من أخبار النساء في حفظ القرآن الكريم
النساء شقائق الرجال، وكل ما ورد في الشرع من خطاب للرجال فالنساء يدخلن فيه بلا خلاف، ومن ثم فالفضائل التي سيقت لحفظ القرآن الكريم ليست قاصرة على الرجال وحدهم بل هي لكل من عمل بها واشتغل بحفظ كتاب الله تعالى من الرجال والنساء.
قال تبارك وتعالى {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} وفي آية الأحزاب التي ذكر الله فيها طائفة من صفات عباده الصالحين قال عز وجل {إن المسلمين والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات}.
ووصفهم بالولاية لبعضهم بعضاً والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر …}.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من صلاة العيد انصرف إلى النساء فعلمهن ووعظهن، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال خرجت مع النبي صلى اللهم عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فصلى ثم خطب ثم أتى النساء فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة. {رواه البخاري (975) ومسلم}
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قالت النساء للنبي صلى اللهم عليه وسلم غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوما من نفسك فوعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن فكان فيما قال لهن ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابا من النار فقالت امرأة واثنتين فقال واثنتين. {رواه البخاري (102) ومسلم(2634)}
ولقد كان لنساء المسلمات اعتناء بالعلم الشرعي وتحصيله، فهاهي أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن كن مرجعاً لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مسائل وقضايا كثيرة من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وأخباره وأقواله.
ولقد أسهمت وضعية المرأة وطبيعة دورها الاجتماعي في المجتمع المسلم وارتباطها بالمنزل وانشغالها برعاية شؤونه وتربية أولادها، في أن تكون شخصيات كثيرة من النساء في الظل، فاللاتي ترجم لهن في تاريخ الإسلام لا يقارن بالرجال، وهذا لا يعني أنه لم يوجد من النساء من تستحق الحديث عنها وتسطير تاريخها؛ إذ الدائرة التي تتحرك من خلالها أكثر محدودية من الرجال.
ومن ثم فما سنجده من نماذج من أخبار النساء فلن يقارن بأخبار الرجال لهذا الاعتبار الذي أشرنا إليه.
والآن مع طائفة من أخبار النساء اللاتي سطر لنا التاريخ شيئاً من اعتنائهن بالقرآن الكريم
حفصة بنت سيرين أم الهذيل الفقيهة الأنصارية:
قال عنها الذهبي: روت عن أم عطية وأم الرائح ومولاها أنس بن مالك وأبي العالية، روى عنها أخوها محمد وقتادة وأيوب وخالد الحذاء وابن عون وهشام بن حسان. روي عن إياس بن معاوية قال ما أدركت أحدا أفضله عليها، وقال: قرأت القرآن وهي بنت ثنتي عشرة سنة وعاشت سبعين سنة فذكروا له الحسن وابن سيرين فقال: أما أنا فما أفضل عليها أحدا توفيت بعد المائة.
أم الدرداء :
قال عنها الذهبي: السيدة العالمة الفقيهة هجيمة وقيل جهيمة الأوصابية الحميرية الدمشقية، وهي أم الدرداء الصغرى روت علما جما عن زوجها أبي الدرداء وعن سلمان الفارسي وكعب بن عاصم الأشعري وعائشة وأبي هريرة وطائفة وعرضت القرآن وهي صغيرة على أبي الدرداء، وطال عمرها واشتهرت بالعلم والعمل والزهد.
فاطمة بنت علي بن مظفر بن الحسن بن زعبل بن عجلان البغدادية ثم النيسابورية:
قال عنها الذهبي: ولدت في سنة خمس وثلاثين وأربع مئة، وسمعت من أبي الحسين عبدالغافر الفارسي فكانت آخر من حدث عنه، قال أبو سعد السمعاني امرأة صالحة عالمة تعلم الجواري القرآن سمعت من عبدالغافر جميع صحيح مسلم وغريب الحديث للخطابي وغير ذلك، توفيت في أوائل المحرم سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة.
