صفحة 5 من 6 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 6 الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 50 من 59

الموضوع: أضف لمعلوماتك [ الفكر الضال]

  1. #41
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78





    الدروز


    هي فرقة باطنية تؤلِّه الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله ، أخذت جل عقائدها من الإسماعيلية، وهي تنتسب إلى نشتكين الدرزي، نشأت في مصر لكنها لم تلبث أن هاجرت إلى الشام، عقائدها خليط من عدة أديان وأفكار، كما أنها تؤمن بسرية أفكارها، فلا تنشرها على الناس، ولا تعلمها لأبنائها إلا إذا بلغوا سن الأربعين .
    أبرز الشخصيات

    - محور العقدية الدرزية هو الخليفة الفاطمي : أبو علي المنصور بن العزيز بالله بن المعز لدين الله الفاطمي الملقب بالحاكم بأمر الله ولد سنة 375هـ* وقتل سنة 411هـ*، كان شاذاً في فكره وسلوكه وتصرفاته، شديد القسوة والتناقض والحقد على الناس، أكثر من القتل والتعذيب دون أسباب تدعو إلى ذلك .
    - المؤسس الفعلي لهذه العقيدة هو : حمزة بن علي بن محمد الزوزني وهو الذي أعلن سنة 408ـه* أن روح الإله قد حلت في الحاكم ودعا إلى ذلك وألف كتب العقائد الدرزية .
    - محمد بن إسماعيل الدرزي : المعروف بنشتكين، كان مع حمزة في تأسيس عقائد الدروز إلا أنه تسرع في إعلان ألوهية الحاكم سنة 407 هـ* مما أغضب حمزة عليه وأثار الناس ضده حيث فر إلى الشام وهناك دعا إلى مذهبه وظهرت الفرقة الدرزية التي ارتبطت باسمه على الرغم من أنهم يلعنونه لأنه خرج عن تعاليم حمزة الذي دبر لقتله سنة 411 هـ .
    - الحسين بن حيدرة الفرغاني المعروف بالأخرم أو الأجدع : وهو المبشر بدعوة حمزة بين الناس .
    - بهاء الدين أبو الحسن علي بن أحمد السموقي المعروف بالضيف :كان له أكبر الأثر في انتشار المذهب وقت غياب حمزة سنة 411هـ* . وهو الذي أغلق باب الإجتهاد في المذهب حرصاً على بقاء الأصول التي وضعها هو وحمزة والتميمي .
    - أبو إبراهيم إسماعيل بن حامد التميمي : صهر حمزة وساعده الأيمن في الدعوة وهو الذي يليه في المرتبة .
    - ومن الزعماء المعاصرين لهذه الفرقة :
    _ كمال جنبلاط : زعيم سياسي لبناني أسس الحزب التقدمي الأشتراكي وقتل سنة 1977م.
    _ وليد جنبلاط : وهو زعيمهم الحالي وخليفة والده في زعامة الدروز وقيادة الحزب .
    _ د. نجيب العسراوي : رئيس الرابطة الدرزية بالبرازيل .
    _ عدنان بشير رشيد : رئيس الرابطة الدرزية في استراليا .
    _ سامي مكارم : الذي ساهم مع كمال جنبلاط في عدة تآليف في الدفاع عن الدروز .
    - الناس في الدرزية على درجات ثلاث :
    _ العقل : وهم طبقة رجال الدين الدارسين له والحفاظ عليه . وهم ثلاثة أقسام : رؤساء أو عقلاء أو أجاويد ، ويسمى رئيسهم شيخ العقل .
    _ الأجاويد : وهم الذين اطلعوا على تعاليم الدين والتزموا بها .
    _ الجهال : وهم عامة الناس .
    أهم العقائد

    - يعتقدون بألوهية الحاكم بأمر الله ولما مات قالوا بغيبته وانه سيرجع .
    - ينكرون الأنبياء والرسل جميعاً ويلقبونهم بالأبالسة .
    - يعتقدون بان المسيح هو داعيتهم حمزة .
    - يبغضون جميع أهل الديانات الأخرى والمسلمين منهم بخاصة ويستبيحون دماءهم وأموالهم وغشهم عند المقدرة .
    - يعتقدون بأن ديانتهم نسخت كل ما قبلها وينكرون جميع أحكام وعبادات الإسلام وأصوله كلها.
    - حج بعض كبار مفكريهم المعاصرين إلى الهند متظاهرين بأن عقيدتهم نابعة من حكمة الهند .
    ولا يكون الإنسان درزياً إلا إذا كتب أو تلى الميثاق الخاص .
    - يقولون بتناسخ الأرواح وأن الثواب والعقاب يكون بانتقال الروح من جسد صاحبها إلى جسد أسعد أو أشقى .
    - ينكرون الجنة والنار والثواب والعقاب الأخرويين .
    - ينكرون القرآن الكريم ويقولون إنه من وضع سلمان الفارسي ولهم مصحف خاص بهم يسمى المنفرد بذاته .
    - يرجعون عقائدهم إلى عصور متقدمة جداً ويفتخرون بالإنتساب إلى الفرعونية القديمة وإلى حكماء الهند القدامى .
    - يبدأ التاريخ عندهم من سنة 408هـ* وهي السنة التي أعلن فيها حمزة ألوهية الحاكم .
    - يعتقدون أن القيامة هي رجوع الحاكم الذي سيقودهم إلى هدم الكعبة وسحق المسلمين والنصارى في جميع أنحاء الأرض وأنهم سيحكمون العالم إلى الأبد ويفرضون الجزية والذل على المسلمين .
    - يعتقدون أن الحاكم أرسل خمسة أنبياء هم حمزة وإسماعيل ومحمد الكلمة وأبو الخير وبهاء .
    - يحرمون التزاوج مع غيرهم والصدقة عليهم ومساعدتهم كما يمنعون التعدد وإرجاع المطلقة .
    - يحرمون البنات من الميراث .
    - لا يعترفون بحرمة الأخت والأخ من الرضاعة .
    - لا يقبل الدروز أحداً في دينهم ولا يسمحون لأحد بالخروج منه .
    - ينقسم المجتمع الدرزي المعاصر - كما هو الحال سابقاً - من الناحية الدينية إلى قسمين :
    _ الروحانيين : بيدهم أسرار الطائفة وينقسمون إلى : رؤساء وعقلاء واجاويد .
    _ الجثمانيين : الذين يعتنون بالأمور الدنيوية وهم قسمان : أمراء وجهال .
    - أما من الناحية الإجتماعية فلا يعترفون بالسلطات القائمة إنما يحكمهم شيخ العقل ونوابه وفق نظام الإقطاع الديني .
    - يعتقدون ما يعتقده الفلاسفة من ان إلههم خلق العقل الكلي وبواسطته وجدت النفس الكلية وعنها تفرعت المخلوقات .
    - يقولون في الصحابة أقوالاً منكرة .
    - التستر والكتمان من أصول معتقداتهم .
    - مناطقهم خالية من المساجد ويستعيضون عنها بخلوات يجتمعون فيها ولا يسمحون لأحد بدخولها.
    - لا يصومون في رمضان ولا يحجون إلى بيت الله الحرام ، وإنما يحجون إلى خلوة البياضة في بلدة حاصبية في لبنان ولا يزورون مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنهم يزورون الكنيسة المريمية في قرية معلولا بمحافظة دمشق .
    - لا يتلقى الدرزي عقيدته ولا يبوحون بها إليه ولا يكون مكلفاً بتعاليمها إلا إذا بلغ سن الأربعين وهو سن العقل لديهم .
    - يصنف الدروز ضمن الفرق الباطنية لإيمانها بالتقية والقول بالباطن وبسرية العقائد .
    - تؤمن بالتناسخ بمعنى أن الإنسان إذا مات فإن روحه تتقمص إنساناً آخر يولد بعد موت الأول ، فإذا مات الثاني تقمصت روحه إنساناً ثالثاً وهكذا في مراحل متتابعة للفرد الواحد .
    - للأعداد خمسة وسبعة مكانة خاصة في العقيدة الدرزية .
    الجذور العقائدية

    - تأثروا بالباطنية عموماً وخاصة الباطنية اليونانية متمثلة في أرسطو وأفلاطون وأتباع فيثاغورس واعتبرهم أسيادهم الروحانيين .
    - أخذوا جُل معتقداتهم عن الطائفة الإسماعيلية .
    - تأثروا بالدهريين في قولهم بالحياة الأبدية .
    - وقد تأثروا بالبوذية في كثير من الأفكار والمعتقدات ، كما تأثروا ببعض فلسفة الفرس والهند والفراعنة القدامى .
    أماكن الإنتشار
    - يعيش الدروز اليوم في لبنان وسوريا وفلسطين .
    -غالبيتهم العظمى في لبنان ونسبة كبيرة من الموجودين منهم في فلسطين المحتلة قد أخذوا الجنسية الإسرائلية وبعضهم يعمل في الجيش الإسرائيلي .
    - توجد لهم رابطة في البرازيل ورابطة في استراليا وغيرهما .
    - نفوذهم في لبنان الآن قوي جداً تحت زعامة وليد جنبلاط ويمثلهم الحزب الإشتراكي التقدمي ولهم دور كبير في الحرب اللبنانية وعداوتهم للمسلمين لا تخفى على أحد .
    - ويبلغ عدد المنتمين إليها حوالي 250 ألف نسمة موزعين بين سوريا 121 ألفاً ، ولبنان 90 ألفاً والباقي في فلسطين وبعض دول المهجر .



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  2. #42
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    البهائية

    البابية والبهائية حركة نبعت من المذهب الشيعي الشيخي سنة 1260ه* تحت رعاية الاستعمار الروسي واليهودية العالمية والاستعمار الإنجليزي بهدف إفساد العقيدة الإسلامية وتفكيك وحدة المسلمين وصرفهم عن قضاياهم الأساسية .
    أبرز الشخصيات


    - أسسها الميرزا علي محمد رضا الشيرازي 1235_1266 ( 1819 _ 1850 م ) .
    - في عام 1259 م ذهب إلى بغداد وبدأ يرتاد مجلس إمام الشيخية في زمانه كاظم الرشتي ويدرس أفكاره وآراء الشيخية . وفي مجالس الرشتي تعرف عليه الجاسوس الروسي كينازد الغوركي والمدعي الإسلام باسم عيسى النكراني والذي بدأ يلقي في روعهم أن الميرزا علي محمد الشيرازي هو المهدي المنتظر والباب الموصل إلى الحقيقة الإلهية والذي سيظهر بعد وفاة الرشتي وذلك لما وجده مؤهلاً لتحقيق خطته في تمزيق وحدة المسلمين . - في ليلية الخميس 5 جمادى الأولى 1260 ه* _ 23 مارس 1844مأعلن أنه الباب نسبة إلى ما يعتقده الشيعة الشيخية من ظهوره بعد وفاة الرشتي المتوفى 1259 ه* وأنه رسول كموسى وعيسى ومحمد - عليهم السلام - بل وعياذاً بالله - أفضل منهم شأناً . - فآمن به تلاميذ الرشتي وانخدع به العامة واختار ثمانية عشرة مبشراً لدعوته أطلق عليهم حروف الحي إلا أنه في عام 1261 ه* قبض عليه فأعلن توبته على منبر مسجد الوكيل بعد أن عاث وأتباعه في الأرض فساداً وتقتيلاً وتكفيراً للمسلمين . - في عام 1266 ه* ادعى الباب حلول الإلهية في شخصه حلولاً مادياً وجسمانياً، لكن بعد أن ناقشه العلماء حاول التظاهر بالتوبة والرجوع ، ولم يصدقوه فقد عرف بالجبن والتنصل عند المواجهة . وحكم عليه بالإعدام هو والزنوزي وكاتب وحيه حسين اليزدي الذي تاب وتبرأ من البابية قبل الإعدام فأفرج عنه وذلك في 27 شعبان سنة 1266 ه* _ 8 يوليو 1850 م . - قرة العين واسمها الحقيقي أم سلمى ولدت في قزوين سنة 1231 ه* أو 1233 ه* أو 1235 ه* للملا محمد صالح القزويني أحد علماء الشيعة ودرست عليه العلوم ومالت إلى الشيخية بواسطة عمها الأصغر الملا علي الشيخي وتأثرت بأفكارهم ومعتقداتهم ، ثم رافقت الباب في الدراسة عند كاظم الرشتي بكربلاء حتى قيل إنها مهندسة أفكاره. - في رجب 1264 ه* اجتمعت مع زعماء البابية في مؤتمر بيدشت وكانت خطيبة القوم ومحرضة الأتباع على الخروج في مظاهرات احتجاج على اعتقال الباب ، وفيه أعلنت نسخ الشريعة الإسلامية . - اشتركت في مؤامرة قتل الشاه ناصر الدين القاجاري فقبض عليها وحكم بأن تحرق حية ولكن الجلاد خنقها قبل أن تحرق في اول ذي القعدة 1268 ه* الموافق 1852 م . - الميرزا يحي علي : أخو البهاء والملقب بصبح أزل ، أوصى له الباب بخلافته وسمي أصحابه بالأزليين فنازعه أخوه الميرزا حسين البهاء في الخلافة ثم في الرسالة والإلهية وحاول كل منهما دس السم لأخيه . ولشدة الخلافات بينهم وبين الشيعة تم نفيهم إلى أدرنة بتركيا في عام 1863 م حيث كان يعيش اليهود ، ولاستمرار الخلافات بين أتباع صبح أزل وأتباع البهاء نفى السلطان العثماني البهاء واتباعه مع بعض اتباع أخيه إلى عكا ونفى صبح أزل مع اتباعه إلى قبرص حتى مات ودفن بها في 29 إبريل 1912 م صباحاً عن عمر يناهز 82 عاما أوصى بالخلافة لابنه الذي تنصر وانفض من حوله الأتباع . - الميرزا حسين علي الملقب بهاء الله المولود 1817م نازع أخاه خلافة الباب وأعلن في بغداد أمام مريديه انه المظهر الكامل الذي أشار إليه الباب وانه رسول الله الذي حلت فيه الروح الإلهية لتنهي العمل الذي بشر به الباب وان دعوته هي المرحلة الثانية في الدورة العقائدية . - حاول قتل أخيه صبح أزل ، وكان على علاقة باليهود في أدرنة بسالونيك في تركيا والتي يطلق عليها البهائيون أرض السر التي ارسل منها إلى عكا فقتل من أتباع أخيه صبح أزل الكثير ، وفي عام 1092 م قتله بعض الأزليين ودفن بالبهجة بعكا وكانت كتبه تدعو للتجمع الصهيوني على أرض فلسطين . - عباس أفندي : الملقب ب*ـ عبد البهاء ولد في 23 مايو 1844 م نفس يوم إعلان دعوة الباب ، أوصى له والده البهاء بخلافته فكان ذا شخصية جادة لدرجة أن معظم المؤرخين يقولون بأنه : لولا العباس لما قامت للبابية والبهائية قائمة ، ويعتقد البهائيون أنه معصوم غير مشرع ، وكان يضفي على والده صفة الربوبية القادرة على الخلق . - زار سويسرا وحضر مؤتمرات الصهيونية ومنها مؤتمر بال 1911 م وحاول تكوين طابور خامس وسط العرب لتأييد الصهيونية ، كما استقبل الجنرال اللنبي لما أتى إلى فلسطين بالترحاب لدرجة أن كرمته بريطانيا بمنحه لقب سير فضلاً عن أرفع الأوسمة الأخرى . - زار لندن وأمريكا وألمانيا والمجر والنمسا والإسكندرية للخروج بالدعوة من حيز الكيان الإسلامي فأسس في شيكاغو أكبر محفل للبهائية ، رحل إلى حيفا 1913 م ثم إلى القاهرة حيث هلك بها في 1921 م / 1340 ه* بعد أن نسخ بعض تعاليم أبيه وأضاف إليها من العهد القديم ما يؤيد أقواله . - شوقي أفندي : خلف جده عبد البهاء وهو ابن الرابعة والعشرين من العمر في عام 1921 م / 1340 ه* وسار على نهجه في إعداد الجماعات البهائية في العلم لإنتخاب بيت العدالة الدولي ، ومات بلندن بأزمة قلبية ودفن بها في أرض قدمتها الحكومة البريطانية هدية للطائفة البهائية . - في عام 1963 م تولى تسعة من البهائيين شؤون البهائية بتأسيس بيت العدالة الدولي من تسعة أعضاء أربعة من أمريكا ، واثنان من إنجلترا وثلاثة من إيران وذلك برئاسة فرناندو سانت ثم تولى رئاستها من بعده اليهودي الصهيوني ميسون الأمريكي الجنسية.
    أهم العقائد

    - يعتقد البهائيون أن الباب هو الذي خلق كل شيء بكلمته وهو المبدأ الذي ظهرت عنه جمع الأشياء . - يقولون بالحلول والاتحاد والتناسخ وخلود الكائنات وان الثواب والعقاب إنما يكونان للأرواح فقط على وجه يشبه الخيال . - يقدسون العدد 19 ويجعلون عدد الشهور 19 شهراً وعدد الأيام 19 يوماً ، وقد تابعهم في هذا الهراء المدعو محمد رشاد خليفة حين ادعى قدسية خاصة للرقم 19 ، وحاول إثبات أن القرآن الكريم قائم في نظمه من حيث عدد الكلمات والحروف على 19 ولكن كلامه ساقط بكل المقاييس . - يقولون بنبوة بوذا وكنفوشيوس وبراهما وزاردشت وأمثالهم من حكماء الهند والصين والفرس الأول . - يوافقون اليهود والنصارى في القول بصلب المسيح . - يؤولون القرآن تأويلات باطنية ليتوافق مع مذهبهم . - ينكرون معجزات الأنبياء وحقيقة الملائكة والجن كما ينكرون الجنة والنار . - يحرمون الحجاب على المرأة ويحللون المتعة وشيوعية النساء والأموال . - يقولون إن دين الباب ناسخ لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم . - يؤولون القيامة بظهور البهاء ، أما قبلتهم فهي إلى البهجة بعكا بفلسطين بدلاً من المسجد الحرام . - والصلاة تؤدي في تسع ركعات ثلاث مرات والوضوء بماء الورد وإن لم يوجد فالبسملة بسم الله الأطهر الأطهر خمس مرات . - لا توجد صلاة الجماعة إلا في الصلاة على الميت وهي ست تكبيرات يقول كل تكبيرة (الله أبهى). - الصيام عندهم في الشهر التاسع عشر شهر العلا فيجب فيه الامتناع عن تناول الطعام من الشروق إلى الغروب مدة تسعة عشر يوماً ( شهر بهائي ) ويكون آخرها عيد النيروز 21 آذار وذلك من سن 11 إلى 42 فقط يعفى البهائيون من الصيام . - تحريم الجهاد وحمل السلاح وإشهاره ضد الأعداء خدمة للمصالح الاستعمارية . - ينكرون أن محمداً - خاتم النبيين مدعين استمرار الوحي وقد وضعوا كتباً معارضة للقرآن الكريم مليئة بالأخطاء اللغوية والركاكة في الأسلوب . - يبطلون الحج إلى مكة وحجهم حيث دفن بهاء الله في البهجة بعكا بفلسطين .
    الجذور العقائدية

    - الرافضة الإمامية . - الشيخية أتباع الشيخ أحمد الإحسائي . - الماسونية العالمية . - الصهيونية العالمية
    أماكن الإنتشار
    - تقطن الغالبية العظمى من البهائيين في إيران وقليل منهم في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين المحتلة حيث مقرهم الرئيسي وكذلك لهم وجود في مصر حيث أغلقت محافلهم بقرار جمهوري رقم 263 لسنة 1960 م.



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  3. #43
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78



    حول بعض النظريات التي توطن للفكر الضال
    كالداروينية والميكافيللية ..
    المصدر : موقع فضيلة العلامة سفر الحوالي..

    "هذه النظريات كلها تتفق في خاصية واحدة هي أنها تجعل إبرام العقد خارج سيطرة الإنسان … !! فجوهر القانون دائما" بعيد عن الإنسان وعليه أن يجده ويكمن الصلاح في اتباع الإنسان شريعة لا يد له في وضعها" .

    "ومن الواضح قصور مثل هذه النظريات فقد أثبتت البحوث التاريخية خطأ كل النظم التي تدعي أنها تعمل في ظل العقوبات اللاهوتية . فالإله الذي أوحى بها يتكلم لغة غامضة لا سحر فيها إلا على من نصبوا أنفسهم أتباعاً له" (16).

    ومع أن لمناقشة هذه الأفكار إجمالا" موضعا" آخر من البحث فإن مثل هذا الكلام لا ينبغي أن نتجاوزه دون تمحيص لا سيما وأنه ليس فلتة من كاتب وإنما هو اتجاه سائد وظاهره عامة في الفكر السياسي الغربي.

    إن هذا الكلام وما شاكله من مواقف "غير علمية" يتخذها معظم الباحثين اللادينيين حيال أية قضية من قضايا الدين مما لا يليق بالباحث النزيه الذي يتحرى الدقة والموضوعية فيما يقول .

    ويتجلى فيه بوضوح "جهالة مزدوجة" بحقائق التاريخ وحقائق العلم على حد سواء . أما الجهالة التاريخية فتبدو في "تعميم الأحكام" وهو خطأ ندر من ينجو منه من كتاب الجاهلية الغربية الصليبية إذ يعممون أحكامهم عن الدين والشرائع جاهلين – أو متجاهلين – أن الدين في صورته الإلهية الحقة "الإسلام" لا يصح مطلقاً أن يعبر عنه ضمن الأديان والنحل الأخرى وأن يوصم بما توصم به "المسيحية الرسمية" التي دانت بها أوروبا ولا بما توصف به شريعة التوراة المحرفة التي يسميها لاسكي "قوانين موسى" .

    إن التاريخ – على العكس مما توهم لاسكي – ليسجل للأمة الإسلامية إبان تطبيقها الكامل لشريعة الله أزهى عصر عرفته البشرية عدالة ورخاء ، وأنصع صفحة من صفحاته على الإطلاق ، اللهم إلا إذا كانت البحوث التاريخية التي يقصدها لاسكي هي بحوث المتعصبين الغربيين الحاقدين !.

    وأما الجهالة العلمية فتبرز في دعوى أن القانون الأمثل هو الذي يضعه الإنسان لنفسه وليس الذي يضعه له "الإله" .

    وهي دعوى ناشئة لا عن الجهل بمقام الألوهية فحسب بل عن الجهل الفاضح بحقيقة الإنسان وقصور علمه وعجز إدراكه ومحدودية معرفته حيث أن في طبيعته وتكوينه من صفات النقص ونواحي الضعف ما يجعله أعجز وأجهل من أن يشرع لنفسه .

