لست ضد العلماء الاجلاء ولست عوناً للعلماني ..
وقولي هو عن بعض طلاب العلم لمن ملكوا المنبر والمكانة وأُعطيوا الحظوة والتقدير صعوداً والاحترام والقبول نزولا , ومن حقي كما اعتقد ان أُخالفهم فيما أراه .. وإن كانوا اكثر علماً .
الحرب ضد العلمانية
لم يشأ اتاتورك ان يُغير العَلم التركي الذي يحمل الشعار الاسلامي , لكنه ذهب الى ما هو اهم من ذلك كما كان يرى , كنظام الحكم .. التعليم .. المجتمع .. وكذلك الدين الذي اوقفه عند عتبات المساجد فلا يخرج منها . فالناس يحترمون ويقدرون المجد المُغبر قدماً ولا يتنبهون لما هو بين أيديهم , فتغيير العَلم الذي وضعه العثمانيين في بداية تأسيس دولتهم كان سيُصعب على اتاتورك مهامه التي أقرها واسسها ثم طبقها وبفترة زمنية قصيرة وعلى انقاض دولة حكمت المشرق والمغرب لقرون طويلة . فهو قد أسقط السارية وأبقى على العَلم!!
فهل هذا ذكاء ؟! انا اعتبره كذلك من دون تأييد .
المجتمع كالشمس يجري لمستقر له في ظل هذه التغيرات الاسرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ايضاً وهنا يأتي دور العلماء في تحديد هذا المسار . لكن عليهم ان يتغيروا كما تغير الواقع وذلك في طريقة فهمهم وادراكهم لمتطلبات الناس وهمومهم . ليتجهوا الى الشباب الذي ناقض جيل آباءه كثيراً ولينظروا سبب هذا المآل مع ايجاد الوسيلة والطريقة المُثلى في الاتصال قولاً وعملاً , بل ولينظروا الى العلمانيين إن ارادوا الطريقة وليشاهدوا ما تغيروا اليه وما اسرفوا به من التصاق وتصادق مع المجتمع , الذين أدركوا الآن بأن تقريب المجتمع اليهم افضل من تغريبه.
فلم لا يتقرب العلماء لهذا الجيل القادم بعيداً عن المنابر والقنوات والاماكن المخصصة , بعيداً عن الشدة والغلظة , بعيداً عن التصوير والتسطير الذي لا يدركه هؤلاء .. فالمنبر لمن يأتيه وتلك القنوات لمن يتابعها وهذه الاماكن لمن يبحث عنها .. وتلك الشدة لا شك مُنفرة وتلك الغلظة لا ثمار لها .. اما ما لا تدركه عقول الشباب من تمنطق وتصفيف القول وتفخيمه لا شك عندي انه يؤدي الى التشتت والشرود والملل .
بعيداً عن العلماء الافاضل ..
لو قلت بأن العلمانية فكر والاسلام دين , وليس من الانصاف ان نخاف على الدين من ضرر الفكر , فالاسلام يُمثل الناس والناس يمتثلون له . ومن الخطأ كذلك ان نصور العلمانية على انها جبهه قتالية تريد اختراق الحصون الاسلامية لابعاد الناس عن دينهم .. فأنا اعلم عندها بأن المتصدين للعلمانية الذين سخروا القنوات والمنابر لهذا الامر , سيأخذونني لمكان غاراتهم ونوازلهم مع العلمانيين , وشرح وتوضيح ما كانت مآرب العلمانية ومكان مشاربها .
هؤلاء استهوتهم تلك المجابهات والمعارك , فما كانوا يُجيدون غيرها , وسأُعيب عليهم عندها بأن العلمانيين ما ولجوا إلا من ثغر , فإما انكم اهملتموه او انكم فشلتم في تصحيحه.
