خطبة هذا الإسبوع إن شاء الله
بعنوان
وقفات على مفارق الزمن
( بمناسبة بداية الدراسة والدوام )
الخطبة الأولى
الحمد لله ، ما دارت الأيام ، وما تقلبت السنين والأعوام ، وأشهد أن لا إله الا الله ، ولا معبود بحق إلا إلله ، إله الأنام ، الذي ارتضى لنا دين الإسلام ، يعلم ما كان وما يكون وما في الأرحام ، وأشهد أن النبي الأمي ، الهاشمي العربي ، محمد بن عبدالله ، عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، وأمينه على وحيه ، عليه أفضل الصلاة والسلام ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وأنتم مسلمون ) بك اللهم آمنا ، ولك أسلمنا ، وعليك توكلنا
أيها المسلمون : من قسم الزمانَ أفلحَ ، ومن وضع في جوفِ كلِ زمانٍ ما هو للزمان أصلحُ أصلحَ ، إن هذا الزمان الذي يتحرك تحت أقدامنا ويثبج من بين أيدينا وأرجلنا ، ويعج عن أيماننا وشمائلنا ، إنه ليس زمانا واحدا الأيام ليست سواءً وإن كانت سواء في ساعاتها والساعات ليست سواء وإن كانت سواء في دقائقها والزمان ليس سواء وإن كان سواء في مقداره وأنصافه وأعشاره أوساعة الجمعة الأولى مثل ساعتها الثانية ؟ مثل ساعتها الثالثة ؟ أقيام ليلة من الليالي مثل قيام ليلة القدر ؟ أرأيتم كيف حرم الله فطر آخر يوم من رمضان وحرم صيام يوم العيد ، وهما يومان لا يفصل بينهما إلا ليلة واحدة ، هذا الزمان الذي تساوى عند الناس قدره ، وتعادل في الحسبان يومه وشهره ، وتكافأ في ميزان من قل علمه شأنه وأمره ، هذا الزمان عجيب في تقلبه ، غريب في ترتُّبِه ، ولنا في شريعة الله خير دليل ، وفي مسلك السالكين فيها أسمى سبيل ، وفي نواميس هذا الكون وأخاديده ، وطارفه وتليده ، أجمل مبتغى ومقيل ، قال تعالى ( وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا ) كل شيء له مهمته ، جعل الله الليل للسبات ، والنهار للمعاش ، وهما وقتان من الأوقات ، لكن مسألة التنظيم مطلوبة ، وقضية التقنيم مرغوبة ، لتستمر الحياة على ما ينفع الفرد والمجتمع ، الله سبحانه وتعالى نظم هذه الأشهر ، ليجتمع الناس على فعل الطاعات ، فالحج أشهر معلومات ، والصوم أيام معدودات ، هذه الأزمنة ، التي تنظم حياة الناس الشرعية والتعبدية ، والفردية والإجتماعية ، لا بد أن نقف عندها ، لا بد أن نقف عند هذه المعاني القيمات ، وقفة خاصة ، وقفة على مفارق الزمان ، إذ مررنا بعدة مفارق ، فأما المفرق الأول ، فهو يوم أن انسلخ الناس من رداء الراحة والدعة ، رداء العطلة الصيفية ، ودخلوا في زمان العمل والجد ، وغيروا وبدلوا ، ليواكبوا ما ستجد واستبد ، ثم مضى الزمان وجاء رمضان ، وانسلخ الناس من عهد إلى عهد ، وشمروا عن ساعد الجد ، فربح من ربح ، وخاب وخسر من لم يزدد ، قطف أناس ثمار ذلك الزمان ، صاموا وقاموا رمضان ، وتدبروا القرآن ، قاموا ليلة القدر ، وما أدراك ما ليلة القدر ، ليلة القدر خير من ألف شهر ، هذه الليلة الشريفة ، كم في ساعاتها من دهر ودهر ، ثم انسلخ شهر الخير والبركه ، وتعطلت عن صيامه وقيامه الحركه ، إلا من نوافل الأعمال ، كصيام ست من شوال ، انسلخ شهر رمضان عن ليلة العيد ويومها ، عن غرة شوال ، فتبدل الزمان من حال الى حال ، وجاء العيد ، وفرح به العبيد ، وانشرح به الداني والبعيد ، وتوالت الأيام بالفرحة والسلام ، وصلة الأرحام ، والراحة والإستجمام ، فكان للمسلمين كمسك الختام ،
