الحمدُ للهِ الكريمِ الوهابِ ، ( غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) أشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ هوَ وحده لا شريك له ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، صلىَّ اللهُ وسلّم وبارك عليه وعلى آلِهِ وأصحابِه ، ومن سارَ على نهجِهِم واتبعَ طريقَهُم إلى يومِ الحسابِ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً):أما بعد:أيها الأحبةُ في اللهِ فإنَّ الإنسانَ منَّا ، مليءٌ بالعيوبِ والذنوبِ ، ولو أنَّ للذنوبِ رائحةً ، لَمَاجلس أحدُنا بجوارِ صاحبِهِ ، من نتنِ رائحةِ مايجدُ ولكنَّ الإنسانَ ، لا يرى عيبَ نفسِهِ ، أو يراهُ ، ولكنَّهُ يتجاهلُهُ ، ويرى نفسَهُ دائماً على الخيرِ ، بل ربما ذمَّ غيرَهُ بما هو واقعٌ فيهِ ، واللهُ عزَّ وجلَّ يقولُ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) (النساء:49) ويقولُ سبحانه (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(النور: من الآية21) وعُيوبُ النَّفسِ كثيرةٌ جُدّاً ، يجبُ التفطنُ لها ، ومعالجةُ القلبِ منها ، وتنظيفُ النفسِ من آثارِها ، والإنسانُ الذي كَمُلتْ بصيرتُهُ ، ما تَخْـفى عليه عيوبُ نفسِهِ ،لأن النفسَ كما قالَ سبحانه ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) فمن عُيوبِ النَّفسِ كثرةُ الذنوبِ ، واتباعُ الهوى ، والغفلةُ والتواني والكسلُ ، والشحُّ والبخلُ ، والِحرصُ ، والطمعُ ، والحسدُ والبغضاءُ ، والإشتغالُ بعيوبِ الناسِ ، وكثرةُ الخوضِ ، في أسبابِ الدنيا ، وطلبُ الرئاسةِ ، والتكبرُ والإزدراء ، والخوفُ على الرزقِ ، وكثرةُ التَّمني ، وقِلةُ الاعتبارِ ، وتضييعُ الأوقاتِ في مالا يعني ، والكيسُ كما قالَ النبي e{ الكيِّسُ من دانَ نفسَهُ وعملَ لما بعدَ الموتِ والعاجزُ من أتبعَ نفسَهُ هواها وتمنَّى على اللهِ الأماني } رواه الترمذيُّ وغيُرُهُ ، قالَ بعضُ العلماءِ ، من عرفَ نفسَهُ أشتغلَ بإصلاحِها ، عن عيوبِ الناسِ ، وقال الحسنُ رحمه اللهُ ، على قولِه تعالى (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَة) إن المؤمنَ ، ما نراه إلا يلومُ نفسَهُ ، ما أردتُ بكلمتي ؟ ما أردتُ بأَكلَتي ؟ ما أردتُ بحديثِ نفسِي ؟ وإن العاجزَ ، يمضي قُدُماً ما يعاتبُ نفسَهُ " وإذا عَرَفَ الإنسانُ عيوبَ نفسِهِ ، أمكنَهُ ذلكَ من العلاجِ ، ولكن أكثرَ الناسِ ، جاهلونَ بعيوبِهِم ، يرى أحدُهم القذى في عينِ أخيهِ ، ولا يرى الجذعَ في عينِهِ ، وقد كان أميرُ المؤمنينَ عمرُ بنُ الخطابِ رضي اللهُ عنه يقولُ : [ رحمَ اللهُ أمرءاً أهدى إلينا عيوبَنا ] ، وقد كان السلفُ يحبونَ من ينبِهَهُم ، على عيوبِهم ونحنُ الآنَ ، في الغالبِ ، أبغضُ الناسِ إلينا من يُعرفُنا عُيوبَنا ، وهذا دليلٌ على ضعفِ الإيمانِ ، ولو أن مُنبهاً نبهنا ، على أن تحتَ ثوبِ أحدِنا عقرباً ، لتقلدنا له منه ، واشتغلنا بقتلها!!! والأخلاقُ الرديئةُ ، أعظمُ ضرراً من العقاربِ على مالا يخفى ، وتجدُ أحدَنا ، إذا نبهَهُ أحدٌ ، على عيبٍ من عيوبِ نفسِهِ ، أرعدَ وأزبدَ ،وغضبَ ، واحمرَّ وجهُهُ ، وانتفختْ أوداجُهُ ، وعلا صوتُهُ ، وقال : وأنت فيكَ وفيكَ ، وإن لم يكنْ فيكَ مِما ذكرَ شيئاً ، ولكنه تعودَ أن يُدافعَ عن نفسِهِ حتى وإن كان ( مخطئاً ) على غيرِ حقٍّ ....فَانظُرْ في نفسِكَ ، هل أنتَ من هذا الصنفِ من الناسِ ، وهل تجدُ نفسَكَ عاملةً بمقتضى الدينِ ، هل أتيتَ بالصلاةِ على الوجهِ الأكملِ ؟ هل اجتنبتَ المعاصي المنافيةَ للدينِ ؟ هل تجدُ في نفسِكَ حياءً من اللهِ بيقينٍ ؟ هل أنتَ سالمٌ من الكـــذبِ والخيانةِ والاحتيالِ ؟ هل أنتَ سالمٌ من الرياءِ في أقوالِكَ وأعمالِكَ ؟ هل أنتَ سالمٌ من الربا في معاملاتِكَ ؟ هل أنتَ سالمٌ من المداهنةِ والنفاقِ ؟ هل أنتَ سالمٌ من الغيبةِ والنميـــمةِ ؟ هل أنتَ سالمٌ من البُهتِ واللعنِ وسيءِ المقالاتِ ؟ وهل قُمتَ على أولادِك ، للصلاةِ والتوجيهِ إلى الأعمالِ الصــالحةِ ؟ فعلى كلِّ واحدٍ منّا ، أن يتفقدَ نفسَهُ بدقةٍ كلَّ يومٍ ، ويعالِجَ ما بهِ من هذه الأمراضِ المهلكاتِ ، فإنها أشدُ ضرراً وفتكاً من أمراضِ الأبدانِ ، التي لا نصبرُ عليها ، إن لم نجدْ لها علاجاً في الداخلِ ، ذهبنا إلى الخارجِ رجاءَ بُرئِها ، والنّفسُ أولى بالتفقدِ والمحاسبةِ ،كان السلفُ الصالحُ عليهم رحمةُ اللهِ ، يُجاهدونَ أنفسَهُم ، ويعاتبونها ، ويتهمونَها بالتقصيرِ ، خوفاً من سوءِ الخاتمةِ ، ورهبةً من عذابِ اللِه تعالى ،كانَ عمرُ بنُ الخطابِ رضي اللهُ عنه ، إذا جَنَّ عليه الليلُ ، يَضربُ قدميه بالدُّرةِ ، ويقولُ لنفسِهِ ، ماذا عَملتِ اليومَ ؟ يسألُ نفسَهُ ، ويَستَعيدُ شريطَ عملِهِ ، ماذا عَمِلتِ اليومَ ؟ وما عَسَاهَا أن تعملَ نفسٌ كنفسِ عمرَ ، الذي بُشرَ بالجنةِ وهو يمشي على الأرضِ ، وهو الذي لا يسلُكُ الشيطانُ طريقاً سلَكَهُ عمرُ رضي اللهُ عن عمرَ ، وهو القائلُ ، واللهِ لو عَثَرَتْ بغلةٌ في أرضِ العراقِ ، لخشيتُ أن يسألَني اللهُ عنها، لما لم تسوِ لها الطريقَ يا عمرُ ، يسألُ نفسَهُ ويضربُ قدميهِ بالدرةِ ... يقولُ مالكُ بنُ دينارٍ " رحمَ اللهُ عبداً قال لنفسِهِ ألستِ صاحبةُ كذا ؟ ألستِ صاحبةُ كذا ؟ ثم زمَّها ثم خطَمَهَا ، ثم ألزمَهَا كتابَ اللهِ تعالى فكان له قائداً " فحقٌ على الحازمِ ، المؤمنِ باللهِ وباليومِ الآخِرِ ، ألاَّ يَغفَلَ عن محاسبةِ نفسِهِ ، ومساءلتِها ، وأطرِها على الحقِّ أطراً ...