    وهو مهما اكتشف من نواميس الكون وأسرار الوجود فلن يصبح "إلها" بحال من الأحوال كما يتوهم المغرمون بالعلم – وصفة "الحاكمية" التي تعني حق التشريع من أخص صفات الألوهية وأوجبها .

    والإنسان في كل مرحلة من مراحل وجوده – خلق ليعبد الله لا ليعبد نفسه بدليل أنه يجد نفسه محكوماً بسنن ونواميس إلهية لا يستطيع – بالغاً ما بلغ – أن يتجاوز نطاقها .

    أما الجانب الإرادي من حياته فإنما أعطاه الله حرية الاختيار فيه ليبتليه أيكفر أم يشكر ، وفى ذلك تكريم له ورفع لقدره بين المخلوقات فإن اتبع فيه شريعة الله حصل له الانسجام مع نفسه ومع الكون كله ، وإن اتبع هواه وتمرد على خالقه كان التصادم بينه وبين فطرته والكون وعاش عيشة ضنكاً في الدنيا فضلاً عن مصيره المحتوم في الآخرة (17).
    وما لنا نذهب بعيداً وها هو لاسكي نفسه يعيب النظريات السياسية قديمها وحديثها – كما سيأتي قريباً – وينقد "الديمقراطية" معبودة قومه نقداً لاذعاً ثم يقف عاجزاً عن الإتيان بنظرية سياسية عادلة لا تحابي فرداً على حساب آخر أو تظلم طبقة لمصلحة أُخرى (18) .

    وهذا الموقف العاجز يقفه كل الكتاب السياسيين المعاصرين والإنسان العصري يرى بأم عينه الأزمة الحادة في السياسة الدولية على الرغم من النظريات السياسية التي لا حصر لها .
    * * *
    أما نظرية العقد الاجتماعي فإن محور الدراسات الحديثة هو فكرتها القائلة بأن العلاقة بين الحاكم والمحكوم مصلحية نفعية متبادلة ولا سند للسلطة الحاكمة سوى ذلك ولكن العيب الذي أخذ عليها هو تصورها الخيالي للعقد . ذلك العقد الذي لا يستطيع أصحاب النظرية إثباته تاريخيا" فهو عقد وهمي لجأ الكتاب السياسيون الأوائل إلى افتراضه إما هروبا" من المواجهة الصريحة للسلطات الحاكمة آنذاك أو تزلفا" لها – على اختلاف بين أصحابها(19) .

    أما بعد أن تخلصت الشعوب من عبادة الملوك ورجال الدين وبلغت درجة لا بأس بها من الوعي السياسي وفي الوقت نفسه تخلص الكتاب من "أحلام الرومانتيكية" واتجهوا إلى "الواقعية" فلم يعد هناك ما يدعو إلى افتراض نظريات لا أساس لها تاريخيا" .

    وانطلاقا" من ذلك وجد علم السياسة الحديث بغيته المنشودة في كاتب آخر يتجلى بنظرة "عصرية" إلى الأمور وإن كان وجوده التاريخي سابقا" لمشاهير النظريات الأخرى ذلك هو "نيقولا مكيافيللي" الذي أطلق عليه لقب "أول المحدثين" ويعد كتابه "الأمير" مصدر الإلهام في العصر الحديث بالنسبة للحكام والمفكرين السياسيين على حد سواء(20) .

    هذا وقد كان للنظريات اللادينية في القرن التاسع عشر ونظرية التطور بصفة خاصة الإسهام الأكبر في بحث الميكافيلية وإلباسها اللباس العلمي المبهرج بعد أن كانت من قبل مسبة لأصحابها ومدعاة للتنفير من معتنقيها .

    لقد كانت "مملكة المسيح" التي يتحدث عنها بابوات الكنيسة الكاثوليكية تشتمل على تنظيمين :

    1-التنظيم الروحي ويمثله رجال الدين ومجال عمله الكنائس والأديرة ووظيفته الوعظ والتوجيه للخلاص من "الخطيئة" .

    2-التنظيم الزمني وتمثله الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية وميدانه شؤون الحياة الدنيوية .

    وكلا التنظيمين يمارس نشاطه في ظل روح أخلاقية مسيحية مع تفاوت بالالتزام بهذه الروح .

    فمن الوجهة العلمية كان الفصل بين الدين والسياسة موجودا" بالفعل أي أن نوعا" من العلمانية الموضوعية كان يسود الحياة الأوروبية طيلة القرون الوسطى وذلك أمر طبيعي ما دام الحكم بما أنزل الله غير نافذ في المجتمع .

    ولكن أول من تبنى دعوة علمانية ذاتية ودعا بصراحة إلى استبعاد للدين وعزله عن جانب مهم من جوانب الحياة هو "ميكافيللي" .

    والميكافيلية باعتبارها منهجا" عمليا" للحكم تقوم كما رسمها واضعها في "الأمير" على ثلاثة أسس متلازمة مستمدة من تصور لاديني صرف هي :

    1-الاعتقاد بأن الإنسان شرير بطبعه وأن رغبته في الخير مصطنعة يفتعلها لتحقيق غرض نفعي بحت (21) ، وما دامت تلك هي طبيعته المتأصلة فلا حرج عليه ولا لوم إذا انساق وراءها .

    2-الفصل التام بين السياسة وبين الدين والأخلاق فقد رسم ميكافيللي للسياسة دائرة خاصة مستقلة بمعاييرها وأحكامها وسلوكها عن دائرة الدين والأخلاق "وفرق ميكافيللي" تمام التفريق بين دراسة السياسة ودراسة الشؤون الأخلاقية وأكد عدم وجود أي رابط بينهما" (22) .
    صحيح أن ميكافيللي لم ينكر الدين والأخلاق في ذاتهما كما هو الشأن في بعض النظريات المعاصرة لكنه يجعل الحاكم في حل من التمسك بالضوابط المستمدة منهما ويقصرها على أفراد الشعب .

    3-إن الغاية تبرر الوسيلة : وهذه هي القاعدة العملية التي وضعها ميكافيللي بديلا" عن القواعد الدينية والأخلاقية . ولذلك فإن لها عنده تفسيرا" خاصا" .
    كان الكتاب السياسيون منذ القدم ، ومنهم فلاسفة الإغريق كأفلاطون وأرسطو وغيرهم يبحثون عن الغاية من الدولة والهدف من وجودها (23) ، فرأى بعضهم أن غايتها هي تحقيق المثل العليا السامية ولهذا جاء اشتراطهم كون الحاكم فيلسوفا" . بينما ذهب آخرون إلى أنها تنفيذ القانون الإلهي أو القانون "الطبيعي" كما يسمونه .
    ولكن ميكافيللي ذا النزعة العملية ذهب إلى أن الدولة غاية بذاتها والقبض على زمام الحكم هدف برأسه ولا داعي للخوض فيما وراء ذلك .

    وفى سبيل تحقيق هذه الغاية لا مانع من سلوك أي سبيل يوصل إليها واستخدام أية وسيلة من شأنها تسهيل ذلك مهما وصفت تلك السبل والوسائل بأنها غير أخلاقية ومهما تنافت مع الدين ومنهجه في السلوك .

    فالمعيار الذي تقاس به صلاحية الوسيلة أو عدمها ليس معيارا" موضوعيا" بل هو معيار ذاتي شخصي ، وللسياسي وحده الحق في الحكم بصحة أي لون من ألوان السلوك أو خطئه وبطلانه .

    تلك صورة موجزة للميكافيللية كما ظهرت في عصر النهضة .

    وبسبب نزعتها اللاأخلاقية الظاهرة عورضت بشدة في الأوساط الدينية والفكرية فحرمت الكنيسة قراءة "الأمير" ونقده المؤلفون بعنف . وظلت كلمة "ميكافيللي" أشنع وصف يمكن أن يطلق على إنسان متحلل من قيود الدين والخلق متجرد من الإنسانية والضمير .

    وهكذا بقيت زهاء ثلاثة قرون وهي في موضع المقت والازدراء بينما نمت النظريات التي عُورضت آنفا" .

    ولما جاء القرن التاسع عشر قرن الانتفاضة الشاملة على الدين والأخلاق فكريا" وواقعيا" ظهرت نظرية التطور العضوي على يد داروين . وكان قانونها وقاعدتها أن الحياة صراع والبقاء للأنسب أي للأقوى بطبيعة الحال .
    حينئذ آمن الناس على أساس "علمي" ! بأن الوجود مرتبط بالقوة ، وأن الصراع الحتمي على البقاء لا يسمح بالتفريق بين وسيلة وأخرى فليست العبرة بنوعية الوسيلة لكنها بضمان النتيجة وتحقيق الغاية التي هي "البقاء" في ذاته .

    الميكافيللية تقول إن الحق هو القوة ! .
    والداروينية تقول : إن الوجود هو القوة .

    والداروينية نظرية علمية إذن فلتكن الميكافيللية كذلك .

    وكانت الظروف تهيئ لمثل هذه المعادلة ، فالكنيسة فقدت سلطانها الطاغي، والحياة السياسية والاجتماعية في القارة تموج بالصراعات والحروب الطاحنة والشحناء المدمرة ، هذا من ناحية .
    ومن ناحية أخرى ارتبطت السياسة – في ذلك القرن – بالاقتصاد ارتباطا" قويا" فازدادت بعداً عن الدين والمؤثرات الدينية .

    والواقع أن السياسة والاقتصاد وكل جوانب الحياة مترابطة ومتلازمة بحيث يصعب فصل كل منها عن الآخر . إلا أن الاقتصاد ، بصفة خاصة ، أصبح المحور الرئيسي للسياسة الدولية بسبب الأوضاع التي كانت تعيشها القارة الأوروبية .
    ففي هذه الفترة شهدت الحياة الأوروبية انهيار نظام اجتماعي وقيام نظام آخر محله . لقد انهار الإقطاع وولدت الرأسمالية .
    كان النظام الإقطاعي الذي ألمحنا عنه سابقا" يمثل صورة بشعة لإهدار الكرامة الإنسانية والحط من قيمة الإنسان واستعباده بفظاعة لأناس من بني جنسه تجردوا من المعاني الإنسانية النبيلة .
    كان الإنسان في ظل هذا النظام مستعبدا" لسلطتين غاشمتين : سلطة السادة الإقطاعيين وسلطة رجال الدين ، فالسيد يملك الإقطاعية بمن عليها من الفلاحين ويسن لها القوانين ويفرض عليها العقوبات كما يشاء أي أنه كان يجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في آن واحد .

    أما رجال الدين فيبارك الاستعباد بحجة أنه نتيجة للخطيئة الأولى ويشارك السيد في تسخير العبيد لمصلحته الشخصية إذ أن الكنيسة كما سبق أن أوضحنا جزء لا ينفك من النظام الإقطاعي وفي ظل هذا الواقع المزري انبعث هنالك حركتان لها أهمية قصوى في التاريخ الأوروبي : الحركة العلمية ، والحركة الإصلاحية الدينية ، وغير خاف الأثر الإسلامي فيهما وظهرت "الطبقة البرجوازية" مستندة إلى أقوال "لوثر وكالفن" و مستفيدة من ثمار التقدم العلمي التجريبي وظل دور هذه الطبقة محدودا" حتى بدأ ما يسمى "الثورة الصناعية" حيث بدأ المصنع يستأثر بما كان للأرض من قيمة ونفوذ واشتد التنافس بين رجال الصناعة في المدن والملاك الزراعيين في إقطاعيات الأرياف .

    وكانت الصناعة آنذاك تحتاج إلى أيد عاملة متوفرة ورخيصة والعمال بطبيعة الوضع يعيشون في الريف تحت سيطرة السادة الإقطاعيين فكان لابد من كسر السور المفروض عليهم وإتاحة الفرصة لهم للانفلات من قيود الإقطاعية ، لا لمصلحة السادة البرجوازيين .

    حينئذ ظهر المذهب الطبيعي أو "الفيزيوقراطي" الذي كان ينادي بشعار "دعه يعمل ، دعه يمر" أي دعه يعمل ما يشاء ويمر من حيث يشاء وكذلك فتحا" جديدا" في الحياة الأوروبية .
    فعلى الرغم من أن حرية الإنسان في اختيار سبيل الرزق الحلال وحقه في الانتقال إلى حيث شاء من أرض الله كانت بالنسبة للإنسان في الشرق الإسلامي أمرا" بديهيا" كالماء والهواء ، فإن الحصول عليها في الغرب الإقطاعي يعد ظفرا" بمكسب كبير للغاية .

    وكان نجاح الثورة الفرنسية حافزا" قويا" لبقية الشعوب الأوروبية فاندلعت الثورات المتتابعة وارتفعت صرخات المفكرين ممن يسمون "دعاة الحرية" منددين بالمساوئ التي يعج بها المجتمع والقيود التي يرزح الفرد تحت نيرها .

    وبسبب ما عانته الشعوب من ويلات الحروب الطاحنة بين الطوائف الدينية لا سيما بين الكاثوليك والبروتستانت وبسبب الطغيان الجائر الذي كان رجال الدين يفرضونه على الناس وبسبب الحقد الصليبي الذي حجب الأوروبيين عن الاهتداء بهدى الله والدخول في دينه الحق – بسبب ذلك كانت الحرية التي طولب بها "لادينية" وكان الأساس الذي يراد بناء المجتمع الجديد عليه لادينيا" كذلك . واستلهم الباحثون من التراث الفلسفي الإغريقي ومن كتابات "سبينوزا وجون لوك" والموسوعيين الفرنسيين فكرة صياغة المجتمع وفق قوالب وتنظيمات علمانية .

    وفى الظلام تارة وعلانية تارة كانت المنظمات التلمودية تضرم الأحقاد وتؤجج نار العداوة ضد الدين وتدفع الناس دفعا" إلى الأباحية والإلحاد .
    والتقت مشاعر الناس وتعلقت عواطفهم بكلمة سحرية خلابة ترمز لمبدأ جديد جذاب اتفق في المناداة به "الطبيعيون" و "النفعيون" و "الجماعيون" و "الفرديون" ذلك هو مبدأ "الديموقراطية" . ومن الذي لا تخلب الديمقراطية لبّه من الشعوب المضطهدة والعقول المغلولة ؟! . الشعب هو سيد نفسه وهو مصدر السلطات ولا وصاية لأحد عليه
    وللمواطن – أياً كانت عقيدته أو جنسيته – حريات وحقوق لم يكن ليحلم بها من قبل : حرية العمل – حرية التنقل – حق إبداء الرأي – حرية السلوك – حرية العقيدة – حق التظاهر والاحتجاج
    وله كذلك ضمانات لم تكن – وهو في ظل الإقطاع – لتدور له في خلد : ضمان الاتهام – ضمان التحقيق – ضمانة المحاكمة – ضمانة التنفيذ(24) .

    كل الناس بهرتهم هذه الشعارات وأسكرتهم هذه الأحلام فحاولوا بكل جهدهم نسيان ذلك الماضي الرهيب ونبذه بكل قيمة ومثله وإن كان من بينها الدين والأخلاق … وتحرقوا مشتاقين إلى مستقبل باهر وضاء وطغى على الفكر والأدب اتجاه مغرق في التفاؤل واثق ثقة مطلقة في السعادة والتقدم اللذين لا حد لهما .
    وكان هنالك – بطبيعة الحال – فئة واحدة فقط تدرك النهاية الحقيقية والمغزى العميق للعملية ، هذه الفئة هي طبقة "الرأسمالية" الذين يمثلون الخلاصة المتطورة للطبقة البرجوازية . وغني عن البيان القول بأن الرؤوس البارزة في هذه الطبقة هم "المرابون اليهود" (25" .

    ولنستمع إلى القصة من رواية باحث سياسي غربي :
    يقول "كارل بيكر" في كتاب "السبيل إلى عالم أفضل" :
    "كان كل رجل أيا كانت المملكة التي يعيش فيها يدين بالولاء والطاعة للكنيسة ورجالها في الأمور الدينية كما كان يدفع للكنيسة مكوسا" معينة فضلا" عن تقاضيه أمام محاكمها التي لها أيضا" اختصاص توقيع العقوبة عليه في جرائم معينة . ولكنه كان يدين في الوقت ذاته بالولاء والطاعة لحكومة بلاده المدنية فكان يدفع لأمير المقاطعة أو للملك ضرائب أخرى معينة وكان يتقاضى أمام محاكم الأديرة أو الملك كما كانت هذه المحاكم توقع عليه العقوبة لارتكابه جرائم معينة وهكذا كان أمرا" مقضيا" أن ينشب النزاع بين هاتين السلطتين التي تطالب كل منهما الناس بواجب الولاء لها ولم يكن تاريخ غرب أوروبا طيلة العصور الوسطى وفي كل جزء من أجزائه إلا تاريخا" لهذا الكفاح المستمر بين الكنيسة والدولة" .
    "ولقد تم انتقال السلطان والقوة من الكنيسة إلى الدولة خلال المائة عام التي انقضت في حروب أهلية ودولية بسبب المنازعات الدينية وكانت هذه الحروب كفاحا" وحشيا" داميا" لا يلين ولا يهدأ للظفر بالسلطان السياسي" .
    "وهكذا اختفى من أوروبا الغربية مجتمعها المسيحي الموحد … وأصبحت سيادة هذه الدول واستقلالها حقيقة واقعة … ولقد جاءت المبادئ النظرية بعد ذلك لتؤيد هذه الحقيقة . فقد عرف ميكافيللي في كتابه المشهور "الأمير" الذي نشره قرابة عام 1513 الدولة بأنها قوة سياسية بحتة كما أعلن فيه أن مهمة الأمراء والحكام أو وظيفتهم الوحيدة هي اكتساب السلطة واستخدامها وهم في استخدامهم لهذه السلطة لهم أن يحكموا وحدهم على الأغراض والغايات والتي تتحقق عن طريقها وهم من أجل ذلك غير مقيدين بقواعد الدين والأخلاق .

    وفي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ألغت الثورة الديموقراطية الحكم المطلق الذي كان للملوك وأحلت محله سلطان الحكومة الذي تولته جمعيات نيابية ينتخبها الشعب … وجعلت هذه الثورة ، الدول على اختلافها أكثر اهتماما" بالأمور الدنيوية وبالتالي أكثر استقلالا" من ذي قبل وهكذا حلت إرادة الشعب محل الحق الإلهي .
    "وكما كان الناس على استعداد لأن يقاتلوا ويموتوا في سبيل الدين والكنيسة أصبح الرجل على أهبة القتال والموت في سبيل دولته وشعبه(26) .

    ثم ننتقل مع "بيكر" إلى الكلام عن "الديموقراطية" حيث يقول :
    "الديمقراطية العصرية من حيث الكفرة والواقع إن هي إلا نتيجة لمعارضة قامت في وجه ذلك النظام الذي سار عليه المجتمع والحكومة وكان سائدا" في معظم الدول الأوروبية خلال القرنين (17و18) وقت أن كان يحكم الدول ملوك ادعوا السلطة المطلقة استنادا" إلى الحق الإلهي وقد استندت سلطة هؤلاء الملوك إلى طبقة الأعيان وإلى سلطة الكنيسة الموطدة وكانت غالبية الناس وبخاصة الأجراء والفلاحين تسام الظلم وتستغل وكان نصيبهم من الحقوق ضئيلا" فلم يتمتعوا بالحرية السياسية أو حرية العبادة أو حرية الكلام أو الصحافة أو حرية العمل .
    "ولم يكن للمواطنين أي ضمان ضد التعسف بهم أو القبض عليهم وحبسهم وتفتيش مساكنهم وكانت الثورة الإنجليزية والثورتان الفرنسية والأميركية موجهة ضد هذا النوع من الدكتاتورية لإحلال الديمقراطية الحرة محلها .

    وإن الفكرة الرئيسية التي تنطوي عليها الفلسفة الديمقراطية الحرة التي كانت تتمثل في أن الناس يستطيعون أن يحكموا أنفسهم بصورة أفضل مما لو حكمهم الملوك وطبقة الأشراف ورجال الدين وكان الكتاب يستعملون هاتين الكلمتين (Laissez Faire) تعبيرا" عن هذه الفكرة أي دع الناس أحرارا" في أعمالهم وكانوا يظنون أن واجب الحكومة ينحصر في حماية الأرواح والممتلكات والمحافظة على النظام وحماية البلاد ضد الاعتداء الخارجي .

    "وكانت الفكرة العامة تنادي بأنه إذا سعى كل فرد وراء منافعه الذاتية فإن ضربا" من التوفيق بين مصالح الشعب المختلفة سرعان ما يزداد ظهوره أو يقل بصورة آلية وكان يعبر عن هذه الفكرة بإيجاز في العبارة الآتية "إن المنافع الخاصة تؤدى بدورها إلى تحقيق المنفعة العامة" .

    "وهذه النظرية البسيطة هي نظرية تعمل لمصلحة القوي ضد الضعيف وفي مجتمعات القرن الثامن عشر التي لم تكن حياتها قد تعقدت بعد كانت هذه النظرية تعمل لمصلحة أولئك الأفراد القلائل الذين أتاح لهم الحظ أن يقتنوا ثروة(!) .

    "ولكن بظهور الآلات ذات القوى المحركة أصبح واضحا" المنافسة الصناعية الحرة لم تؤد إلى النتيجة التي كان يتوقعها الاقتصاديون والفلاسفة السياسيون فقد كانت الأرباح تعود على أصحاب الصناعة والآلات وحدهم ونهضت الآلات بأكبر عبء من العمل فامتلأت البلاد بالعمال العاطلين ، ووجد أصحاب المصانع الأحرار أن ذلك فرصة لتخفيف الأجور وإطالة ساعات العمل ، ووجد العمال أن حريتهم في اختيار مهنهم كانت محدودة بمقياس الحاجة إلى ساعات طويلة في أى عمل يعرض لهم لقاء أجور تافهة لا تكاد تقيم أودهم ، وكانت جموع النساء والأطفال الذين أنهكهم الجوع والضعف يشتغلون في العمل بمعدل 12 ساعة في اليوم داخل حوانيت قذرة وخطرة وغير صحية لقاء أجر لا تكاد تقيم أودهم"(27) .

    هكذا جاءت الديمقراطية وهكذا تبددت الأحلام والأوهام التي نيطت بها وأسفرت الثورة الصناعية التي واكبت الثورة الديمقراطية عن وجه كالح لا يقل شناعة وفظاعة عن صورة الإقطاع وانقلبت الحرية النسبية التي وصل إليها العمال والفلاحون قيودا" ثقيلة ترهق كواهلهم .

