لأنّي لا أعلمُ ما المعاييِر التي يَبْني عليها المسْؤولون حُكمَهم مِن خلِالها على نَجاحِ الحجّ أو فشله .. فإنّي أُشِيدُ بالنّجاح المشارِ إليه في سائِرِ إعلامِنا وصحافتِنا .. وأرْفَعُ من مكانِي الوضيعِ لمقامِهم السّامقِ الرفيعِ أسْمى التّهانِي والتبريكات على هذا الإنجازِ الذي لا يجْحَدُه إلا ناكرٌ عديمٌ للوطنيةِ مندسّ غَوغائيّ عميل .. !! .. حتى لو كان هذا الشيءُ التّافهُ اللا وطنيّ قد اكْتوى في الحجّ بنارِ الأسْعارِ والجَشَعِ والاستغلال والسُّعار الماديّ بكافةِ صُورِه .. وحتى لو نامَ ليلةَ مزدلفةَ وقد اندلقَ لسانُهُ بجوارِهِ يتحسّس رطوبةَ الأرضِ من الظمأ .. وحتى لو قامَ بتجميعِ العُلَبِ الفارغةِ لتعبئتِها بسوائلِهِ الخاصّة لاستيئاسِهِ من وُصولِ دورات المياه التي تكدّسَ النّاس على بعْضِهم عند أبوابِها يرقُبُون الدَّور الذي لا يُوازيه إلا سرا صندوقِ التنْميةِ العقاريّ .. وحتى لو سار على طَبَقاتٍ كثيفةٍ من الفضلاتِ بشتّى أنواعِها كوّنت لباّداً طبيعياً وأرضا من تحت الأقدام تميد .. وحتى لو ذَهَب من مِنى إلى الحَرَمِ – فايف كيلو مترز أونلي - بمائتي ريال .. أو من منى إلى الشّرائعِ – تن كيلو مترز أونلي - بِخَمسمائة ريال .. على سيارة طبعاً .. مهما حَصَل من كلّ ذلك .. فهو ناجِحٌ يا ولدي ناجح .. رغْمَ أنفِك وأنفِ جدّك العاشِر ناجح ..
الناس ليس لهم أعيُنٌ ولا سمْعٌ ولا بَصَر إلا من خلال هذا المصرِّح أو تلك الصحيفةِ التي لا تعرِفُ الكذِبَ بتاتاً لا سمح الله .. لذلك فلا كذِبَ ولا تدْليسَ ولا تفقيشَ ولا كَلَك .. حاشا لله .. ومن أين يأتِي الكذِبُ للصّحافةِ التي تأسّستْ على التقوى .. والتي يُدرِكُ كُتّابُها ومحرّروها مفردةَ "عيب " ويلمّون بأبعادها ويضعونَها نُصْب أعيُنِهم .. !! ..
لكن لو شَطَحْنا قليلاً و اجتهدْنا في البَحث والتّحري والتحقيقِ والتّمحيصِ وسَبْر المعاييرِ التي يتّكئُ عليها المسؤولون للحكمِ من خِلالِها بالنجاحِ من عَدَمِه .. فسنجدُها سهْلةَ المَنالِ .. على الأقل لاعتبارنا جُزْءٌ من نسيجِ هذا الوطنِ ونُدْرِكُ جيداً تفاصيلَهُ واهتماماتِ المسؤولين فيه وهاجِسَهَم المؤرقَ لهم بشكْلٍ لافِت .. فحينها سنعرِفُ أنّ مقصُودَهم من نّجاحِه خلوُّهُ من المظاهراتِ وأحداثِ الشغبِ أو الحرائق على ألْطف الأحوالِ وأخفّها بمقياسِ المسؤولِ الذي عينُهُ على الخطابِ المعدِّ سَلفاً والعين الأخرى على الترقّبِ الدّولي .. والإسلامي بشكلٍ أخَصّ .. فحسب .. أي لا يُقصَدُ إلا خلوّهُ من الأحداثِ الكارثيةِ التي تَلقى صَدىً واسعاً لا يُمكِن إخفاؤهُ .. وأصواتاً عاليةً لا يُمكِن إخراسُها .. هذا كلّ ما يُمثّل هاجِسَ المسؤولِ ..
لكن بنَظْرةٍ إلى اهتماماتِ الحاجّ العاديّ البَسيطِ فإنّنا نَكتشِف أنه لا يأْبَهُ لهذا الأمر بأي حالٍ من الأحوالِ ولا يُشكّلُ عليه كبير عِبْء .. ما يُهمّه بالدرجةِ الأولى أكلُهُ وشُربُه .. و إمكانُ تصريفِهِما بالمكانِ المُناسِب .. وتنقّلٌ ميسَّر .. وما يحيط بذلك من أجواءَ نظيفةً وصحيةً مناسبة ..
الحقيقةُ الزائفةُ والمحْجوبَةُ عن وُلاةِ الأمر مؤلمةٌ للغاية .. وأي حاجٍّ من الطبَقاتِ المتوسطةِ وما أسفل منها – وهو ما يمثل 95% بالنسبةِ للحُجاج على أقلّ تقدير - يستطيعُ أنْ يكتشف الخِداعَ في تلك التصريحات البجيحة التي قد تُسبّب له مجموعةً لا بأس بها من الأعراضِ المؤذيةِ من غثيانَ وهياجٍ عصبي و صُداعٍ نصفي والتهابٍ قولوني وانزلاقٍ غضروفي .. !! ..
