الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب اليه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.واشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فهذه رسالة في بيان حكم زكاة الحلي المباح ذكرت فيها ما بلغه علمي من الخلاف و الراجح من الأقوال وأدلة الترجيح، فأقول و بالله التوفيق و الثقة وعليه التكلان وهو المستعان: لقد اختلف أهل العلم رحمهم الله في وجوب الزكاة في الحلي المباح على خمسة أقوال:
أحدها: لا زكاة فيه وهو المشهور من مذاهب الأئمة الثلاثة مالك و الشافعي واحمد الا إذا أعد للنفقة وإن أعد للأجرة ففيه الزكاة عند أصحاب احمد و لا زكاة فيه عند أصحاب مالك و الشافعي وقد ذكرنا أدلة هذا القول إيرادا على القائلين بالوجوب و اجبنا عنها.
الثاني: فيه الزكاة سنة واحدة وهو مروي عن انس ابن مالك رضي الله عنه.
الثالث: زكاته عاريته، وهو مروي عن أسماء وانس ابن مالك أيضا.
الرابع: انه يجب فيه أما الزكاة وأما العارية ورجحه ابن القيم رحمه الله في الطرق الحكمية.
القول الخامس: وجوب الزكاة فيه إذا بلغ نصابا كل عام، وهو مذهب أبي حنيفة و راويه عن احمد و أحد القولين في مذهب الشافعي و هذا هو القول الراجح لدلالة الكتاب والسنة و الآثار عليه – فمن أدلة الكتاب قوله تعالى: (والذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم(34) يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون)[التوبة: 34، 35] و المراد بكنز الذهب والفضة عدم إخراج ما يجب فيهما من زكاة وغيرها من الحقوق، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: كل ما أديت وان كان تحت سبع ارضين فليس بكنز وكل ما لا تؤدي زكاته فهو كنز وان كان ظاهرا على وجه الأرض. قال ابن كثير رحمه الله: وقد روي هذا عن ابن عباس و جابر وأبي هريرة مرفوعا و موقوفا.أ.هـ – و الآية عامة في جميع الذهب و الفضة لم تخصص شيئا دون شئ، فمن ادعي خروج الحلي المباح من هذا العموم فعليه الدليل.
و أما السنة فمن أدلتها:
1- ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها الا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فاحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه و جبينه و ظهره )) الحديث(1) و المتحلي بالذهب و الفضة صاحب ذهب وفضة ولا دليل على إخراجه من العموم و حق الذهب والفضة من أعظمه و أوجبه الزكاة. قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: الزكاة حق المال
2- ما رواه الترمذي و النسائي وأبو داود و اللفظ له قال: حدثنا أبو كامل و حميد بن مسعدة المعنى أن خالد ابن الحارث حدثهم، حدثنا حسين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم و معها ابنة لها و في يد ابنتها مسكتان (2) غليظتان من ذهب، فقال لها: ((أتعطين زكاة هذا ؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار )) قال: فخلعتهما فالقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم و قالت: هما لله ورسوله (3)
– قال في بلوغ المرام(4) وإسناده قوي. وقد رواه الترمذي من طريق ابن لهيعة و المثنى بن الصباح ثم قال: أنهما يضعفان في الحديث، ولا يصح في هذا الباب شئ لكن قد رد قول الترمذي هذا برواية أبي داود لهذا الحديث من طريق حسين المعلم وهو ثقة احتج به صاحبا الصحيحين البخاري و مسلم و قد وافقهم الحجاج بن أرطاة، وقد وثقه بعضهم و روى نحوه احمد عن أسماء بنت يزيد بإسناد حسن.
3- ما رواه أبو داود قال: حدثنا محمد بن إدريس الرازي، حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق، حدثنا يحي ابن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر أن محمد ابن عمرو بن عطاء اخبره عن عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال: دخلنا على عائشة رضي الله عنها فقالت: (( دخل علي رسول الله فرأى في يدي فتخات من ورق(5) فقال: ((ما هذا يا عائشة؟ فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله. فقال: أتودين زكاتهن فقالت لا أو ما شاء الله فقال: هو حسبك من النار)(6) قيل لسفيان: كيف تزكيه ؟قال: تضمه إلى غيره- وهذا الحديث أخرجه أيضا الحاكم و البيهقي و الدارقطني(7) وقال في التخليص(8) إسناده على شرط الصحيح و صححه الحاكم وقال: إنه على شرط الشيخين- يعني البخاري و مسلم – و قال ابن دقيق: إنه على شرط مسلم.