    وتعالت الصيحات والصرخات من جديد تعلن رفضها للنظام الطبيعي الفردي وتطالب بأنظمة "جماعية ديمقراطية" وظهر بقوة صوت "الاشتراكيين الأوائل" ومال إليهم طوائف كثيرة من المثقفين والعمال والفلاحين وشكلوا جبهة مضادة للرأسماليين العتاة .

    وفى معمعة الصراع بين أنصار الرأسمالية الفردية ودعاة الديمقراطية الاشتراكية الجماعية ولدت نظرية التطور التي غيرت مجرى الفكر الغربي بأجمعه .

    فهذه النظرية بإجهازها على "المسيحية الرسمية" أفسحت الطريق لإبعاد الدين عامة بصفة نهائية من التأثير في أي منحى من مناحي الحياة بل مهدت لرفضه رفضا" باتا" حتى في صورته الوجدانية المجردة .

    وبواسطة قانون الانتخاب الطبيعي وتنازع البقاء المفضي إلى بقاء الأنسب بعثت الداروينية النزعة الميكافيللية كما أسلفنا ، فلقد كان صراع الدول القومية في العصر الحديث الذي يشبه في مظهره صراع أنواع الكائنات الحية مدعاة لتبرير الميكافيللية بل لتبنيها وتطبيقها . ويؤكد ذلك "كريستيان غاوس" في مقدمته لكتاب الأمير إذ يقول عن الكتاب :
    "اختاره موسوليني في أيام تلمذته موضوعا" لإطروحته التي قدمها للدكتوراة وكان هتلر يضع هذا الكتاب على مقربة من سريره فيقرأ منه في كل ليلة قبل أن ينام . ول يدهشنا قول "ماكس ليرز" في مقدمته لكتاب "أحاديث" أن لينين وستالين أيضا" تتلمذوا على ميكافيللي"(28) .

    وتتجلى الروح الميكافيللية بوضوح في قول انجلز :
    "إن الأخلاق التي نؤمن بها هي كل عمل يؤدى إلى انتصار مبادئنا مهما كان هذا العمل منافيا" للأخلاق المعمول بها" .
    وقول لينين :
    "يجب على المناضل الشيوعي الحق أن يتمرس بشتى ضروب الخداع والغش والتضليل . فالكفاح من أجل الشيوعية يبارك كل وسيلة تحقق الشيوعية"(29) .
    أما الرأسمالية فلا تخفى أبدا" حقيقتها الميكافيللية بل إن مايلز كوبلاند صاحب "لعبة الأمم" ليقرر أنها منهج السياسة الأميركية(30) .
    وإضافة إلى ذلك قدمت فلسفة التطور لكل من المعسكرين المتصارعين سندا" لكفاحه ضد المعسكر الآخر ومبررا" لجدارته وحده بالبقاء دون غريمه .
    فالرأسمالية ترى أنها الحقيقة بالخلود المؤهلة وحدها بمؤهلات الاستمرار والتقدم ذلك لأنها العنصر القوي في الحياة الحديثة فلها – حسب قانون الانتقاء الطبيعي وتنازع البقاء – الحق في القضاء على العناصر الضعيفة بتصفيتها جسديا" أو إنهاكها اقتصاديا" . وهكذا كانت الدول الرأسمالية دولا" استعمارية بالدرجة الأولى(31) ، مع ملاحظة أن صورة الاستعمار في العقود الأخيرة تغيرت عنها في القرن الماضي .
    وغير خاف أثر فلسفة التطور في الماركسية فقد استغلت النظرية الداروينية وطبقتها بحيث تتفق مع صراع الطبقات واتجه نظر الماركسية إلى زاوية أخرى فهي لا توافق على البقاء للأقوى لكنها ترى معتمدة على فلسفتها الديالكتية (الجدلية) أن البقاء للأحدث وذلك ما تقول بها أيضا" فلسفة التطور (32) .
    وعليه فإن الرأسمالية – في نظرها – أشبه بسلالة منقرضة لا مبرر لبقائها بعد ظهور عنصر أحدث منها وأرقى تطورا" وهو "الماركسية" .
    ونستطيع أن نستنتج من ذلك أن هناك جامعا" مشتركا" لأنظمة الحكم اللادينية المعاصرة بالإضافة إلى اتفاقها على طرح الدين ونبذ الأخلاق من دائرة العمل السياسي بالكلية . وهذا الجامع يحتوي على ثلاثة أسس :
    1-الميكافيللية منهجا" عمليا" .
    2-فلسفة التطور مبررا" للبقاء والاستمرار .
    3-الديمقراطية بصفتها نظاما" إنسانيا" وضعيا" يتقنع به كلا المعسكرين .



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  4. #44
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    فصل في الشرك الأصغر
    الشرك الأصغر: هو كل ذريعة وسبب يؤدي إلى الشرك الأكبر.
    * من مظاهر الشرك الأصغر:
    1-تعليق الخيوط والحِلَق وحدوة الحصان والخرز والودع والتمائم والأحجبة معتقداً أنها أسباب لدفع العين والحسد والشر، أما لو اعتقد أنها بذاتها تنفع وتضر، فهذا شركٌ أكبر في الربوبية.
    قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلا أَتَمَّ اللهُ لَهُ وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلا وَدَعَ اللهُ لَهُ)،
    [2] وفي رواية: (مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ).[3]
    أما إن كان المعلّق من القرآن، فقد اختلف فيه العلماء، فكرهه كله عبد الله بن مسعود وأصحابه، وهو قول ابن عباس، وظاهر قول حذيفة وعقبة بن عامر وابن حكيم، ونُقِل جوازه عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعائشة، ولا يصح، والصحيح المنع منها ؛ لعموم النهي، وسداً للذريعة، ومنعاً لامتهانه ؛ لحمله أثناء قضاء الحاجة، ونحوها.
    2- الرياء.
    واعلم أن حقيقة الرياء: طلب الجاه، والمنزلة عند الناس بالعبادات، وهو مُشْتَقٌ من الرؤية، ومثله التسميع، أي: طلب سماعهم لعبادته، وطاعته.
    وهو أقسام:
    فتارة لا يُراد بالعمل سوى المخلوقين لغرض دنيوي، كحال المنافقين في صلاتهم، ولا يشك مسلم في حبوط هذا العمل.
    وتارة يكون العمل لله ويشاركه وسلم-:من أصله، والنصوص تدل على بطلانه أيضا وحبوطه، كما قال -تعالى- في الحديث القدسي: (أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ).
    [4]
    وتارة يكون أصل العمل لله، ثم طرأت عليه نية الرياء، فإن كان خاطراً ودفعه، لم يضره بلا خلاف، فإن استرسل معه فهل يحبط عمله أم لا يضره ذلك، ويجازى على أصل نيته ؟ فيه خلاف بين علماء السلف، ا.هـ[5]، وقد رجّح ابن رجب أنه يجازى على أصل نيته، ولكن لا شك أن أجره قد نقص.
    3- الحلف بغير الله -تعالى-.
    فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ كَفَرَ)،
    [6] وفي رواية: (فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ).
    4- التطير.
    وهو التفاؤل أو التشاؤم بالطير، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الطِّيَرَةُ شِرْكٌ).
    [7]
    أما لو اعتقد أن الطير ينفع أو يضر بذاته فهو شرك أكبر، ولو اعتقد أنها سببٌ في جلب النفع ودفع الضر فهو شركٌ أصغر، كمن يعتقد أن البومة سببٌ للشر، والحمامة سببٌ للخير، والطير الفلاني سببٌ للبركة في البيت، وكأولئك الذين يرشون الماء كسببٍ لجلب الرزق، فهذا كله شرك أصغر، أما لو اعتقد أنها هي التي تأتي بالرزق بذاتها، فهذا شرك أكبر.
    5- التوسل البدعي.
    كأن يقول للميت: ادع الله لي، استغفر لي، أما لو قال: أغثني، أو اغفر لي، أو ارحمني، أو ارزقني، أو اشفني، فهو شرك أكبر، وهو توسل شركي.
    فصل في التوسل
    وقضية التوسل من القضايا المهمة التي وقع فيها خلافٌ بين المتأخرين، والتوسل هو اتخاذ وسيلة توصل الإنسان إلى ما يريد، وقد ورد لفظ الوسيلة في القرآن في قوله سبحانه و-تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة:35)، وفي قوله -عز وجل- في الرد على المشركين الذين يدعون غير الله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً) (الإسراء:57).
    وهي في هاتين الآيتين باتفاق أهل العلم بمعنى القربة، نقله ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس -رضي الله عنه- ومجاهد والحسن وقتادة وغير واحد، وقال: وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه ا.هـ
    [8].
    (يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ)، أي يتقربون إليه، وذلك من علامات حبهم العظيم لله -عز وجل- فالذي يتقرب إلى الله، ويبتغي أن يكون قريباً من الله لابد أنه يحبه -سبحانه وتعالى-.
    ومن هذا المعنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا سَمِعْتُمْ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِي الوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ)
    [9]، فالوسيلة بمعنى المنزلة مأخوذة من القُرب، لأن القريب من الملك أو العظيم له منزلة قريبة منه، فهذه الوسيلة اسمٌ لدرجة في الجنة، قريبة جداً بل هي أقرب المنازل وأرفع المنازل عند الله -سبحانه وتعالى-، لا تنبغي إلا لعبد واحد وقد رجا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكون هو ذلك العبد -صلى الله عليه وسلم- ونسأل الله له الوسيلة.
    فالوسيلة لغةً: ما يتوصل به إلى الشيء، ولها معنى آخر وهو المنزلة والدرجة والقربة وكلا المعنيين صحيحٌ شرعاً.
    والتوسل منه الركن والواجب والمستحب:
    فالتوسل الركن: هو التوسل إلى الله -عز وجل- بالإيمان به، فلا يقبل الله -تعالى- تقرباً إليه بغير إيمان به وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، فلابد أن يُتَقَرب إلى الله بذلك ؛ هذا هو المعنى المقصود بقوله -تعالى-: (يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ)، فلو أن إنساناً تقرب إلى الله بأنواع القربات، وهو مُكذبٌ برسوله أو مُكذب بمَلَكٍ أو مُعَادٍ لمَلكٍ من الملائكة أو مكذب بالجنة والنار، أو مكذب بالقدر، لم يقبل الله -عز وجل- منه شيئاً، لأنه فرط في الوسيلة التي هي ركن والتي لا يقبل الله من أحد شيئاً بدونها.
    والتوسل الواجب: هو توسل الإنسان إلى الله -سبحانه وتعالى- بفعل ما أمر وترك ما حرم.
    والتوسل المستحب: هو التوسل إلى الله -سبحانه وتعالى- بفعل المستحبات.
    والتوسل في المشروع: هو ذكر ما يكون الدعاء به أقرب إلى الإجابة، وهذا أحد معاني التوسل العام، والتوسل العام هو التقرب، والدعاء من القربات، وقد يكون التوسل في الدعاء واجباً كما هو في سورة الفاتحة: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) (الفاتحة:6-7)، فلا تصح الصلاة من غير أن ندعو هذا الدعاء، ولا بد أن نتوسل ببداية الفاتحة: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، وهذا توسلٌ بأسماء الله وصفاته، (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)(الفاتحة:5)، وهذا توسلٌ إلى الله بالأعمال الصالحة.
    * أنواع التوسل المشروع وغير المشروع في الدعاء:
    1- التوسل المشروع:
    الذي ورد في الكتاب والسنة من أنواع التوسل المشروع في الدعاء ثلاثة أنواع:
    النوع الأول: التوسل إلى الله -عز وجل- بأسمائه وصفاته.
    النوع الثاني: التوسل إلى الله -عز وجل- بذكر الأعمال الصالحة التي قام بها العبد.
    النوع الثالث: التوسل إلى الله -عز وجل- بدعاء المسلم الصالح الذي دعا وهو حي حاضر.
    النوع الأول:
    وهو مأخوذٌ من قوله -تعالى-: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (لأعراف:180)
    ، وأدعية الكتاب والسنة كلها لا تخلو من ذكر الأسماء والصفات، فالعبد لا يسأل مباشرة بل يقول: (يا رب) أو (اللهم) فإنه توسل بالربوبية أو بالألوهية، والأدعية المستجابة التي ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يدل على فضلها هي ذكر أسماء الله -تعالى- وصفاته، كما سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الحَمْدَ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ المَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ العَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ)
    [10].
    وسمع رجلاً يَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا أَللهُ بِأَنَّكَ الوَاحِدُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، فَقَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: (قَدْ غُفِرَ لَهُ) ثَلاثًا
    [11].
    وجميع أذكار الصباح والمساء، والنوم، والدخول والخروج للبيت أو المسجد، والنزول، والسفر واللبس، والطعام والشراب، وجميع الأذكار الواردة ؛ هي أدعية فيها ثناء على الله -عز وجل- بأسمائه وصفاته، وسؤال الرب -سبحانه وتعالى- بأسمائه وصفاته، دون استثناء، وجميع أدعية المؤمنين في الكتاب وفي السنة كلها متضمنة التوسل إلى الله -سبحانه- بذكر الأسماء والصفات.
    ولذلك نقول: هذا النوع من التوسل هو أعظم أنواع التوسل.
    النوع الثاني:
    وهو التوسل إلى الله بذكر الأعمال الصالحة بين يدي الدعاء، أو في خاتمته، كما ورد كثيراً مثل قوله -تعالى-: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران:16).
    ولا بد أن نفرق بين فعل الإيمان نفسه، بأن يؤمن الإنسان، فهذا ركنٌ من الأركان ولا يقبل الله قربةً بدونه وهذا هو التوسل العام الركن، وأما ذكر الإيمان في الدعاء فهذا من التوسل المستحب، أن يقول بين يدي دعائه: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران:16)، (رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ)(المؤمنون: من الآية109)، (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ) (آل عمران:193)

    فذكر الإيمان في الدعاء هو التوسل الذي نقصده في الدعاء، أما فعل الإيمان نفسه، وأن يستجيب الإنسان لمنادي الرحمن فهذا فرض في التقرب، لا يقبل الله -عز وجل- من أحد تقرباً من غير أن يؤمن، أما لو لم يقل هذا الدعاء لكونه مثلاً لا يحفظه فلا بأس، أما الذي أوجبه الله علينا هو: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة:5)

    ومن ذلك القصة المشهورة قصة الثلاثة الذين أُغْلِقَ عليهم الغار، فتوسلوا إلى الله -عز وجل- بأعمالهم الصالحة، قالوا: (إِنَّهُ لا يُنْجِيكُمْ إِلا أَنْ تَدْعُوا اللهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ)، فتوسل أحدهم إلى الله -عز وجل- ببر الوالدين والإخلاص في ذلك فقال: (اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ -وهو سقي والديه قبل صبيانه- ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ)، والثاني توسل إلى الله -عز وجل- بترك الزنى بمن يحب مع قدرته على ذلك، وأنه ترك ابنة عمه التي هي أحب الناس إليه، وترك المال الذي أعطاها، فقال: (اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ)، وتوسل الثالث بإعطاء الأجير حقه وتثمير ماله، وأنه أخلص إلى الله في ذلك فَفَرجَ اللهُ -عز وجل- عنهم
    [12].

    [1] الشرك الأكبر ينافي أصل الإسلام ولو مات صاحبه عليه فهو مُخلدٌ في النار، أما الشرك الأصغر فحكمه حكم الكبائر في الجملة بمعنى أنه إذا مات قبل أن يصل به إلى الشرك الأكبر مات على أصلالإسلام وهو داخلٌ في عموم...مَا دُونَ ذَلِكَ...) في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً)[ النساء: 48 ]، (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً)[ النساء: 116 ]، فالمقصود بـ (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) أي الشرك الأكبر فهو الذي لا يغفره الله -تعالى-، وهذه الآية الكريمة هي التي حبست الكفار في النار، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذكر الشفاعة: (فَأَقُولُ يَا رَبِّ مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلا مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ) [ رواه البخاري (4476، 6565، 7410، 7440)، ومسلم (193)، وابن ماجة (4312)، وأحمد (11743، 13150) ]، وإنما أوجب الله الخلود في النار على من مات مشركاً الشرك الأكبر، وأما من دون ذلك فلم يجب عليه الخلود، وهو في المشيئة، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا هَذَا الشِّرْكَ فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ)، فَقَالَ لَهُ مَنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ: وَكَيْفَ نَتَّقِيهِ وَهُوَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: (قُولُوا اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا نَعْلَمُهُ وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لا نَعْلَمُه)[ رواه أحمد (19109)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (36) ]، فهذا دليلٌ واضح على أن الشرك الأصغر يمكن أن يُغفر، فهو فيما دون ذلك، ومنه الرياء والحلف بغير الله، وكل ذريعة تؤدي إلى الشرك الأكبر، والذي نص عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن أَخْوَف مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ)، قَالُوا يَا رَسُولَ الله وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ ؟، قَالَ: (الرِّيَاءُ) [ رواه أحمد (27742) وصححه الألباني في الصحيحة (951) ].

    [2] رواه أحمد (16951)، وقال الأرنؤوط: حسن، وضعفه الألباني في الضعيفة (1266).

    [3] رواه أحمد (16969)، وصححه الألباني في الصحيحة (492).

    [4] رواه مسلم (2985)، وابن ماجة (4202)، وأحمد (2 / 301)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.

    [5] راجع (جامع العلوم والحكم) لابن رجب الحنبلي ص (15).

    [6] رواه أبو داود (3251)، والترمذي (1535)، وأحمد (4886، 5568، 6036)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6204).

    [7] رواه أحمد (3679)، والترمذي (1614)، وابن ماجه (3538)، وأبو داود (23910) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3098).

    [8] تفسير ابن كثير (2/35).

    [9] رواه مسلم (383، 384)، والترمذي (3614)، والنسائي (678)، وأبو داود (523)، وأحمد (26532).

    [10] رواه النسائي (1300)، وأبو داود (1495)، والترمذي (3544) وابن ماجة (3858) وأحمد (11795)، وصححه الألباني في المشكاة (2290).

    [11] رواه النسائي (1301)، وأبو داود (985)، وأحمد (18495) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (985).

    [12] رواه البخاري (2272، 3465)، مسلم (2743)، أبو داود (3387)، أحمد (5937).



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  5. #45
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    الملاحدة

    قال الشيخ حافظ حكمي:
    والملاحدة في توحيد المعرفة و الإثبات(أي توحيد الربوبية) فرق كثيرة و أشياع متفرقة و لكن رؤوسهم خمس طوائف:

    الأولى
    سلبية محضا يثبتون إثباتا هو عين النفي و يصفون الباري تعالى بصفات العدم المحض الذي ليس هو بشيء البتة و ليس له عندهم حقيقة غير أنهم يقولون هو موجود لا داخل العالم و لا خارجا عنه و لا مباينا له و لا محايثا و ليس على العرش و لا غيره و لا يثبتون له ذاتا و لا إسما و لا صفة و لا فعلا بل ذلك عندهم هو عين الشرك و هذا هو الذي صرح به غلاة الجهمية و قد كان قدماؤهم يتحاشون عنه و يتسترون منه و كان السلف من أئمة الحديث يتفرسون
    فيهم ذلك و أنهم يبطنونه و لا يبوحون به و قد قدمنا عن جماعة من السلف قولهم في الجهمية إنما يحاولون أن يقولوا ليس في السماء إله يعبد و يقول بعضهم إنهم يزعمون أن إلهك الذي بالسماء ليس بشيء و لكنه لم يصرح بذلك و يظهره إلا ابن سينا صاحب الإشارات تلميذ الفارابي وهو منسوب إلى أرسطو اليوناني وهو يرجع إلى مذهب الدهرية الطبائعية في المعنى وهو الذي نصره الملحد الكبير نصير الشرك الطواسي و أشباهه قبحهم الله تعالى


    الطائفة الثانية
    الحلولية الذين يزعمون أن معبودهم في كل مكان بذاته و ينزهونه عن استوائه على عرشه و علوه على خلقه و لم يصونوه عن أقبح الأماكن و أقذرها و هؤلاء هم قدماء الجهمية الذين تصدى للرد عليهم أئمة الحديث كأحمد بن حنبل و غيره و لهذا قال جهم بن صفوان لما ناظره السمنية في ربه و حار في ذلك ففكر و قدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر فقال هو هذا الهواء الذي هو في كل مكان و كذلك كان يقول كثير من أتباعه و لم يكن و لا هم يريدون ذلك و إنما كانوا يتوسلون به إلى السلب المحض و التعطيل الصرف كما فهمه منهم أئمة الإسلام رحمهم الله كلما أفصحوا به من نفي أسماء الباري و صفاته و كلامه و رؤيته في الدنيا و الآخرة و أفعاله و حكمته و غير ذلك كما تقدم حكايته عنهم قريبا و رد شبهاتهم الداحضة


    الطائفة الثالثة
    الاتحادية و هم القائلون إن الوجود بأسره هو الحق و أن الكثرة وهم بل جميع الأضداد المتقابلة و الأشياء المتعارضة الكل شيء واحد هو معبودهم في زعمهم و هم طائفة ابن عربي الطائي صاحب الفتوحات المكية و فصوص الحكم و غيرهما مما حرف فيه الكلم عن مواضعه و تلاعب فيه بمعاني الآيات و أتى بكفر لا يشبه كفر اليهود الذين قالوا عزير ابن الله و لا النصارى الذين قالوا المسيح ابن الله و قالوا هو الله و قالوا ثالث ثلاثة فإن النصارى و أشباههم خصوا الحلول و الاتحاد بشخص معين و هؤلاء جعلوا الوجود بأسره على اختلاف أنواعه و تقابل أضداده مما لا يسوغ التلفظ بحكايته هو المعبود فلم يكفر هذا الكفر أحد الناس و كان هذا المذهب الذي انتحله ابن عربي و نظمه ابن الفارض في تائيته نظم السلوك و أصل هذا المذهب الملعون انتحله ابن سبعين عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن محمد بن نصر بن محمد بن قطب الدين أبو محمد المقدسي الرقوطي نسبة إلى رقوطة بلدة قريبة من مرسية ولد سنة أربع عشرة و ستمائة و اشتغل بعلم الأوائل و الفلسفة فتولد له الإلحاد من ذلك و صنف فيه و كان يعرف السيمياء و يلبس بذلك على الأغبياء من الأمراء و الأغنياء و يعلم أنه حال من أحوال القوم و له من المصنفات كتاب البدو و كتاب الهو و قد أقام بمكة و استحوذ على عقل صاحبها أبي أبي نمى و جاور في بعض الأوقات بغار حراء يرتجي فيه الوحي أن ينزل عليه كما أتى النبي صلى الله عليه وسلم بناء على ما يعتقده من العقيدة الفاسدة من أن النبوة مكتسبة و أنها فيض يفيض على العقل إذا صفا فما حصل له إلا الخزي في الدنيا و الآخرة إن كان مات على ذلك و كان إذا رأى الطائفين حول البيت يقول عنهم كأنهم الحمير حول المدار و أنهم لو طافوا به كان أفضل من طوافهم بالبيت فالله يحكم فيه و في أمثاله و قد نقلت عنه عظائم من الأقوال و الأفعال توفي يوم ثمانية و عشرين من شوال سنة تسع و ستين و ستمائة