أيها المسلمون : المسلم إذا جاء زمان ، عمل لذلك الزمان ، فزمن العبادة عباده ، وزمن السعادة سعاده ، وكلها لله ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ) وها أنتم أيها المسلمون ، ومع نهاية يومكم هذا ، تنسلخون من زمن إلى زمن ، وتنقلبون من حال الى حال ، وإن بعضا من الناس ، يكدرهم هذا التحول ، فتضيق أنفسهم ، وتنقبض صدورهم ، وكأنهم ليسوا مسلمين ، كأنهم ما عاشوا لحظة الإمساك بعد الإفطار ، المسلم أيها المسلمون : متدرب متمرس على هذا الانتقال ، مستعد له في سائر الأحوال ، غدا تدب حياة العمل والدراسة في العروق ، وتسير مواكب المدارس مع الشروق ، فكن لها مستعدا ، ولا تكن عليها ضدا ، كن ذلك الرجل ، الذي يبتسم في مطالع تقلبات الزمن ، فإن ذلك دليل على طيب الكنن ، فالعطلة عطلة ، والدراسة دراسة ، والعمل عمل ، أيها الشباب : أيها الطلاب : إذا فتحت المدارس غدا أبوابها ، فاعلم ان الزمان استدار لها ، فقامت أصلابها ، وقعدت أترابها ، فانهض مع المدارس ، بروح الطالب الدارس ، ولا تقل لبثني لابث أو حبسني حابس ، استدر مع الزمان إليها ، ولا تقطب الحاجبين عليها ، فهي مناهل العلم ، وينابيع المعرفة ، غدا يوم الدراسة ، فكن حاذق الفراسة ، يلزم ان تنام مبكرا ، فلا تكن متعكرا ، ولا مستنكرا ، فزمان العطلة قد ولى ، وزمان الجد قد استهلا ، فهلا يا رعاك الله هلا ، عرفت لكل زمان أمره ، وقدرت لكل شيء قدره ، لو كان الزمان على وتيرة واحدة ، لمل الناس ، ولضاقت الأنفاس ، لكن تقلب الزمان ، على نحو ما كان ، يُلبِسُ الزمنَ حلاوة ، ويكسوه طلاوة ،
لو اللياليَ بيضٌ في جبلَّتِها
ما كان للبدر ذاكَ الشوقُ إذ بَدَرَا
لو بقي الماء في مكانه منحبسا ، لأسن وتغير ، هبوا إلى عزائمكم ، فاشحذوها بالهمم ، فإن العزائم كالسيوف ، إذا لم تشحذ ، لا تكون ماضية ، إن في تقلب الزمان نعمة ، نعمة لا يدركها إلا المحبوس أو المريض ، نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم ، أقول ما سمعتم ، وأستغفر الله لي ولكم ، ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروا ربكم وتوبوا إليه ، إنه هو الغفور الرحيم
الثانية
إن في هذا المفرق الصغير ، لمدكر لمفرق لا بد منه ، يوم أن نتحول من حال إلى حال ، يوم الترحال ، وفراق الدنيا وما فيها ، فاستعدوا لذلك بالتشمير ، فإنكم محاسبون على الصغير والكبير ، والفتيل والقطمير ، المفرق الأعظم ، والمنعطف الأجسم ، هو ركوب رواحل الأنعاش ، واتخاذ الثرى موطنا وفراش ، كل المفارق دون ذلك المفرق يسيره ، فاللهم يسر عسيره ، يامن لا تؤاخذ بالجريره ، ولا تهتك السريره ، اللهم إنا نسألك على الدين ثباتا ، وعلى الإسلام محياً ومماتا ، صلوا وسلموا ، على من جعل ماء الدين عذبا فراتا ، سائغا شرابه ، بينا مولجه وبابه ، يسره وبينه ، ودعى إليه وعلمه ، لم تفض روحه الشريفه ، إلا بعدما بين الثقيلة والخفيفة ، وترككم على هذه المحجه ، بعدما كنتم من أمركم في لجه ، قادكم إلى شاطيء الأمان ، وهداكم بهدي الرحمان ، فصلى الله عليك ياعلم الهدى ، في كل زمان ومكان ، وسلم تسليما كثيرا ،
اللهم من آذاه في نفسه ، وآذاه في زوجه ، وآذا في صحبه ، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه ، اللهم فأمكن منه ما خسفت به قارون ، وأغرقت به فرعون ، اللهم إنا نعلم أنك لو تؤاخذ الناس بما كسبوا ، ما تركت على ظهرها من دابه ، لكننا نلوذ بنور وجهك ، الذي أشرقت له السماوات والأرض ، ونعوذ بعظيم سلطانك ، الذي أهويت به المؤتفكه ، وأحصبتهم بحاصب السماء ، نسألك اللهم أن تأخذه بقوتك ، وتجعله عبرة لمن أرسله و آواه ، ومن أضله وأغواه ، اللهم يامن برأت أم المؤمنين في كتابك ، اللهم إنا نقف ببابك ، ونلوذ بجنابك ، أن تجعله عبرة لسلفه وخلفه ، ودرسا صارما لبني جلدته ، اللهم لا تيسر له إلا العذاب العقيم ، والزقوم والحميم ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين
المفضلات