لك أن تتخيل أيّ إحساسٍ قد يعتري الحاجّ وهو يسمَعُ تصريحَ المسؤولِ الذي لم يَقُلْ شيئاً من الحقيقةِ خلا قوله " بحمد الله انتهى موسم الحج" .. إلى هُنا .. وما عداه فهو الطريقُ إلى الفجورِ الذي يهدي بِدَوْرِهِ إلى النارِ .. ليُكتَبَ المصرِّحَ عند الله وعند الناس الغلابى "كذابا" .. كيف إحساس الحاج المغلوبِ على أمْرِه - إثْرَ تبجُّحِ المسؤولِ الناطق بالإفْك - و قد بات ليلةَ مزدلِفَة من غيرِماء .. يكْرَعُ من مياه المواضئ حتى رَوي .. وهو يردد : حسبنا الله ونعم الوكيل .. رأيت بأمّ عيني – والله - من يَزْدَحِم على عَرَبةٍ تبيع الماء "الفاتر" بثلاثة ريالات .. !! ..
أيُ إحساسٍ يعتَريهِ - وهو يسْمعُ تَصريحَ المسؤولِ المدلّس - وقد مَلأَ بمجهودِهِ الشخصيّ عُبْوةَ ماءٍ فارغةٍ بسائل أصفر بعد أن أعياه الحصْر عند إياسِهِ من دوراتِ المياه التي اكتَضّ فيها المحصورون كـكوزِ ذرة ..
أي إحساسٍ يعْتريْهِ و هو يتعرّضُ لأفضَعِ استغلالٍ ماديّ يُمْكِن أن يحدُث في العالم .. الغِذاءُ والمواصلات والسّكن والاتصالات بعشرين ضعفٍ لسعرِها الفعليّ ..
أي إحساسٍ يَعتريه وهو يسيْرُ على القمائم .. ويجْلِس على كافّة أنواعِ الفضلاتِ التي تخْطُرُ بالبالِ والتي لا يمكن أن تخطر على البال لانعدامِها في العهْدِ الذهْنيّ في جميعِ نواحي المشاعر ..
لم يُضيّع البلدَ إلا المنافقون المتنفّذون في وسائِلِ الإعلامِ الذين يحْجُبُون عن الولاةِ الحقائقَ أو يزيّفونها .. ولا يتوانَون عن كَيْلِ أنواعِ المدائحِ عند تحصيلِ الفُتات .. كُنتُ في سيارة تاكسي وسمعتُ في الراديو أحدَهم يتحدثُ عن الإنجازات والخِدْمات التي قدّمتْها الدولةُ للحجاج – هذا شيءٌ مقبول ونؤيدُه لكن بقدرٍ لا يَطغى على النّقدِ الهادِفِ الناصح - فَوَرَدتْ مداخلةٌ من شخصٍ غاضبٍ يشكي معاناتَه في أحَدِ المشاعِرِ .. فرِحْتُ صراحةً لإتاحةِ الفُرصة للمصحّحين والناقدِين الذين يضعون الأمُورَ في نِصابِها .. لكن الطامّة حينما انبرى ضعيفُ الذمّة للتبرير البارِدِ والدّفاعِ المستميتِ وتكذيبِ المتصل بوصمِهِ بالمبالغة .. حقاً لا يُفسد البِلاد إلا هؤلاء لا كثرهم الله ..
منعاً للفلسفةِ والمساومةِ .. فكُلّ من رأيْتُهم ممن نقلتُ لكم معاناتِهم هم من أصحابِ الحَمْلات .. أي أنّهم ليسوا مخالفين بل مصرحٌ لهم بالحجّ بشكلٍ رسميّ .. وتم تعرضهم لأبشع المواقفِ بشكلٍ رسميّ ايضاً .. أحد هؤلاء جزائريّ الجنسية تحدث إلينا متهدج الصوت أسىً وحزناً على القذارة التي تملأ الأرْجاءَ ويتحسّر على ما وَصَلت إليه المشاعِر التي تستجيش لحالِها المشاعِر .. بتّ لا أستطيعُ أنْ أصرّح بجنسيـّتي بين هؤلاء .. وإذا ما دفعَ الفُضُولُ أحدَهم ليسألَ عن جنسيتي ورأى تلكّؤي لم يخالجْه الشّكُ أنّي سعودي ..
إن ما يتمّ اقترافُه بحقّ الحجيجِ هُو أعظَم إساءةٍ تُوجّه لهذا الوطنِ الغالي .. تتهاوى على إثْره الجُهود التي يبذُلُها خادمُ الحرمين الشريفين شفاه الله وعافاه .. الذي لم يفتأ يبْذُل الجُهد وما في والوِسْع لتحسينِ صُورةِ هذا البلدِ المعطاءِ بشتّى السّبل .. ويبذُلُ الغالي والأغلى منه لتحقيقِ هذا الهدف ..
وأخيراً .. فالحُلولُ متيسّرةٍ ولن تبلُغَ كُلفةِ الإصلاح معْشارَ قيمةِ القِطار الذي تعطل في اليوم الثالث من الموْسم .. لكن نفتقد الإرادة الصّادقةَ والمراقبةَ للهِ ومراعاةِ الأمانةِ الملقاة على الكواهِلِ غير العابِئة .. وعدم التسليم بكل ما يطرح في صحافة الإفك .. وتوصِيلِ الصّورةِ الصّحيحةِ لوُلاتِنا الذين لا نَشُكّ بإخلاصِهم .. والله ولي التوفيق ..
المفضلات