    الطائفة الرابعة
    نفاة القدر و هم فرقتان:
    فرقة نفت تقدير الخير و الشر بالكلية و جعلت العباد هم الخالقين لأفعالهم خيرها و شرها و لازم هذا القول أنهم هم الخالقون لأنفسهم لأن في قولهم نفي تصرف الله في عباده و إخراج أفعالهم عن خلقه و تقديره فيكون تكونهم من التراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة إلى آخر أطوار التخليق هم بأنفسهم تطوروا و بطبيعتهم تخلقوا و هذا راجع إلى مذهب الطبائعية الدهرية الذين لم يثبتوا خالقا أصلا كما قدمنا مناظرة أبي حنيفة لبعضهم فأسلموا على يديه



    و فرقة نفت تقدير الشر دون الخير فجعلوا الخير من الله و جعلوا الشر من العبد ثم منهم من ينفي تقدير الشر من أعمال العباد دون تقديره في المصائب و منهم من غلا فنفى تقدير الشر من المصائب و المعايب و على كل حال فقد أثبتوا مع الله تعالى خالقا بل جعلوا العباد معه خالقين كلهم و نفوا أن يكون الله هو المتفرد بالتصرف في ملكوته و هذا راجع إلى مذهب المجوس الثنوية الذين أثبتوا خالقين خلقا للخير وخالقا للشر قبحهم الله تعالى


    الطائفة الخامسة
    الجبرية الذين يعتقدون أن العبد مجبور على أفعاله قسرا و لا فعل له أصلا بل إثبات الفعل للعبد هو عين الشرك عندهم بل هو كالهاوي من أعلى إلى أسفل و كالسعفة تحركها الريح لم يعمل باختياره طاعة و لا معصية و لم يكلفه الله وسعه بل حمله ما لا طاقة له به و لم يخلق فيه اختيارا لأفعاله و لا قدرة له عليها بل الطاعة و العصيان من الأقوال و الأعمال هي عندهم عين فعل الله عز وجل فرفعوا اللوم عن كل كافر و فاسق و عاص و أنه يعذبهم على نفس فعله لا على أعمالهم القبيحة ثم اعتقدوا أن المعاصي التي نهى الله عنها في كتبه و على ألسنة رسله إذا عملوها صارت طاعات لأنهم يقولون أطعنا مشيئة الله الكونية فينا بل لم يثبتوا الإرادة الشرعية البتة ومن يثبتها منهم يقول في الطاعات أطعنا الأرادة الشرعية و في المعاصي التي سماها الله معاصي أطعنا الإرادة الكونية و أما هم فلم يثبتوا معصية أصلا بل أفعالهم جميعها حسنها و قبيحها كلها عندهم طاعات على أصلهم هذا الفاسد و في ذلك رد منهم على الله تعالى أمره و نهيه ووعده ووعيده و فرضه على عباده جهاد الكفار و إقامة الحدود بل في إرساله الرسل و إنزاله الكتب فيجب عندهم تعطيل الشرائع بالكلية و الاحتجاج على نفيها بالقدر الكوني و محاربتها به و إثبات الحجة على الله لكل كافر و فاسق و عاص و هذا كفر لم يسبقهم إليه غير إمامهم إبليس اللعين إذ يحتج على الله تعالى بحجتهم هذه فقال فبما أغويتني و العجب أن هذا المذهب المخذول موروث عن جهم بن صفوان مع تناقضه في إثبات أفعال الله عز و جل فإنه لا يثبت لله تعالى فعلا يقوم بذاته أصلا بل أفعاله خارجة عنه قائمة بغيره من المخلوقات ثم ينقض ذلك بجعله أفعال العباد أفعال الله و هذا تناقض بين لكل عاقل فإن الفعل إنما يضاف إلى من قام به و القول إلى من قاله و كذا السمع و البصر و القدرة و غيرها محال أن تضاف إلى غير من قامت به و محال أن يسمى فاعلا بدون فعل يقوم به و لو ذهبنا نعد تشعب الفرق من هذه الطوائف و لوازم كل قول مما انتحلوه لاحتاج إلى كتاب مفرد و قد أفرد ذلك بالتصنيف غير واحد من الأئمة و قد قدمنا البعض من ذلك و ذكرنا أمثلة من تحريفهم النصوص و سيأتي الكلام على الدهرية في الإيمان بالبعث و على نفاة القدر و الغلاة فيه في باب القدر و الكلام على الخوارج و المرجئة و المعتزلة و أشباههم في باب الإيمان و الدين و الكلام على الروافض و النواصب في باب ذكر الصحابة و هذه الطوائف التي خالفت في توحيد المعرفة و الإثبات مرجعها إلى ثلاث فالحلولية و الإتحادية و السلبية و من في معناهم مرجعهم إلى الطبائعية الدهرية و القدرية النفاة بجميع فرقهم مرجعهم إلى المجوس الثنوية و الجبرية الغلاة مرجعهم إلى النزعة الجهمية الإبليسية و قد قدمنا قول المؤمنين أتباع الرسل مبسوطا بما فيه كفاية.



    من معارج القبول للشيخ حافظ حكمي 1342-1377)
    من مشايخ المملكة العربية السعودية



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  6. #46
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    الإسماعيلية

    فرقة باطنية ، انتسبت إلى الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق ، ظاهرها التشيع لآل البيت ، وحقيقتها هدم عقائد الإسلام ، تشعبت فرقها وامتدت عبر الزمان حتى وقتنا الحاضر ، وحقيقتها تخالف العقائد الإسلامية الصحيحة .
    أبرز الشخصيات


    أولاً : الإسماعيلية القرامطية :
    - كان ظهورهم في البحرين والشام بعد أن شقوا عصا الطاعة على الإمام الإسماعيلي نفسه ونهبوا أمواله ومتاعه فهرب من سلمية في سوريا إلى بلاد ما وراء النهر خوفاً من بطشهم . - ومن شخصياتهم : - عبد الله بن ميمون القداح : ظهر في جنوبي فارس سنة 260ه* . - الفرج ين عثمان القاشاني (ذكرويه) : ظهر في العراق وأخذ يدعو للإمام المستور . - حمدان قرمط بن الأشعث (278ه* ) : جهر بالدعوة قرب الكوفة . - أحمد بن القاسم : الذي بطش بقوافل التجار والحجاج . - الحسن بن بهرام (أبو سعيد الجنابي) : ظهر في البحرين ويعتبر مؤسس دولة القرامطة . - ابنه سليمان بن الحسن بن بهرام (أبو طاهر) : حكم ثلاثين سنة ، وفي عهده حدث التوسع والسيطرة وقد هاجم الكعبة المشرفة سنة 319ه* وسرق الحجر الأسود وأبقاه عنده لأكثر من عشرين سنة . - الحسن الأعصم بن سليمان : استولى على دمشق سنة 360ه* . ثانياً : الإسماعيلية الفاطمية : - وهي الحركة الإسماعيلية الأصلية وقد مرت بعدة أدوار : - دور الستر : من موت إسماعيل سنة 143ه* إلى ظهور عبيد الله المهدي ، وقد اختلف في أسماء أئمة هذه الفترة بسبب السرية التي انتهجوها . - بداية الظهور : بدأ الظهور بالحسن بن حوشب الذي أسس دولة الإسماعيلية في اليمن سنة 266ه* وامتد نشاطه إلى شمال أفريقيا واكتسب شيوخ كتامة ، يلي ذلك ظهور رفيقه علي بن فضل الذي ادعى النبوة وأعفى أنصاره من الصوم والصلاة . - دور الظهور : يبدأ بظهور عبيد الله المهدي الذي كان مقيماً في سلمية بسوريا ثم هرب إلى شمال أفريقيا وأعتمد علىأنصاره هناك من الكتاميين . - قتل عبيد الله داعيته أبا عبد الله الشيعي الصنعاني وأخاه أبا العباس لشكهما في شخصيته وأنه غير الذي رأياه في سلمية . - أسس عبيد الله أول دولة إسماعيلية فاطمية في المهدية بإفريقية (تونس) واستولى على رقادة سنة 297ه* وتتابع بعده الفاطميون وهم : - المنصور بالله (أبو طاهر إسماعيل ) . - المعز لدين الله (أبو تميم معد) : وفي عهده فتحت مصر سنة 361ه* وانتقل إليها المعز في رمضان سنة 362ه* . - العزيز بالله (أبو منصور نزار ) . - الحاكم بأمر الله (أبو علي المنصور ) . - الظاهر (أبو الحسن علي) . - المستنصر بالله (أبو تميم ) . _ وبوفاته انقسمت الإسماعيلية الفاطمية إلى نزارية شرقية ومستعلية غربية والسبب في هذا الانقسام أن الإمام المستنصر قد نص على أن يليه ابنه نزار لأنه الابن الأكبر، لكن الوزير الأفضل بن بدر الجمالي نحى نزاراً وأعلن إمامة المستعلي وهو الابن الأصغر كما أنه في نفس الوقت ابن أخت الوزير ، وقام بإلقاء القبض على نزار ووضعه في سجن وسدَّ عليه الجدران حتى مات . - استمرت الإسماعيلية الفاطمية المستعلية تحكم مصر والحجاز واليمن بمساعدة الصليحيين والأئمة هم : - المستعلي (أبو القاسم أحمد) . - الظافر (أبو المنصور إسماعيل) . - الفائز (أبو القاسم عيسى ) . - العاضد (أبو محمد عبد الله ) : من 555ه*ـ حتى زوال دولتهم على يدي صلاح الدين الأيوبي . ثالثاً : الإسماعيلية الحشاشون : - وهم إسماعيلية نزارية انتشروا بالشام ، وبلاد فارس والشرق ومن أبرز شخصياتهم : - الحسن بن الصباح : وهو فارسي الأصل وكان يدين بالولاء للإمام المستنصر قام بالدعوة في بلاد فارس للإمام المستور ثم استولى على قلعة الموت وأسس الدولة الإسماعيلية النـزارية الشرقية - وهم الذين عرفوا بالحشاشين لإفراطهم في تدخين الحشيش، وقد أرسل بعض رجاله إلى مصر لقتل الإمام الآخر بن المستعلي فقتلوه مع ولديه عام 525ه*، وتوفي الحسن بن الصباح عام 1135م . - كيابزرك آميد . - محمد كيابزرك آميد . -الحسن الثاني بن محمد . - محمد الثاني بن الحسن . - الحسن الثالث بن محمد الثاني . - ركن الدين خورشاه: من سنة 1255ه* إلى أن انتهت دولتهم وسقطت قلاعهم أمام جيش هولاكو المغولي الذي قتل ركن الدين فتفرقوا في البلاد وما يزال لهم اتباع إلى الآن . رابعاً : إسماعيلية الشام : - وهم إسماعيلية نزارية، لقد أبقوا خلال هذه الفترة الطويلة عقيدتهم يجاهرون بها في قلاعهم وحصونهم غير أنهم ظلوا طائفة دينية ليست لهم دولة بالرغم من الدرو الخطير الذي قاموا به ولا يزالون إلى الآن في منطقة سلمية بالذات وفي مناطق القدموس ومصياف وبانياس والخوابي والكهف . - ومن شخصياتهم (راشد الدين سنان) الملقب بشيخ الجيل، وهو يشبه في تصرفاته الحسن بن الصباح، ولقد كون مذهب السنانية الذي يعتقد اتباعه بالتناسخ إضافة إلى عقائد الإسماعيلية الأخرى . خامساً : الإسماعيلية البهرة : - وهم إسماعيلية مستعلية، يعترفون بالإمام المستعلي ومن بعده الآمر ثم ابنه الطيب ولذا يسمون بالطيبية، وهم إسماعيلية الهند واليمن، تركوا السياسة وعملوا بالتجارة فوصلوا إلى الهند واختلط بهم الهندوس الذين أسلموا وعرفوا بالبهرة، والبهرة لفظ هندي قديم بمعنى التاجر . - الإمام الطيب دخل الستر سنة 525ه* والأئمة المستورون من نسله إلى الآن لا يعرف عنهم شيئاً، حتى إن أسمائهم غير معروفة،وعلماء البهرة أنفسهم لا يعرفونهم . انقسمت البهرة إلى فرقتين : -البهرة الداوودية : نسبة إلى قطب شاه داود : وينتشرون في الهند وباكستان منذ القرن العاشر الهجري وداعيتهم يقيم في بومباي - البهرة السليمانية : نسبة إلى سليمان بن حسن وهؤلاء مركزهم في اليمن حتى اليوم سادساً : الإسماعيلية الأغاخانية : - ظهرت هذه الفرقة في إيران في الثلث الأول من القرن التاسع عشر الميلادي، وترجع عقيدتهم إلى الإسماعيلية النـزارية، ومن شخصياتهم : . - حسن علي شاه : وهو الأغاخان الأول : الذي استعمله الإنجليز لقيادة ثورة تكون ذريعة لتدخلهم فدعا إلى الإسماعيلية النـزارية، ونفي إلى أفغانستان ومنها إلى بومباي وقد خلع عليه الإنجليز لقب آغاخان،مات سنة1881م . - أغا علي شاه وهو الأغاخان الثاني - يليه ابنه محمد الحسيني : وهو الآغاخان الثالث : وكان يفضل الإقامة في اوروبا وقد رتع في ملاذ الدنيا وحينما مات أوصى بالخلافة من بعده لحفيده كريم مخالفاً بذلك القواعد الإسماعيلية في تولية الابن الأكبر . - كريم : وهو الآغاخان الرابع وما يزال حتى الآن،وقد درس في إحدى الجامعات الإمريكية سابعاً : الإسماعيلية الواقفة : - وهي فرقة إسماعيلية وقفت عند إمامة محمد بن إسماعيل وهو أول الأئمة المستورين وقالت برجعته بعد غيبته
    أهم العقائد

    - ضرورة وجود إمام معصوم منصوص عليه من نسل محمد بن إسماعيل على أن يكون الابن الأكبر وقد حدث خروج على هذه القاعدة عدة مرات
    - العصمة لديهم ليست في عدم ارتكاب المعاصي والأخطاء بل إنهم يؤولون المعاصي والأخطاء بما يناسب معتقداتهم - من مات ولم يعرف إمام زمانه ولم يكن في عنقه بيعة له مات ميتة جاهلية - يضفون على الإمام صفات ترفعه إلى ما يشبه الإله، ويخصونه بعلم الباطن ويدفعون له خُمس ما يكسبون - يؤمنون بالتقية والسرية ويطبقونها في الفترات التي تشتد عليهم فيها الأحداث - الإمام هو محور الدعوة الإسماعيلية، ومحور العقيدة يدور حول شخصيته - الأرض لا تخلو من إمام ظاهر مكشوف أو باطن مستور فإن كان الأمام ظاهراً جاز أن يكون حجته مستوراً، وإن كان الإمام مستوراً فلا بد أن يكون حجته ودعاته ظاهرين . - يقولون بالتناسخ، والإمام عندهم وارث الأنبياء جميعاً ووارث كل من سبقه من الأئمة - ينكرون صفات الله تعالى أو يكادون لأن الله - في نظرهم - فوق متناول العقل، فهو لا موجود ولا غير موجود، ولا عالم ولا جاهل، ولا قادر ولا عاجز، ولا يقولون بالإثبات المطلق ولا بالنفي المطلق فهو إله المتقابلين وخالق المتخاصمين والحاكم بين المتضادين، ليس بالقديم وليس بالمحدث فالقديم أمره وكلمته والحديث خلقه وفطرته . من عقائد البهرة : - لا يقيمون الصلاة في مساجد عامة المسلمين . - ظاهرهم في العقيدة يشبه عقائد سائر الفرق الإسلامية المعتدلة . - باطنهم شيء آخر فهم يصلون ولكن صلاتهم للإمام الإسماعيلي المستور من نسل الطيب بن الآمر . - يذهبون إلى مكة للحج كبقية المسلمين لكنهم يقولون : إن الكعبة هي رمز على الإمام . - كان شعار الحشاشين ( لا حقيقة في الوجود وكل أمر مباح ) ووسيلتهم الإغتيال المنظم والامتناع بسلسلة من القلاع الحصينة . - يقول الإمام الغزالي عنهم : ( المنقول عنهم الإباحة المطلقة ورفع الحجاب واستباحة المحظورات، وإنكار الشرائع، إلا أنهم بأجمعهم ينكرون ذلك إذا نسب إليهم ) . - يعتقدون أن الله لم يخلق العالم خلقاً مباشراً بل كان ذلك عن طريق العقل الكلي الذي هو محل لجميع الصفات الإلهية ويسمونه الحجاب، وقد حل العقل الكلي في إنسان هو النبي وفي الأئمة المستورين الذين يخلفونه فمحمد هو الناطق وعلي هو الأساس الذي يفسر .
    الجذور العقائدية

    - لقد نشأ مذهبهم في العراق، ثم فروا إلى فارس وخراسان وما وراء النهر كالهند والتركستان فخالط مذهبهم آراء من عقائد الفرس القديمة والأفكار الهندية، وقام فيهم ذوو أهواء في انحرافهم بما انتحلوا من نحل .
    - اتصلوا ببراهمة الهند والفلاسفة الإشراقيين والبوذيين وبقايا ما كان عند الكلدانيين والفرس من عقائد وأفكار حول الروحانيات والكواكب والنجوم واختلفوا في مقدار الأخذ من هذه الخرافات وقد ساعدتهم سريتهم على مزيد من الإنحراف .
    - بعضهم اعتنق مذهب مزدك وزرادشت في الإباحية والشيوعية كالقرامطة مثلاً .
    - ليست عقائدهم مستمدة من الكتاب والسنة فقد داخلتهم فلسفات وعقائد كثيرة أثرت فيهم وجعلتهم خارجين عن الإسلام .
    أماكن الإنتشار
    - لقد اختلفت الأرض التي سيطر عليها الإسماعليون مداً وجزراً بحسب تقلبات الظروف والأحوال خلال فترة طويلة من الزمن، وقد غطى نفوذهم العالم الإسلامي ولكن بتشكيلات متنوعة تختلف باختلاف الأزمان والأوقات :
    - فالقرامطة سيطروا على الجزيرة وبلاد الشام والعراق وما وراء النهر . - والفاطميون أسسوا دولة امتدت من المحيط الأطلسي وشمال أفريقيا، وامتلكوا مصر والشام، وقد اعتنق مذهبهم أهل العراق وخُطب لهم على منابر بغداد سنة 540ه* ولكن دولتهم زالت على يد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله . - والآغاخانية يسكنون نيروبي ودار السلام وزنجبار ومدغشقر والكنغو البلجيكي والهند وباكستان وسوريا ومركز القيادة لهم في مدينة كراتشي بباكستان . - والبهرة استوطنوا اليمن والهند والسواحل القريبة المجاورة لهذين البلدين . - وإسماعيلية الشام امتلكوا قلاعاً وحصوناً في طول البلاد وعرضها وما تزال لهم بقايا في مناطق سلمية والخوابي والقدموس ومصياف وبانياس والكهف . - والحشاشون انتشروا في إيران واستولوا على قلعة آلموت جنوب بحر قزوين واتسع سلطانهم واستقلوا بإقليم كبير وسط الدولة العباسية السُنية، كما امتلكوا القلاع والحصون ووصلوا بانياس وحلب والموصل، وولي أحدهم قضاء دمشق أيام الصليبين وقد اندحروا أمام هولاكو المغولي . -المكارمة وهم الآن مستقرون في مدينة نجران في جنوب الجزيرة العربية .



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  7. #47
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    الناصرية
    التعريف:

    الناصرية حركة قومية عربية، نشأت في ظل حكم جمال عبد الناصر (رئيس مصر من عام 1952مـ 1970م) واستمرت بعد وفاته واشتقت اسمها من اسمه وتبنت الأفكار التي كان ينادي بها وهي: الحرية والاشتراكية والوحدة وهي نفس أفكار الأحزاب القومية اليسارية العربية الأخرى.

    التأسيس وأبرز الشخصيات:

    · أول من أطلق لفظ (الناصرية) محمد حسنين هيكل، الصحفي الذي رافق عبد الناصر إبان حكمه، وأصبح له شهرة في العالم العربي، وذلك بمقال له في جريدة الأهرام في 14/1/1972م.

    · جاء بعده كمال رفعت وأصدر في عام 1976م كتيباً بعنوان ناصريون ذكر فيه مبادئ الناصرية وأهدافها.

    · وبلور الدكتور عبد القادر حاتم الذي كان وزيراً في عهد عبد الناصر المذهب الناصري في تأبينه لعبد الناصر، كما جاء في جريدة الأخبار (2/10/1970م) حينما قال: " أصبح في العالم اليوم مذهب سياسي متميز ينتسب إلى عبد الناصر ".

    · وقد وافق القضاء المصري على إعلان الناصرية كحزب باسم (الحزب الديمقراطي الناصري) وذلك في يوم الاثنين 18/شوال/1412هـ (20/4/1992م) برئاسة ضياء الدين داود المحامي، وعضو مجلس الشعب المصري.

    · وهناك من قادة الدول العربية ـ مثل معمر القذافي رئيس الجماهرية الليبية ـ من يصرح بأنه على منهج عبد الناصر !!.

    نظرة تاريخية على مؤسس الناصرية:

    ـ جمال عبد الناصر: وكان يتردد على مركز الإخوان المسلمين لسماع حديث الثلاثاء منذ عام 1942م. (مذكرات عبد المنعم عبد الرؤوف).

    ـ في أوائل عام 1946م بايع الإخوان المسلمين على التضحية في سبيل الدعوة الإسلامية مجموعةٌ من الضباط منهم جمال عبد الناصر. (مذكرات عبد المنعم عبد الرؤوف).

    ـ بدأت علاقة عبد الناصر بالمخابرات الأمريكية منذ آذار (مارس) 1952م أي قبل قيام الثورة بأربعة أشهر، كما اعترف بذلك أحد رفاقه وهو خالد محي الدين. وتحدث اللواء محمد نجيب أول رئيس لمصر بعد الثورة عن هذه العلاقة في مذكراته، وأنهم هم الذين كانوا يرسمون له الخطط الأمنية ويدعمون حرسه بالسيارات والأسلحة الجديدة.

