُك ، وقال: ابنَ آدمَ إنّما أنت بين مطيتين يُوضعانك ، يُوضعُك النهارُ إلى الليلِ ، والليلُ إلى النّهارِ ، حتى يسلِّمانِك إلى الآخِرةِ ، فمن أعظمُ منك خطَراً ،
باركَ اللهُ لي ولكم في القرانِ العظيمِ
ونفعني وإياكُم بهدي سيدِ المُرسلين وتابَ عليَّ وعليكم إنهُ هو التوابُ الرحيمُ : أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ والمسلماتِ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه يغفرْ لكم إنه هو الغفورُ الرحيمُ
الحمدُ للهِ أبداً سرمداً ، ولا نشركُ معه أحداً تباركَ فرداً صمداً، لم يتخذْ صاحبةً ولا ولداً، ولا شريكَ له ولا عضداً ، أشهدُ أن لا إلهَ لنا غيرُهْ ، ولا ربَّ لنا سواهُ ، ولا نعبدُ إلاَّ إياهُ ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وسلم تسليماً كثيراً ، أمَّا بعدُ : أيُّها المبارك بارك اللهُ فيك ، هل خلوتَ بنفسِكَ يوماً فحاسبتْها عما بدرَ منها من الأقوالِ والأفعالِ ؟ وهل حاولتَ يوماً أن تَعُدَّ سيئاتِكَ ، كما تعدَّ حسناتِكَ ؟ بل هلْ تأملتَ يوماً طاعاتِكَ التي تفتخرُ بذكرِها ؟! فإن وجدتَ أن كثيراً منها مشوباً بالرياءِ والسمعةِ ، وحظوظِ النفسِ ، فكيفَ تصبرُ على هذهِ الحالِ ، وطريقُك محفوفٌ بالمكارِهِ والأخطارِ ؟! وكيفَ القدومُ على اللهِ ؟ وأنتَ مُحَمّلٌ بالأثقالِ والأوزارِ ؟ فيا أَخي الحبيبُ : لا تُضيعْ أيامَكَ ، فإنها رأسُ مالِكَ ، فإنَّكَ ما دُمتَ قادراً على رأسِ مالِكَ ،فَأنتَ قادِرٌ على الربحِ ، وإن بضاعةَ الآخرةِ ،كاسدةٌ في يومِكَ هذا ، فاجتهدْ حتى تجمعَ بضاعةَ الآخرةِ في وقتِ الكسادِ ، فإنه يجئُ يومٌ ، تصيرُ هذه البضاعةُ فيه عزيزةً ، فاستكثرْ منها في يومِ الكسادِ ليومِ العزِّ، فإنكَ لا تقدرُ على طلبِها في ذلك اليومِ ، وذلك حينَ ( تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ*أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)ما ينفع يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ (فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) (الروم:57)وايُّ ظُلمٍ بعد الشرك أعظَمُ من ظُلم النفس ، عبادالله صَلوا وسلِّموا على الهادي البشير ، والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك في كتابه بقولِهِ سُبحانّهُ: (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا)، وقد قال المصطفى بأبي هو وأمي r : {من صلى عليَّ مرة صلى الله عليه بها عشرًا}. اللهم صلِ وسلَّمْ وأنعمْ وأكرمْ ، وزدْ وباركْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ وارضَ اللهم عن الخلفاءِ الأئمةِ الحُنفاءِ ، أبي بكرٍ وعُمرَ وعُثمانَ وعلي وعن سائرِ أصحابِ نبيك أجمعين وعن التابعينَ وتابعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ وعنا معهم بِمنِك وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الرحمين ، اللهم أعزَ الإسلامَ والمسلمينَ ، وأذلَّ الشركَ والمشركين ودمرْ أعداءَ الدينِ ، من اليهودِ والنصارى وجميعِ الكفرةِ والمُلحدين ، اللهم اكتبْ لأهلِ هذا الدينِ عزاً ونصراً واجعلْ لمن عاداهُ ذلةً ومهانةً وقهراً ، اللهم ثَبتْنا على نهجِ الاستقامةِ ، وأعذْنا من موجباتِ الحسرةِ والندامةِ يومَ القيامةِ ، وخفَّفْ عنَاّ ثُقلَ الأوزارِ وارزقنا عيشةَ الأبرارِ، وانظمْنا في سلكِ حزبِك المُفلحين ، وأتممْ علينا نعَمَتَك الوافيةَ ، وارزُقْنا الإخلاصَ ، في أعمالِنا والصَّدقَ في أقوالِنا ، وعُدْ علينا بصلاحِ قُلُوبِنا وذُرِّيَتِنَا ، واغفرْ لنا ولوالدِينا ولجميعِ المسلمين ، برحمتِك يا أرحمَ الرحمين ،اللهم إنا نسألُكَ ، وأنتَ في عليائِكَ ، وأنتَ اللهُ لا إلهَ إلى أنتَ ، أنتَ الغنيُّ ونحنُ الفقراءُ إليكَ ، وأنتَ القويُّ ونحنُ الضعفاءُ بينَ يديكَ ، أنتَ الملكُ لا إلهَ إلا أنتَ ، أنتَ ربُّنا ونحنُ عبيدُكَ ، ظلمْنا أنفسَنا ، واعترفْنا بذنوبِنا ، فاغفرْ لنا ذنوبَنا جميعاً ، إنه لا يغفرُ الذنوبَ إلا أنتَ ، واهدْنا اللهم لأحسنِ الأخلاقِ ، لا يهدي لأحسنِها إلاَّ أنتَ ، واصرفْ عنَّا سيئَها ، لا يصرفُ عنَّا سيئَها إلاَّ أنتَ ، لبيكَ وسعديكَ ، والخيرُ كلُّهُ في يديكَ ، والشرُّ ليس إليكَ ، نحنُ بكَ وإليكَ ، تباركتَ ربَّنا وتعاليتَ ، نستغفرُكَ ونتوبُ إليكَ ، اللهم إنَّا نستغفرُكَ إنكَ كنتَ غفَّارا ، فأرسلْ السماءَ علينا مدرارا ، اللهم اسقْنا الغيثَ ولا تجعلْنا من القانطينَ ، اللهم أغثْنا ، اللهم أغثْنا ، اللهم أغثْنا ، اللهم أغثْنا ، غيثاً مُغيثاً ، هنيئاً مَريئاً سحاً غدقا ، عاجلاً غيرَ آجل ، نافعاً غيرَ ضارٍ ، اللهم اسقِ بلادَكَ وعبادَكَ ، وبهائِمَكَ ، اللهم ارحمْ الشيوخَ الرُّكعْ ، والأطفالَ الرضعْ والبهائمَ الرُّتعْ ، اللهم أنزلْ علينا الغيثَ ، ولا تجعلْنا من الآيسين ، اللهم سقيا رحمةٍ ، لا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ ، اللهم ربَنا آتِنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .عباد الله(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْتَذَكَّرُونَ)فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافرنعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون
المفضلات