4- ما رواه أبو داود قال: حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا عتاب – يعني ابن بشير عن ثابت بن عجلان، عن عطاء عن أم سلمة قالت: كنت ألبس أوضاحا من ذهب فقلت: يا رسول الله أكنز هو؟ فقال: ((ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكي فليس بكنز)(9) وأخرجه أيضا البيهقي و الدارقطني و الحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه وصححه أيضا الذهبي(10) وقال البيهقي: تفرد به ابن عجلان قال في التنقيح: وهذا لا يضر فإن ثابت بن عجلان روى له البخاري ووثقه ابن معين و النسائي، وقول عبد الحق فيه: (( لا يحتج بحديثه)) قول لم يقله غيره. قال ابن دقيق:وقول العقيلي في ثابت بن عجلان (( لا يتابع على حديثه )) تحامل منه
* فإن قيل: لعل هذا حين كان التحلي ممنوعا كما قاله مسقطو الزكاة في الحلي
فالجواب: إن هذا لا يستقيم فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع من التحلي به بل أقره مع الوعيد على ترك الزكاة ولو كان التحلي ممنوعا لأمر بخلعه و توعد على لبسه ثم إن النسخ يحتاج إلى معرفة التاريخ و لا يثبت ذلك بالاحتمال ثم لو فرضنا أنه كان حين التحريم فان الأحاديث المذكورة تدل على الجواز بشرط إخراج الزكاة و لا دليل على ارتفاع هذا الشرط و إباحته إباحة مطلقة أي بدون زكاة
* فان قيل: ما الجواب عما احتج به من لا يرى الزكاة في الحلي وهو ما رواه ابن الجوزي بسنده في (التحقيق ) عن عافيه بن أيوب، عن الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ليس في الحلي زكاة))و رواه البيهقي في (( معرفة السنن و الآثار ))
قيل: الجواب على هذا من ثلاثة أوجه: الاول: أن البيهقي قال فيه: إنه باطل لا اصل له و إنما يروى عن جابر من قوله و عافية بن أيوب مجهول فمن احتج به كان مغررا بدينه ا.هـ
الثاني: إننا إذا فرضنا توثيق عافية كما نقله ابن حاتم عن أبي زرعة فانه لا يعارض أحاديث الوجوب ولا يقابل بها لصحتها و نهاية ضعفه
الثالث: إننا إذا فرضنا انه مساو لها و يمكن معارضتها به فان الأخذ بها أحوط و ما كان أحوط فهو أولى بالإتباع لقول النبي صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)(11) وقوله: (0 فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه و عرضه)(12)
* و أما الآثار فمنها:
1- عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي موسى أن مر من قبلك من نساء المسلمين أن يصدقن من حليهن – قال ابن حجر في التلخيص(13) انه أخرجه ابن أبي شيبة و البيهقي من طريق شعيب بن يسار وهو مرسل قاله البخاري. قال: وقد أنكر ذلك الحسن فيما رواه ابن أبي شيبة عنه قال: لا نعلم أحدا من الخلفاء قال في الحلي زكاة.ا.هـ لكن ذكره مرويا عن عمر صاحب المغني و المحلى و الخطابي
2- عن بن مسعود رضي الله عنه إن امرأة سألته عن حلي لها فقال: إذا بلغ مائتي درهم ففيه الزكاة رواه الطبراني و البيهقي(14) و رواه الدارقطني من حديثه مرفوعا وقال: هذا وهم و الصواب موقوف(15) .
3- عن ابن عباس رضي الله عنهما، حكاه عنه المنذري والبيهقي قال الشافعي: لا أدري يثبت عنه أم لا
4- عن عبد الله بن عمر بن العاص انه كان يأمر بالزكاة في حلي بناته و نسائه، ذكره عنه في المحلى من طريق جرير بن حازم عن عمرو بن شعيب عن أبيه.
