شاهد عيان
في مواجهة الدويش!
كتب نامي حراب المطيري
بعد مشادات ومناوشات ومشاحنات تخللتها بعض «الطراقات» اللا مرئية بين رغبتي الداخلية المغلفة هذه الأيام بغشاء لذيذ وبهيج من «العسل الروحاني» المخلوط بكمية لابأس بها من«التين والزيتون» الإيماني في هذا الشهر..الرمضاني!
وبين « مخ اللي خلفوا طوايف اللي جابوني» المليء حتى التخمة بهموم الشأن الأسري و« بدنا نطعمي الاولاد» مرورا بشقيقه المحلي و«خلونا ناكل معاكم » وإنتهاءً بالشأن الاقليمي المتكهرب و« بزوغ نجم المجوس» ناهيك عن بعض المستجدات اللافتة من هنا وهناك والتي أجبرتني بدورها على الخروج من «صومعتي» واتخاذ قرار العودة الاستثنائية لعالم الكتابة الصحفية رغم العهد الذي اتخذته بيني وبين نفسي الأمّارة بالسوء بالابتعاد مؤقتا عن مهنة المتاعب إلى مابعد الشهر الفضيل!
لنبدأ مشوارنا على بركة العزيزالجبارمبتدئين بمقالة نشرها قبل أيام قلائل كاتب كويتي يرمز اسمه إلى التوقيت المسائي!
المهم أن صاحبنا الذي قيل لي لاحقا أنه بالاضافة لمجاله الأكاديمي فإنه «يشتغل» بوظيفة مستشار للأمن الوطني أي أنه يعمل على جبهتين احداهما تتعلق بتنشئة الأجيال والأخرى تختص بأمن البلد واستقراره، فهل كان «هذا الكاتب» أمينا فعلا ومستحقا لتبوؤ مكانا مرموقا في أروقة هاتين «الجبهتين» الجليلتين والحساستين.. لنرى ثم نحكم!
بادئ ذي بدء وقبل الخوض في هذا البحر المتلاطم لابد من التوقف قليلا بمحاذاة الشاطئ لكي نحدد ونتفق على خريطة الرحلة ومعرفة مساراتها ثم الابحار باتجاه...جزيرة الأحلام!
أول وأهم جزئية محورية في أي موضوع جدلي وخلافي هي تلك التي تحوم وتدور حول المغزى الأساسي من طرح هكذا فكرة وفيما إن كانت تصب في مجرى الغاية التي ينشدها أوبالأحرى يدعيها الباحث أوالكاتب في ثنايا أطروحته مثارالبحث.. أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟!
ثاني جزئية والتي لاتقل عن صاحبتها التي أشرنا إليها آنفا من حيث الأهمية والاهتمام هي تلك المتعلقة بالتوقيت ومدى ملاءمته للولوج بتوسع وأريحية في نفق حقبة معينة من حقب التاريخ ذات حساسية خاصة ولها امتداد اقليمي معقد ومتشابك يصعب بل يستحيل فك طلاسمها وأسرارها وأبعادها ليس على الباحثين والمفكرين المعاصرين فحسب بل حتى على من عايشوها عن قرب وعاصروا أحداثها.
عموما... لنبدأ عملية «كشف الغطاء» عن معلقة «هذا الكاتب» وما احتوته من مغالطات وتجنيات وغمزات ولمزات ليس بحق ذلك القائد العظيم«أبوبندر» وأصحابه بل باعتبارها أيضا صفعة في وجه الأمانة التاريخية التي تحتم على الناقل أن يكون متجردا وأمينا في نقل الحدث المعني بكل حيثياته وتفاصيله، لا أن يقتطع ما يوافق هواه و«مرجعيته» وايديولوجيته بطريقة تتسم بسوء النية وسوء المقصد ثم يبني عليه بعد ذلك النتائج وكأنها حقائق لاتحتمل المناقشة.
يتناول «هذا الكاتب» في مقالته أحداث العشرينيات من القرن الماضي خصوصا فيما يتعلق بحركة الاخوان وزعيمها الشيخ فيصل بن سلطان الدويش رحمه الله وأسكنه فسيح جناته, وما أفرزته تلك الأحداث من تحولات وتغييرات دراماتيكية- بكل ماتحمله الكلمة من معنى- رسمت بدورها الخريطة السياسية الجديدة في جزيرة العرب وحددت بشكل دقيق ملامح التكوينات الجيوسياسية التي شكلت فيما بعد الدول والكيانات المستقلة المعروفة في عصرنا الراهن.
أول خطأ بل أول خطيئة وقع فيها صاحبنا «أبوالليل» هي أنه فتح ملف تلك الحقبة قبل أن يتجرد بشكل واضح من الكثيرمن الرواسب والمكنونات الراسخة في ذهنيته الايديولوجية الضيقة تجاه الشخوص والاتجاهات الفكرية المخالفة آنذاك- بشكل جذري- لاعتقاداته وثوابته وهو ماجعله ينظر ويحلل ويستنتج وفق هواه ومشتهاه لا وفق الحقائق والشواهد!
يدعي «هذا الكاتب» أن هناك تماثلا وتشابها بين معركة الجهراء التي وقعت في أواخر عشرينيات القرن الماضي مع حركة الاخوان في ذلك الوقت بقيادة فيصل الدويش وبين الغزو العراقي البغيض قبل عقدين من الزمان من عدة نواح ثم يعلن صراحة-أي هذا الكاتب- وكأنه اكتشف نظرية علمية لم يسبقه عليها أحد من الإنس والجن أن زعيم الحركة «الدويش» لايختلف عن صدام حسين من ناحية الوحشية والطمع والعقلية الإرهابية وأن جيش الاخوان والجيش البعثي العراقي هما وجهان لعملة واحدة!