    ـ في 27 يوليو 1954م عقد اتفاقية الجلاء مع بريطانيا وعارضه فيها الإخوان المسلمون.

    ـ في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 1954م أعفي محمد نجيب من منصبه كرئيس للجمهورية ليصبح عبد الناصر فرعون مصر الجديد ـ على حد تعبير رفاقه ـ كمال الدين حسين وحسن التهامي.ـ

    ـ في 8 كانون الأول (ديسمبر) 1954م (12 ربيع الآخر 1374هـ) نفذ عبد الناصر حكم الإعدام في ستة من قادة جماعة الإخوان المسلمين منهم عبد القادر عودة مؤلف التشريع الجنائي في الإسلام. فضلاً عن الاعتقالات التي شملت الآلاف من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وذلك بعد اتهامهم بالتآمر على قتله في حادث المنشية بالإسكندرية (في نفس العام) والتي قيل بأنها مسرحية دبرها عبد الناصر مع المخابرات المركزية للتخلص من الإخوان المسلمين الذين كانوا يشكلون عقبة كبيرة لحكمه الفردي البعيد عن الدين، ولتلميع شخصيته كزعيم وطني حتى تتعلق به الجماهير.

    ـ في عام 1956م كان الاعتداء الثلاثي على مصر من قبل انجلترا وفرنسا وإسرائيل.. ولم ينسحب المعتدون إلا بعد استيلاء إسرائيل على شرم الشيخ في سيناء، وجزيرة تيران في البحر الأحمر.

    ـ شارك في الحرب اليمنية: التي قتل فيها الآلاف من الشعب المصري المسلم.. وخسرت فيها الملايين.

    ـ في عام 1965م أقدم عبد الناصر على إعدام ثلاثة من كبار الإخوان المسلمين منهم سيد قطب مؤلف في ظلال القرآن.

    ـ في نفس العام صدر القرار الجمهوري (نيسان ـ أبريل ـ 1965م) بالعفو الشامل عن جميع العقوبات الأصلية والتبعية ضد الشيوعيين في مصر، ودخل الماركسيون في جميع مجالات الحياة في مصر بعد ذلك.

    ـ في عام 1967م كانت النكبة الثانية للعرب والمسلمين، فقد احتلت دولة اليهود في فلسطين المحتلة، ثلاثة أمثال ما اغتصبوه عام 1948م (سيناء والجولان والضفة الغربية) وسقطت القدس بلا قتال.

    ـ وتوفي عبد الناصر سنة 1970م بعد أن غرقت مصر في الديون وبعد أن خرّب مصر سياسياً واقتصادياً وأخلاقياً، وملأ العالم العربي بالشعارات الجوفاء.

    · ومن أخلاق عبد الناصر على لسان رفاق حياته ومعاصريه:

    ـ يقول حسن التهامي وهو من أقرب المقربين لعبد الناصر: " إن عبد الناصر هو الذي أمر القوات المصرية بالانسحاب إلى الضفة الغربية من قناة السويس عام 1967م. وأن عبد الناصر هو الذي دس السم لعبد الحكيم عامر، في بيت عبد الناصر نفسه ". الأهرام 5/8/1977م.

    ـ حسين الشافعي وهو أحد الضباط الأحرار الذين قاموا بالانقلاب العسكري سنة 1952م يقول في محاضرة له في جمعية الشبان المسلمين: " انقلوا عني: أن الجيش المصري لم يحارب في معركة 1967م بل هزم بسبب الإهمال والخيانة، وأقول الخيانة وأضع تحتها عشرة خطوط ".

    ـ خالد محيي الدين: زعيم التنظيم اليساري في مصر وهو أحد أعضاء تنظيم الضباط الأحرار، يقول: " إن عبد الناصر كانت له علاقة بالمخابرات الأمريكية منذ مارس 1952م أي قبل قيام الثورة بأربعة أشهر ".

    الأفكار والمعتقدات:

    · من مبادئ الناصرية:

    ـ الحرية والاشتراكية والوحدة، للقضاء على مشكلات العالم العربي الأربعة: وهي الاستعمار والتخلف والطبقية والتجزئة بين أقطار العالم العربي. (وهي نفسها أفكار حزب البعث القومي اليساري: الوحدة، الحرية، الاشتراكية).

    ـ الحرية المطلوبة هي حرية الناصريين وليست حرية الشعب بكامله، إذ أن الناصرية القديمة (في عهد عبد الناصر نفسه) رفعت شعارات لا حرية لأعداء الحرية، وهي تعتقد بأن كل معارض لها من أعداء الحرية.

    الاشتراكية أساس التقدم الاقتصادي.. وهي أساس بناء مجتمع الكفاية والعدل، والمجتمع الذي ترفرف عليه الرفاهية كما يزعمون.

    ـ ونادت الناصرية بتوزيع الثروة الوطنية لتحقيق التغيير الاجتماعي.

    ـ ونادت بالاشتراكية العلمية .. وهي خليط من الاشتراكية الماركسية والليبرالية الغربية والأفكار والوطنية مع شيء من الأفكار الدينية.

    ـ الوحدة هي أساس القوة العربية.. والعروبة أو القومية العربية هي أساس قيام الوحدة. وأغفلت الناصرية رباط العقيدة التي لا تؤمن الشعوب العربية إلا بها ولا تجتمع إلا حول رايتها. وهي أساس وحدة العرب في الصدر الأول.

    ـ نادت الناصرية بالديمقراطية ومفهوم الديمقراطية لديها هو ديمقراطية التحالف السياسي، تبعاً لتحالف القوى الاجتماعية.. أو كما وصفها محمد حسنين هيكل بديمقراطية الموافقة: أي أن الزعيم الحاكم ينفرد بالحكم وبإصدار القرارات المصيرية.. ودور الشعب يقتصر على تأييد هذه القرارات. لأنه يفترض في الزعيم العصمة والصواب والحكمة وتجسيد إرادة الشعب وحقوق التعبير عنها.

    ـ العلمانية ـ أو اللادينية ـ من أسس الناصرية أيضاَ.. فليس للدين علاقة بالمجتمع وقوانينه ونظام حياته، وإنما هو طقوس تعبدية في المسجد فحسب.

    الجذور الفكرية والعقائدية:

    · الناصرية حركة قومية يسارية علمانية برزت بعد وفاة عبد الناصر لذلك فهي تعتمد على الفكر القومي الذي ظهر بعد سقوط الدولة العثمانية.

    · الفكر الماركسي المادي أحد روافد فكرها الذي تلبسه الثوب القومي.

    · الناصرية أبعدت الدين من كل مبادئها وممارساتها، من هنا جاء وصفها بالعلمانية (أو اللادينية).

    النفوذ وأماكن الانتشار:

    نشأت الناصرية في مصر وانتشرت في باقي البلاد العربية، وإن كان أتباعها في البلاد العربية قلة من المنتفعين، وقد طالب بعض الذين تعاونوا مع عبد الناصر إبان حكمه بتشكيل حزب ناصري في مصر وقد سمح لهم بذلك.

    ويتضح مما سبق:

    أن الناصرية تتجسد في حفنة من الذين تعاونوا مع عبد الناصر إبان حكمه وأظهروا الولاء لشخصه فلما سمح بالتعددية الحزبية في مصر اتفقوا على التجمع باسم القومية العربية وتحت لواء الحرية والاشتراكية والوحدة دون تحديد واضح لمضمون هذه الأهداف. ولكنهم على أية حال يدينون بالولاء لعبد الناصر ويعتبرونه رائدهم مشيدين بمواقفه الإيجابية بحكم أنه أنهى الملكية الفاسدة في مصر وأمم قناة السويس، وأنهى الاحتلال البريطاني، وبنى السد العالي، وحرر اليمن الشمالي، وحقق مكاسب للعمال والفلاحين. ولكنهم يتغافلون عن سلبيات حكمه الفظيعة، التي تتمثل في إعلان الحرب على الاتجاه الإسلامي في الداخل والخارج، وتعذيب حملة لوائه عذاباً نكراً، تقتيل فطاحل علمائه من أمثال عبد القادر عودة وسيد قطب وغيرهم بعد محاكمات صورية.

    · كما دأب على الوقوف دائماً في صف أعداء الإسلام ومناصرة سياستهم فأيد نهرو في مواقفه الجائرة ضد باكستان، وأيد نيريري الذي قام بمذبحة ضد مسلمي زنجبار، وأيد مكاريوس الذي كافح من أجل إضاعة حقوق المسلمين في قبرص.

    وأحيا جاهلية القرن العشرين بإثارة نعرة القومية العربية وإعلان الحرب على ملوك البلدان الإسلامية وتشجيع المؤامرات الانقلابية.

    · ورغم أنه في أول حكم الثورة كان قد جعل الديمقراطية أحد مبادئها، إلا أنه لم يسمح ببزوغ فجرها ووأدها في مهدها وقضى على كافة الأحزاب المطالبة بها، وأنشأ الحزب الشمولي وألغى الدستور وجمع السلطة كلها في يده وظل طوال حكمه مثال الحاكم المستبد الذي يضرب خصومه بيد من حديد، دون أدنى مراعاة للقيم الأخلاقية ويفتعل المؤامرات للقضاء عليهم قضاء مبرماً.

    وانتشر في عهده التحلل الأخلاقي والتفكك الأسري والتزلف النفعي والفساد، وقام بإلغاء الأوقاف الإسلامية والمحاكم الشرعية، وأضعف كيان الأزهر، وأصبح للمخابرات والمباحث العامة والأمن القومي السيطرة على كل المؤسسات في الدولة، وقاصمة الظهر في هذا كله أنه عرَّض الجيش المصري لهزيمة ساحقة لم يعرف لها التاريخ مثيلاً وضاعت بسببها الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان والقدس الشريف وتمكنت إسرائيل من توسيع رقعتها بما لم تكن تحلم به.

    · ويعتبر مسؤولاً عن انفصال السودان عن مصر وعن حرب اليمن وعن السماح لإسرائيل باستعمال مضيق تيران.

    · والمؤمل، إذا تجملت الناصرية ـ بعد أن سمح لها من جديد بتشكيل حزب سياسي في مصر ـ أن تفتح أنصارها عيونهم على هذه الحقائق المؤلمة ويصححوا مسارها نحو فهم جديد مستند للإسلام كأهم عنصر إيجابي في تحقيق حكم نظيف قوامه العدالة الاجتماعية وإنجاز الحرية والشورى كأساس متين لتجمع المسلمين ووحدتهم. ولعلهم بذلك يخفون وجه الناصرية القبيح ويقضون على آثارها المتعفنة ورموزها القذرة، ولهم في ماضيهم عبرة وفيما حدث في الكويت تبصرة وذكرى (لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد).

    ----------------------------------

    مراجع للتوسع:

    ـ كنت رئيساً لمصر محمد نجيب.

    ـ تاريخ بلا وثائق ـ إبراهيم سعدة.

    ـ البحث عن الذات، منير حافظ.

    ـ مذكرات عبد المنعم عبد الرؤوف.

    ـ الله أو الدمار، سعد جمعة.

    ـ الناصرية في قفص الاتهام ـ عبد المتعال الجبري.

    ـ الموتى يتكلمون ـ سامي جوهر.

    ـ الناصرية وثنية سياسية ـ د. فهمي الشناوي.

    ـ من أسرار علاقة الضباط الأحرار بالإخوان المسلمين ـ حسين محمد أحمد حمودة.

    -----------------

    المصدر / الموسوعة الميسرة من موقع صيد الفوائد



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  8. #48
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    أن من قال عند صاحب قبرٍ مثلاً:
    ( يـــــــا حُسين أُدْعُ الله لي أن يشفي مريضي )
    أنه شرك أكبر
    وهذا كتابُ الله ناطق بشركية هذا الفعل
    قال تعالى:
    " إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم "
    وقال تعالى:
    " ولا تدعُ من دون الله مالا ينفعك ولا يضرُّك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين"
    وقوله تعالى:
    " ومن أضلُّ ممن يدعوا من دون الله
    من لا يستجيب له إلى يوم القيامة
    وهم عن دعائهم غافلون
    وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداءً
    وكانوا بعبادتم كافرين"

    وقال -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- :
    " الدعاء هو العبادة "

    فإن دعاء الأموات وطلب الحوائج منهم
    - دنيوية أو أخروية -
    شركٌ أكبر لا يغفره الله تعالى

    وهذا الطلب لا يقدر عليه إلا الله

    ودعاء الأموات لطلب الدعاء منهم دعاء!
    والدعاء عبادة
    بل هو العبادة
    وصرفها لغير الله شرك أكبر
    فدعاء الأموات بكل صورةٍ
    عبادة مصروفة لغير الله ابتداءاً
    وإلاَّ فما هو الشرك إلم يكن هذا شركاً !
    ولافرق بين دعاء الأموات مباشرة وبين دعائهم لطلب دعائهم
    فكليهما دعاء للأموات
    وأنَّ كليهما شرك أكبر
    والأدلة الشرعية لاتفرّق بينهما
    ومن فرَّق بينهما فعليه الدليل
    فالأدلة عامة في كلا الحالتين
    ولاشك أن غرض الداعي لطلب الدعوة من هؤلاء
    هو تعظيمهم وظن أنَّ حاجته تقضى من طريق دعوتهم وشفاعتهم
    وهذا هو الشرك الأكبر الذي وقع فيه مشركوا قريشٍ وأمثالهم

    قال شيخ الإسلام
    أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن تيمية النميري الحراني الدمشقي رحمه الله في كتابه :
    قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص/18)
    [ وهو في مجموع الفتاوى (1/158-160) ] :
    " والمشركون من هؤلاء
    قد يقولون إنا نستشفع بهم
    أى نطلب من الملائكة والأنبياء أن يشفعوا
    فإذا أتينا قبر أحدهم طلبنا منه أن يشفع لنا
    فإذا صوّرنا تمثاله
    - والتماثيل إما مجسدة وإما تماثيل مصورة -
    كما يصورها النصارى فى كنائسهم
    قالوا فمقصودنا بهذه التماثيل تذكُّر أصحابها وسِيَرهم
    ونحن نخاطب هذه التماثيل
    ومقصودنا خطاب أصحابها ليشفعوا لنا إلى الله
    فيقول أحدهم :
    يا سيدى فلان أو يا سيدى جرجس أو بطرس أو ياستى الحنونة مريم
    أو يا سيدى الخليل أو موسى بن عمران أو غير ذلك
    (اشفع لى إلى ربك)
    وقد يخاطبون الميت عند قبره
    ( سل لى ربك)
    أو
    (يخاطبون الحى وهو غائب)
    كما يخاطبونه لو كان حاضراً حياً
    وينشدون قصائد يقول أحدهم فيها :
    يا سيدى فلان أنا فى حسبك
    أنا فى جوارك اشفع لى إلى الله
    سل الله لنا أن ينصرنا على عدونا
    سل الله أن يكشف عنا هذه الشدة
    أشكوا إليك كذا وكذا
    فسل الله أن يكشف هذه الكربة
    أو يقول أحدهم :
    (سل الله أن يغفر لى)
    ومنهم من يتأول قوله تعالى :
    ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيماً )
    ويقولون :
    إذا طلبنا منه الإستغفار بعد موته
    كنا بمنزلة الذين طلبوا الإستغفار من الصحابة
    ويخالفون بذلك إجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر المسلمين
    فإن أحداً منهم لم يطلب من النبى بعد موته
    أن يشفع له ولا سأله شيئاً
    ولا ذكر ذلك أحد من أئمة المسلمين فى كتبهم
    وإنما ذكر ذلك من ذكره
    من متأخرى الفقهاء
    وحكوا حكاية مكذوبة على مالك رضى الله عنه
    سيأتى ذكرها وبسط الكلام عليها إن شاء الله تعالى .
    فهذه الأنواع من خطاب الملائكة والأنبياء والصالحين
    بعد موتهم
    عند قبورهم
    وفى مغيبهم
    وخطاب تماثيلهم
    هو من أعظم أنواع الشرك
    الموجود فى المشركين
    من غير أهل الكتاب
    وفى مبتدعة أهل الكتاب
    والمسلمين الذين أحدثوا من الشرك والعبادات مالم يأذن به الله تعالى
    قال الله تعالى :
    ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله )
    فإن دعاء الملائكة والأنبياء
    - بعد موتهم -
    وفى مغيبهم
    وسؤالهم
    والإستغاثة بهم
    (( والإستشفاع بهم ))
    فى هذه الحال ونصب تماثيلهم
    بمعنى طلب الشفاعة منهم هو
    من الدين الذى لم يشرعه الله
    ولا ابتعث به رسولاً
    ولا أنزل به كتاباً
    وليس هو واجباً ولا مستحباً باتفاق المسلمين
    ولا فعله أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان
    ولا أمر به إمام من أئمة المسلمين
    وإن كان ذلك مما يفعله كثير
    من الناس ممن له عبادة وزهد
    ويذكرون فيه حكايات ومنامات فهذا كله من الشيطان
    وفيهم من ينظم القصائد
    فى دعاء الميت
    والإستشفاع به
    والإستغاثة
    أو يذكر ذلك فى ضمن مديح الأنبياء والصالحين
    فهذا كله ليس بمشروع ولا واجب ولا مستحب باتفاق أئمة المسلمين
    ومن تعبد بعبادة ليست واجبة ولا مستحبة
    وهو يعتقدها واجبة أو مستحبة
    فهو ضال مبتدع بدعة سيئة لا بدعة حسنة باتفاق أئمة الدين
    فإن الله لا يعبد إلا بما هو واجب أو مستحب
    وكثير من الناس يذكرون فى هذه الأنواع من الشرك منافع ومصالح
    ويحتجون عليها بحجج
    من جهة
    الرأى
    أو الذوق
    أو من جهة
    التقليد
    والمنامات
    ونحو ذلك ... " .

    وقال ابن تيمية رحمه الله أيضاً في (27/72 ) : "
    وأما من يأتي إلى قبر نبي أو صالح
    أو من يعتقد فيه أنه قبر نبي أو رجل صالح وليس كذلك
    ويسأله حاجته
    مثل
    أن يسأله أن يزيل مرضه
    أو مرض دوابه
    أو يقضي دينه
    أو ينتقم له من عدوه
    أو يعافي نفسه وأهله ودوابه
    ونحو ذلك
    مما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل
    فهذا شرك صريح
    يجب أن يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل
    وإن قال أنا أسأله
    لكونه أقرب إلى الله مني ليشفع لي في هذه الأمور
    لأني أتوسل إلى الله به كما يتوسل إلى السلطان بخواصه وأعوانه
    فهذا من أفعال المشركين والنصارى
    فإنهم يزعمون أنهم يتخذون أحبارهم ورهبانهم شفعاء
    يستشفعون بهم في مطالبهم
    وكذلك أخبر الله عن المشركين أنهم قالوا :
    ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى )
    الزمر آية 3 ".

    وقال ابن تيمية رحمه الله أيضاً في الفتاوى (27/87) :
    " فإذا قال قائل :
    أنا أدعو الشيخ ليكون شفيعا لى
    فهو من جنس دعاء النصارى
    لمريم والأحبار والرهبان .
    والمؤمن يرجو ربه ويخافه ويدعوه مخلصا له الدين
    وحق شيخه أن يدعو له ويترحم عليه " .
    إلى أن قال رحمه الله (27/90) : "
    فكيف يعدل المؤمن بالله ورسوله عما شرع الله ورسوله
    إلى بدعة ما أنزل الله بها من سلطان
    تضاهى دين المشركين والنصارى " .

    إلى أن قال رحمه الله (27/98) :
    " وبالجملة .. فقد علم المسلمون كلهم أن ما ينزل بالمسلمين من النوازل
    فى الرغبة والرهبة مثل دعائهم عند الإستسقاء لنزول الرزق ودعائهم عند الكسوف
    والإعتداد لرفع البلاء وأمثال ذلك
    إنما يدعون فى ذلك الله (( وحده لا شريك له )) لا يشركون به شيئاً
    لم يكن للمسلمين قط أن يرجعوا بحوائجهم إلى غير الله عز وجل
    بل كان المشركون فى جاهليتهم يدعونه بلا واسطة فيجيبهم الله
    أفتراهم بعد التوحيد والإسلام
    لا يجيب دعاءهم إلا بهذه الواسطة
    التى ما أنزل الله بها من سلطان ؟! " .

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (1/126) :
    " وإن أثبتم وسائط بين الله وبين خلقه
    - كالحجاب الذين بين الملك ورعيته -
    بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه
    فالله إنما يهدي عباده ويرزقهم بتوسطهم
    فالخلق يسألونهم
    وهم يسألون الله
    كما أن الوسائط عند الملوك
    يسألون الملوك الحوائج للناس
    لقربهم منهم
    والناس يسألونهم أدباً منهم أن يباشروا سؤال الملك
    أو لأن طلبهم من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك
    لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب للحوائج .
    فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه
    فهو كافر مشرك
    يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل
    وهؤلاء مشبهون لله
    شبهوا المخلوق بالخالق
    وجعلوا لله أنداداً " .

    ويقول ابن تيمية رحمه الله أيضاً في مجموع الفتاوى أيضاً (1/134، 135) :
    " من أثبت وسائط بين الله وبين خلقه
    كالوسائط التي تكون بين الملوك والرعية
    فهو مشرك
    بل هذا دين المشركين عباد الأوثان
    كانوا يقولون :
    إنها تماثيل الأنبياء والصالحين
    وأنها وسائل يتقربون بها إلى الله
    وهو من الشرك الذي أنكره الله على النصارى " .

    قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في الدرر السنية (2/19) :
    " فمن دعا غير الله طالباً منه ما لا يقدر عليه إلا الله
    من جلب نفعٍ
    أو دفع ضرٍ
    فقد أشرك في عبادة الله
    كما قال تعالى:
    ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ
    وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ )
    الأحقاف آية 6 ، 7
    وقال تعالى :
    ( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ
    إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ
    وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ )
    فاطر آيتي 14 و 15
    فأخبر تبارك وتعالى أن دعاء غير الله شرك
    فمن قال :
    يا رسول الله
    أو يا عبد الله بن عباس
    أو يا عبد القادر
    أو يا محجوب
    زاعماً أنه يقضي حاجته إلى الله تعالى
    أو أنه شفيعه عنده أو وسيلته إليه
    فهو الشرك الذي يهدر الدم
    ويبيح المال إلا أن يتوب من ذلك " .

