لم تشهد أرضٌ على مدار التاريخ تعاقباً للمحتلين و الغزاة مثلما شهدت أرضُ مصر ، و لم تكن دولة منذ القدم مطمعاً لكل محتلِ مثلما كانت مصر .
حكمها الفراعنة قروناً طويلة و احتلها الهكسوس سنواتِ عديدة ثم تلاهم الإغريق فالبطالمة ثم الفرس و من بعدهم الرومان حتى دخلها الإسلام
فاتخذته مصر هويةًً و فكراً و ثقافةً مثلما اتخذته ديناً تدين به .
و رغم هذا لم تنجو مصر من مطامع الطامعين ، بدءاً من الخلافات و الدويلات الإسلامية المتعاقبة وصولاً للفرنسيين و الإنجليز و حتى اليهود الذين
يرون في مصر قلعة الإسلام و العروبة التي بدونها يصبح العرب لقيمة سائغة فيتمكن بنو صهيون من تحقيق حلم دولتهم الزائفة من النيل إلى
الفرات ، أو ربما من الخليج إلى المحيط !
و بالرغم من هذه التركيبة التاريخية النادرة التي مرت بها مصر من تعاقب الدويلات و المحتلين ؛ إلا أنه منذ دخول الإسلام إلى مصر و مساندة أقباطها
لعمرو بن العاص في فتحها ، منذ ذلك الحين اتخذ المصريون العروبةً قوميةً لهم و الإسلام ديناً و هوية ، و لم تمر سنوات حتى أصبحت العروبة بالنسبة
للمصريين لغةً و عاداتِ و تقاليداً لم ينحازوا عنها حتى الآن .. فكانت مصر دوماً كلما حل الظلام هي فنار العربية و العروبة و الإسلام .
و عروبة مصر ممتدة قبل ظهور الحضارة المصرية المؤرخة، حين كانت القبائل السامية في اليمن والحجاز تأتي إلى القرى المصرية للتجارة ، واختلطوا
بالمصريين بصورة كبيرة حتى أن بعضهم استوطن مصر .. ثم تزوج سيدنا إبراهيم الخليل عليه و على نبينا أفضل الصلاة و السلام ؛ تزوج السيدة هاجر
من مصر لتنجب له سيدنا إسماعيل ، ثم يتزوج سيدنا إسماعيل أيضاً من مصر مؤكداً تمازج الدماء العربية المصرية .. و يتزوج حبيبنا محمد صلى الله
عليه و سلم من السيدة مارية القبطية لتنجب له ولده إبراهيم .. و يكفي للدلالة على صلة العرب بالمصريين منذ فجر التاريخ الإسلامي وصية نبينا
محمد صلى الله عليه و سلم : ( إذا فتحتم مصر فاستوصوا بأهلها خيرا ، فإن لهم ذمةً و رحما )
و عندما جاء الفتح الإسلامي إلى مصر إنقاذًا لها من الفكر الروماني الذي حاول الرومان فرضه على المصريين ؛ استقبله مائة و سبعون ألفاً من أهل
مصر بالدفوف معلنين ترحيبهم بالهوية الإسلامية و القومية العربية ، ومن حينها كانت مصر هي الحصن الحصين للذود عن الإسلام و العروبة على مر
التاريخ الإسلامي، و كانت دوماً هي قلب العروبة النابض بآماله و آلامه و أفراحه و مواجعه، وكانت هي الصخرة التي تتحطم عليها أطماع أعداء العروبة
والإسلام من مغولِ وصليبيين وغيرهم .
وعندما ظهرت نزعة الوطنية والقَومية مع بداية القرن العشرين ومع ضعف الخلافة الإسلامية، كانت مصر في مواجهة هذا الخطر وهب رجالاتها ومفكروها
ومثقفوها للدفاع عن القومية العربية والهوية الإسلامية ، والتأكيد على وحدة الأمة ، ولتنطلق معها ثورة التجديد الأدبي وإحياء اللغة ، وليبزغ فجر التنوير
الإسلامي ليعم الأرض كلها مشرقاً من أرض مصر وفكر رجالاتها .. و لتنطلق الدعوات من أرض مصر لتخطي الحدود الجغرافية والتقسيمات السياسية
وتوحيد الأمة في هويتها وأهدافها وآمالها ليعود المسلمون والعرب أمة واحدة كما كانوا وكما أرادها لهم الإسلام .
وما كان لهذا أن يحدث إلا من أرض مصر الذي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في أهلها : ( إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا فذلك
خير أجناد الأرض .. فقالوا : ولم يا رسول الله ؟ .. قال لأنهم وأزواجهم في رباط الى يوم القيامة ).
لكن الاستعمار الغربي و أذنابه الذين لا يعرفون من العروبة إلا اسمها ولا من الإسلام إلا رسمه ، ممن يحسبون على الإسلام والعروبة وهما منهم براء،
هؤلاء يسوءهم هذا الرباط الذي شهد به الحبيب المصطفى ، و يعلمون علم اليقين أن هذا الرباط إنما جعل للذود عن الإسلام والعروبة ، وأن العروبة بلا
مصر مجرد شعارِ لا يساوي قيمة مايكتب به ، فيسعون كل حينِ لإثارة النزعات متوهمين النيل من عروبة مصر وسلبها هويتها وقوميتها وثقافتها .. وغفل
هؤلاء عن أن عروبة مصر هرمٌ لا ينال منه الأقزام ولا يطولون قمته مهما حاولوا .
>>>> من هنا جاء ريادة مصر للوطن العربي بأكمله. فكثيرا ماوضعت مصر موضع القيادة عند البلاء ، ويلقون عليها الآمال. وعند الرخاء لايرون الدور الكبير
الذي قامت به مصر ، وما تكبدته من خسائر في الأرواح والممتلكات الوطنية.
>>>> ومنذ 1956 ومصر في الطليعة عند الحروب والمفاوضات في حال قيام مشاكل تمس دولة عربية، في الوقت الذي غيرها يغمر رأسه في الرمال.
بعض الأخوة هنا ألقى لوما على مصر ببقاء أقباطها فيها !!!! أما يعلم هذا ماسر بقاء أقباط مصر ؟؟
إن كان لايعلم .. فلا أعتقد انه بحاجة لأن يقول ماقال عن حماية مصر لحدودها ، التي هي حق مشروع ، وشئون داخلية لدولة لها سيادتها.
وإن كانت مصر مطالبة بطرد أقباطها .. فعلى كل دولة عربية ان تطرد أقلياتها !!
وعلينا في الوطن العربي الدخول في صراعات وحروب داخلية.
أهذا ماتريده أخي الفاضل ؟؟ هداكم الله.
ومن العجيب في عصرنا الحاضر ؛ أن نجد من يحاول إثارة التفرقة و تفتيت وحدة الأمة وفك رباطها بإثارة مثل هذه النزعات لأغراضِ خبيثة ،،
ربما الكثير منا يعلم ماهيتها ،،، وما ترمي اليه. فقد نجح اليهود في السيادة على بلاد الرافدين عن طريق استخدام عرب بتهيئة الطريق
وفرشه لهم. ولكن لن ينجحوا باستخدام البعض الآخر ومحاولة النيل من بلاد أرض العجائب بعرقلة تأمين حدودها ...
.. فياليت من يثيرون هذه الفتن أن يتقوا الله في أمتهم .
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ لمصر عزتها وجميع بلاد المسلمين من كل سوء.
المفضلات