5- عن عائشة رضي الله عنها إنها قالت: لا باس بلبس الحلي إذا أعطى زكاته. رواه الدارقطني(16) من حديث عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة، لكن روى مالك في الموطأ(17) عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة إنها كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي، فلا تخرج من حليهن الزكاة. قال ابن حجر في التخليص(18) و يمكن الجمع بينهما بأنها كانت ترى الزكاة فيها(19) و لا ترى إخراج الزكاة مطلقا عن مال الأيتام لكن يرد على جمعه هذا ما رواه مالك في الموطأ(20) عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه انه قال: كانت عائشة تليني وأخا لي يتيمين في حجرها فكانت تخرج من أموالنا الزكاة. قال بعضهم: و يمكن أن يجاب عن ذلك بأنها لا ترى إخراج الزكاة عن أموال اليتامى واجبا فتخرج تارة ولا تخرج أخرى كذا قال. وأحسن منه أن يجاب بوجه آخر وهو إن عدم إخراجها فعل والفعل لا عموم له فقد يكون لأسباب ترى أنها مانعة من وجوب الزكاة فلا يعارض القول و الله اعلم
* فان قيل: ما الجواب عما استدل به مسقطو الزكاة فيما نقله الأثرم قال:سمعت احمد بن حنبل يقول: خمسة من الصحابة كانوا لا يرون في الحلي زكاة: أنس ابن مالك و جابر و ابن عمر و عائشة وأسماء ؟ فالجواب: إن بعض هؤلاء روي عنهم الوجوب و إذا فرضنا أن لجميعهم قولا واحدا أو أن المتأخر عنهم هو القول بعدم الوجوب فقد خالفهم من خالفهم من الصحابة، وعند التنازع يجب الرجوع إلى الكتاب و السنة وقد جاء فيهما ما يدل على الوجوب كما سبق.
*فان قيل: قد ثبت في الصحيحين(1) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن)) وهذا دليل على عدم وجوب الزكاة في الحلي إذ لو كانت واجبة في الحلي لما جعله النبي صلى الله عليه وسلم مضربا لصدقة التطوع. فالجواب على هذا: إن الأمر بالصدقة من الحلي ليس فيه إثبات وجوب الزكاة فيه ولا نفيه عنه و إنما فيه الأمر بالصدقة حتى من حاجيات الإنسان و نظير هذا أن يقال: تصدق ولو من دراهم نفقتك و نفقة عيالك فان هذا لا يدل على انتفاء و جوب الزكاة في هذه الدراهم
*فان قيل: إن في لفظ الحديث: ( وفي الرقة في مائتي درهم ربع العشر)(2) و في حديث عليو ليس عليك شئ حتى يكون ذلك عشرون دينار)(3) و الرقة هي الفضة المضروبة سكة و كذلك الدينار هو السكة و هذا دليل علة اختصاص وجوب الزكاة بما كان كذلك.
---------------------
(1) رواه البخاري , كتاب الزكاة , باب الزكاة على الزوج رقم (1466) ومسلم , كتاب الزكاة , باب فضل النفقة والصدقة على ا لاقربين والزوج رقم (1000)
(2) رواه احمد (1/12)
(3) رواه ابوداؤود , كتاب الزكاة , باب فى زكاة السائمة رقم ( 1573)
و الحلي ليس منه. فالجواب من وجهين:
احدهما: إن الذين لا يوجبون زكاة الحلي ويستدلون بمثل هذا اللفظ لا يخصون وجوب الزكاة بالمضروب من الذهب و الفضة بل يوجبونها في التبر(1) ونحوه وان لم يكن مضروبا و هذا تناقض منهم و تحكم حيث ادخلوا فيه ما لا يشمله اللفظ على زعمهم و اخرجوا منه نظير ما ادخلوه من حيث دلالة اللفظ عليه أو عدمها.