    ولاشك أن هؤلاء الأموات ما يستطيعون الدعاء لأحد
    أو أن يشفعوا لأحد لأنهم مرتهنون بأعمالهم
    ولو كانوا يستطيعون هذا لدعوا لأنفسهم بمغفرة الذنوب أو رفع الدرجات
    وهيهات
    وهل الصلاة على الجنائز إلا دليل على أن الأموات بحاجة إلى دعاء الأحياء
    وهل المشركون الاوائل
    حينما عبدوا أصنامهم عبدوا مجرد الحجارة ؟
    القران أجاب على هذه الشبهة
    (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ
    مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى
    إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)
    الزمرآية 3
    ومايفعله هؤلاء اليوم من طلب الدعاء من صاحب القبر
    إلا اتخاذ الوسائط الذي جاء التوحيد بنفيه
    وهل صاحب القبر يملك ذلك
    ثم الذي يقدم على صاحب القبر لايقدم عليه
    إلا وهو معتقد تعظيمه وجعله واسطة بينه وبين الله
    وهذا مانص عليه شيخ الاسلام محمد بن عبدالوهاب في نواقض الاسلام
    وهل بلية العالم الاسلامي الا من هذا

    وممن قال بأنه شرك أكبر
    غير شيخ الإسلام ابن تيمية
    ومحمد بن عبد الوهاب
    الشيخ ابن باز في شرح كشف الشبهات
    رحمهم الله تعالى
    ومن الأحياء
    الشيخ سليمان العلوان حفظه الله في سؤال وجهه أحد طلبة العلم في قراءته لنواقض الإسلام
    والشيخ عبدالعزيز الراجحي حفظه الله في (شرح أصول السنة لابن أبي زمنين، الشريط 12 د 73).

    ثم اعلم علمني الله وإيّاك وسائر المسلمين
    - آمين-
    أن هناك من تمسّك بهذا الكلام المتشابه
    لشيخ الإسلام بن تيميّة رحمه الله ولم يرده إلى مُحكمه
    كما سبيل الراسخين في العلم
    وهو قوله في الفتاوى
    ج1/ص351
    (الثانية أن يقال للميت أو الغائب من الأنبياء والصالحين
    ادع الله لى أو ادع لنا ربك أو إسأل الله لنا كما تقول النصارى
    لمريم وغيرها فهذا أيضا لا يستريب عالم أنه غير جائز وأنه من
    البدع التى لم يفعلها أحد من سلف الأمة وان كان السلام على أهل القبور
    جائزا ومخاطبتهم جائزة كما كان النبى صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه
    اذا زاروا القبور أن يقول قائلهم السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين
    والمسلمين وانا ان شاء الله بكم لاحقون يغفر الله لنا ولكم نسأل
    الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا
    ولهم وروى أبو عمر بن عبد البر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال
    ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه فى الدنيا فيسلم عليه الا رد الله
    عليه روحه حتى يرد عليه السلام)

    والجواب بما يلي:
    أن شيخ الإسلام رحمه الله لم يقل ليس شركاً ولاتُفهم من كلامه أصلاً
    فالشيخ يطلق البدعية على ما كان شركاً وما لم يكن كذلك
    فالبدعة - من حيث إحداثها - هي بدعة
    بصرف النظر
    عن كونها
    شركاً أكبر
    أو شركاً أصغر
    أو ذريعة لأحدهما
    أوكبيرة من الكبائر
    فقول الشيخ :
    (( لا يستريب عالم أنه غير جائز وأنه من البدع التى لم يفعلها أحد من سلف الأمة ))
    ليس فيه نفي الشركية أو الكلام عليها ألبتة .
    بل المعروف عموماً
    أنَّ البدعة بدعتان:
    بدعة شركية
    وبدعة غير شركية
    ومن نسب لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نفيه الشركية الكبرى
    عن دعاء الأموات فقد أعظم عليه الفرية
    أما لو كان فهماً خاطئاً له فالخطب سهل
    والخطأ واقعٌ منا جميعاً

    شبكة الدفاع عن السنة



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  9. #49
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    الفكر الليبرالي

    فإن كلَّ دينٍ صحيح؛ جاء مرشداً للإنسان، وهادياً له إلى طريقِ الحق، ومكمِّلاً لما فيه من النقائص التي تعتريه، فهو مخلوقٌ إن تجرد عن الإيمان بالله والانقياد لأوامره واجتناب نواهيه؛ كان في أسفل سافلين، فهو - بلا إيمانٍ وطاعة - يعيش طبيعةً بائسة: " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ... " (1).
    وإن من أكبر الجرائم التي قد يرتكبها الإنسان: استجابته لعدوه الشيطان، ليبدأ معه رحلةَ التحريف والضَّياع، وينساقَ خلف رَكْبِ الأهواءِ والرَّغبات، فيُقدِّمها على نصُوصِ الشرع المُطهَّر، ودلالاته الواضحة، وحقائقه النيِّرة، ليفقد الإنسانُ تلك المعايير التي بها يَعرف الحق من الباطل، والصواب من الخطأ، والهدى من الضلال.
    ومن هنا يَكثر التخبُّط والزيغ، وينقاد الفكر تبعاً للأهواء، وتَخضع العقيدة تحت لواءِ العقل الإنساني، الذي إن ابتعد عن نور الوحي وآثار النبوة؛ وقف حائراً أمام الحقائقِ والأسرار والمعارف، وعاش فوضىً حياتية بعيدة كل البعد عن العبوديةِ الخالصةِ المتجرِّدة لله تعالى.
    ومن نتائج استجابة الإنسان للشيطان؛ خرجت لنا تلك المذاهبُ المنحرفة، والأفكارُ المخدوعة، التي تعتمد - اعتماداً كلياً - على النظرةِ النقديةِ الفلسفيةِ لكلِّ ثابت، وتتقنَّع بمبدأ الحريَّةِ والانفتِاح، وتركضُ خلف العدو الكافر بدعوى التطور والتقدم. ومن تلك المذاهب: ( الليبرالية ) (2).
    والليبرالية تفيضُ بالمبادئ والأفكار المتناقضة التي لجأ إليها أربابُ هذا الفكر؛ لأجل الهروبِ من قيود الاستعباد المزعوم، حتى أظهروا أقوالاً عجيبة، وقواعدَ مضطربة، تجعل الإنسانَ يعيش في حَيرةٍ وشك، يصير معها الحقُّ باطلاً، والباطلُ حقاً، وتتلاشى معها المبادئُ والقيم، وينقطع بها عن مصادر التلقي في الدين الحق، فيعيش في جهلٍ وانحراف.
    ومن تلك المبادئ قولهم بـ( نسبية الحقيقة )، وهو ما سيأتي تفصيله وبيانه، وتحليله وتشخيصه، ونقده وتقويمه، سائلاً الله أن يمدني بالعون والسداد، وأن يشكر سعي من كان خلف هذا البحث، إشرافاً وتوجيهاً، ودلالةً وعوناً، اللهم آمين.

    تعريف الليبرالية
    لم يتفق صنَّاع الليبرالية والمنظِّرين لها على تعريفٍ يُحدد معناها بوضُوح، لكنهم اتفقوا على وصفها بـ " الحرية المطلقة "، يقول دونالد سترومبرج: « إنَّ كلمة الليبرالية مصطلحٌ عريض، وغامض، ولا يزال إلى يومنا هذا على حالةٍ من الغموض والإبهام » (3).
    و « الليبرالية فكرةٌ ليست من صنع عَقلٍ بشري واحد، ولا وليدةَ بيئةٍ ثقَافيةٍ أو ظروفٍ زمَنيةٍ واحدة، فقد تعددت تعريفاتها بعد أن استقرت فلسفةً فكرية غربية وضعية، تنزع إلى المادية والفردية والتحرر من كل قيدٍ أو ثابت، إلا ثابت عدم الثَّبات » (4).
    والليبرالية هي - في الأصل - مصطلحٌ أجنبيٌّ مُعرَّب، مأخوذ من (Liberalism ) في الإنجليزية، و (Liberalisme ) في الفرنسية، وهي تعني: (التحررية)، ويعود اشتقاقها إلى (Liberty ) في الإنجليزية، و (Liberte ) في الفرنسية، ومعناها الحرية (5).
    تقول الموسوعة البريطانية: « وحيث إن كلمة Liberty (الحرية) هي كلمةٌ يكتنفها الغموض فكذلك هو الحال مع كلمة (ليبرالي) ».
    وقد جاء في موسوعة ( لالاند ) الفلسفية تعريف الليبرالية بأنها: « الانفلات المطلق بالترفع فوق كل طبيعة ».
    وقد عرَّفها المفكر اليهودي (هاليفي) بأنها: « الاستقلال عن العلل الخارجية، فتكون أجناسها: الحرية المادية والحرية المدنية أو السياسية، والحرية النفسية والحرية الميتافيزيقية (الدينية) ».
    وعرفها الفيلسوف الوجودي (جان جاك روسو) بأنها: « الحرية الحقة في أن نطبق القوانين التي اشترعناها نحن لأنفسنا ».
    وعرفها الفيلسوف (هوبز) بأنها: « غياب العوائق الخارجية التي تحد من قدرة الإنسان على أن يفعل ما يشاء » (6).
    وعرفها المفكر (برنيس) بأنها: « الاستقلال الناتج عن غياب الإكراه، سواء كان ببواعث مادية خارجية، أو بواعث داخلية أخلاقية، والناتج أيضاً عن قوة إعمال العقل ».
    وجاءَ في موسوعة (ويكيبيديا) الإلكترونية وصفُ الليبراليةِ بأنها: « حركة وعي اجتماعي وسياسي داخل المجتمع، تهدف لتحرير الإنسان فرداً وجماعة من القيود الأربعة (السياسية والدينية والاقتصادية والثقافية)... وتعترض الليبرالية على تدخل الدين في الأمور الشخصية بشكل عام، وهي بهذا مقاربة للعلمانية بشكل كبير » (7).
    وفي (موسوعة المورد العربية) عُرِّفتْ الليبراليةُ بأنها: «معارضة المؤسسات السياسية والدينية التي تحدد من الحرية الفردية، وهي تطالب بحق الفرد في حرية التعبير وتكافؤ الفرص » (8).
    وجاء في (الموسوعة الميسرة) بأنَّ الليبرالية هي: «مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في الميدانين الاقتصادي والسياسي» (9).

    وهكذا نرى أن تعريفات الليبرالية تتفق على أنها انكفاءٌ على النفس مع انفتاحٌ على الهوى؛ بحيث لا يكون الإنسان تابعاً إلا لنفسه، ولا أسيراً إلا لهواه، وهو ما اختصره المفكر الفرنسي (لاشييه) في قوله: « الليبرالية هي الانفلات المطلق ».
    وكذا فإن لليبرالية جوهرٌ أساسي يتفق عليه جميعُ الليبراليين في كافةِ العصُور مع اختلافِ توجُّهَاتهم وكيفيةِ تطبيقها كوَسيلةٍ من وسَائلِ الإصلاح والإنتاج، هذا الجوهرُ هو: « أنَّ الليبرالية تعتبر الحرية المبدأ والمنتهى , الباعث والهدف , الأصل والنتيجة في حياة الإنسان , وهي المنظومة الفكرية الوحيدة التي لا تطمع في شيء سوى وصف النشاط البشري الحر، وشرح أوجهه والتعليق عليه » (10).

    فالليبراليةُ تدعو إلى الحريةِ المطلقة التي لا تعترفُ بدينٍ ولا شرعٍ ولا نصٍ مُقدَّس ولا عادَاتٍ ولا تقاليد، وتجرُّ الإنسانَ كي ينصاعَ إلى الهوى والشهوة، وتجعله قائماً على الحظوظِ الشخصيَّة ونبذ الأصول المتينة، والقواعدِ الرَّصينة، التي منها انطلق سلفُ هذه الأمَّة في فهمِ الدين وعبادةِ رب العالمين.

    نسبيَّة الحقيقة
    أولاً / تعريف " نسبيَّة الحقيقة ":
    النسبيةُ - بشكلٍ عام - هي مبدأ فلسفي يرى أنَّ كلَّ وجهاتِ النظر صحيحةٌ شرعيةٌ متساوية، وأنَّ كل الحقائق نسبيةً إلى الفرد. وهذا يعني أن كلَّ الأوضاعِ الأخلاقية، والأنظمةِ الدينية، والأشكال الأدبية، والحركاتِ السياسية؛ حقائقٌ نسبية للفرد.
    « وفي النسبية مقياس السلوك هو ذواتنا، فما هو الحق والعدل في عين شخص ربما لا يكون حقاً وعدلاً في عين شخص آخر. ولا أحد يستطيع أن يزعم أنه هو على الحق والصواب أو الحقيقة المطلقة » (11).
    يقول أحد الكتَّاب: « كيف لنا أن نقرر حقيقة الحقيقة، أهي مطلقة أم نسبية؟ سؤال حيرني كثيراً، وأضحى يشغل تفكيري نهاراً وليلاً، هل يمكن أن نقود الحقيقة في مسارها؟ أو ليست الحقيقة أيدولويجية يتم تيسيرها برغبة ما نحو صفة وحراك وخطاب معين؟!. لو كانت الحقيقة متمثلة في كائن لبحثت عن مكنوناتها وأوصافها وشموليتها.
    لو كانت الحقيقة كيانا ملموسا لصعب أيدلجته وتحويره وتسييسه، لكنها مدلولات تخيلية تتسم بالمراوغة وكل ما هو غير حقيقي. أهي وعي حر متمرد على قيوده؟! أسئلة كثيرة هبت هي وغيرها فجأة لتعلن انتماءها إلى مستودع مكنون من الأسرار والمعطيات، منجم يستوعب المقدس، ويحتضن الملكية، وينادي بمحاكمة الخطيئة » (12).
    فيُقال: إنَّ الحق الذي يدعيه (زيد) من الناس شيءٌ غيرَ الحق الذي يدّعيه (عمرو)، فأيهما أحقّ بالحق؟! وأيهما أولى بالاتباع؟! وأيّهما الذي يملك الحقيقةَ المطلقة، فيملك معها تخطئةَ غيره، والقطعَ بضَلال مذهبه؟!.
    وهذه التساؤلات ونحوها أثارها الفلاسفةُ قديماً، ونوقشت كثيراً في كتبهم وملتقياتهم، فطرقتْ أسماع الناس مقولة: (الحقيقة المطلقة لا يطالها أحد)، أو (لا أحد يحتكر الحق والصواب)، أو (ليس ثمةَ إلا الحقيقةُ النسبية)، أو (الحق المطلق لا يملكه أحد)، وغيرِها من العبارات المشابهة.. « وفحواها: أنه لا أحد يمكنه القطع بأن معتقده هو الحق، وأن معتقدَ غيره خطأٌ قطعاً، وأقصى ما يمكنه الجزم به أن رأيه صوابٌ يحتمل الخطأ، وأن رأي غيره خطأ يحتمل الصواب، وهو ما يُسمى بنسبية الحقيقة » (13).
    فنسبيةُ الحقيقة تقتضي أنْ « ليس هناك أحد يقول أن منهجي وطريقي هو المنهج الصحيح الوحيد، لذا يجب أن لا نقهر أحداً على قبول منهج ما أو طريقة معينة » (14).
    يقول الأستاذ بسطامي سعيد حول " نسبية الحقيقة " وبيانِ ملامحها: « هل حقائق الدين نسبيَّة؟.. إذا قيل إن الفكرة إما خاطئة أو صائبة بغض النظر عن الزمان الذي شهد ظهورها، قالت العصرانية: "ولكن إدراك حقائق الدين مسألة نسبية، فليس هناك صواب مطلق، وإن الحقيقة الثابتة تختلف الأنظار إليها باختلاف زاوية سقوط الشعاع الفكري". والكاتب الذي قرأت له هذا القول لا يقدم دليلاً أو حجة، بل يكتفي بالإشارة إلى أن نظرة الإنسان إلى الأشياء نظرة جزئية، وليست نظرة شاملة كاملة وإن هذه النظرة هي بحسب معارف المرء وثقافته، وبحسب اهتماماته والزاوية التي ينظر منها.
    وقضية النسبية (Relativism ) في الحق (truith ) أو في الأخلاق (ethich ) قضية فلسفية، تتناحر حولها الفلسفة منذ أن عرف الإنسان الفلسفة، وكعادة الفلاسفة في مناقشة القضايا تتعقد وتتشابك الآراء، والفلاسفة وحدهم هم الجديرون بأن يغرقوا في مثل هذه المباحث، وهل استطاعت الفلسفة يوماً ما أن تحل لغزاً؟!.
    وفي بساطة نتساءل ما المقصود بأن الحقيقة نسبية؟ إذا كان المقصود أن معرفة الإنسان قاصرة وعمله قليل، وأنى له بالعقل الذي يدرك الأشياء إدراكاً شاملاً، فهذا ليس موضع اختلاف، والبشرية بما فيها من عجز وقصور مؤهلة لإدراك قدر من المعارف تكفيها لأداء مهامها في هذا الفترة القصيرة من عمرها على الأرض.
    وإذا كان المقصود أن الإنسان لا يصل إلى حقيقة، وكل ما عنده من حقائق لا يمكن القطع والجزم بها، ولا يمكن الاتفاق حولها، فأول ما يواجه هذا القول من نقد أن يُسأل: ما الدليل على أن هذا القول صادق؟ فإذا قُدمت الأدلة على صدقه وأثبتت أنه حقيقة، فهو اعتراف بأن لدينا على الأقل حقيقة نطمئن إليها، وهو اعتراف ينقض ما قُدمت الأدلة لإثباته، وإذا كان القول بأن الحقيقة نسبية أمر نسبي أيضاً ولا يمكن القطع والجزم به، فكيف يؤخذ به؟ ثم كيف يفسر من يقول إن الحقيقة نسبية ذلك القدر المشترك من الحقائق بين أفراد النوع البشري على اختلاف بيئاتهم وظروفهم وعصورهم؟!
    الأهم من ذلك أن يُسأل: هل هناك منهج صحيح للوصول إلى حقائق الدين، أم أن الدين كما هي النظرة الغربية له، لا معايير ولا مقاييس لتحديد حقائقه، بل هو مثل مسائل الآداب والفن مسألة "ذوق"، لا تقوم على منهج علمي محدَّد، أو معايير منضبطة؟!.
    إن مصادر حقائق الدين ثلاثة أشياء: النصوص الموحاة، ومعاني هذه النصوص، والاستنباط منها، ولكل واحد من هذه الأقسام منهج علمي محدَّد مضبوط، فهناك منهج علمي لتوثيق النصوص، ومنهج لطريقة فهمها، ومنهج للاستنباط منها، وما يتوصل إليه عن طريق هذه المناهج حقائق لا شك في ذلك.
    قد يحدث تغيير أو تبديل للنصوص، أو قد يحدث خطأً في الفهم، أو يحدث خطأ في الاستنباط، ولكن هذه مسألة أخرى، ومعالجتها تكون بإثبات ما حدث من تحريف بالدليل والبرهان، أما إطلاق العموميات، والقول بأنَّ حقائق الدِّين مسألة نسبية يدركها كلٌ على حسب المعرفة المتاحة، ويراد من وراء ذلك رفض فكر العصور الماضية ! فقول لا تسنده حجَّة، ولا يمكن قبوله » (15).
    ويقول الأستاذ غازي التوبة: « نسبية الحقيقة إحدى الركائز التي تقوم عليها الثقافة الغربية منذ نهضة أوروبا الحديثة، ويربط المفكرون الغربيون بين تلك الركيزة، وتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المحيطة بالمجتمع، ويعتقدون أن تغير الحقائق الحياتية يقتضي نسبية الحقيقة » (16).

    ثانياً / منشأ القول بـ" نسبية الحقيقة ":
    هذا القولُ أنشأه الفلاسفة السوفسطائيون (17) - وعلى رأسهم الفيلسوف بروتاغوراس - الذين ظهروا في اليونان ما بين القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد؛ حيث كانت اليونان تغرق في بعضِ الأفكارِ المتباينة، والمذاهب المتنوعة؛ فلجؤا إلى هذا القَولِ في تأييدِ الآراءِ المتناقِضَة؛ إما شكاً في الجميع، أو تخلصاً من جُهد طلب الحقيقة.
    قال شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: « حُكي عن بعض السوفسطائية أنه جعل جميع العقائد هي المؤثرة في الاعتقادات، ولم يجعل للأشياء حقائق ثابتة في نفسها يوافقها الاعتقاد تارة ويخالفها أخرى، بل جعل الحق في كل شيء ما اعتقده المعتقد، وجعل الحقائق تابعة للعقائد » (18).
    يقول الدكتور علي سامي النشار: « نسبية كل شيء قال بها بروتاغوراس السوفسطائي حين أراد أن ينقد أصول المعرفة: "إن الإنسان هو مقياس وجود ما يوجد منها، ومقياس وجود ما لا يوجد" ثم أخذ بهذا الشُكَّاك بعد، فطبقوها على الحد كما طبقوها على نواحي العلم كله، فلم تعد حقيقة من حقائق العلم ثابتة أو مستقرة، بل كل شيء –كما يقول هرقليطس- في تغير مستمر » (19).
    وقد أظهر أفلاطون هذا المبدأ، فقال: " تظهر الأشياء لي، كما توجد بالنسبة لي، وتظهر الأشياء للآخرين، كما توجد بالنسبة لهم " فالنسبية تقرر أنه لا يوجد هناك حقيقةٌ مطلقة، فما أعتقده فهو حقيقة بالنسبةِ لي، وما تعتقده هو الحقيقة بالنسبةِ لك، فليس هناك خطأ.
    يقول الدكتور عمر الطباع عن السوفسطائيين: « وكانت هذه الجماعة تنكر وجود حقائق ثابتة، وتدعي أن الحقيقة نسبية » (20).
    « لقد عبَّر بروتاغوراس زعيم السوفسطائيين عن فكرهم في كتابه: "عن الحقيقة" الذي فُقد ولم تصلنا منه إلا شذرات قليلة يبدأها بقوله: "إن الإنسان معيار أو مقياس الأشياء جميعاً" وفي هذه العبارة القصيرة تكمن الثَّورةُ الفكرية للسوفسطائيين في مختلف ميادين الفكر.
    إنها تعني بالنسبة لنظريةِ المعرفة أنَّ الإنسانَ الفرد هو مقياسُ أو معيار الوجود، فإن قال عن شيءٍ إنه موجود فهو موجود بالنسبة له، وإن قال عن شيء إنه غير موجود فهو غير موجود بالنسبة له أيضاً، فالمعرفة هنا نسبية، أي تختلفُ من شخصٍ إلى آخر بحسب ما يقع في خبرةِ الإنسان الفرد الحسيَّة، فما أراه بحواسي فقط يكون هو الموجودُ بالنسبة لي، وما تراه أنتَ بحواسِّكَ يكون هو الموجود بالنسبة لك، وهكذا.. » (21).

