عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عمر بن الخطاب رضي الله عنـه هو أحد الصحابـة الكـرام ، و واحد مـن العشـرة المبشريـن بالجنة وهو الخليفة الثاني من الخلفاء الراشدين. وكلنا يعرف عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوته و شدته فـي الحق ، حتى لقبـه صلى الله عليه و سلم بالفاروق لتفرقته بين الحق و الباطل ، و قليل منا هو من يعـي شدة خشيـة عمر بن الخطاب من الله ، وحبه له ، وخوفه من إغضاب الله . .
تعالوا نتأمل هذه الوقفات العظام
حب عمر رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم :
قيل : خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة يحرس ، فرأى مصباحا في بيت ، فإذاعجوز تطرق شعرا لها لتغزله و هي تقول :
صلى على محمد صلاة الأبرار
صلى عليك المصطفون الأخيار
قد كنت قواما بكي الأسحار
يا ليت شعري و المنايا أطوار
هل تجمعني و حبيبي الدار
فجلس عمر يبكي ، فما زال يبكي حتى قرع الباب عليها ، فقالت : من هذا ؟ قال : عمر بن الخطاب ، قالت : وما لي ولعمر ؟ وما يأتي بعمر في هذه الساعة ؟ قال : افتحي ، رحمك الله ، فلا بأس عليك . ففتحت له الباب ، فدخل ، فقال : ردي على الكلمات التي قلت آنفا ، فردته عليه ، فلما بلغت آخره ، قال : أسألك أن تدخليني معك ،
قالت : وعمر، فاغفر له يا غفار .
فرضي و رجع رضي الله عنه و أرضاه .
خشية عمر من الله :
و قيل أن أعرابيا وقف على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال :
يا عمر الخير جزيت الجنة
أكـس بنياتـي و أمهنـه
و كن لنا في ذا الزمان جنة
أقسـم بـالله لتفعلنـه
فقال عمر : فإن لم أفعل ، يكون ماذا ؟ قال : إذا أبا حفص لأمضينه .
فقال عمر : فإذا مضيت ، يكـون
ماذا ؟
قال :
يكون عن حالي لتسئلن
يوم تكون الأعطيات منه
و الواقف المسؤول ينتهنه
إما إلى نار و إما إلى جنة
فبكى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى اخضلت لحيته ، ثم قال لغلامه : يا غلام ، أعطه قميصي هذا ، لذلك اليوم لا لشعره ، و والله ، لا أملـك غيـره .
إخلاص عمر :
وروي أنه قد أحضر بين يدي عمر بن الخطاب رجل سكران ، فأمر أن يحد ( أي يطبق عليه الحد الذي فرضه الله على السكارى ) ، فشتمه ذلك السكران ، فرجع عمر عن ضربه . فقيل له : لم تركته يا أمير المؤمنين حين شتمك ؟ فقال : إنه لما شتمني غضبت ، فلو ضربتـه لكـن لغضبي ، لا لربي .
عمر و رسول كسرى :
و روي أن رسول كسرى جاء لمقابلة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسأل الناس عنه فدلوه عليه ، فوجده نائما تحت
شجرة ملتفا ببردة ومتوسدا التراب، فاندهش من عمر كونه امير المؤمنين وهذا حاله
فقال : عدلت ، فأمنت ، فنمت ، ياعمر.