الثاني: إننا إذا سلمنا اختصاص الرقة و الدينار بالمضروب من الفضة و الذهب فان الحديث يدل على ذكر بعض أفراد و أنواع العام بحكم لا يخالف حكم العام و هذا لا يدل على التخصيص كما إذا قلت: أكرم العلماء ثم قلت: أكرم زيدا و كان من جملة العلماء فانه لا يدل على اختصاصه بالإكرام، فالنصوص جاء بعضها عاما في وجوب زكاة الذهب و الفضة و بعضها جاء بلفظ الرقة والدينار وهو بعض أفراد العام فلا يدل ذلك على التخصيص
*فان قيل: ما الفرق بين الحلي المباح و بين الثياب المباحة إذا قلنا بوجوب الزكاة في الأول دون الثاني ؟
فالجواب: أن الشارع فرق بينهما حيث أوجبها في الذهب و الفضة من غير استثناء بل وردت نصوص خاصة في وجوبها في الحلي المباح المستعمل كما سبق و أما الثياب فهي بمنزلة الفرس و عبد الخدمة الذين قال فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس على المسلم في عبده و لا فرسه صدقة) (2) فإذا كانت الثياب لللبس فلا زكاة فيها و إن كانت للتجارة ففيها زكاة التجارة
*فان قيل: هل يصح قياس الحلي المباح المعد للاستعمال على الثياب المباحة المعدة للاستعمال كما قاله من لا يوجبون الزكاة في الحلي؟
*فالجواب : لا يصح القياس لوجوه:
الأول: انه قياس في مقابلة النص و كل قياس في مقابلة النص فهو قياس فاسد وذلك لأنه يقتضي إبطال العمل بالنص، و لان النص إذا فرق بين شيئين في الحكم فهو دليل على أن بينهما من الفوارق ما يمنع إلحاق أحدهما بالآخر، ويجب افتراقها سواء علمنا تلك الفوارق أم جهلناها ومن ظن افتراق ما جمع الشارع بينهما أو اجتماع ما فرق الشارع بينهما فظنه خطأ بلا شك فان الشرع نزل من لدن حكيم خبير.
الثاني: أن الثياب لم تجب الزكاة فيها أصلا، فلم تكن الزكاة فيها واجبة أو ساقطة بحسب القصد و إنما الحكم فيها واحد، وهو عدم وجوب الزكاة فكان مقتضى القياس أن يكون حكم الحلي واحدا وهو وجوب الزكاة سواء أعده للبس أو لغيره، ولا يرد على ذلك وجوب الزكاة فيها إذا كانت عروضا لأن الزكاة حينئذ في قيمتها.
الثالث: أن يقال: ما هو القياس الذي يراد الجمع به بين الحلي المعد للاستعمال و الثياب المعدة له ؟ أهو قياس التسوية أم قياس العكس؟ فان قيل هو قياس التسوية، قيل: هذا إنما يصح لو كانت الثياب تجب فيها الزكاة قبل إعدادها للبس و الاستعمال ثم سقطت الزكاة بعد إعدادها ليتساوى الفرع و الأصل في الحكم و إن قيل: هو قياس العكس، قيل: هذا إنما يصح لو كانت الثياب لا تجب فيها الزكاة إذا لم تعد لللبس و تجب فيها إذا أعدت لللبس فان هذا هو عكس الحكم في الحلي عند المفرقين بين الحلي المعد لللبس و غيره.
------------------------
(1) التبر : ما كان الذهب والفضة غير مصوغ
(2) رواة البخاري , كتاب الزكاة باب ليس على المسلم في فرسه صدقة (1463) ومسلم كتاب الزكاة, باب لا زكاة على المسلم في عبده ولا فرسه رقم (982)
الرابع: إن الثياب و الحلي افترقت عند مسقطي الزكاة في الحلي في كثير من المسائل، فمن الفروق بينهما:
1-إذا أعد الحلي للنفقة و أعد الثياب للنفقة بمعنى انه إذا احتاج للنفقة باع منهما و اشترى نفقة قالوا: في هذا الحال تجب الزكاة في الحلي و لا تجب في الثياب. ومن الغريب أن يقال: امرأة غنية يأتيها المال من كل مكان و كلما ذكر لها حلي معتاد اللبس اشترته برفيع الأثمان للتحلي به غير فرار من الزكاة و لما افتقرت هذه المرأة نفسها أبقت حليها للنفقة و ضرورة العيش، فقلنا لها في الحال الأولى: لا زكاة عليك في هذا الحلي، وقلنا لها في الحال الأخيرة: عليه الزكاة فيه. هذا هو مقتضى قول مسقطي الزكاة في الحلي المباح
2- أن الحنابلة قالوا: انه إذا اعد الحلي للكراء وجبت فيه الزكاة وإذا أعدت الثياب للكراء لم تجب
3- انه إذا كان الحلي محرما وجبت الزكاة فيه وإذا كانت الثياب محرمة لم تجب الزكاة فيها
4- لو كان عنده حلي للقنية (1) ثم نواه للتجارة صار للتجارة ولو كان عنده ثياب للقنية ثم نواها للتجارة لم تصر للتجارة وعللوا ذلك بان الأصل في الحلي الزكاة فقويت النية بذلك بخلاف الثياب وهذا اعتراف منهم بان الأصل في الحلي وجوب الزكاة. فنقول لهم: وما الذي هدم هذا الأصل بدون دليل؟
5- قالوا: لو نوى الفرار من الزكاة باتخاذ الحلي لم تسقط الزكاة، وظاهر كلام أكثر أصحاب الإمام احمد انه لو أكثر من شراء العقار فرار من الزكاة سقطت الزكاة و قياس ذلك لو أكثر من شراء الثياب فرارا من الزكاة سقطت الزكاة إذ لا فرق بين الثياب و العقار فإذا كان الحلي المباح مفارقا للثياب المعدة لللبس في هذه الأحكام فكيف نوجب أن نجوِّز إلحاقه بها في حكم دل النص على افتراقها فيه؟ إذا نبين ذلك فان الزكاة لا تجب في الحلي حتى يبلغ نصابا لحديث أم سلمة السابق: ((ما بلغ أن تودي زكاته فزكي فليس بكنز))(2) فنصاب الذهب عشرون دينارا (3) و نصاب الفضة مائتا درهم (4) .