    * موقف العلماء من السوفسطائية.
    لقد قسم علماءُ الإسلام السوفسطائيين - كما يقول الشيخ أحمد شاهين - إلى ثلاثةِ أقسام: « العِندية، والعنادية، واللاأدرية: فالعندية ترى أن حقائق الأشياء تابعة لعقائد المؤمنين بها؛ لأنهم أقيسة الحقائق. والعنادية تجزم بأن لا حقائق في الكون؛ لا في ذاتها ولا بالقياس إلى المؤمنين بها. وأما اللاأدرية فهي التي تتوقف عن الحكم في كل شيء؛ فهي لا تجزم بوجود ولا بعدم » (22).
    ويقول الشيخ عبدالقادر بدران في حاشيته على "روضة الناظر": « وهم فرقٌ ثلاث: إحداهن اللاأدرية؛ سموا بذلك لأنهم يقولون لا نعرف ثبوت شيء من الموجودات ولا انتفاءه، بل نحن متوقفون في ذلك. الثانية: تسمى العنادية نسبة إلى العناد؛ لأنهم عاندوا فقالوا لا موجود أصلاً، وعمدتهم ضرب المذاهب بعضها ببعض، والقدح في كل مذهب بالإشكالات المتجهة عليه من غير أهله.
    الثالثة: تسمى العندية نسبة إلى لفظ "عند"؛ لأنهم يقولون أحكام الأشياء تابعة لاعتقادات الناس، فكل من اعتقد شيئاً فهو في الحقيقة كما هو عنده وفي اعتقاده » (23).

    لقد استشعر علماءُ الإسلام خطرَ هذه الفكرة السوفسطائية الفلسفية، والتي تَخلط الحقَّ بالباطل، وتزرع الشكَّ في عقائدِ المسلمين، وتساوي بين الإسلام وغيره من الديانات المحرَّفة والباطلة بدعوى التماس الحقيقة.
    لا سيما وأنَّ هناك من المنحرفين من يَزرع هذه الفكرة وينشرها؛ وعلى رأسهم غُلاة المتصوِّفة أهل وحدة الوجود، ممن يقول قائلهم؛ وهو ابن عربي: " فإياك أن تتقيد بعقد مخصوص وتكفر بما سواه فيفوتك خير كثير، بل يفوتك الأمر على ما هو عليه، فكن في نفسك هيولى لصور المعتقدات كلها؛ فإن الله تعالى أوسع وأعظم من أن يحصره عقد دون عقد " (ابن عربي، سميح الزين، ص101) (24).
    وقد ردَّ عليهم الإمام ابن حزم - رحمه الله - في كتابه " الفصل في الملل والأهواء والنحل "، والمهم منه الرد على فرقة " العِندية " لكونها الفرقةُ التي يُقلِّدها دعاةُ النسبية. قال رحمه الله: « ويقال - وبالله التوفيق - لمن قال هي حقٌ عند من هي عنده حق، وهي باطلٌ عند من هي عنده باطل: إن الشيء لا يكون باعتقاد من اعتقد أنه حق، كما أنه لا يبطل باعتقاد من اعتقد أنه باطل، وإنما يكون الشيء حقاً بكونه موجوداً ثابتاً، سواء اعتُقد أنه حق، أو اعتقد أنه باطل. ولو كان غير هذا لكان معدوماً موجوداً في حال واحد في ذاته، وهذا عين المحال.
    وإذا أقروا بأن الأشياء حق عند من هي عنده حق، فمن جملة تلك الأشياء التي تُعتَقد أنها حق عند من يعتقد أن الأشياء حق بطلانُ قولِ من قال إن الحقائق باطلة، وهم قد أقروا أن الأشياء حق عند من هي عنده حق. وبطلان قولهم من جملة تلك الأشياء، فقد أقروا بأن بطلان قولهم حق !!، مع أن هذه الأقوال لا سبيل إلى أن يعتقدها ذو عقل البتة، إذ حسُّه يشهد بخلافها. وإنما يمكن أن يلجأ إليها بعض المتنطِّعين على سبيل الشغب. وبالله تعالى التوفيق » (25).
    وقال الموفَّق ابن قدامة - رحمه الله - رادَّاً على من نُقل عنه مثلَ هذا القول من العلماء: « وقول العنبري: "كل مجتهد مصيب". إن أراد أن ما اعتقده فهو على ما اعتقده، فمحال؛ إذ كيف يكون قدم العالم وحدوثه حقاً، وتصديق الرسول وتكذيبه، ووجود الشيء ونفيه، وهذه أمور ذاتية لا تتبع الاعتقاد، بل الاعتقاد يتبعها. فهذا شر من مذهب الجاحظ، بل شر من مذهب السوفسطائية؛ فإنهم نفوا حقائق الأشياء، وهذا أثبتها وجعلها تابعة للمعتقدات » (26).
    وقال - أيضًا -: « قال بعض أهل العلم: هذا المذهب أوله سفسطة، وآخره زندقة؛ لأنه في الابتداء يجعل الشيء ونقيضه حقاً، وبالآخرة يخير المجتهدين بين النقيضين عند تعارض الدليلين، ويختار من المذاهب ما يروق لهواه » (27).
    وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: « هذا المذهب أوله سفسطة وآخره زندقة؛ يعني: أن السفسطة جعل الحقائق تتبع العقائد كما قدمناه... وأما كون آخره زندقة فلأنه يرفع الأمر والنهي والإيجاب والتحريم والوعيد في هذه الأحكام، ويبقى الإنسان إن شاء أن يوجب وإن شاء أن يحرم، وتستوي الاعتقادات والأفعال؛ وهذا كفر وزندقة » (28).
    وقد تحدَّث عنهم الإمامُ ابن الجوزي - رحمه الله - في " تلبيس إبليس " قائلا: « قال النوبختي: قد زعمت فرقة من المتجاهلين أنه ليس للأشياء حقيقة واحدة في نفسها، بل حقيقتها عند كل قوم على حسب ما يعتقد فيها، فإن العسل يجده صاحب المرة الصفراء مراً، ويجده غيره حلواً. قالوا وكذلك العالم هو قديم عند من اعتقد قدمه، محدث عند من اعتقد حدوثه، واللون جسم عند من اعتقده جسماً، وعرض عند من اعتقده عرضاً. وهؤلاء من جنس السوفسطائية؛ فيقال لهم: أقولكم صحيح؟ فسيقولون: هو صحيح عندنا، باطل عند خصمنا. قلنا: دعواكم صحة قولكم مردودة، وإقراركم بأن مذهبكم عند خصمكم باطل شاهد عليكم ! ومن شهد على قوله بالبطلان من وجه فقد كفى خصمه بتبيين فساد مذهبه » (29).
    ويقول العلامة الشيخ عبدالرحمن بن سعدي - رحمه الله -: « أعظم الناس انحرافاً عنهما – أي الكتاب والسنّة - ملاحدة الفلاسفة، و زنادقة الدهريين، وهم أكبر أعداء الرسل، في كل زمان ومكان.. »، ثم بين رحمه الله أنهم أصّلوا أصولاً ووضعوا قواعد من عند أنفسهم زادت انحرافهم انحرافاً فقال: « أعظمها - أي هذه الأصول - أصلٌ خبيثٌ منقولٌ عن معلّمهم الأول (أرسطو) اليوناني المعروف بالإلحادِ والجحد لرَبِ العالمين والكفرِ به وبكتبه ورسله، وهذا الأصل الذي تفرع عنه ضلالهم: أنه من أراد الشروع في المعارف الإلهية، فليمحُ من قلبه جميع العلوم والاعتقادات، وليسع في إزالتها من قلبه، بحسب مقدوره، وليشك في الأشياء، ثم ليكتفِ بعقله، وخياله ورأيه » (30).

    ثالثاً / " نسبية الحقيقة " في الفكر الليبرالي:

    ومبدأ " نسبية الحقيقة " في الفكر الليبرالي، قائمٌ على أساسها العَام الذي هو (الحرية)، فإنَّ إشكالية هذا الفكر قبول التلوُّن والتعدد الصوري، فهو قائم على عدم الجزم والقطع، وهذه مهمة الفيلسوف الليبرالي في حل المشكلات، يقول (رسل): « إن الفيلسوف الليبرالي لا يقول: هذا حق، بل يقول في مثل هذه الظروف: يبدو لي أن هذا الرأي أصح من غيره » (31).

    ويعتقد الليبراليون أن توسيعَ الخلاف، والتعدديةُ في الآراءِ والأفكار ظاهرةٌ إيجابيةٌ تنمِّي الفِكَر، وتقوِّي الرأي، وتُظهر الإبداع. ومن لوازم حريةِ الفكر عندهم: اعتقاد عدم امتلاك (الحرية المطلقة)؛ لأن دعوى امتلاكِ هذه الحقائق يمنع من التفكير الحُر، فالإيمانُ المطلق الذي لا يعتريهِ أدنى شَكٍ لا يتوافق مع الفكر الليبرالي الذي لا يبني عقيدةً محددةً يقينية؛ لأن ذلك يُناقض حريةَ الفِكر والمناقشة حَسْبَ وجهةِ نظرهم (32).
    يقول الكاتب يوسف أبا الخيل متحدثاً عن (مُسلَّمة) تفرضها الضرورة المنطقية: « ألا وهي مفهوم أو فلسفة (نسبية الحقيقة) التي تعني أن الحقيقة بما هي (كل مطلق متعال) فالفرد إزاءها لا يملك فيما يملكه من معارف ومعتقدات ومشارب وآراء واتجاهات فكرية إلا جزءاً من هذه الحقيقة الكلية التي تتعدد جزئياتها ومفرداتها بتعدد زوايا النظر للموضوع المراد بحثه، هذا الجزء من الحقيقة الذي يملكه الفرد قد يماثل أو يقل أو يزيد عما يملكه الآخر المختلف، ولكنه في النهاية يظل جزءاً يزيده ويثريه ولا يلغيه » (33).

    ويقول محمد بن علي المحمود: « رفع الوصاية عن الفرد، ومنحه حريته، وتهيئة البيئة الحرة التي تطلق مكنونات طاقته الخلاقة من عقالها، كل ذلك تمنحه الليبرالية للمجتمع الليبرالي، مجتمعات وأفرادا » (34).
    * أقوال بعض الكتَّاب الليبراليين حول " نسبية الحقيقة ".

    يقول تركي الحمد: « لن تكون متقدماً أو صاحب أمل في التقدم؛ إذا قبلت الرأي على أنه حقيقة، والحقيقة على أنها مطلقة وليست نسبية » (من هنا يبدأ التغيير، تركي الحمد، ص 347).

    ويقول الكاتب يوسف أبا الخيل في سياق حديثه عن السبيلِ الأمثل لمكافحةِ ما سمَّاهُ بـ" الرؤية الحادة الإقصائية ": «.. ولذا فمن أجل حصره في زاوية التعرية لأهدافه وما يتطلع إليه من إجهاض لأية بارقة أمل من التطور، فلا يجب إشعاره أننا نسعى لإحلال صوت إقصائي آخر بديل له، بل بدلاً من ذلك يجب أن تكون آلية الحراك التي نبشر بها تحمل مزيداً من إفساح المجال لكافة الآراء بما فيها صوت ذلك التيار ما دام ملتزماً بشروط الاجتماع البشري، التي يأتي على رأسها الإيمان بأن للآخرين ذات الحق التي له في إبداء الآراء والتماهي مع يترتب عليها من معتقدات، وما دام ملتزماً بإعطاء الفرصة للآخرين - وإن لم يكن مقتنعاً بذلك - ليدلوا بدلوهم في الشأن الاجتماعي كافة، وإشعاره أن زمن احتكار الحقيقة - بما فيها الحقيقة الدينية - قد ولى زمانه وليس ثمة طريق آخر إلا مشاركة الآخرين وفقاً لنسبية الحقيقة التي يمسك كل طرف بجزء من خيطها.. » (35).

    ويقول أبا الخيل حول التسَامح بين الثقافتين الأوروبية والعربية: « تباين التأصيل الفلسفي لمفهوم التسامح بين الثقافتين الغربية والعربية كان له أثره الكبير على الواقع السوسيولوجي والأبستومولوجي بين الثقافتين، ومن ثم امتد أثره إلى جميع مناحي الحياة الأخرى لكل جانب.
    فبفضلها استطاعت أوروبا أن تخرج من آحاديتها المظلمة وما ترتب عليها من أوضاع خاصة تلك الحروب الدينية المرعبة في القرنين السادس عشر والسابع عشر التي تسببت فيها الأورثوذكسية الكاثوليكية التي قامت على تسنين عقيدة واحدة لا يسمح لأحد كائنا من كان بالاتصال بالله تعالى خارج تعاليم أساقفتها إلى فضاء فلسفة عصر التنوير التي دشنت تأصيل مبدأ نسبية الحقيقة التي يقر فيها الفرد أنه لا يملك (إن ملك) إلا جزءا بسيطا من الحقيقة يماثل ربما ما يملكه الفرد الآخر أو يزيد أو ينقص ولكنه يظل نسبياً ومن ثم فقبول هذا الآخر لم يعد مجرد زخرف من القول أو مجرد مفردة كرم يتفضل بها فرد على آخر » (36).

    ويقول: « هذه النظرة الإقصائية تأتي بلا شك نتيجة حتمية لتربية طويلة على اعتبار قول وحيد ووسمه بالطابع الشمولي القاطع بحقيقته ويقينيته بلا اعتبار لأية أقوال أو مذاهب أخرى في المسألة المطروحة للبحث إلا باعتبارها ضالة عن الطريق السوي أو مبتدعة في حال التلطف مع أصحابها، لو أننا أشعنا في مرافئ ثقافتنا على اختلاف أنواعها مبدأ نسبية الحقيقة في الأقوال والأعمال والتخريجات والتفسيرات لما كانت هذه حال قطاع كبير ممن يقتاتون على ثقافتنا ويدعون الأحقية بتمثيلها » (37).

    ويقول منتقداً (الثوابت) تحت مسمَّى (النظام المعرفي) داعياً إلى استحضار الشَكِّ أمام العقل الناقد بدعوى (نسبية الحقيقة): « يعرف النظام المعرفي (الإيبيستيمولوجيا) بأنه الطريقة أو الآلية أو النظام التي يستقي بها مجتمع ما أو لنقل ثقافة ما النظرة للكون والحياة والعلاقات الفيزيقية والميتافيزيقة بشكل عام.

    ولكل ثقافة معينة نظام معرفي خاص بها، وتكاد أن توصف به الحضارة المؤسسة على تلك الثقافة، فيقال مثلاً للحضارة العربية بأنها (حضارة النص) بينما توصف الحضارة اليونانية بأنها (حضارة العقل) وهكذا، وعلى ذلك فإذا كانت الحضارة الإسلامية تتميز بأنها حضارة نص فذلك يعني أنها تعتمد في نظرتها للكون والحياة والعلاقات الإنسانية والاجتماعية على ما توفره النصوص الثقافية بشكل عام سواء الدينية منها أو ما أضيف إليها من مراكمات إنتاجية (تفسيرية وتأولية واجتهادية عامة)، وبالتالي فإن نظامها المعرفي يوفر نظرة نقلية تجاه مكونات الحياة، لكنه قد لا يلقي بالاً لما قد توجبه موجبات العقل تجاه موضوع معين إذا كان يستشف منها (نظرياً على الأقل) اختلافها مع النظرة التي تُستشف من النصوص.
    في الحضارة اليونانية كان النظام المعرفي السائد فيها هو النظام البرهاني القائم على فحص مكونات الأمر المعروض للبحث، ومن ثم الحكم عليه أو فيه من زاوية عقلانية بحتة تعتمد النظر والتأمل ومقارنة الأشياء ببعضها وإعطاء رأي غير قاطع فيها باعتبار أن الفكر البشري قائم على الترجيح بين البدائل المتاحة مما يعطي فرصة مستمرة لعرض البديل المقترح على مشرحة النقد المستمرة بحيث يتم الاستغناء عنه عند ما يتقادم به الزمن، ويصبح غير قادر على مسايرة العصر، ميزة النظام المعرفي البرهاني أنه غير متقيد بمقيد ميتافيزيقي فهو يعمل وفق معطيات العقل، وبالتالي ففيه فرصة للخطأ والصواب، وبالتالي تتوفر المراجعة المستمرة التي تعتمد على نظام التغذية المرتدة للمعلومات (back Feed ) ».

    ثم يقول: «.. العنف ومن ثم التطرف ينتج غالباً من اعتقاد المجتمع عموماً (وهو ما يربى أفراده عليه بالطبع) بأنه مالك خطام الحقيقة المطلقة في نظرته للناس والكون والحياة عموماً، ومن ثم فلا يجد سبيلاً لأداء مهمته في الحياة سوى إجبار الناس المخالفين على عدم إهلاك أنفسهم وردهم لحياض الحقيقة المطلقة » (38).
    ويقول كذلك: « إنَّ السلوك الثقافي المعاش يظل مشدوداً إلى التصنيف الثنائي المفصول بين حدوده بشكل حاد وكامل، سلوك يعتمد على تصنيف الرؤى والمعتقدات، بل وحتى وجهات النظر العابرة التي تتصل بالواقع المعاش سياسياً واقتصادياً واجتماعياً إلى ثنائية الحق والباطل، فالحق ما نحمله وندين به، والباطل ما يدين به أو يعتقد به مخالفنا، وتبعاً لذلك يتم تصنيف الناس إلى متبعين ومبتدعين، وإلى ملتزمين وغير ملتزمين، وإلى ضُلاَّل ومؤمنين، وإلى عقائد صحيحة وعقائد ضالة، ليصل الإنسان المبرمج على ثقافة القطع في الحلقة الأخيرة من سلسلة العنف والإقصاء إلى تصنيف الناس إلى مسلمين وكفار، ومن ثم الوصول إلى ما يترتب على تلك الحلقة الأخيرة من ضرورة التخلص من شوائب الكفر والضلال بما فيها ممثلوه ليبقى الإسلام الخالص المتماهي معه من قبل من تبرمجوا على تلك الثقافة حاضراً وفق رؤية خاصة وتخريج خاص للإسلام، لا على أنه الإسلام نفسه كما أنزله الله تعالى على نبيه محمد عليه الصلاة والسلام » (39).
    ثم يستكمل أبا الخيل حديثَه داعياً إلى نشر ثقافة الشك، فيقول: « لذا لا بد للإنسان - ولا يتأتى ذلك له للأسف غالباً إلا في العيش في جو ثقافي فلسفي - أن يشك ولو مرة واحدة، وهذا الشك لا أعني به الشك المدمر، أو الشك الدوغمائي بطبيعته، أو الشك لمجرد الشك، بل إنه شك يجد له جذوراً من داخل المنظومة الإسلامية نفسها، إذ نجد أبا حامد الغزالي يقول وهو في أوج مرحلة من حياته الفلسفية: "من لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر يبقى في العمى والضلال" كما كان يقول: "الشك أولى مراتب اليقين" إنه شك يأتي بالذات من مراعاة نسبية الحقيقة على المستوى الاجتماعي والثقافي بوجه عام، شك يعطي دفعاً للشاك أن لا يتحمس أو يتمعر وجهه أو تنتفخ أوداجه عندما يتعايش مع من يخالفه توجهاته، إذ إن هذا الشك يتيح لذلك الإنسان الشاك استحضار تساؤلات من قبيل: ولماذا لا تكون وجهة نظر فلان هي الصواب؟ أو لماذا لا تكون تلك الرؤية أو ذلك التأويل أو التفسير أو التخريج لذلك الفرد أو الجماعة أو الفرقة تحمل على الأقل شيئاً من الصحة في باطنها؟ ولماذا مثلاً لا تكون الرؤية التي أحملها أو تلك التي حُمِّلتها ليست قاطعة ويشوبها الشك وعدم اليقين؟ في مثل ذلك الجو الثقافي المشبع والمربى على نسبية الحقيقة - النظرية على الأقل - لا يملك الإنسان إلا أن يكون متسامحاً مع غيره؛ لأنه لا يحمل اليقين على قطعية ما تناهى إليه نظره، وما برمجته عليه ثقافته طوال عمره » (40).

    ويقول عبدالله بن بجاد العتيبي مقرراً ذات المبدأ: « إذًا فلا بد كمنطلق لعملية التنوير والإصلاح أن يدخل الشك في آلية العقل العربي الإسلامي الحالي أن يشك في قضية جوهرية "هل هو قادر على العمل الآن؟ هل آلياته ومناهجه ومنظومته المعرفية صالحة للتعامل مع الزمن الراهن » (41).

    أما إبراهيم البليهي فيرى أنَّ (نسبية الحقيقة) هي من الأمور البدهية، فيقول: « من البدهي أنه لا يوجد إنسان يمتلك كل الحقائق امتلاكاً كاملاً، وإنما يتمسك كل فرد بما يظنه كذلك فينتقي من النصوص والبراهين والمواقف والأحداث ما يُقنع به ذاته ويستمر على انتقائيته، حتى تضطره المواقف المغايرة الضاغطة في أن يعيد فحص أفكاره، فإذا وضع كل طرف أفكاره تحت مجاهر التحليل اقترب الجميع من لب الحقيقة تحت أضواء المكاشفة الاضطرارية المتبادلة » (42).

    ويقول الكاتب يوسف أبا الخيل: « فإن المتعصب عندما يقوم بإدراك موضوع ما (رؤية عقدية مثلا) إدراكاً إيجابياً متعاطفاً معها فإنه لا يأخذها على أنها مجرد أحد المعطيات النسبية للحياة الإنسانية، أو أنها مجرد رأي ينضاف إلى آراء أخرى عديدة لكل منها الحق في خوض غمار تأويله الخاص لذلك الموضوع المثار، لا بل إنه حينما يدركها إدراكاً إيجابياً محباً فسينظر إليها باعتبارها حقيقة وحيدة كاملة ناصعة البيان دامغة الحجة لا تضاهيها حقيقة أخرى في تماهيها مع المطلق، أما عندما يدركها في جانبها السلبي (رؤى الآخرين المخالفة) فسيراها ثاويةً في أقصى يسار الحقيقة عارية من كل ما يمت إليها بصلة، متفاصلة مع كل ما يتصل بالخير أو الجمال أو الفاعلية أو الإبداع الإنساني مفاصلة نهائية لا رجعة فيها، ويترتب على تلك النظرة (اللاواعية) أنه سيعتبر كل من يشاركه الإدراك بجانبيه (الإيجابي تجاه رؤيته المذهبية والسلبي تجاه رؤى الآخرين) فهو السعيد سعادة لن يشقى بعدها أبدا، بنفس الوقت الذي يرى فيه كل من لا يشاركه إدراكه ذلك على أنه هالك لا محالة » (43).

