الوقوف بمزدلفة:
( فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّين َ* ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم)
وهو من واجبات الحج باتفاق الجميع.
والمطلوب عند الإِمام أحمد المبيت في مزدلفة، وعند سائر الأئمة يكفي الوقوف أو الحضور أو النزول أو المرور حَسب تعبيراتهم.
ووقت الوقوف بعد عرفة وقبل فجر يوم النحر.
ويسن له أن يصلي الفجر في أول الوقت، ثم يقف عند المشعر الحرام إلى أن يسفر جدًا، ويكثر من الذكر والدعاء، فإذا طلعت الشمس أفاض إلى منى.
والمزدلفة كلها موقف إلّا وادي مُحَسِّر (وهو بين المزدلفة ومنى).
ومن فاته الوقوف بمزدلفة لغير عذر فعليه دم، ويجب عليه أن يبقى إلى جزء من نصف الليل الثاني عند الشافعية.
وهذا مقال مفصل عن الوقوف بمزدلفة
هل يجب الوقوف أو المبيت في مزدلفة؟
من المعلوم أن المجيء إلى مزدلفة يكون بعد إفاضة الحجاج من عرفات بعد غروب الشمس، فيصلون المغرب والعشاء في مزدلفة جمع تأخير، ويذكرون الله، ويدعونه، قال تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات، فاذكروا الله عند المشعر الحرام}.
ولكن هل يجب المبيت في مزدلفة، أم يكفي الوقوف بها?
وهل يجزئ المرور بها دون مبيت ولا وقوف؟ أقوال للفقهاء نوجزها في الآتي:
أولاً: قال الحنابلة: المبيت بمزدلفة واجب، ومن تركه فعليه دم.. وهذا قول عطاء، والزهري، وقتادة، وأبي ثور، وإسحاق، وهو أصح القولين عند فقهاء الشافعية، وهو مذهب الزيدية، والحجة لهذا القول -كما قال ابن قدامة الحنبلي-: إن النبي صلى الله عليه وسلم بات بمزدلفة، وقال: "خذوا عني مناسككم" وهذا يعني أن المبيت واجب.
وهذا المبيت يتحقق بالحضور بمزدلفة في ساعة من النصف الثاني من الليل -ليلة النحر- كما صرح بهذا الشافعية، ورتبوا عليه أن من خرج من مزدلفة قبل منتصف الليل -ولو بوقت يسير-، ولم يعد إلى مزدلفة فقد ترك المبيت ولزمه دم -ذبح شاة-، ولكن إذا عاد إلى مزدلفة قبل طلوع الفجر أجزأه ذلك ولا شيء عليه، وبهذا أيضًا قال الحنابلة.
وقال الحنفية: السنة أن يبيت الحاج ليلة النحر بمزدلفة، ولكن المبيت فيها ليس واجبًا، إنما الواجب هو الوقوف فيها فيما بين طلوع الفجر من يوم النحر وطلوع الشمس، فمن حضر بمزدلفة في هذا الوقت فقد أدرك الوقوف فيها، سواء بات فيها أو لم يبت، وسواء وقف فيها أو لم يقف، وإنما مر مرورًا بها؛ وذلك لأن ركن الوقوف وحقيقة كينونته بمزدلفة -أي حصوله كائنًا فيها-، وإن قل مكثه فيها، فإذا لم يحصل له شيء من هذا الحضور فيها في هذا الوقت، فقد فاته الوقوف بمزدلفة.
وعند المالكية: الواجب هو نزول الحاج بمزدلفة ومكثه فيها بقدر ما يكفي من الوقت لحط رحاله، وأدائه صلاة العشائين: المغرب والعشاء، وتناوله شيئًا من طعام وشراب. فإن لم ينزل ويمكث هذا القدر من الوقت فعليه دم، وإن نزل ومكث القدر الذي ذكروه فلا دم عليه في أي وقت خرج من مزدلفة، أما المبيت فيها فقد قالوا: هو مندوب.
وقوف النساء بمزدلفة:
الوقوف بمزدلفة مشروع في حق النساء كما هو مشروع في حق الرجال، ولا يشترط لوقوفهن في مزدلفة الطهارة عن الحيض كما ذكرنا.. فإذا أفضن من عرفات، ووصلن إلى مزدلفة، فعلن ما يفعله الرجال: من جمع بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تأخير، ومن ذكر الله تعالى، ومن مبيت في مزدلفة، أو وقف فيها على النحو الذي فصلناه.
وقد ذكر بعض الفقهاء سقوط وجوب الوقوف عن المرأة بعذر الزحمة بمزدلفة، كما أجازوا للنساء الخروج من مزدلفة قبل الفجر مع أن السنة الخروج منها بعد أن يسفر الصبح كما ذكرنا، وعن هذين الأمرين أذكر ما يلي:-
جاء في "البدائع" للكاساني في فقه الحنفية: "هو -أي الوقوف بمزدلفة- واجب، إلا أنه قد يسقط وجوبه لعذر من ضعف أو مرض أو حيض، حتى لو تعجل ولم يقف لا شيء عليه".