فإذا كان حلي الذهب ينقص وزن ذهبه عن عشرون دينارا وليس عند صاحبه من الذهب ما يكمل به النصاب فلا زكاة فيه وإذا كان حلي الفضة ينقص وزن فضته عن مائتي درهم وليس عند صاحبه من الفضة ما يكمل به النصاب فلا زكاة فيه.
---------------------
(1) القنية : من الاقتناء وهو الادخار .
(2) سبق تخريجه ص9
(3 المراد الدينار الإسلامي الذي يبلغ وزنه مثقالا ووزنة المثقال أربعة جرامات وربع , فيكون نصاب الذهب خمسة وثمانين جراما , يعادل عشر جنيهات سعودي وخمسة أثمان الجنية
(4) والمراد الدرهم الإسلامي الذي يبلغ وزنه سبعة أعشار مثقال , فيبلغ مائة واربعين مثقالا وهي خمسمائة وخمسة وتسعون جراما, تعادل ستة وخمسين ريالا عربيا من الفضة.(مجالس شهر رمضان للمؤلف ص 77)
والمعتبر وزن ما في الحلي من الذهب و الفضة وأما ما يكون فيه من اللؤلؤ و نحوه فانه لا يحتسب به في تكميل النصاب ولا يزكي ما فيه من اللؤلؤ ونحوه لأنه ليس من الذهب و الفضة و الحلي من غير الذهب و الفضة لا زكاة فيه الا أن يكون للتجارة.
لكن هل المعتبر في نصاب الذهب الدينار الإسلامي الذي زنته مثقال وفي نصاب الفضة الدرهم الإسلامي الذي زنته سبعة أعشار مثقال أو المعتبر الدينار والدرهم عرفا في كل زمان و مكان بحسبه سواء قل ما فيه من الذهب و الفضة أم كثر ؟ الجمهور على الاول وحكى إجماعا، وحقق شيخ الإسلام ابن تيمية الثاني أي أن المعتبر الدينار والدرهم المصطلح عليه في كل زمان و مكان بحسبه فما سمي دينارا أو درهما ثبتت له الأحكام المعلقة على اسم الدينار و الدرهم سواء قل ما فيه من الذهب و الفضة أم كثر و هذا هو الراجح عندي لموافقته ظاهر النصوص وعلى هذا فيكون نصاب الذهب عشرين جنيها و نصاب الفضة مائتي ريال وان احتاط المرء و عمل بقول الجمهور فقد فعل ما يثاب عليه إن شاء الله.
فإذا بلغ الحلي نصابا خالصا عشرين دينارا أن كان ذهبا و مائتي درهم إن كان فضة ففيه ربع العشر لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم وليس عليك شئ يعني في الذهب – حتى يكون لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار) رواه أبو داود.(1)
و بعد: فإن على العبد أن يتقي الله ما استطاع و يعمل جهده في تحري معرفة الحق من الكتاب و السنة فإذا ظهر له الحق منهما وجب عليه العمل به، وأن لا يقدم عليهما قول أحد من الناس كائنا من كان ولا قياسا من الأقيسة أي قياس كان و عند التنازع يجب الرجوع إلى الكتاب و السنة فإنهما الصراط المستقيم و الميزان العدل القويم، قال تعالى: ( فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )(النساء- 59) والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه و الرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته و هديه حيا و ميتا.