    ويقول - أيضاً -: « يأتي التعصب الديني كما المذهبي على رأس الأسباب التي تهوي بالإنسان سريعاً إلى مرحلة الوحشية البشرية التي تحدث عنها هوبز، إذ أن هذا التعصب يتخلق بداية في رحم آحادية الفكر الناتج من انعدام التعددية الفكرية والدينية، مما يؤدي إلى قناعة الإنسان بأن دينه أو مذهبه هو الوحيد المتوافر على كلية الحقيقة وما سواه من الأديان أو المذاهب فلا تمتلك ذرة يقين أو حقيقة، وهذه هي البذرة الأولى للعنف، أما سقيا هذه البذرة فيأتي من اليقين التام الذي يتوافر عليه الإنسان الآحادي جراء انعدام فضيلة "نسبية الحقيقة" بأن عليه واجب إدخال الآخرين في حمى يقين دينه أو مذهبه، ولكن لأن من يخالفونه دينه أو مذهبه كُثُر ولا طاقة له بالتالي بهدايتهم ولأن معظمهم مرتدون عن الإسلام في نظره فلا عذر له عند ربه سوى إزهاق أرواحهم لزفهم إلى نار جهنم وبئس المصير » (44).
    ويقول محمد المحمود: « تحرير وعي الأفراد ومن ثم إرادتهم كفيل بتحرير وعي الإنسان- المجتمعي. فضلا عن كوننا لا نمتلك تغيير المجتمعي إلا من خلال الفردي، أي خضوع لشروط الواقع، وخضوعا لشرط الصوابية النسبية التي نرتادها » (45).

    * رابعاً / انتشار القول بالنسبية:
    إنَّ هذه الفلسفة النسبية منتشرةٌ في الثقافةِ الليبرالية بشكلٍ عام، وفي الفكرِ الغربي المعَاصر تحديداً، وهي تظهر في رفضِ الإله، ورد الثوابت والأنظمة والقوانين، وإنكار الحقيقة المطلقة. وقد أدَّت هذه الفلسفةُ إلى انتشار الأمراض المعرفية، والأخلاقية، والسلوكية وغيرها.
    فمبدأ: (كلُّ فرد على حق) أو (لا توجد حقيقة مطلقة) أو (هذا حق عندك وليس عندي) وعبارات أخرى غير منطقية تحمل ذات المعنى؛ المقصود منها تسويغُ أعمال الشر وإعطائها نوعاً من القبول الذاتي والاجتماعي، بدعوى الحرية التي يقوم عليها منهج الليبرالية.
    ويمكن أن نتساءل: لماذا اكتسبت النسبيةُ مكانةً رفيعةً لدى بعض أربابَ المجتمع الحديث؟
    إذا نظرنا إلى الوَاقع وجدنا أن هناك بعض العَوامل التي ساهمت في قبول النسبيةِ وانتشارها، ومنها:
    1. النجاحُ العملي الذي زاد في اعتقاد فكرة أن الإجابات الحقيقية توجد في العِلم. لذا يعتقد البعض من الناس أن ما يقوله العلماء - مهما يكن ذلك القول - هو صحيح. وإذا لم يستطع العلم أن يجد جواباً لشيء ما فإنه ببساطة ستُكتشف الحقيقةُ لاحقاً. فالناس يؤمنون بالعِلم والمطلق فقط فيما نعرفه الآن. والذي ربما يكون غير حقيقي لاحقاً. وهذا يُقَوِّض الحقيقةَ المطلقة.
    2. مع القَبول الواسع لنظريةِ التطور، فالإله أُزيح بعيداً خارجَ المنظومة الفكرية، وبدون اعتقادِ وجود الإله المقرِّر للحقيقة والباطل؛ فإن الإنسانَ سيكون بديلاً عن الإله ويقرر ما هو الحق وما هو الباطل.
    3. مواجهة الثقافات المتنوعة والمتفاوتة، فهذه المواجهة تجعلنا أكثرُ انسجاماً وقبولاً لفكرة وجود أكثر من طريقٍ لعمل شيء ما. والإيمانُ بتعدد الثقافات لا يشترط ببطلان هذه الفكرة لكنه يعمل على تقويض أو إنكار الحقيقة المطلقة.
    4. زيادةُ الفلاسفةُ النسبيين، وخصوصاً المنتمين إلى حركةِ العصر الجديد الذين يقولون: إنه لا يوجد حقيقَة مُطلقة، وأنَّ كل شيءٍ بإمكانه أن يخلق واقعه.
    5. التحرُّر من القِيَم الأخلاقية، والقيودِ الاجتماعية، فالنسبية تُقرر مذهبَ: دعه يعمل ما يشاء. (46).

    « وقد وجدتُ شبهةَ (نسبية الحق) هذه مؤثرة حتى في بعض الشباب المتدينين. قال لي أحدهم: إذا كنا نحن نرى أنفسنا على حق فهم أيضاً يرون أنهم على حق. قلت له: وماذا في هذا؟ إن الحق واحد، سواء كان متعلقاً بدين أو بدنيا؛ لأنه وصف لواقع ولا يمكن أن يكون الواقع على صفتين متضادتين » (47).

    * خامساً / نقض القول بـ" نسبية الحقيقة ":

    لا يمكن لأيِّ مجتمعٍ أن يعيشَ بلا حقائقَ مطلقة مشتركة بين أفراده، فبدون الحقيقةِ المُطلقة سيُنشأ الصِّراع، ويتولَّد النزاع، وتتَصادمُ الآراء، ويحدثُ الشَّرخ الاجتماعي، والتمزق الثقافي، وبالتالي سقوط المجتمع أو ضعفه على أقل الأحوال.
    إن من الأمور الطبيعية حدوثُ اختلافٍ في تقييم الأمور وكيفيةِ التعامل معها، ولكن يظل هذا الاختلاف والتفاوت تحتَ مظلةٍ عامة متفق عليها، « فقد يختلف الآباء في تربية أبنائهم ولكنهم في الغالب يتجهون إلى نفس الهدف. فالحقيقة العامة متفق عليها ولكن الأساليب في التعامل مع هذه الحقيقة قد يختلف.
    إن الحقائق المطلقة كثيرة جداً لا يستطيع العقل أن يردها وهي تشهد على زيف النسبية فمن ذلك أن الإنسان لا يوجد نفسه من العدم فهذه حقيقة مطلقة » (48).
    وإن « هذه المقولات التي تقرّر بأنه لا أحد يحتكر الحقيقة ليست صواباً بإطلاق، ولا خطأً بإطلاق، بل فيها نسبة من الخطأ وأخرى من الصواب، إلا أن نسبةَ الخطأ فيها كافيةٌ لنقض أصل الإيمان؛ لأن أصول الإيمان مبنية على القطعية واليقين، فأنت إن لم تقطع يقيناً بصحة توحيدك لله فلست بمؤمن في شريعة الله، وأنت إن لم توقن يقيناً لا ظن فيه فضلاً عن الشك بأن الله فرد صمدٌ لا شريك له في ملكه وخلقه فلست بمؤمن في دين الله، وإن أنت لم توقن يقيناً لا تردد فيه بأن القرآن معصوم من التحريف والتبديل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والرسل، وأن الوحي قد انقطع بموته فلست بمؤمن في دين الله، وقلْ مثل ذلك فيما سوى هذا وذاك من أصول الدين وقطعياته » (49).
    وإن القول بـ" نسبية الحقيقة " « يفضي إلى المساواة بين قطعيات الشريعة وظنياتها، ومن ثَمَّ تصبح أركان الإيمان مما يسع فيه الخلاف، فتخرج بذلك عن دائرة الثوابت القطعية، كما أن في العمل بإطلاقها منافاةً لمقتضى الإيمان؛ إذ مقتضاه التصديقُ التامُ، واليقينُ المطلق بأركان الإيمان وأصول العقيدة، وآيات القرآن تغذي في أهله الشعورَ بامتلاكهم للحقيقة المطلقة، وأنهم على الحق المبين إلى درجة اليقين، وأن غيرهم مبطلون يتبعون باطلاً؛ كقوله: " فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ " [النمل: 79]، " وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ " [فاطر: 31]، وقوله تعالى: " وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ " [آل عمران: 85]، ولا يجوز لمثلِ هذه العقيدة المبنيَّة على اليقين المُطلق أن تخضع للمساوماتِ والمداهنات؛ فمجرد الشك بأنها هي الحق، أو أن غيرَها من ملل الكفر قد يكون هو الحق، أو هو حق مثلها؛ لهو خطرٌ يزلزل الإيمان من أصوله، " فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ " [يونس:94] » (50).

    قال الإمام الشاطبي - رحمه الله - في موافقاته: « الشريعة كلها ترجع إلى قول واحد في فروعها وإن كثر الخلاف، كما أنها في أصولها كذلك. ولا يصلح فيها غير ذلك » (51).
    وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: « الدليل أن الحق في جهة واحدة: الكتاب والسنّة والإجماع » (52).
    وقد ذكر الإجماع على ذلك العلامة الشوكاني رحمه الله في كتابه إرشاد الفحول (53).
    ولو لم يكن ثمةَ حقيقة مطلقة يمتلكها أحدٌ فيحتكر فيها الصواب؛ لكان أمرُ اللهِ بلزوم الحقِّ واتِّباعه عبثاً لا معنى له؛ لأنه على ضَوءِ هذا المبدأ حقٌ لا وجود له إلا في الذِّهن، وأما في الواقع فهو نسبيٌ يصح أن يكون حقاً في عقلٍ، باطلاً في عقل آخر!، والله تعالى يقول: " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " [الأنعام: 153] ولنتساءلْ: أين هذا الصراطُ المستقيم الذي أمرنا الله باتباعه إذا كانت الحقيقة نسبية؟!، وأين هي تلك السبل الضالة التي حذرنا من اتباعها إذا كانت الحالة كذلك؟!.

    ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: " فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " [البقرة: 213]، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: « قال الربيع بن أنس: " فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ " أي: عند الاختلاف، أنهم كانوا على ما جاءت به الرسل عند الاختلاف » (54).

    ثم إنه لو كانت الحقائقُ كلُّها نسبيةً، ليس فيها شيءٌ مطلقٌ لا يصح لأحدٍ أن يحتكر الصواب فيها؛ لما جاز أن يُهلِك اللهُ سبحانه الأممَ السابقة على تكذيب رُسلها؛ ولو كانت الحقائق كلها نسبيةً ليس فيها قطعيٌ يقينيٌ لما جاهد النبيُّ صلى الله عليه وسلم الكفارَ على أصول الإيمان، ولعذرهم على مخالفتهم.
    « ألم يأمر الله موسى ويحيى عليهما الصلاة والسلام أن يأخذا الكتاب بقوة، والذي لا يتحقق إلا بالتصديق اليقيني والإيمان القطعي بما فيه من الأحكام القطعية: " وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ " [الأعراف: 145]، " يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ " [مريم: 12] » (55).

    وقد أخرج الشيخان في صحيحيهما: (( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر )) قال الإمام ابن قدامة - رحمه الله - مبيناً هذا الحديث: « إن المجتهد يكلف إصابة الحكم، وإنما لكل مسألة حكم معين يعلمه الله، كلف بالمجتهد طلبه، فإن اجتهد فأصابه كان له أجران وإن أخطأه فله أجر على اجتهاده، وهو مخطئ، وإثم الخطأ محطوطٌ عنه » (56).
    وقد بيَّن شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن الحقَّ في حقيقةِ الحال واحدٌ لا يتعدد، ولكن لذلك تفصيل، ملخصه: أن المجتهد في الأمور الاجتهادية الظنّية إن أخطأ حكم الله فهو مصيب من جهة ومخطئ من جهة أخرى، وله أجرٌ على اجتهاده كما نص عليه الحديث. فهو مصيب باجتهاده وبذله الوسع في الوصول للحكم الشرعي؛ وذلك لكونه بذل ما أمر الله به، فالحكم الذي وصل إليه باجتهاده وجب عليه فعله شرعاً، ولا يأثم بعدم موافقة حكم الله وذلك لاجتهاده، وإن كان هو في نفس الأمر مخطئ في إصابة حكم الله الذي يعلمه الله، والذي هو واحد في قول المجتهدين لا يتعدد. ومتى علم وتبين له من الشرع ما ينقض اجتهاده أثم بالإعراض عنه وعدم العمل به (57).
    لذلك لابد من تخصيص عموم هذا المبدأ (نسبية الحقيقة) بأن يُستثنى من عمومه أصولُ الدين، وقطعياتُ الشريعة، وهي: كل ما جاء في الكتاب والسنة قطعيَ الثبوت قطعيَ الدلالة، مما لا يحتمل تأويلاً.
    وتبقى المقولة بعد ذلك صحيحةً في ظنيَّات الشريعة مما يحتمل التأويل ويَسُوغ فيه الاجتهاد واختلف فيه العلماء، وهذه هي التي عناها الإمامُ الشافعي - رحمه الله - بقوله: " قولي صوابٌ يحتمل الخطأ، وقولُ غيري خطأٌ يحتمل الصواب ".
    ومثل هذه الأمور الظنية لا تحتمل القطعية في التصويب والتخطئة، ولا يجوز أن يكفّر فيها المخالف، ولا أن يتهم بسببها في ديانته وأمانته، ولا يجوز أن يُستحل فيها عرضه، أو يُنتقصَ من كرامته وحقوقِه، فضلاً عن استحلال دمه.
    وقد خالف بعضهم قولَ سلفِ الأمة فقالوا: إن الحق يتعدد، وهو تابع لاجتهاد المجتهد، فما أدَّى إليه اجتهادُه فهو الحقُّ في الأصول والفروع، وبعضُهم حَصَر تعدد الحق في الفروع دون الأصول.
    وهذا القول نقضه أئمةُ الدين، وأعلام الملّة، وعلماء الشريعة، وردوه بالنصوص الشرعية، قال العلامة الشوكاني - رحمه الله -: « من قال إن كل مجتهد مصيب، وجعل الحق متعدداً بتعدد المجتهدين، فقد أخطأ خطأً بيناً، وخالف الصواب مخالفة ظاهرةً » (58).
    وقال أيضاً - رحمه الله -: « وما أشنع ما قاله هؤلاء الجاعلون حكم الله متعدداً بتعدد المجتهدين، تابعاً لما يصدر عنهم من اجتهاد، فإن هذه المقالة مع كونها مخالفة للأدب مع الله عزّ وجلّ ومع شريعته المطهّرة؛ هي أيضاً صادرةٌ عن محض الرأي الذي لم يشهد له دليل، ولا عضدته شبهةٌ تقبلها العقول، وهي أيضاً مخالفة لإجماع الأمة، سلفها وخلفها » (59).
    وقد ساق الشوكاني - رحمه الله - كلاماً للقاضي يردُّ فيه على مقالةٍ للعنبري والجاحظ، حيث نُقل عنهما القولُ بتعدد الحقِّ في الأصول والفروع: « إن أردتما بذلك مطابقة الاعتقاد للمعتقد؛ فقد خرجتما من حيّز العقلاء، وانخرطتما في سلك الأنعام، وإن أردتم الخروج من عهدة التكليف ونفي الحرج - كما نُقل عن الجاحظ - فالبراهين العقلية من الكتاب والسنّة والإجماع الخارجة عن حدِّ الحصر ترد هذه المقالة » (60).
    وقال ابن قدامة - رحمه الله - راداً على ما ساقه الغزالي في المستصفى من قولِ الجاحظ برفع الإثم عمَّن اجتهد فأخطأ في الأصول: « أما ما ذهب إليه الجاحظ فباطل يقينا، وكفر بالله تعالى » (61).
    وهذا القول - أي القول بتعدد الحق - قولُ كثيرٍ من أهل الكلام وأهل البدع، وبهذا نعلم أن الحقَّ واحدٌ لا يتعدد في الأصول والفروع على ما سبق ذكره.
    إذاً فإنَّ التسليم بمبدأ (نسبية الحقيقة)، وأن الحقيقةَ المطلقة لا يملكها أحدٌ، وأن الحقائق التي يؤمن بها البشر نسبيةٌ محتملةٌ للخطأ كاحتمالها للصواب على سواء، لهو تسليم يناقض أصول الدين الحنيف، وقواعد الشرع المطهر، وأدلة الوحي الكريم.

    وبالنظر إلى مبدأ " نسبية الحقيقة " في الفكر الليبرالي نجده يَغرق في تناقضاتٍ عديدة، منها:
    1. إذا كانت الحقيقةُ نسبيةٌّ؛ فإن عبارة "كل حقيقة نسبية" تعتبر عبارة مطلقة، والنسبيةُ ترفض المطلق، فالعبارة متناقضة في ذاتها، وعليه فإن مبدأ "كل حقيقة نسبية" باطل.
    وكذا فإن القول بـ"نسبية الحقيقة" يرفضه الواقع، فهناك حقائق كثيرة مطلقة لا تحمل النسبية اتفاقاً، فالشمس محرقة، والسماء فوقنا، والإنسان ناطق نامي وغير ذلك من الحقائق التي يصعب حصرها.
    2. أن ما كان حقاً لديك ليس حقاً لدي: فالحق لدي أن النسبية باطلة، فإذا قلت لي: لا، هذا ليس صحيحاً. فهذا يلغي المبدأ الذي قررتْه النسبية، وعليه فإن النسبية باطلة.
    وإذا قلتَ: نعم. وأقررت بقولي، فالنسبية باطلة.
    وإذا قلتَ: إن ذلك حقاً عندي فقط أن النسبية باطلة، فإن هذا يعني أنني أعتقد ببطلان النسبية، وإذا كان اعتقادي صحيحاً، فكيف يمكن أن تكون النسبية صحيحة.
    3. أنه ما مِن أحد يستطيع أن يعرف أي شيء من غير شك: فإذا كان هذا صحيحاً، فإننا نعرف أننا لا نستطيع أن نعرف أي شيء من غير شك، فبالتالي معرفتنا هنا مطلقة وهذا دحض ذاتي.
    4. النسبية لا تقدر على إنكار ما يتناقض مع الحقيقة ذاتها. فالنسبية تحمل التناقض الذاتي، فالكل لديه الحقيقة فلا ينبغي أن يكون هناك إقناع الآخرين بما تحمله أنت من أفكار ومعتقدات فما تراه حقيقة لا يحق لك أن تقنعهم حتى يروا أن ما لديك هو الحقيقة. (62)
    ختاماً: يقول العلاَّمة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان - حفظه الله -: « كثر على ألسنةِ بعض الكتَّاب أنه لا تجوز تخطئة المخالف، وأنه يجب احترام الرأي الآخر، وأنه لا يجوز الجزم بأن الصواب مع أحد المختلفين دون الآخر.
    وهذا القول ليس على إطلاقه؛ لأنه يلزم عليه أن جميع المخالفين لأهل السنة والجماعة على صواب ولا تجوز تخطئتهم، وهذا تضليل؛ لأنه يخالف قول النبي - صلى الله عليه وسلم: (( وستفترق هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. قيل: مَن هي يا رسول الله؟ قال: هم مَن كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي )).
    ويلزم على هذا القول أيضاً أن المخالف للدليل في مسائل الاجتهاد لا يقال له مخطئ، ولا يُرَدُّ عليه، وهذا يخالف قول النبي - صلى الله عليه وسلم: (( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران. وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد))؛ فدل على أنَّ أحدَ المجتهدين المختلفين مخطئ، لكن له أجرًا على اجتهاده ولا يُتابع عليه؛ لأن اجتهاده خالف الدليل، وإنما يصحُّ اعتبار هذا القول، وهو عدم الجزم بتخطئة المخالف، في المسائل الاجتهادية التي لم يتبين فيها الدليل مع أحد المختلفين، وهو ما يعبر عنه بقولهم: " لا إنكار في مسائل الاجتهاد "، و " الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد "، وهذا من اختصاص أهل العلم وليس من حق المثقفين والمفكرين الذين ليس عندهم تخصص في معرفة مواضع الاجتهاد وقواعد الاستدلال أن يتكلموا ويكتبوا فيه.
    ولو كان لا يُخَطَّأ أحدٌ من أصحاب الأقوال والمذاهبِ لكانت كتب الردود والمعارضات التي ردَّ بها العلماء على المخالفين كلها مرفوضة، ولما كان لقوله تعالى: " فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ " [النساء: 59] فائدة ولا مدلول؛ لأنه لا تجوز تخطئة المخالف، وهذا لازم باطل؛ فالملزوم باطل... وقد ردّ الله - سبحانه وتعالى - على أهل الضلال في مواضع كثيرة من كتابه الكريم، وشرع لنا الردّ عليهم؛ إحقاقاً للحق، وإزهاقاً للباطل. ولولا ذلك لشاع الضلال في الأرض، وخفي الحق، وصار المعروف منكراً، والمنكر معروفاً » (63).
    وفقنا الله للحق، ووقانا شر الفتن، وجعلنا من عباده الصالحين، آمين.

    المصدر: موقع الإسلام اليوم



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  10. #50

    [ عـشـق بــدوي ]

    الصورة الرمزية طلال


    تاريخ التسجيل
    04 2008
    الدولة
    حائل
    العمر
    38
    المشاركات
    4,578
    المشاركات
    4,578


    ما شاء الله عليك ام مصطفى

    والله جهد كبير

    ..

    الله يهدي كل ضال عن الحق ، انه القادر على ذلك سبحانه



    ما عليش دخلنا عرض بـ الموضوع



    كل عام و انتم بخير



صفحة 5 من 6 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 6 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. الأبن الضال وتضليل أمه !!
    بواسطة محمدالشمري في المنتدى المضيف العام
    مشاركات: 20
    آخر مشاركة: 28-02-2009, 21:51
  2. خفافيش الظلام أصحاب الفكر الضال / كاريكاتير
    بواسطة خالد المطرود في المنتدى المضيف الإعلامي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05-05-2007, 23:11
  3. حقيقة عمرو خالد الضال
    بواسطة مخاوي الوقت في المنتدى المنتدى الاسلامي
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 24-08-2005, 13:12
  4. لمعلوماتك
    بواسطة فتى الحفير في المنتدى مضيف المشاركات المنقولة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 11-06-2003, 14:02
  5. لمعلوماتك
    بواسطة فتى الحفير في المنتدى مضيف فلّة الحجاج
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 27-05-2003, 12:25

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع ما يطرح بالمضايف يعبر عن وجهة نظر صاحبه وعلى مسؤوليته ولا يعبر بالضرورة عن رأي رسمي لإدارة شبكة شمر أو مضايفها
تحذير : استنادا لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية بالمملكة العربية السعودية, يجرم كل من يحاول العبث بأي طريقة كانت في هذا الموقع أو محتوياته