زبيدة:
ذكر ابن خلكان أنه كان لها مائة جارية كلهن يحفظن القرآن العظيم، غير من قرأ منه ما قدر له و غير من لم يقرأ، و كان يسمع لهن في القصر دوي كدوي النحل، و كان ورد كل واحدة عشر القرآن.
الشيخة الصالحة العابدة الناسكة:
هي أم زينب فاطمة بنت عباس بن أبي الفتح بن محمد البغدادية بظاهر القاهرة، قال عنها الحافظ ابن كثير: كانت من العالمات الفاضلات، تأمر بالمعروف، و تنهى عن المنكر، وتقوم على الأحمدية في مواخاتهم النساء و المردان، و تنكر أحوالهم وأحوال أهل البدع وغيرهم، و تفعل من ذلك ما لا يقدر عليه الرجال، وقد كانت تحضر مجلس الشيخ تقي الدين بن تيمية، فاستفادت منه ذلك و غيره، و قد سمعت الشيخ تقي الدين يثني عليها، و يصفها بالفضيلة و العلم، و يذكر عنها أنها كانت تستحضر كثيراً من المغنى أو أكثره، و أنه كان يستعد لها من كثرة مسائلها، وحسن سؤالاتها وسرعة فهمها، وهي التي ختمت نساء كثيراً القرآن، منهم أم زوجتي عائشة بنت صديق، زوجة الشيخ جمال الدين المزي، وهي التي أقرأت ابنتها زوجتي أم الرحيم زينب رحمهن الله وأكرمهن برحمته وجنته آمين.
عائشة زوجة الشيخ المزي:
قال عنها الحافظ ابن كثير: وفي أول شهر جمادى الأولى توفيت الشيخة العابدة الصالحة العالمة قارئة القرآن أم فاطمة عائشة بنت إبراهيم بن صديق، زوجة شيخنا الحافظ جمال الدين المزي، عشية يوم الثلاثاء، مستهل هذا الشهر، و صلي عليها بالجامع صبيحة يوم الأربعاء، و دفنت غربي قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهم الله، كانت عديمة النظير في نساء زمانها، لكثرة عبادتها و تلاوتها و إقرائها القرآن العظيم بفصاحة وبلاغة و أداء صحيح، يعجز كثير من الرجال عن تجويده، وختمت نساء كثيرا، و قرأ عليها من النساء خلق، و انتفعن بها وبصلاحها ودينها وزهدها في الدنيا، وتقللها منها، مع طول العمر بلغت ثمانين سنة أنفقتها في طاعة الله صلاة و تلاوة، وكان الشيخ محسنا إليها مطيعا، لا يكاد يخالفها لحبه لها طبعا و شرعا، فرحمها الله وقدس روحها، ونور مضجعها بالرحمة آمين.
أم الخير بنت أحمد بن عيسى :
وتعرف بابنة ابن مكينة، وهي ابنة القاضي الفاضل الشهاب أحمد بن عيسى بن محمد . ولدت قبل عام 810هـ بالمليسا، وحفظت القرآن ، وتلت به لنافع على أبيها ، ودامت حافظة له ، ولقيها البقاعي في صفر سنة 849هـ بقرية العبلا من وادي لية ، وقرأ عليها هناك شيئاً ، وذكر أنها كاتبة قارئة فاضلة ، أجاز لها جماعة .
هذه بعض النماذج من اعتناء نساء المسلمات بكتاب الله تبارك وتعالى وحفظه وتعلميه وتحفيظه، ووقت هذه الحلقة يضيق عن استيفاء النماذج من الحافظات المعتنيات بكتاب الله تبارك وتعالى، فلنكمل ذلك في الحلقة القادمة بإذن الله عز وجل.
لازلنا نواصل الحديث عن النماذج من النساء اللاتي كانت لهن عناية بحفظ القرآن الكريم، ومنهن:
خديجة بنت أحمد الفاسية :
الشيخة الصالحة المقرئة ، من أهل فاس، كانت حافظة لكتاب الله وما يلزم لأدائه من قراءة وتجويد ، عارفة خارج الحروف ، قارئة بكثير من القراءات، كقراءة ورش وقالون ومكي . عارفة بوجوه قراءة هذه الروايات وأحكامها ، ملازمة لتعليم كتاب الله ، كثيرة العبادة والتلاوة، مشتغلة بما يعنيها ، متباعدة عن الفضول .
