الخطبة الأولى
الحمد لله وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله لا إله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.. أما بعد :
أيها الناس / أوصيكم بتقوى الله تعالى فاتقوا الله عباد الله (( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ))
عباد الله / روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ قَالُوا بَلَى قَالَ إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ ... الحديث ))
عباد الله / الإصلاح بين الناس عبادة عظيمة يحبها الله سبحانه وتعالى فالمصلـح هو ذلك الذي يبذل جهده وماله ويبذل جاهه ليصلح بين المتخاصمين ، قلبه من أحسن الناس قلوباً ، ونفسه تحب الخير و تشتاق إليه ، يبذل ماله ووقته , ويقع في حرج مع هـذا ومع الآخر ، ويحمل هموم إخوانه ليصلح بينهما .
كم بيت كاد أن يتهدّم بسبب خلاف سهل بين الزوج وزوجه وكاد الطلاق ! فإذا بهذا المصلح بكلمة طيبة , ونصيحة غالية , ومال مبذول أحياناً يعيد المياه إلى مجاريها ، ويصلح بينهما .
كم من قطيعة كادت أن تكون بين أخوين أوصديقين أو قريبين ، بسبب زلة أو هفوة وإذا بهذا المصلح يرقّع خرق الفتنة ويصلح بينهما .
كم عصم الله بالمصلحين من دماء وأموال وفتن شيطانية كادت أن تشتعل لولا فضل الله ثم المصلحين .
فهنيئـاً عبـاد الله لمـن وفقـه الله للإصلاح بين متخاصمين أو زوجين أو قريبين أو جارين أو صديقين أو شريكين هنيئاً له .. هنيئاً له .. ثم هنيئاً له ..
عباد الله / إن ديننا دين عظيم يتشوّف إلى الصلح ويسعى له وينادي إليه ويحبّب لعباده درجته فأخبر سبحانه أن الصلح خير قال تعالى " فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما والصلح خير "
بل أجاز الإسلام أيضاً الكذب للإصلاح بين أهل الخصومة فقـال عليه الصلاة والسلام " لَا يَصْلُحُ الْكَذِبُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ : كَذِبُ الرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ لِتَرْضَى عَنْهُ أَوْ كَذِبٌ فِي الْحَرْبِ فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ أَوْ كَذِبٌ فِي إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ "
عباد الله / إن الخلاف أمر طبيعي .. ولا يسلم منه أحد من البشر .. خيرة البشر حصل بينهم الخلاف فكيف بغيرهم !!
فقد يكون بينك وبين أخيك أو ابن عمك أو أحد أقاربك أو زوجك أو صديقك شي من الخلاف فهذا أمر طبيعي فلا تنزعج له قال تعالى " ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك "
هـاهم أهل قباء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أنزل الله فيهم قوله " فيهم رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين " هؤلاء القوم حصل بينهم خلاف حتى رمز بعضهم بعضاً بالحجارة فذهب إليهم النبي ليصلح بينهم !!
وهذا أبـو بكر وعمر حصل بينهما شي من الخلاف فليس العيب الخلاف أو الخطأ ولكن العيب هو الاستمرار والاستسلام للأخطاء !!فعلينا عباد الله أن نتحرّر من ذلك بالصلح والمصافحة والمصالحة والتنازل والمحبة والأخوة حتى تعود المياه إلى مجاريها ،قال نبيك صلى الله عليه وسلم وتأمل هذا الحديث " تُفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيُغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء ، فيقال : انظروا هذين حتى يصطلحا .. انظروا هذين حتى يصطلحا .. انظروا هذين حتى يصطلحا "
فاتق الله عبد الله .. واصطلح مع أخيك .. وارجع إليه حتى تعود المياه إلى مجاريها .. البدار البدر إلى أن تصلح مع إخوانك وأقاربك قبل فوات الأجل ، بكى رجل عند قبر ، فسأل عن سبب بكائه و كانت بيني وبينه قطيعة تزيد على عشر سنوات .. ولا أسلم عليه ولا أزوره فهل يا ترى ينفع البكاء اليوم؟
عباد الله / قد يقول قائل : أريد أن أذهب إلى فلان لأتصالح معه لكن أخشى أن يردني أولا يستقبلني أو لا يعرف قدر مجيئي إليه !
نقول لك اذهب إليه ولو طردك ولو تكلم عليك ,اذهب إليه المرة الأولى والثانية والثالثة وسارع إليه بالهدية ، ابتسم في وجهه تلطّف معه يقول نبيك صلى الله عليه وسلم ( وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً ) .. فأنت إذا عفوت زادك لله عزاً وإذا أصلحت زادك الله عزاً وإن طردك ولم يفتح لك الباب زادك الله عزاً .
أسأل الله أن يصلح الأحوال والقلوب وأن يجنبنا الفتن ماظهر منها وما بطن .. أقول هذا الكلام، وأستغفر الله الملك العلاّم، لي ولكم من كل الذنوب والآثام، فاستغفروه وتوبوا إليه على الدوام، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ...
عباد الله / ومن أراد الإصلاح بين الناس فعليه أن يتأدب بآداب الإصلاح ومن أعظمها : إخلاص النية لله فلا يبتغي بصلحه مالاً أو جاهاً أو رياء أو سمعة وإنما يقصد بعمله وجه الله قال تعالى " ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً " .
وعليه أيضا أن يتحرّى العدل ليحذر كل الحذر من الظلم , قال تعالى " فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين " .
ومن الآداب في الإصلاح أن يكون الصلح مبنياً على علم شرعي ومدروساً من جميع جوانبه ومسموعاً سبب الخصام من الطرفين واحذر أن تتعجل في حكمك فالعجلة قد يُفسد فيها المصلح أكثر مما أصلح !!
ومن الآداب في الإصلاح اختيار الوقت المناسب للصلح بين المتخاصمين بمعنى أنك لا تأتي للإصلاح حتى تبرد القضية ويخف حدة النزاع وينطفئ نار الغضب ثم بعد ذلك تصلح بينهما .
وعليك بالتلطّف في العبارة فتقول : يا أبا فلان أنت معروف بكذا وكذا وتذكر محامده ومحاسن أعماله ويجوز لك التوسع في الكلام ولو كنت كاذباً ثم تحذّره من فساد ذات البين وأنها هي الحالقة التي تحلق الدين .. فالعداوة والبغضاء لا خير فيها والنبي عليه الصلاة والسلام قال " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فيعرض هذا ويعرض هذا " ثم قال عليه السلام " وخيرهما الذي يبدأ بالسلام "
عباد الله / إذا أتى المصلح لأحدنا وهو يريد الإصلاح فعليه أن يفتح له قلبه وبابه ويستقبله ويدعو له ويكون سهلاً ليناً يرضى ولو بالقليل تواضعاً وبحثاً للأجر ودحراً للشيطان .. فاتقوا الله عباد الله ،وأصلحوا ذات بينكم فإن الصلح خير في الدنيا والآخرة .
اللهم طهر قلوبنا من الغل والحسد والغش ، اللهم أصلح بيننا وبين أقاربنا وبين أحبابنا وجيراننا ، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر برحمتك يا أرحم الراحمين ..
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم به المولى في قوله جل وعلا : إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين ،وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أكرم الأكرمين .......
المفضلات