وفي "الدر المختار" -والكلام في الوقوف بمزدلفة-: "ولكن لو تركه بعذر كزحمة بمزدلفة لا شيء عليه". وقال ابن عابدين في حاشيته المسماة "رد المحتار على الدر المختار"، وهي في فقه الحنفية، تعليقًا على عبارة "الدر المختار"، قال ابن عابدين: قوله كزحمة، عبارة اللباب: إلا إذا كان لعلة أو ضعف، أو يكون امرأة تخاف الزحام فلا شيء عليه. ثم قال ابن عابدين: فالأولى تقييد خوف الزحمة بالمرأة، ويحمل "إطلاق المحيط" (كتاب فقه) عليه لكون ذلك عذرًا ظاهرًا في حقها يسقط به الواجب بخلاف الرجل.
خروج النساء من مزدلفة بليل:
قال الشافعي وفقهاء المذهب الشافعي: السنة تقديم الضعفاء من النساء وغيرهن من مزدلفة قبل طلوع الفجر بعد نصف الليل إلى منى، ليرموا جمرة العقبة قبل زحمة الناس لحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "استأذنت سودة (أم المؤمنين) رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة المزدلفة تدفع قبله -أي تخرج من مزدلفة قبل طلوع الفجر- وقبل حطمة الناس، وكانت امرأة ثبطة، فأذن لها".
وكذلك قال الحنابلة ففي "المغني": ولا بأس بتقديم الضعفة والنساء، وممن كان يقدم ضعفة أهله: عبد الرحمن بن عوف وعائشة، وبه قال عطاء، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفًا، ولأن فيه رفقًا بهم ودفعًا لمشقة الزحام عنهم، واقتداء بفعل نبيهم -صلى الله عليه وسلم-.
فوات الوقوف بمزدلفة:
وأما حكم فوات الوقوف بمزدلفة عن وقته، ينظر: فإن كان لعذر فلا شيء عليه، لما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم -قدم ضعفة أهله ولم يأمرهم بالكفاءة. وإن كان فواته لغير عذر فعليه دم -ذبح شاة-؛ لأنه ترك الواجب من غير عذر، والترك في هذه الحالة يوجب الكفارة
أخطاء شائعة في مزدلفة
عدم النزول داخل حدود مزدلفة: وهذا خطأ وتفويت للواجب في الحج.
صلاة المغرب والعشاء في الطريق: وهذا مخالف للسنة؛ فالسنة ألاَّ يصلي إلاَّ إذا وصل إلى مزدلفة؛ فيجمع بها المغرب والعشاء.
عدم الصلاة ولو خرج وقتها: وهذا خطأ، ولا يجوز ترك الصلاة حتى يخرج وقتها، بل إذا خشي خروج الوقت صلى ولو في الطريق.
قضاء الليلة في العبادة: وهذا خلاف الثابت من فعله- صلى الله عليه وسلم- فإنه نام في تلك الليلة.
المكوث في مزدلفة حتى الشروق: وهو خلاف السُّنَّة؛ بل السُّنَّة الدعاء بعد صلاة الصبح حتى الإسفار ثم الدفع إلى مِنى.
المرور بمزدلفة دون المبيت بها: وهذا خطأ، والسنة المبيت بمزدلفة إلى الصبح خاصة عند عدم وجود عذر أو ضرورة.
الإيضاع (الإسراع) وقت الدفع من عرفة إلى مزدلفة.
الاغتسال للمبيت بمزدلفةباعتقاد انه واجب .
استحباب نزول الراكب ليدخل مزدلفة ماشيًا توقيرًا للحرم.
التزام الدعاء بقوله إذا بلغ مزدلفة: اللهم إن هذه مزدلفة، جمعت فيها ألسنة مختلفة، نسألك حوائج …..
ترك المبادرة إلى صلاة المغرب فور النزول في المزدلفة، والانشغال عن ذلك بالتقاط الحصى.
صلاة سنة المغرب بين الصلاتين، أو جمعها إلى سنة العشاء والوتر بعد الفريضتين كما يقول الغزالي.
إحياء هذه الليلة في الذكر والدعاء فقط دون النوم والراحة.
التزام الدعاء إذا انتهى إلى المشعر الحرام بقوله: اللهم بحق المشعر الحرام والبيت الحرام، والشهر الحرام، والركن والمقام، أبلغ روح محمد منا التحية والسلام، وأدخلنا دار السلام، يا ذا الجلال والإكرام إلا إذا كان مجرد دعاء دون تخصيص.
بعض الحجاج يصلون الفجر ليلة مزدلفة قبل دخول الوقف: فنسمع بعضهم يؤذن قبل دخول الوقت بساعة أو أقل أو أكثر؛ وذلك تحايلا؛ حتى يتمكن من الذهاب بمنى قبل الناس، وهذا خطأ عظيم.
اعتقاد البعض أن حصي الجمار لابد أن يكون من مزدلفة: والصواب أنه يجوز أخذه من أي مكان، والثابت عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه لم يأمر بأن يلتقط له حصى جمرة العقبة من مزدلفة، وإنما التُقِط له في الصباح حين انصرف من مزدلفة بعدما دخل منى، وهكذا بقية الحصي أخذه من منى.
التزام الدعاء إذا انتهى إلى المشعر الحرام بقوله: اللهم بحق المشعر الحرام والبيت الحرام، والشهر الحرام، والركن والمقام أبلغ رُوح محمد منا التحية والسلام…إلخ، وعليه، فله أن يدعو، أو يذكر الله ما شاء دون الالتزام بدعاء أو ذكر معين.
اسلام اون لاين
المفضلات