خديجة بنت حسين الصدفي :
نشأت نشأة صالحة ، فكانت امرأة فاضلة زاهدة .حفظت القرآن الكريم ، وكثيراً من الحديث . وكانت تكتب وتطالع . وهي زوجة عبد الله بن موسى بن برطلة ، صاحب الصلاة ، بمرسية . توفيت بعد 590هـ وقد نيفت على الثمانين .
خديجة بنت هارون الدوكالية :
ولدت سنة 640 بالمغرب . وقرأت القرآن الكريم بالروايات السبع . وحفظت الشاطبية . وحجت خمس عشرة حجة . وتوفيت ليلة الاثنين ، خامس المحرم سنة 695هـ .
أسماء بنت إبراهيم بن عرصة :
ولدت سنة 646هـ . وهي خالة القاضي نور الدين بن الصائغ . كانت تلقن النسوة القرآن ، وتعلمهن العلم . وكانت تجهد نفسها فيما يقربها إلى الله . ماتت ليلة 9 جمادى الأولى سنة 708هـ .
أسماء بنت موسى الضجاعي :
يمانية من أهل زبيد .كانت صالحة عابدة ، قارئة القرآن ، تقرأ التفسير وكتب الحديث ، وتسمع النساء وتعظهن وتؤدبهن . وكان لقولها وقع في القلوب . وربما كتبت الشفاعات إلى السلطان والقاضي والأمير ، فتقبل شفاعتها ولا ترد . توفيت في زبيد سنة 904هـ .
ميمونة بنت يزيد القارىء :
هي ميمونة بنت أبي جعفر يزيد بن القعقاع المخزومي المدني القارىء . روت القراءة عن أبيها . وروى القراءة عنها أحمد ابنها ، وثابت . وأبوها علم مشهور في القراءات ، فهو أحد القراء العشرة من التابعين ، كبير القدر ، وقد عرض القرآن على مولاه عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ، وعلى عبد الله بن عباس ، وأبي هريرة ، وروى عنهم رضي الله عنهم .
فاطمة بنت محمد بن يوسف الديروطي :
عالمة فاضلة ، حفظت القرآن العظيم ، والعقيدة ، والأربعين النووية ، والشاطبيتين ، ونونية السخاوي ، ومختصر أبي شجاع ، وتدربت على والدها في القراءات إفراداً ثم جمعاً ، وقدم بها القاهرة، فقرأت على الشهاب السكندري ، والزين جعفر ، وبرعت في القراءات مع استحضار الشاطبية وفهم جيد ، بحيث تبدي مباحث وفوائد حسنة . وانتفع بها جماعة من الرجال والنساء .
أم العز بنت محمد الداني :
روت عن أبيها وأبي الطيب بن برنجال ، وعن زوجها أبي الحسن بن الزبير ، وأبي عبد الله بن نوح . وكانت تحسن القراءات السبع . وسمعت بقراءتها مرتين صحيح البخاري من أبيها . وتوفيت سنة 610هـ .
زينب بنت أحمد الرفاعي :
عابدة ، زاهدة ، ورعة . حفظت القرآن الكريم ، وتفقهت بالدين . وسمعت الحديث من خالها أبي البدر الأنصاري ، ومن جدها الشيخ أبي بكر الأنصاري الواسطي . وأخذ عنها أولادها .
بنت المحاملي العالمة الفقيهة المفتية أمة الواحد بنت الحسين بن إسماعيل:
قال عنها الذهبي: تفقهت بأبيها وروت عنه وعن إسماعيل الوراق وعبد الغافر الحمصي وحفظت القرآن والفقه للشافعي وأتقنت الفرائض ومسائل الدور والعربية وغير ذلك واسمها ستيتة قال البرقاني كانت تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة، وقال غيره كانت من أحفظ الناس للفقه، وروى عنها الحسن بن محمد الخلال، ماتت سنة سبع وسبعين وثلاث مئة، وهي والدة القاضي محمد بن أحمد بن القاسم المحاملي.