عمر بن الخطاب يشتري ظلامته من امرأة عجوز :
و روي أنه لما رجع عمر رضي الله عنه من الشام إلى المدينة انفرد إلى الناس ليتعرف أخبار رعيته ، فمر بعجوز في خبائها فقصدها ، فقالت : يا هذا ، ما فعل عمر ؟ قال : قد أقبل من الشام سالما . قالت : لا جزاه الله عني خيرا . قال : و لم ؟ قالت : لأنه و الله ما نالني من عطائـه منذ ولي أمر المؤمنين دينار ولا درهم . فقال : و ما يدري عمر بحالك ، وأنت في هذا الموضـع ؟! فقالت : سبحان الله ، و الله ، مـا ظننت أن أحدا يلى على النـاس و لا يدري مـا بين مشرقهـاو مغربها . فبكى عمر رضي الله عنه ، و قال : و عمراه ! كل أحد أفقه منك يا عمر ! ثم قال لها : يا أمة الله ، بكم تبيعيني ظلامتك من عمر ؟ فإني أرحمه من النار . فقالـت : لا تهـزأ بنـا ، يرحمك الله . فقال : لست بهزاء ، فلم يزل بها حتى اشترى ظلامتها بخمسة وعشرين دينـارا . فبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن أبي طالب وابن مسعود ، فقالا : السلام عليك يا أمير المؤمنين . فوضعت العجوز يدها على رأ سها وقالت : وا سوأتاه ! شتمت أمير المؤمنين في وجهه ! فقال لها عمر رضي الله عنه : لا بأس عليك ، رحمك الله ! ثم طلب رقعة يكتب فيها ، فلم يجد ، فقطع قطعة من مرقعته ، و كتب فيها : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما اشترى عمر من فلانة ظلامتها منذ ولي إلى يوم كذا و كذا بخمسة و عشرين دينارا ، فما تدعي عند وقوفه في المحشر بين يدي الله تعالى ، فعمر منه بريء . و شهد على ذلك علي بن أبي طالب و ابن مسعود ـ رضي الله عنهما ـ ثم دفع الكتاب إلى ولده ، و قال : إذا أنا مت فاجعله في كفني ، ألقى به ربي .
سماحة عمر رضي الله عنه و أرضاه :
و روي كذلك أنه كان بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبين رجل كلام في شئ ، فقال له الرجل : اتق الله يا أمير المؤمنين . فقال رجل من القوم : أتقول لأمير المؤمنين اتق الله ؟! فقال له عمر رضي الله عنه : دعه فليقلها لي ، نعم ماقال ، ثم قال عمر : لا خير فيكم إذا لم تقولوها ، و لا خير فينا إذا لم نقبلها منكم !
تقوى عمر رضي الله عنه :
قيل : أصاب الناس سنة الجدب و القحط ، غلا فيها السمن ، فكان عمر رضي الله عنه يأكل الزيت فيقرقر بطنه ، فيقول : قرقر ما شئت ، فوالله لا تأكل السمن حتى يأكله الناس !
إنصاف عمر :
روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أنه قال لأبي مريم السلولي ، وكان هو الذي قتل أخاه زيد بن الخطاب : و الله إني لا أحبك حتى تحب الأرض الدم . فقال : أفيمنعني هذا حقـي ؟ قال : لا ، فقال : لا ضير ، إنما يأس على الحب .
عمر و تاج كسرى :
وروي أنه جئ بتاج كسرى ( ملك الفرس ) إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضـي الله عنه ، فاستعظم الناس قيمته للجواهر التي عليه ، فقال عمر: إن قوما أدوا هذا لأمناء ، فقال علي كرم الله وجهه : إنما عففت فعفوا ، و لو رتعت لرتعوا و لو ظلمت لظلموا ) .
عدل عمر :
و روي كذلك أنه لما فتح بيت المقدس في عهد عمر بـن الخطـاب رضي الله عنـه رفض قساوستها و رهبانها تسليم مفاتيحها للمسلمين ، على الرغم من انتصارهم وفتحهـم لها قائليـن :
" لا نرى فيكم أوصاف الشخص الذي يجب أن يتسلم هـذه المفاتيح " . وعندمـا أخبروا بذلـك أميـر المؤمنين رضي الله عنه سافر إلى القدس على ناقة استعارها من بيت المال متناوبا ركوبها مـع خادمه حتـى وصلا المدينة ، و يتوافق دخول أمير المؤمنين المدينة وهو يقود الدابة لخادمه ـ إذ كانت نوبة الركوب له ـ ولم يلتفت رضي الله عنـه إلى إصرار الخـادم علـى أن يستمر أمير المؤمنين رضي الله عنه راكبا حتى يدخلا المدينة . فكانت النتيجة أن نزل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن الناقة ، فركبها خادمه وأمسك بمقودها يقوده ، وهما يدخلان إلى بيت المقدس . وعندما رأى القساوسة هذا المشهد الفريد من نوعه تسمروا في أماكنهـم لا يصدقـون مـا تـراه أعينهم ، وقالوا : أجل ، هذه هي صفات الشخص المذكور في كتبنا . و سلموا له مفاتيح المدينة .