والنَّفْسُ كالطِّفْلِ إنْ تُهْمِلْهُ شَبَّ عَلَى
بارك الله لي ولكم في القرانِ العظيمِ ،حُبِّ الرَّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ،
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كلِّ ذنب ، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله على إحسانِهِ ، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتنانِهِ ، وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ ، وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، تعظيماً لشانِهِ ، وأشهدُ أنَّ نبيّنا محمّداً عبدُهُ ورسولُهُ ، الدّاعي إلى رضوانِهِ ، صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِهِ وأعوانِهِ ، وسلّم تسليماً مزيداً، أمّا بعد : أيها الأخوةُ في اللهِ ، اعلموا أنكم غداً بين يدي اللهِ موقوفونَ ، وعلى أعمالِكم محاسبونَ ، وعلى تفريطِكم لا محالةَ نادمونَ ، فحاسبوا أنفسَكم قبلَ أن تُحَاسبوا ، وزنوها قبلَ أن توزنوا ، وتأهبوا للعرضِ الأكبرِ على اللهِ ، (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) فخذوا حذرَكُم قبلَ حلولِ الأجلِ وانقطاعِ الأملِ ، وفواتِ الأوانِ ، واعملوا بوصيةِ اللهِ في كتابِهِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) وحقٌ عندَ اللهِ عز وجل ، ما من عبدٍ أطاعَهُ واتقاهُ ، وخافَهُ وخشاهُ ، إلا كان اللهُ مولاهُ ، وحقٌ لمن آمنَ باللهِ صدقاً ، وتذللَ له عبوديةً ورقاً ، أن يخرجَه من الدنيا ، برحمتِه الواسعةِ ،واعلموا إن الله أمركم بإمرٍ بدء فيه بنفسه وثنى بملائكته المسبحة بقدسه ، وثلّث بكم أيها المؤمنون من جنّه وأنسه فقال سبحانه قولاً كريماً ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) وقد قال عليه الصلاة والسلام ، من صل علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً ، اللهم صل وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد ، صاحب الوجه الأنور ، والجبين الأزهر ، الشافع المُشَّفَعُ في المحشر ، وارضَ اللهم عن الخلفاء ، الأءمةِ الحنفاء، أبي بكرٍ وعمر ، وعثمان وعلي وعن سائِرِ أصحابِ نبيّك أجمعين ، وعن التابعين ، وتابعيهم بِإحسانٍ إلى يومِ الدّين ، وعنّا معهم ، بمنك وفضلك ورحمتك ، يا أرحم الراحمين ، اللَّهُم أعزَّ الإسلاَمَ وانصُرِ المُسلِمِين ، ودمِّرَ أعدائك أعداء الدين ، من اليَهُودِ والنَّصارى وجميعِ الكفرةِ والملحدين ، ، اللهم عليك باليهودِ والنصارى المعتدينَ الحاقدينَ ، ومن كرِهَ الإسلامَ والمسلميَن ، اللهم عليك بهم فانهم لا يعجزونَك ، اللهم شتتْ شملَهم وأوهنْ عزمَهُم ، اللهم أرنا بهم عجائبَ قدرتِك ، وفجاءةَ نقمتِك ، وأليمَ عذابِك ، اللهم احفظْ بلادَنا وولاةَ أمرِنا وعلماءَنا ودُعاتَنا ، اللهم وحِّدْ كلمتَنا وقوي شوكتَنا ياربَّ العالمينَ ، واجعل هذا البلد رخاءً سخاءً ، وسائر بلاد المسلمين يا ربَّ العالمين ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنيين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) عباد الله ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) فاذكروا الله العظيم الجليل يذكرْكم ، واشكروهُ على نعمه يزدْكم ولذكر الله أكبر والله والله يعلم ما تصنعون
المفضلات