بل إنه احتج في مقالته اللاحقة على كل الأصوات والأقلام التي انتقدته ورفضت اطروحته واصفا اياهم بأنهم ليسوا سوى مجموعة من الصعاليك والمدسوسين. وبما أننا لانملك-للأسف- في هذا الزمن الأغبر سلاحا نذود به عن حياض تاريخنا الملحمي الخالد سوى« القلم» والمسطرة بعد أن كان السيف والرمح فإننا سنضطر مرغمين لاشهار ما في جعبتنا من أقلام للرد على هذه التخرصات.!
أولا: بخصوص وصفه للدويش ابان غزوة الجهراء بأنه إرهابي كصدام حسين فإن هذا الادعاء يثبت بأن الكاتب من الصنف الذي يرمي طلقاته بدون تصويب إذ كيف لمن في «نافوخه» عدة غرامات من العقل السليم أن يشبه أحد عظماء القادة الذين أنجبتهم جزيرة العرب على مرالتاريخ كما يؤكد ويصفه بذلك السياسي البريطاني المخضرم وأحد مؤرخي ومعاصري تلك الفتره( السيرديكسون) في كتابه «الكويت وجاراتها» بل وينعته بصفات وسجايا ترفعه الى مرتبة أحد «صنّاع التاريخ» ناهيك عن تواضعه الجم-الدويش- وسمو أخلاقه وعلو شهامته ومروءته... ولا أعتقد أن المجال يسمح هنا بسرد كافة صفات ومنجزات ذلك الزعيم العظيم.
لكني أود بشدة أن يشهر «هذا الكاتب» سيف الشجاعة والفروسية الأدبية وأن يجيبني على عدة تساؤلات«تتراقص» في زوايا مخي المنهك وهي:-
بماذا يصف الحملة العسكرية التي قادها الشيخ مبارك الصباح المعروف بـ«أسد الجزيره» بنفسه وبمشاركة كبيرة من الجنود والحاشية والأتباع باتجاه منطقة نجد في وسط الجزيرة العربية والتي كانت تحت سيطرة الأمير عبدالعزيز بن رشيد «حاكم نجد وماجاورها» وحصاره الشهير لمدينتي بريدة وعنيزة وتوجهه بعد ذلك لمدينة حائل عاصمة دولة بني رشيد لاخضاع حاكمها وكسر شوكته ثم التقاء الجيش الكويتي وجيش «ابن رشيد» في موقعة «الصريف» الشهيرة في الشمال الشرقي من مدينة بريدة ومانتج عنها من سقوط آلاف القتلى والجرحى من الطرفين أكثرهم من الجانب الكويتي وماتمخضت عنه من هزيمة مدوية للشيخ مبارك وجنوده وعودتهم إلى ديارهم يجرون أذيال الحسرة!
اذن نكررها للمرة الثانية.. بماذا يصنف صاحبنا «أبوالليل» تلك الغزوة «المباركية» الشهيرة وما أحدثته من خسائر وضحايا؟! هل يعتبرها إرهابا وعدوانا أم يراها عملا مشروعا ومبررا. فإن اختار الجواب الأول ووضع الحدثين المعنيين «الجهراء والصريف» في نفس الميزان التحليلي المحايد فهو يستحق فعلا أن نضع على جبينه وسام الاستحقاق العدلي من الدرجة الأولى وننقش اسمه على بوابة«عظماء التاريخ» أما إن التزم الصمت المريب وحمل شعار المراوغة و«الهروب إلى الأمام» فهو سيسقط حتما في هاوية...التدليس التاريخي!
وبما أننا على ثقة تامة بأن جواب هذا الكاتب سيطول انتظاره فإننا نؤكد ونحن نعي مانقول أن معركة الجهراء وموقعة الصريف هما نموذجان متشابهان لظروف وطبيعة تلك الحقبة «الفوضوية» والمنفلتة فإن كان الدويش قد اعتدى على الجهراء في ظل أوضاع معينة فإن الشيخ مبارك قد اعتدى على نجد في ظل الأوضاع نفسها.
لذلك فمن الإنصاف أن نقول أن الرجلين الخالدين«مبارك والدويش» أديا ومارسا أدوارهما التاريخية وفق اجتهادهما النابع من حرصهما على تحقيق ما يؤمنان به وقد رحلا عن هذه الدنيا الضيقة إلى رحمة الله الواسعة.
الغريب والمحزن حقا في وسط هذه «الدوشة» التي أحدثها كاتب «الليل» هو أن أحفاد الزعيمين«مبارك وفيصل» يرتبطون في وقتنا الراهن بروابط الدم والمصاهرة فهذا.. [خال هذاك وذاك عم هذا وهذه جدة هذا وتلك عمة ذاك وهكذا.
فما فائدة البلاد والعباد« يا أخا العرب» من تنبيش الماضي واحياء الضغائن والأوجاع البائدة.. أجبني أو أرسل الاجابة بالحبر السري؟!
< وردتني معلومات شبه مؤكدة تفيد بأن هناك ترتيبات وتحضيرات من جهات رسمية وشبه رسمية للاحتفال باحياء ذكرى معركة الجهراء التي توافق العاشرمن أكتوبر القادم. فإن صدق «المصدرالسري» الذي زودني بتلك المعلومة فهذا يعني بلا شك أن.. الذيب في الجليب!
حكمة اليوم: الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها!
المفضلات