أن تعود للبراءة لا تحتاج إلى أن تهمس بها سرّاً لغيرك..

أن تعود إليها يجب أن يكون الحديث عنها حديث روح صادر من أعماقك..

فالبراءة هي تلك الوردة الجميلة الرائعة التي لم تحتمل قسوة الزمان عليها..

فداستها الأقدام.. وشوّهتها الأنفس في سلوكياتها من أقوالها وأفعالها المشوّهة..

تلك الطفلة لا يتجاوز عمرها السابعة.. وقد عانت في معاناتها ما لم يعانيه غيرها..

وجدت نفسها في صغرها عذاب وظلم والدها لها..

وكل ذلك من أجل أن يحرق قلب أمها التي رفضت رجوعها بعدما تركته لسوء

خلقه وكثرة سكره أمامها وأمام طفلتها..

أتجهت إلى القضاة لطلاقها منه وإرجاع أبنتها لها.. ولكنها قد خرجت منهم بخيبة أمالها فيهم..

لتعود منهم بدمعة قد كسرت ما بنفسها وأحرقت لها خدها.. ما كانت إلا امرأة وقد قلة حيلتها في أمرها..

فما أظلم ظلماً من ذلك الزوج إلا القضاة الكفيفة أبصار أعيونهم وأبصار أرواحهم..

قد طلبوا منها شاهداً على سكره وعلى سوء معاملته لها.. أو شهادة طبية

تدل على تعرضها لضربه وقسوته.. وأن جاءت بكل هذا.. !؟

فعليها بعده أن تعيد له مهره أن كانت تريد منه طلاقها.. !!

وكيف لمثلها أن تأتي بما لا يمكن أن تجلبه لهم.. !!؟

أيعقل أن يكون في بيتها أحداً غيرها وغير زوجها وأبنتها..

ليشهد لها وقت حدوث تعرضها لضرب زوجها لها.. !!؟

أيعقل أيها القضاة..!؟؟

فالمرأة لا تترك بيتها وتطلب طلاقها وتحتمل بُعد أبنتها..

إلا وأنها قد ذاقت من الألم ما لم يتذوقه غيرها..

فما قيمة ذلك المهر وتلك الشهادة أمام دمعة من دموعها.. وزفرت تتصاعد من أنفاسها.. !؟

ولكنها لا تجد من يعينها ويأخذ بيدها ويشدوا عليها..

غير أنها تفتقد للمال كثيراً ولا تملك شيئاً في حياتها غير والدتها بعد أن رحل عنهم والدها

الذي مات في غزو الكويت.. ولم يترك وراءه.. غير مكافئته الشهرية لتضحيته في حياته..

والتي لا تكاد أن تكفي حاجة أحتياجاتهم..

وجاءت الليلة التي فقدت فيها البراءة حياتها.. والتي أنهزمت الأخلاق والشيم أمامها..

كانت تلك الطفلة نائمة كالوديعة الهادئة لا تحمل في نفسها غير براءتها..

فجاء إليها والدها وهو يحمل زجاجة خمرته بحالة تفوق فيها حالة السكارى..

ولكي يكمل بغضه وغضبه لأمها وإحراق مشاعرها أتصل بها هاتفياً مراراً وتكراراً حتى أجابه على أتصاله..

حتى تسمع منه بكاء أبنتها وصراخها وهو يصبَّ من فوقها خمرته على فمها.. !!

وهو تتعالى ضحكاته لا يشعر بمن حوله.. فوضعت السماعة من يدها وخرجت هلعاً ركضاً على أقدامها..

لتنفذ طفلتها.. وخوفها عليها قد أرتعشت منه أبدانها والدموع تتساقط فوق خدودها كتساقط

مياه الشلالات من عالي جبالها.. مكشوفة الوجه وشعرها يتناثر مع ركضها فوق أكتافها..

وقبل أن تبلغ بيتها وقف عندها رجلاً فأخذت تتنجدَّ منه وأن يساعدها.. فحملها حتى بلغت منزلها..

فدخلت ووجدت طفلتها ممددت فوق سريرها جثة هامدة لا تنطق شيئاً.. فارتطمت فوقها بصراخها

الذي تهتزَّ له الأبدان وترتعش منه الأجفان وتتوقف له القلوب من نبضاتها..

فألتفتت نحو ركن زاوية غرفة أبنتها..ورأت زوجها مركون نحوها.. متكأً بظهره على حائطها

يكاد لا يستطيع أن يرفع أجفانه من شدة سكره ودناءة روحه..

وبدون أن تشعر بنفسها.. أمتدت يدها نحو زجاجة خمره التي بقربه بعدما أفرغ باقيها في أحشاء طفلتها..

فرفعتها عالياً وأنزلت بها بقوتها على رأسه حتى فارق فيها حياته..

فركضت إلى أبنتها تنادي عليها بصوت بحتْ مع بكاؤها أوتاره.. ولكنها لا تسمعها لتثبت في صمتها

رحيلها من هذه الحياة التي أنعدمت بها البراءة..

فيا ذلك الزوج فلترقد روحك في الجحيم.. ولا تخف فلست وحدك في جرّمك..

فشركاءك أولئك القضاة الذين أشتركوا وساعدوك على هتكَ روح أبنتك وأزهاقها بدون رحمة منك..

شريكتك تلك الخمرة التي تاجر بها صغار الكبار من الناس الذين أتخذوا من فضائل الأخلاق

وعطاءهم ستاراً لترويج مصالحهم على عامته غيرهم..

بل شركاءك ذلك المجتمع العاجز الذي صمتَْ حتى أشتكى منه أنين الصمت..

فتباً لمثل هذه حياة تموت فيها الفضيلة والأخلاق والضمائر..

وتختبئ الشجاعة والمروة بداخلها من جبروت الضعف والانكسار..