والثغر هو عقول الناس , والتي لو حُصنت جيداً واهتم هؤلاء بها وخالطوا المجتمع وتلمسوا ما يجدونه وما يعانونه لما كان هناك خطر , ونصيحتي لهؤلاء المُجندون تطوعاً اقول .. عودوا الى الشباب وافهموهم واعلموا بأن بعض غاراتكم قد فشلت مع العلمانيين مع انهم نشأوا كما نشأتم وعاشوا كما عشتم في بيئة صافيه ونقية لم تشوبها ولم تخالطها ما يصطدم مع الاسلام , كانوا وكانت آفاقكم لا تتجاوز القرية التي تعيشون فيها .. فما بالكم والعالم كله قد اصبح قرية وما بالكم وشبابنا وبيئتهم المختلفة رأساً على عقب , وما يتعرضون له من اهواء ومصادمات نفسية وفكرية وعاطفية في اجواء صعبة ومنفتحة قد عجز الآباء عن السيطرة عليها!
فكان ان ترتب على ذلك ظهور فئتين مختلفتين فكراً وتوجهاً احداها رفعت شعار الارهاب وعداء الغرب والأُخرى حارت حول الغرب تملقاً وتقليداً !
لنعد لاصحاب النزال واقول بأن من خطأهم انهم توجهوا بالخطاب الى العامة من الناس لشرح حرمة التبرج ومحضورات الاختلاط والسفر وسياقة السيارة "وكل ذلك للمرأة", فإن كان ذلك من ما جُبل عليه الناس , فلم توجيه الخطاب اليهم؟! لم لا نرى ولا نسمع إلا بالقلة القليلة فقط الذين يبدأ خطابهم بـ: ايها العلماني !!
يبدو لي انهم في حديثهم الى الناس امران اثنان .. اما عدم ثقتهم بالعامة والخوف من أن ينجرفوا الى التغريبيين , أو عدم ثقتهم في انفسهم في منازلة هؤلاء التغريبيون!!
لنأخذ نظرة اُخرى اوسع واشمل .. ألم تُشغل هذه الفئة بامور لا تعني الشارع العام قدر ما تشغله اموره الحياتية العامة ؟ هل رأيناهم وقد اهتموا بشيء خارج حجاب المرأة؟!
فخبر هؤلاء انهم لا يقيمون في الواقع ولا يتنبهون للوقائع , فمثلهم مثل اندادهم العلمانيين وطريقتهم القديمة في التعامل مع المجتمع. فلقد ترك العلمانيون ذلك الاستعلاء الذي لازمهم يوم ان تنعموا في الغرب المتحضر ثم عادوا ليصدموا بهمجية مجتمعهم الاول وتخلفه.
ترك العلمانيون نصرتهم والتصاقهم ببعض الفئات المجتمعية ذات الاقلية العددية اعتقاداً بتكوين كتلة متعددة ذات عناء مشترك وإن اختلف المصير , ليقوموا بعد ذلك بمواجهة الفئة الاعظم.
ترك العلماني المواجهة المباشرة للمجتمع وأخذ المداخل الخلفية .
ترك العلماني التقيد بامور معينة لا تهم الناس بقدر ما يهتمون بمشغلات الحياة الأخرى . وعاد لتلك المشغلات وتوقف عندها وناقشها وأظهرها للسطح مُعيناً وسنداً لأصحابها.
كل ذلك من غير ان يفقد افكاره التغريبية التي اعتقد بها وآمن. فما الداعي بأن يسعى لفك الوصاية على المرأة وتحررها ودخولها معترك الحياة المختلطة .. بل ليدعها هي من تطالب بذلك وهي من ستسعى اليه إن كان صاحب الثمانين عام يبحث عن ابنة التسعة سنوات زوجةً له, والعضل قائماً والحرمان موجوداً والتعدي حاصلاً والتهميش موضوعاً .
لم لم نقف مع متطلبات المرأة وميولها وتعزيز افكارها وتأهيلها في المجتمع وتأهيل المجتمع لها ومساعدتها على ايجاد بصمة لها في المجتمع تفقأ بها عين كل طامع وذو نوايا خفية.
المرأة هي المرأة .. ساحة القتال الدائمة بين الطرفين .. الكل يزعم مناصرتها واعانتها .. بينما هم ابعد ما يكونوا عنها .
المفضلات