كان متواضعاً خشن العيش والمطعم شديداً فى الحق قليل الضحك ، على وجهه خطان سوداوان من البكاء ، وكان نقش خاتمه ( كفى بالموت واعظاً يا عمر ) وله آثار كثيرة ومناقب عظيمة ، ومن ذلك أنه خرج ذات ليلة فوجد امرأة معها صبيان يبكون من الجوع وقدر على النار فيها ماء تعللهم بها ليناموا ، فبكى عمر رضى الله عنه ورجع يهرول إلى دار الدقيق فأخرج كيساً من دقيق وجراب شحم وقال : يا أسلم احمله على ظهري فقال : أنا أحمله عنك . فقال : أنت تحمل وزري يوم القيامة ! فحمله على ظهره وانطلق إلى المرأة ووضع من الدقيق فى القدر وألقى عليه الشحم وجعل ينفخ تحت القدر والدخان يتخلل لحيته ساعة ثم أنزلها عن النار ووضع الطعام للأطفال فأكلوا وشبعوا والمرأة تدعو له دون أن تعرفه . ولم يزل عندهم حتى ناموا وأعطاهم نفقة وانصرف
وكان فى عام الرمادة( عام وقع فيه القحط والمجاعة ) لا يأكل إلا الخبز والزيت حتى اسود جلده ، وكان يقول : بئس الوالى أنا إن شبعت والناس جياع .
ومن فضائله ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : دخلت الجنة فرأيت فيها داراً أو قصراً فقلت لمن هذا فقالوا لعمر بن الخطاب فأردت أن أدخل فذكرت غيرتك . فبكى عمر وقال : أي رسول الله أو عليك أغار .
قال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: (لو كان نبي بعدي لكان عمر)!
وقال عنه ابن مسعود رضي الله عنه (أكثروا من ذكر عمر، فإنكم إذا ذكرتم عمر ذكرتم العدل، وإذا ذكرتم العدل ذكرتم الله)
لما احتضر عمر بعد أن طعنه أبو لؤلؤة المجوسي سأل الفاروق أول ما حملوه إلى داره: من الذي قتلني؟ طمئنوني وأخبروني، فقالوا: اطمئن يا أمير المؤمنين، إن الذي قتلك شاب مجوسي، فسجد عمر بن الخطاب شاكراً لله، ثم قال: الحمد لله الذي جعل قتلي على يد رجل ما سجد لله سجدة فيحتج بهذه السجدة علي أمام الله يوم القيامة! فنظر وغشي عليه، وبعدما أفاق من سكرات وضربات الموت، نظر إلى ولده عبد الله وقال: يا عبد الله ! أين أنا؟ فوجد رأسه على فخذ ولده عبد الله ، فنظر عمر وبكى وقال: ما هذا يا عبد الله ! ما هذا! قال: ماذا تريد يا أبتي؟! قال: ضع رأسي على التراب، ضع هذا الرأس على التراب يا عبد الله ، قال: وما ضرك يا والدي، وما ضرك يا أبتي ورأسك بين فخذي؟! فبكى عمر الفاروق وقال: ويحك يا عبد الله ! ضع رأسي على التراب، عسى الله ان يرحمني، ويخفف علي سكرات الموت.
هذا هو عمر .
رحم الله عمر
ورضي عنه
فلم ولن ينجب زماننا مثله
.
المفضلات