السيدة الشريفة فاطمة الزهراء ابنة السيد محمد بن أحمد الإدريسي:
تحفظ القرآن الكريم بقراءاته، وتحفظ كثيراً من كتب الفقه والحديث، ولها فوق ذلك صلة وثيقة بالعلوم العصرية، ولم تبارح دار أبيها قط، وتخرجت على أبيها وجدها.
هذه بعض النماذج والوقت يضيق عن استيفائها، وحتى نعرف قدر اعتناء المرأة المسلمة بالقرآن نورد نماذج مما قاله طائفة من القدماء والمحدثين عن اعتناء بعض نساء الأمة بالقرآن.
قال ابن بطوطة في رحلته عن أهل مدينة هنور: وأهل مدينة هنور شافعية المذهب لهم صلاح ودين وجهاد في البحر وقوة وبذلك عرفوا ……ونساء هذه المدينة وجميع هذه البلاد الساحلية لا يلبسن المخيط وإنما يلبسن ثيابا غير مخيطة تحتزم إحداهن بأحد طرفي الثوب وتجعل باقيه على رأسها وصدرها ولهن جمال وعفاف وتجعل إحداهن خرص ذهب في أنفها ومن خصائصهن أنهن جميعا يحفظن القرآن الكريم (ابن بطوطة)
وقال عبدالواحد المراكشي: إنه كان بالربض الشرقي في قرطبة سبعون ومائة امرأة كلهن يكتبن المصاحف بالخط الكوفي.
وقال الأستاذ عبدالله عفيفي:"وأكثر ما عرف به الممتازات من نساء المغرب الأقصى حفظ القرآن الكريم بقراءاته جميعاً ورواية الحديث ودرس الفقه والأصول وما إلى هذه من علوم الدين، ويذكر أهل ذلك الإقليم ثمانين امرأة من نساء المغرب جمعن إلى النفاذ في ذلك كله حفظ مدونة الإمام مالك بن أنس - رضي الله عنه - وهي أكبر المطولات الجامعة في الحديث والفقه"
ونذكر هنا بما قلناه في الحلقة الماضية من أخباراً كثيرة للنساء لم تحفظ ولم ينقلها لنا التاريخ، ومما يؤيد ذلك ما أوردناه من أخبار بعض النسوة، فهذه فاطمة بنت علي بن مظفر كانت تعلم الجواري القرآن الكريم.
وزبيدة كان لها مائة جارية كلهن يحفظن القرآن الكريم.
وأم زينب فاطمة بنت عباس ختمَّت نساءً كثيراً القرآن الكريم.
وعائشة زوجة الحافظ المزي ختمَّت نساءً كثيراً وقرأ عليها من النساء خلق…وغيرهن كثير.
فأين تراجم وأخبار اللاتي حفظن القرآن، وختمنه على هؤلاء النسوة وتعلمن على أيديهن؟ كل ذلك يؤكد ما قلناه أن ما بأيدينا مما حفظه لنا التاريخ لا يمثل إلا النزر اليسير من الواقع.
ومما يجدر التنبيه عليه هاهنا أن نساء المسلمات كن يعتنين بحفظ القرآن وتعلمه، وبمسائل العلم الشرعي مع مراعاة الضوابط الشرعية التي تحكم علاقة الرجل بالمرأة، فلم يكن هناك سفور أو اختلاط، أو خلوة أو سفر للمرأة دون محرم.
فما أجدر نساء المسلمين اليوم بالاعتناء بكتاب الله تعالى وحفظ ما يتيسر منه، فهي تجد من وقت الفراغ ما يكفيها للاعتناء بكتاب الله وحفظه، وقد هيأت الوسائل الحديثة فرصاً أكثر ولكن أين العاملون والمشمرون؟
من كتاب
قارئات حافظات لمحمد خير يوسف.....
المفضلات