وقال تعالى: ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما) (النساء: 65) .
فأقسم الله تعالى بربوبيته لرسوله صلى الله عليه وسلم التي هي أخص ربوبية قسما مؤكدا على أن لا إيمان الا بأن نحكم النبي صلى الله عليه وسلم في كل نزاع بيننا وألا يكون في نفوسنا حرج وضيق مما يقضي به رسول الله صلى الله عليه وسلم و أن نسلم لذلك تسليما تاما بالانقياد الكامل و التنفيذ . وتأمل كيف أكد التسليم بالمصدر فإنه يدل على أنه لا بد من تسليم تام لا انحراف فيه ولا توان . و تأمل أيضا المناسبة بين المقسم به و المقسم عليه فالمقسم به ربوبية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم و المقسم عليه هو عدم الإيمان إلا بتحكيم النبي صلى الله عليه وسلم تحكيما تاما يستلزم الانشراح و الانقياد و القبول، فان ربوبية الله لرسوله تقتضي أن يكون ما حكم به مطابقا لما أذن به ربه ورضيه فان مقتضي الربوبية أن لا يقره على خطأ لا يرضاه له وإذا لم يظهر له الحق من الكتاب و السنة وجب عليه أن يأخذ بقول من يغلب على ظنه انه اقرب إلى الحق بما معه من العلم و الدين فان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها و عضوا عليها بالنواجذ)) (1) و أحق الناس بهذا الوصف أبو بكر و عمر و عثمان و علي رضوان الله عليهم أجمعين فإنهم خلفوا النبي صلى الله عليه وسلم في أمته في العلم و العمل و السياسة و المنهج جزاهم الله عن الإسلام و المسلمين أفضل الجزاء.
---------------
(1) سبق تخريجه ص ( 15)
(2) رواه احمد (4/126, 127) وأبو داؤود,كتاب السنة , باب في لزوم السنة رقم ( 4607) والترمذي , كتاب العلم , باب ما جاء في الأخذ بالسنة رقم ( 2676) وابن ماجة , كتاب المقدمة , باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين رقم (42, 43) .
و نسأل الله تعالى أن يهدينا صراطه المستقيم و أن يجعلنا ممن رأى الحق حقا فاتبعه و رأى الباطل باطلا فاجتنبه، والله اعلم، وصلي الله على نبينا محمد و اله و صحبه و سلم تسليما كثيرا.
حرره كاتبه الفقير إلى الله محمد الصالح العثيمين و ذلك في 12 من صفر سنة 1382 و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
---------------
(1) رواه مسلم , كتاب الزكاة, باب إثم مانع الزكاة (2252)
(2) مسكتان : بفتح الميم وفتح السين المهملة , الواحدة مسكة وهي السوار
(3) رواه ابوداؤود , كتاب الزكاة , باب الكنز ما هو وزكاة الحلي رقم ( 1563) والترمزي كتاب الزكاة باب ما جاء في زكاة الحلي رقم (637) والنسائي كتاب الزكاة باب زكاة الحلي رقم (2479).
(4)بلوغ المرام ( 1/207) طبعة دار ابن كثير
(5) الورق : الفضة
(6) رواه ابوداؤود , كتاب الزكاة , باب الكنز ما هو وزكاة الحلي رقم ( 1565)
(7) رواه الحاكم (1/390) والبيقهي (4/129) والدار قطنى (2/105)
(8) تلخيص الحبير (2/189)
(9) رواه ابوداؤود , كتاب الزكاة باب الكنز ما هو الحلي وزكاة الحلي رقم (1564)
(10) رواه البيهقي (4/140) والدارقطني (1/105) والحاكم 1/390
(11) احمد (1/200) و(3/153) والترمذي , كتاب صفة القيامة , رقم (2518)
(12) رواه البخاري , كتاب الإيمان , باب فضل من استبرأ لدينه رقم (52) ومسلم , كتاب المساقاة , باب اخذ الحلال وترك الشبهات رقم ( 1599)
(13) تلخيص الجبير (1/188)
(14) رواه الطبراني (9/319) والبيهقي (4/139)
(15) سنن الدار قطنى ( 1/108)
(16) سنن الدار قطنى ( 1/107)
(17) الموطأ ( 1/250)
(18) تلخيص الحبير ( 1/189)
(19) أي في الحلية
(20) الموطأ (1/251)
المفضلات